*- الشق المالي :
يعد هذا البرنامج إطارا للتعاون متعدد الأطراف ، يضم مجموعة كبيرة من الدول ، وبالتالي يتطلب التزامات مالية معتبرة . لذلك ، كرست الولايات المتحدة الأمريكية 500 مليون دولار ، لإنفاقها على هذا البرنامج ، مابين 2005 و 2010 ، بِمُعدَّل 100 مليون دولار في السنة . ومع أن جزءا كبيرا من هذه الميزانية أُنفِق على تكوين ، وتدريب جيوش الدول المعنية بهذه المبادرة على آليات مكافحة الإرهاب ، إلا أن قطاعات مثل الصحة ، التربية ، التنمية الاقتصادية والاجتماعية أخذت ما يقارب 40% من ميزانية هذه المبادرة .
ج/ القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا Commandement Afrique - AFRICOM – :
حاليا ، تتواجد الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا في العالم على مستوى خمس قيادات ، وتقع القارة الإفريقية من هذا الانتشار العسكري الأمريكي في العالم على مستوى ثلاث قيادات إقليمية ، هي " القيادة المركزية CENTCOM - - " " قيادة الباسفيك - PACOM - " " القيادة الأوروبية -EUCOM - " . ومن أجل هيكلة تواجدها ضد التحدي الإرهابي في القارة الإفريقية قرر الرئيس الأمريكي " ج.و.بوش " في فيفري 2007 إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا، تحت اسم " القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا - AFRICOM - " وهي اختصار لـ : " Commandement Afrique " ، واقترح الرئيس الأمريكي " ج.و.بوش " ليبيريا " لاستضافة مقر هذه القيادة . لكن ، اعتراض بعض الاستراتيجيين في البنتاغون ، ورفض العديد من الدول الإفريقية استضافة مقر هذه القيادة ، جعلها تمارس نشاطها من " شتوتغارت " " Stuttgart " بألمانيا .
وحسب تصريحات الرسميين الأمريكيين ، فإن هذه القيادة العسكرية الجديدة لإفريقيا تسعى ، أساسا ، إلى خلق إطار مؤسساتي يستوعب السياسات الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية في القارة الإفريقية ، ويدعم التدخلات الإنسانية ، النشاطات المدنية ، الأمن في السواحل ، التدخل في حالة الكوارث الطبيعية ، وتسعى لتدعيم التعاون الثنائي ، الإقليمي ، ومتعدد الأطراف .
على المستوى الإفريقي ، رفضت أغلب الدول الإفريقية الانضواء تحت مضلة أمنية أمريكية . وعلى هذا الأساس ، رفضت استضافة مقر القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا . ففي أوت 2007 ، صرح " موسيوا لكوثا " " Mosiuoa Lekota " ، وزير الدفاع لجنوب أفريقيا أن " الدول الإفريقية تعارض إقامة قيادة عسكرية أمريكية على أراضي القارة الإفريقية ، وهذا القرار ليس قرارا أحاديا بل هو قرار الاتحاد الإفريقي " . كما كان رد الجزائر على طلب الولايات المتحدة الأمريكية لاستضافة هذه القاعدة في صحرائها في نفس السياق ، حيث صرح وزير الخارجية السيد " محمد بجاوي " ، في 3 مارس 2007 ، قائلا : " أن الجزائر ترفض إقامة قاعدة أجنبية على أراضيها ، لأن ذلك يتعارض مع سيادتها واستقلالها " .
رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم عدم الاستقرار في إفريقيا ، وانتشار الجريمة والعنف ، وتوجه الحركات الإرهابية نحو تكثيف نشاطاتها في إفريقيا ، كدواعي لقيام هذه القيادة ، إلا أن معظم الدراسات ترجع أسباب تفكير الإدارة الأمريكية في إقامة هذه القيادة إلى ثلاث تحولات إستراتيجية ، هي :
1- تكتل الشبكات الإرهابية النشطة في المغرب العربي والساحل ، وتغيير استراتيجياتها من النشاط المحلي إلى النشاط الإقليمي ، وإعلان ولائها لتنظيم القاعدة تحت اسم " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " . هذا التكتل الذي وضع مهاجمة المصالح الغربية في المنطقة هدفا أساسيا له ، وهو ما أدى بالولايات المتحدة إلى إدراك المنطقة الممتدة بين المغرب العربي ومنطقة الصحراء الكبرى ، على أنها منطقة ذات تهديدات أمنية حادة على القارة الإفريقية والمصالح الأمريكية فيها ، خاصة وان أغلب دول المنطقة تقع ضمن ما يسمى بـ : " الدول الفاشلة " .
2- لا يخفي الأمريكيون ، أن هذه القيادة جاءت كنتيجة لتخوفهم على المصالح الاقتصادية الأمريكية في القارة الإفريقية وخاصة منها المصالح النفطية . فالقارة الإفريقية كانت في المرتبة الأولى لممولي الولايات المتحدة الأمريكية بالنفط ، سنة 2006 بنسبة 20% . وبناءا على هذه الأهمية الطاقوية لإفريقيا ، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بكل الوسائل - بما فيها العسكرية - إلى تأمين هذه المصادر الطاقوية ، وعمليات التنقيب على النفط والمعادن الثمينة في إفريقيا ، التي تتواجد فيها أكثر من 60 شركة تنشط في مجال استخراج النفط والغاز وتتوزع بين : الجزائر ، موريتانيا ، مالي ، النيجر ، التشاد والسودان ، بالإضافة إلى العديد من التقارير التي تقول بأن الإنتاج اليومي للنفط ، في خليج غينيا سيكون في المستقبل القريب أكبر منه في الخليج العربي ، بسب تنامي التيارات الإسلامية الراديكالية المعادية للمصالح الأمريكية في المنطقة .
3- القلق الأمريكي من انتشار بعض القوى العالمية كالصين ، وروسيا ، والهند ، نحو القارة الإفريقية . وهو ما يضع المصالح الأمريكية في المنطقة موضع تنافس مع هذه القوى . فبعد أن كانت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية طرفين أساسين في التنافس على ثروات القارة الإفريقية ، دخلت الصين في السنوات الأخيرة كلاعب منافس ، من خلال انتهاجها إستراتيجية جديدة في علاقاتها الدولية تسمى " لا عدو " " No Enemy " ، والتي قدمت بموجبها مساعدات مالية واقتصادية هامة ، وغير مشروطة ، للعديد من الدول الإفريقية ، بالإضافة إلى أنها ثاني مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية في العالم .
خاتمة :
من خلال ما سبق نخلص إلى نقطتين أساسيتين هما :
1- على الرغم من إن إدارة الرئيس الأمريكي " جورج بوش الابن " ، سعت جاهدة إلى تقديم الساحل الإفريقي ، على أنه جبهة جديدة في الحرب الدولية على الإرهاب ، جراء تنامي الإسلام السياسي المتطرف في المنطقة ، وقوة التهديد الإرهابي العابر للحدود ، الذي يرتبط بشكل وثيق مع التيارات الإسلامية المتطرفة ، إلا أن العامل الأكثر قدرة على تحديد السياسة الخارجية الأمريكية في الساحل الإفريقي ، هو رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تأمين مصالحها الحيوية في القارة الإفريقية عموما ، والساحل الإفريقي ، على وجه الخصوص ، وبالأخص منها المصالح الطاقوية . هذه المصالح التي جندت لها الولايات المتحدة الأمريكية كل جهودها ، بما فيها العسكرية .
2- رغم مصداقية التبريرات التي قدمتها إدارة الرئيس " ج.و.بوش " ، من أجل التحرك بكل الوسائل المتاحة لتأمين المصالح الأمريكية في المنطقة من التهديدات الداخلية ، وتهديدات الإرهاب الدولي في منطقة الساحل الإفريقي ، أو التنافس العالمي بين الدول على اكتساب النفوذ في المناطق ذات الأهمية الاقتصادية ، إلا أن مصير هذا الاهتمام والانتشار الأمريكي في الساحل الإفريقي ، يبقى مجهولا مع مجي إدارة الرئيس " أوباما " " Obama " ، التي تعطي الأولوية للمسائل الاقتصادية على المسائل العسكرية ، حيث يقول الرئيس " أوباما " ، في أحد تعليقاته على إستراتيجية بوش العسكرية في الساحل الإفريقي : " تحتاج إفريقيا إلى شراكة اقتصادية وليس إلى تجربة استعمارية جديدة " . إضافة إلى وجود تقارير ودراسات تحذر من عسكرة إفريقيا ، التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية تماما ، وأنها قد تؤدي إلى تعميق النزاعات في القارة ، بدل حلها ، جراء الاختلاف الموجود بين الدول الإفريقية على مستويات الدين ، الثقافة ، المصالح .
قائمة المراجع :
І- باللغة العربية :
І-1- الكتب :
1- صموئيل هنتنغتون ، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي . تر : مالك عبيدة أبو شهيوة ، و محمود محمد خلف ، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى ، 1999 .
І-2- المقالات في المجلات :
1- برقوق أمحند ، " الساحل الإفريقي بين التهديدات الداخلية والحسابات الخارجية " ، العالم الاستراتيجي . ع . 1 ، مركز الشعب للدراسات الإستراتيجية ، الجزائر ، جانفي 2008 .
2- هونت إيملي ، الإرهاب الإسلامي في شمال غرب إفريقيا : هل هو شوكة في عنق الولايات المتحدة الأمريكية " ، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية . 2007 .
3- مايكل هدسون ، " مآزق امبريالية : إدارة المناطق الجامحة " ، المستقبل العربي . ع . 284 ، 2002 .
4- سميح فرسون ، " جذور الحملة الأمريكية لمناهضة الإرهاب " ، المستقل العربي . ع . 284 ، 2002 .
І-3- التقارير :
1- " الحرب على الإرهاب والفهم الأمريكي للإسلام " ، المستقبل العربي . ع . 310 ، 2004 .
ІІ- باللغات الأجنبية :
-1- Ouvrages : ІІ
1- Benantar Abdennour , les Etats - Unis et le Maghreb : Regain D'Intérêt . Centre de Recherche en Economie Appliquée pour le Développement (C.R.E.A.D) , Alger , Algérie , 2007 .
2- Zoubir H .Yahia , North Africa : Politics , Region , and the Limits of Transformation . Routledge ( Taylor and Francis Group ) , New York , 2008 .
ІІ-2- Articles dans les Revues :
1- Andre Le Sage , " Africa’s Irregular Security Threats : Challenges for U.S. Engagement " , Strategic Forum . No . 255 , Institute for National Strategic Studies , National Defense University , united stats , May 2010 .
2- Archer Toby , Tihomir Popovic , " The Trance-Saharan Counter Terrorism Initiative : The US War on Terrorism in North Africa " , The Finnish Institute of International Affairs .
FIIA Report , 2007 .
3- Djibril Diop , " L'Afrique dans le Nouveaux Dispositif Sécuritaire des Etats-Unis : de la Lutte Contre le Terrorisme À l'Exploitation des Opportunités Commerciales , les Nouveaux Paradigmes de l'Interventionnisme Américain " , CERIUM . Université de Montréal , Québec , Canada , 2007 .
4- Gilbert L . Taguem Fah , " Dealing with Africom : The Political Economy of Anger and Protest " , The Journal of Pan African Studies . Vol . 3 , No . 6 , March 2010 .
5- Jeremy H . Keenan , " Security & Insecurity in North Africa " , Review of African Political Economy . No . 108 . 2006 .
6- Jeremy Keenan , " The Banana Theory of Terrorism : Alternative Truths and the Collapse of the ‘Second’ (Saharan) Front in the War on Terror " , Journal of Contemporary African Studies . Vol . 25 , No . 1 , Routledge (Taylor Francis group) , January 2007 .
7- Jeremy Keenan , " Political Destabilization in the Sahel " Review of African Political Economy . Vol . 31 . No . 102 , December 2004 .
8- Liann Kenndy-Boudali , " Examining U.S Counterterrorism Priorities and Strategy Across Africa's Sahel Region " , RAND Corporation . November 2009 .
9- Mathieu Guidère , " La Tentation Internationale d'AL-Qaïda Au Maghreb " , Focus Stratégique . No.12 , IFRI , Décembre 2008 .
10- Pierre Hassner , " Le Rôle des Idées dans les Relations Internationales " , Politique Etrangère . Vol . 3 No . 4 , 2000 .
11- René Lemarchand , " Ou Va le Tchad " , Afrique Contemporaine . 2005 .
12- Rafael Ramos , " Etats-Unis / Afrique : Washington Accorde une Importance Stratégique au Continent Noir en Créant un Commandement Interarmes pour l'Afrique " , European Strategic Intelligence and Security Center . 2007 .
13- Yahia H . Zoubir , and Louisa Dris - Ait Hamadouch , " The United States and the Maghreb : Islamism , Democratization , and Strategic Interests " , The Maghreb Review . Vol . 31 , No . 3 , 2006 .
14- Yahia H . Zoubir " La Politique Etranger Américaine au Maghreb : Constances et Adaptation " , Journal d'Etude des Relations Internationales au Moyen-Orient . Vol . 1 , No. 1 , Juillet 2006 .
15- Yonah Alexander , " Maghreb & Sahel Terroeism : Addressing the Rising Threat From Al-Qaeda & Other Terrorism in North Africa & West / Central Africa " International Center for Terrorism Studies . At : The Potomac Istitute for Policy Studies , January 2010 .
16- Zheng Roulin , " La Chine et Sa Nouvelle Stratégie Globale " , Revue Internationale et Stratégique . No . 67 , 2007 .
ІІ-3- Rapports :
1- International Crisis Group , " Islamist Terrorism in the Sahel : Fact or Fiction ? " , Africa Report m No . 92 , March 2005