الدراسات الأمنية Security Studies
ميدان فرعي للعلاقات الدولية يهتم بإيضاح مفهوم الأمن وتطبيقه في صنع السياسة الخارجية وأثره على البُنى والعمليات في السياسة العالمية. في فترة الحرب الباردة كانت الدراسات الأمنية تُعرَّف تعريفاً ضيّقاً من منطلق مجالات قضايا الأمن العسكري. فكانت موغلة في التوجّه نحو السياسة, وكانت تتداخل إلى حد كبير مع الدراسات الاستراتيجية. وقد غيّر نظام ما بعد الحرب الباردة كل هذه الافتراضات ووَسَّعت البنية أجندة الدراسات الأمنية لتتجاوز ما كان من شأن التقليديين أن يسموه "السياسة العليا" لتشمل ما يسمى "السياسة الأدنى" للاقتصاد والبيئة. وقد فقد هذا التمييز مبرره في الواقع لأنه يمكن تعريف قضية الأمن الاقتصادي أو البيئي من منطلقات تتطابق مع معظم الأفكار المنطقية للسياسة العليا. والنتيجة هي أن الدراسات الأمنية تعد واحدة من أكثر مجالات دراسات العلاقات الدولية بهجة في الوقت الراهن. وهي من حيث الشكل والموضوع في طريقها لأن تصبح مشابهة للاقتصاد السياسي الدولي بمعنى أنها شديدة الاصطفائية ولا تظهر سوى القليل من العلامات بأنها وصلت إلى توافق بشأن مبادئها أو ايديولوجيتها العملية. ومع أن البحاثة الواقعيين والواقعيين الجدد قد سيطروا على الميدان في الماضي، فإن انفتاح الأجندات الاقتصادية/ البيئية الجديدة ينطوي على تحد لهذه السيطرة. ويؤكد بشكل خاص نمو الدراسات الأمنية النقدية (Cambell 1992) وفكرة الأمن المشترك وجود مختلف المنظورات تحت مظلة الدراسات الأمنية. وقد قام ديفيد بولدوين (David Baldwin) (1995) في مقال قريب العهد بطرح مبدئي لفكرة "إعادة دمج" الدراسات الأمنية في الاتجاه السائد للعلاقات الدولية. ومن غير المحتمل حدوث ذلك لمجرد أن الكثير جداً من المفكرين سوف يتأثرون في حال انقضاء هذا الميدان الفرعي.
الدراسات الاستراتيجية Strategic studies
هي ذلك الفرع من ميدان البحث المهتم بدراسة الطرق التي يستخدم فيها الأطراف الفاعلون قدرتهم العسكرية لتحقيق أهداف سياسية، ولا سيما الطريقة التي خدم فيها التهديد باستخدام القوة واستخدامها الفعلي لتحقيق هذه الأغراض. ويشار إليها أحياناً بوصفها تقليد كلوزويتس (Clauswitzian tradition)، وهو استراتيجي بروسيا في القرن التاسع عشر الذي فعل الكثير من أجل تعزيز التعاضد بين الحرب وسياسة الدولة. لذا إذا أخذنا بعين الاعتبار الأصل التاريخي للدراسات الاستراتيجية فيجب اعتبار الدراسات الاستراتيجية منظوراً متمحوراً حول الدولة. وقد كان هذا الوصف مقبولاً تماماً حتى عهد قريب. لكن الدراسات الأقرب عهداً لحرب العصابات واندماجها بالتمرد الثوري أظهرت كيف أن النشاط الأساسي لفاعل مختلط يمكنه مع ذلك أن يتطابق مع أساسيات نهج كلوزويتس كافة.
لقد كانت الدراسات الاستراتيجية تهتم بالدرجة الأولى بالقوة العسكرية بوصفها الصفة المميزة الرئيسية التي يجب تحويلها إلى أدوات قابلة للاستخدام. ونتيجة ذلك فإن هذا الفرع من فروع البحث هو بشكل عام جزء من النموذج الواقعي. والقيم ذات الصلة بالمذهب الواقعي هي القيم ذاتها التي من المفهوم أنها تعمل مع الاستراتيجية. إن الحرب نتيجة حتمية جراء سعي الفاعلين وراء أهداف حصرية ومتعارضة في نظام يفتقر إلى هياكل سلطة عليا ويمكن بناء على ذلك تسميته بالفوضى. وبالنظر للخلفية الواقعية للدراسات الاستراتيجية فإن لها نزعة تقليدية أو "كلاسيكية" قوية، لا سيما خارج الولايات المتحدة. لذلك فإن نمو نهج العلوم الاجتماعية قام بغارات في العلاقات الدولية أقل من الغارات على غيرها.
لقد كانت الدراسات الاستراتيجية في حقيقتها، دائماً "علم سياسة". ونتيجة ذلك فإن فترة الحرب الباردة قد أثرت تأثيراً عميقاً في هذا الفرع من فروع المعرفة. وبالرجوع إلى أحداث الماضي فإن مؤرخي الأفكار سيرون سنوات الحرب الباردة بشكل جلي لا لبس فيه على أنها "العصر الذهبي" للتفكير الاستراتيجي الذي كثيراً ما كان يدور على الألسنة. إن إدخال الأسلحة النووية إلى السياسة العالمية بعد 1945 قد أوجد فجوة فكرية ملأها المفكرون الأكاديميون الذين استجابوا بأفكارهم لإمكانات الردع والحرب الطارئة. وابتداء بمبدأ غورباتشوف لقد ثبت الإدراك الآن أن الصفة المميزة الأساسية لـ "علم سياسة" جديد يجب أن تتمثل بمفهوم الأمن. ونتيجة ذلك يجري الآن تحول سحري إلى الدراسات الأمنية. وستبقى الدراسات الاستراتيجية "الدراسات الحربية" حسب التصور التقليدي في هذا العالم الجديد الشجاع. ومن المعقول أن يؤدي إدخال فكرة الدراسات الأمنية إلى توسعة نطاق الميدان والمشاركين، وربما بما يتجاوز الأصول الواقعية المتمحورة حول الدولة المشار إليها آنفاً.
المُجمَّع الأمني Security complex
مصطلح استخدمه بوزان Buzan (1991) لتسهيل التحليل الأمني الذي يقابل إقليماً معيناً. إن الجغرافيا والتاريخ يعنيان أن أكثرية الدول تدير علاقاتها الأمنية في سياق إقليمي وليس في سياق عالمي؛ فالتجاور والاعتياد يولدان الخوف في هذا الصدد. فقائمة المودة/ العداوة تعد إحدى الدلالات على مُجمَّع أمني، في حين أن علاقات القوة تعد دلالة أخرى. فبوزان يعتبر أن المجمَّع الأمني هو "مجموعة من الدول ترتبط اهتماماتها الأمنية الأساسية بشكل وثيق لدرجة أن أمنها الوطني لا يمكن بحثه بشكل واقعي في معزل بعضها عن بعض" (صفحة 190).
يدرك مفهوم المجمّع الأمني حقائق الحياة أنه من حيث صنع السياسة. فإن أغلبية الدول تحدد علاقاتها الأمنية من منطلقات إقليمية وليس عالمية وأنه عندما تواجه قضايا عالمية فإنها تميل إلى رؤية تلك العلاقات تتحدد بالسياق الإقليمي. وفي الواقع فإن الإقليم يسيطر على منظور الأمن. وقد يكون دور الأطراف الفاعلة الخارجية والقوى العظمى في دينامية المُجمَّع الأمني حاسماً. ففي أوروبا تجلى أثر الحرب العالمية الثانية في إنتاج ما سمّاه بوزان مجمعاً أمنياً "ذا مستوى أعلى" مع ظهور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي بوصفهما زعيمي كتلتين. ومن غير العجيب أن تؤدي عمليات انتقال الصفائح التكتونية لمجمّع الأمن الأوروبي بنهاية الحرب الباردة وانقضاء الشيوعية إلى توعية الدبلوماسيين والبحاثة باحتمال أن تقتضي هذه التغييرات تعريفاً جديداً للمُجمّع. ومن شأن خفض ما سيسميه بوزان "الغِشاء" أن يسمح للاعتبارات الأمنية بأن تطفو على السطح كما بينت حركة توسع الناتو في أوروبا الوسطى والشرقية.
إن فكرة المُجمّع الأمني هي من حيث الأساس دعوة لاعتبار أن المستوى الإقليمي للتحليل يعمل من منطلق القضايا الأمنية. وهو من جوانب عدة محاولة لإثارة الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات كما أنه يحفل بالصعوبات حين يراد تطبيقه تجريبياً (empirically). ويشهد الجهد الذي بذله بوزان لوصف حدود مجمّعات الأمن القائمة على هذه الأسئلة.
الجماعة الأمنية Security community
يعود تطوير هذا المفهوم إلى كارل دويتش (Karl Deutsch) في خمسينيات القرن العشرين بعد قيامه بدراسة تجريبية (empirical) مستفيضة لمنطقة شمال الأطلسي. فقد ادعى دويتش (Rosenau, 1961) أن فكرة الجماعة الأمنية – وكان توجد نسختان منها – هي شكل من أشكال التعاون الدولي يمكن له، في بعض الظروف، أن يؤدي إلى الاندماج (التكامل). وقد جادل دويتش بأن الجماعة الأمنية تتشكل بين أطراف فاعلة مشاركة حين يكون لشعوبها ولا سيما نخبها السياسية توقعات للسلام فيما بينهم في الحاضر من أجل المستقبل. فيرى دويتش أن المملكة المتحدة وآير، النروج والسويد، الولايات المتحدة وكندا، جميعها حالات من الجماعات الأمنية. فالفكرة التي مفادها "جماعة اللاحرب" من شأنها أن تنتقل لتصبح عدم وجود إعدادات منظمة هامة للحرب أو العنف على نطاق واسع. وقد جادل دويتش بأن الأدلة التجريبية (empirical) عن انعدام هذا الإعداد من شأنه أن يثبت فكرة "اللاحرب". وقد تلازمت الفكرة القائلة إن الجماعة الأمنية تتميز بهذه الطريقة بأنه عند حدوث صراعات بالفعل بين المشاركين فعندها تُبذل محاولات لإدارة الصراع وحل الصراع.
يميز دويتش في الواقع بين نوعين من الجماعة الأمنية: بين التعددية والمندمجة. والفرق بينهما هو وجود – أو غياب – المؤسسات. ففي النسخة المندمجة يقوم الأعضاء المكوِّنون بالفعل بإيجاد جماعة سياسية فيما بينهم من خلال بناء المؤسسات. ويرى دويتش (1968) أن "أي دولة أمة مندمجة (متكاملة) على نحو جيد هي مثال لـ "جماعة أمنية مندمجة (متكاملة)", لذا فإن الأمثلة المذكورة آنفاً هي أمثلة على جماعات أمنية تعددية. وهي أسهل إنشاء واستدامة، وتحتاج إلى شروط مسبقة ثلاثة: تواؤم القيم، تجاوب بعضها مع احتياجات بعض وإمكان النخب السياسية التنبؤ بأهداف السياسة.
إن الحجة القائلة إن عدداً من الدول تقوم الآن بإدارة علاقاتها وفق مبدأ "اللاحرب" نظرة متبصرة هامة. فإذا ثبتت فإن من شأنها أن توحي بالتأكيد بأنه يجب التخلي عن فكرة التمحور حول الدولة، في تلك الحالات على الأقل، والتي مفادها أن الحرب هي الحَكَم النهائي بين الدول. كما تقود إلى الاستنتاج بأن المفاهيم التقليدية عن السياسة العليا لا تمثل الخصائص المحددة لهذه العلاقات.
وبهذا المعنى فإن عمل دويتش يمثل ابتعاداً هاماً عن المنظورات السابقة للسياسة الكلية. ويشير، مع أكاديميين آخرين، إلى زيادة التأكيد في التعليم والبحث على وجهة نظر تحبذ الترابط المعقد بصفته خاصية متنامية للدراسة.