الدولة العثمانية في المشرق و أوروبا
جزء 2
أ.د. ناصر الدين سعيدوني
-1المسألة الشرقية 4
اكتست العلاقات العثمانية الأوربية منذ أواخر القرن الثامن عشر طابع التأزم نتيجة لضعف العثمانيين اقتصاديا و عجزهم عسكريا على مواجهة الدول الأوربية، ففي الوقت الذي حققت فيه أوربا تراكما وفيرا في رأس المال وفي تسيير الاقتصاد سمح لها بإدماج الدولة العثمانية في الدورة الاقتصادية الأوربية، كان العثمانيون يعانون من نشاط الانكشارية و من اضطراب أمور الإدارة و تحول الجماعات المتنفذة من خدمة الدولة إلى تحقيق مصالحها الخاصة، هذا في الوقت الذي كانت فيه أقاليم الدولة العثمانية تعرف تراجعا ديمغرافيا و جمودا اقتصاديا زاد من خطورته تحكم الجماعات اليونانية و الأرمنية و الأقليات الأوربية في مقاليد هذا الاقتصاد و مساعدتهم على ربط الدولة العثمانية بنظام الاقتصاد الرأسمالي الأوربي المركنتيلي، الأمر الذي أدى إلى القضاء على توازن الاقتصاد المحلي و حول الامتيازات الأوربية إلى مكاسب ثابتة و جعل مقدرات الدولة العثمانية في يد الدوائر المالية الأوربية.
ترتب عن هذا الواقع تغير في موقف الأوربيين و تحول في سياساتهم إزاء الباب العالي و بين بعضهم البعض، و هذا ما اصطلح على تسميته "بالمسألة الشرقية"، و أصبح هذا الاصطلاح متداولا في اجتماعات الساسة الأوربيين منذ مؤتمر فيرونا
(1822 م) و يعبر عن الواقع السياسي الذي نتج عن ضعف الدولة العثمانية و تكالب الدول الأوربية على اقتطاع أجزاء منها و فرض نفوذها عليها و بسط حمايتها على طوائف من رعاياها. على أن رغبة الأوربيين في طرد الأتراك من قارتهم و تصفية الدولة العثمانية لم تحل دون تباين مواقفهم من تحديد الوقت الملائم و الكيفية التي يتم بها ذلك، و هذا ما جعل المسألة الشرقية قضية سياسية محورية تحدد سياسات الدول الأوربية و تقرر مصير الدولة العثمانية.
فقد تميزت سياسة كل من النمسا و روسيا في إطار المسألة الشرقية بالتوسع العسكري على حساب ممتلكات الدولة العثمانية بالبلقان و مناطق البحر المتوسط و القوقاز، فتحول آل هابسبورغ من القيام بدور الخط الدفاعي عن أوربا ضد الخطر التركي الذي هدد عاصمتهم فيينا مرتين (1529 م و 1683 م)، إلى قوة ضاغطة لإبعاد التهديد العثماني عن المجر و إضعافه في أقاليم البوسنة والهرسك و الصرب عن طريق شن الحروب و عقد المعاهدات، و هذا ما مكن النمساويين من اقتطاع إقليم البوسنة و الهرسك من الدولة العثمانية. بعدها غلب على موقف النمسا من الدولة العثمانية المصالح الاقتصادية و أثرت فيه متطلبات المؤتمرات الدولية، فحاول حكام فيينا جاهدين إبعاد التحرشات الروسية بالبلقان عن منطقتين كانوا يعتبرونهما حيويتين بالنسبة لهم، و هما مصاب نهر الدانوب على البحر الأسود حيث تنتهي خطوط الملاحة النهرية لوسط أوربا، و ميناء سالونيك المنفذ البحري الرئيسي لمنتجات النمسا نحو الشرق.
أما روسيا فقد تحولت نتيجة السياسة التوسعية لبطرس الأكبر (1682-1725 م) ثم كاترين الثانية (1762-1796 م) إلى عدو تاريخي للعثمانيين منذ القرن السابع عشر، فاعتبر القياصرة الروس أنفسهم ورثة شرعيين للدولة البيزنطية و مخولين باسترجاع القسطنطينية مقر الكنيسة الأرثوذكسية من الأتراك ومؤهلين للدفاع عن حقوق الأرثوذكس من رعايا الدولة العثمانية.
تحول هذا الموقف الروسي من الدولة العثمانية، و الذي يقوم على خلفية تاريخية، إلى استراتيجية بعيدة المدى التزم بها قياصرة سان بترسبورغ، و تحولت إلى مشروع يمكن تحقيقه بفعل المكاسب التي حققتها الجيوش الروسية في الحروب الثلاث مع الدولة العثمانية. فقد تمكن الروس من الاستيلاء على مناطق القوقاز و كوبان وشبه جزيرة القرم، و حصلوا على حق إبحار سفنهم عبر المضايق، و خول لهم حق الحماية الروحية لأرثوذكس الدولة العثمانية، إثر الحرب الأولى (1768-1774 م) بفعل معاهدة كوتشوك كينارجي (22 جويلية 1774 م)، و في الحرب الثانية (1788-1792 م) التي انتهت بمعاهدة ياسي (Jassy) بسطت روسيا سيادتها على سواحل البحر الأسود و تخلى لها العثمانيون عن حقوقهم التاريخية بشبه جزيرة القرم و سمحوا بتأسيس كنيسة روسية في القسطنطينية، الأمر الذي اعتبره الروس فيما بعد بمثابة التسليم بمطالبهم في حماية الرعايا الأرثوذكس في الدولة العثمانية، أما الحرب الثالثة (1827-1829 م) التي وضعت حدا لها معاهدة أدرنه (14 سبتمبر 1829 م)، فقد أحرزت فيها كاترين الثانية على حق الملاحة لسفنها الحربية عبر المضايق و أصبحت لها حقوق تاريخية معترف بها في مصاب الدانوب و دواخل إقليم القوقاز و بلاد اليونان. و لم تعد روسيا، العدو التاريخي للدولة العثمانية، حريصة على التقيد بمبادئ المؤتمرات الأوربية (1815-1820 م) القائمة على احترام الشرعية الدولية و الداعية إلى المحافظة على حقوق الممالك و الدول في بسط سياساتها على رعاياها، ما دامت هذه المقررات في نظر قياصرة روسيا تحد من أطماعهم التوسعية في الدولة العثمانية، و تتعارض و سياستهم المناصرة للمطالب القومية للشعوب البلقانية التي تشترك مع روسيا في الجامعة السلافية.
و قد عمل الروس على تنسيق سياساتهم و تحقيق المكاسب على حساب الدولة العثمانية حسب ظروف التوازن الأوربي، فعقد قيصر روسيا مع نابليون بونابرت معاهدة تلسيت (Tilsit) (1807 م)، و دخل طرفا مؤثرا في سياسة الوفاق الأوربي و عضوا فاعلا في الحلف المقدس (1814م). هذا في الوقت الذي كان فيه الساسة الروس يشجعون الميول القومية للعناصر السلافية بالبلقان ويحاولون الترويج لها تحت غطاء الجامعة السلافية الذي يتماشى مع مخططاتهم، فأصبحوا طرفا مؤثرا في ثورة الصرب على الدولة العثمانية بقيادة جورج قارة (1804-1815 م)، و في الحرب التي كان يشنها اليونانيون من أجل الحصول على الاستقلال عن العثمانيين و التي بدأت بحركة عصيان محلية (1812 م) لتصبح ثورة عامة وجدت كل العون و المساعدة من الدول و الشعوب الأوربية في فترة لاحقة (1821-1827 م).
و لقد اكسبت التنظيمات السرية اليونانية و في مقدمتها جمعية هيتيريا (تأسست سنة 1812م) و اتحاد أصدقاء اليونان (1814م) التي جمعت الأنصار و استطاعت تكوين عصابات مناهضة للحكم العثماني، و قد وجدت في تمرد علي باشا حاكم يانينيا (Janina) (1820م) على الدولة العثمانية فرصة ملائمة للقيام بالثورة، فأعلن القديس باتراس رفضه سلطة الباب العالي (25 مارس 1821 م) و اكتسح الثوار اليونانيون شبه جزيرة المورة و أعلنوا استقلال بلاد اليونان بمدرج إبيدور (Epidaure) (جانفي 1822 م)، فاضطر السلطان إلى الاستعانة بقوات محمد علي والي مصر و إلى طلب إمدادات بحرية من إيالات شمال إفريقيا، فحققت القوات المصرية و العثمانية نجاحات كادت أن تخمد التمرد لولا تدخل الأوربيين و تقديمهم العون و المساندة للثورة وإلحاقهم الهزيمة في نافارين بالقوات المصرية العثمانية في 20 أكتوبر 1827 م، و هكذا حقق اليونانيون استقلالهم بعد تحطيم الأسطولين العثماني و المصري.
أما سياسة إنكلترا و فرنسا إزاء الدولة العثمانية في إطار ما عرف بالمسألة الشرقية فإنه لم يكن يعتمد على الضغط العسكري المباشر و إنما كان يقوم على سياسة فرض المعاهدات و التوسع في الامتيازات و تحقيق مكاسب اقتصادية خاصة ما يتصل منها بمجال المبادلات التجارية، و قد كان الإنكليز و الفرنسيون متأثرين في ذلك بالتقاليد العريقة. ففرنسا التي ظلت تتحكم فيها تقاليد سياسية عريقة تستند إلى وضع مميز في الدولة العثمانية نتج عن امتيازات خاصة بها تعود إلى تعاون فرانسوا الأول و سليمان القانوني ضد عدوهما المشترك شارلكان (1535 م)، و التي تحولت مع الزمن إلى مشروع طموح بفعل خطط نابليون بونابرت و سياسته المتعاطفة مع محمد علي و موقفه المؤيد لشعوب البلقان و المعادي للإيالات العثمانية بشمال إفريقيا، و قد ناصرت هذه السياسة أغلبية الرأي العام الفرنسي وفاء للتراث الحضاري الإغريقي القديم و نظرا لموقف الأدباء و الشعراء المناصرين لثورة اليونان أمثال شاتوبريان و الشاعر فكتور هوجو و الرسام دولاكروا و الجنرال فيفر و غيرهم. أما إنكلترا فقد استفادت من توسيع العثمانيين للامتيازات التي منحوها لفرنسا، فحازوا على ما يماثل هذه الامتيازات لشركة الليفانت الإنكليزية على عهد الملكة إليزابيث الأولى سنة 1580 م، ثم وسعوها سنة 1612 م إلى الهولنديين الذين استقلوا حديثا عن الحكم الاسباني، ثم تحولت إنكلترا من سياستها القائمة على الامتيازات إلى وضع الدولة المتميزة في التعامل مع الباب العالي و المهادنة للدولة العثمانية مع مجاراة موقف الدول الأوربية الأخرى فيما يتعلق بمطالب الشعوب، و هذا ما تؤكده مشاركة إنكلترا الفعالة في معركة نافارين (1827 م) و في مؤتمر برلين (1878 م).
لقد أدى ضعف الدولة العثمانية و تزايد النفوذ الخارجي إلى تحول الامتيازات التقليدية الممنوحة للدول الأوربية من مفهوم الصداقة و التعاون إلى نوع من الحقوق التاريخية المكتسبة التي لا يمكن التنازل عنها. و أدت تداعيات الأوضاع في البلقان و توسع روسيا على حساب الدولة العثمانية بالفرنسيين و الإنكليز إلى تغيير أسلوب سياستهم مع الدولة العثمانية، و العمل على الحصول على المزيد من المكاسب، و استغلال كل فرصة تتاح لهم في إطار العمل السياسي و حتى الحربي للحد من توسع النمسا في البلقان و الوقوف في وجه الأطماع الروسية في الدولة العثمانية.
و لقد كانت معركة نافارين امتحانا للدول الأوربية ذات المصالح الحيوية في الدولة العثمانية (روسيا، فرنسا، إنكلترا) لإظهار نياتها و تغيير أساليبها و محاولة التوفيق بين مصالحها المتعارضة وأهدافها المتباينة، فجمعت قطعها الحربية عملا بالتوجه الذي أخذت به في اجتماعها بلندن (6 جويلية 1827 م) و الذي سمح بتشكيل حلف ثلاثي إنكليزي-فرنسي-روسي، جعل نفسه طرفا في المسألة اليونانية، و ألزم نفسه بإرغام السلطان العثماني على وضع حد لنشاطه الحربي ببلاد الإغريق و ضمان استقلال فعلي لشعبها الذي تربطه بأوربا أواصر التراث الحضاري المشترك ؛ و تطبيقا لنصوص بروتوكول لندن (7 أكتوبر 1827 م) أسندت قيادة السفن الحليفة البالغ عددها 37 سفينة حربية مجهزة ب 1298 مدفعا للأميرال الإنكليزي كوردنغتون (Cordington)، وبعد استعدادات حثيثة في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر، التحمت السفن الأوربية بالسفن الإسلامية، و هي في أغلبها عثمانية و مصرية، و البالغ عددها 62 سفينة مجهزة ب 2102، و أسفر الالتحام الحربي الذي دام حوالي أربع ساعات في يوم 20 أكتوبر 1827 م عن تدمير أغلب السفن الإسلامية و هلاك ستة آلاف جندي كانوا على متنها، في الوقت الذي خسرت فيه القوات الحليفة حوالي ألف جندي و بعض السفن.
من أهم النتائج التي أسفرت عنها معركة نافارين أنها أوجدت وضعا دوليا سمح بإطلاق أيدي روسيا في الدولة العثمانية لتحقيق مشروعها التوسعي على حسابها، و الذي تحددت أهدافه و اتضحت أبعاده في معاهدة أدرنه (1829 م)، كما ساعدت على استفحال المد القومي بالبلقان و انتقال عدوى المطالبة بالاستقلال إلى القوميات الأخرى و في مقدمتها القومية الصربية المندفعة بفعل ذكريات الماضي التاريخي و توجهات الكنيسة الأرثوذكسية و تشجيعها الساسة الروس، كما أن هذه المعركة أكدت دور محمد علي في شؤون الدولة العثمانية، و أظهرت مدى قدرته على التأثير في مجريات الأحداث بها، كما سوف نتعرض له فيما بعد، هذا فضلا على أن معركة نافارين وضعت نهاية فعلية "للحلف المقدس" (Sainte Alliance) الذي أسفر عنه مؤتمر فيينا (1815 م) و أصبح أساس السياسة الأوربية و محور نظام ميترنيخ في العلاقات الدولية، و بذلك لم تعد للشرعية الدولية أسبقية على الأماني القومية، و لم تعد مصالح الدول فوق الطموحات الوطنية للشعوب، و هذا ما سوف يساعد على تغيير الأوضاع السياسية في أوربا، خاصة بعد انتفاضات سنتي 1830 و 1848 م.
بفعل هذه التطورات في مواقف الدول الأوربية، أصبحت المسألة الشرقية ذات طابع دولي يتجاوز التعامل الثنائي بين الدولة العثمانية و كل دولة أوربية على حدة، بعد أن أصبح التوسع النمساوي في البلقان محل قلق إنكلترا و فرنسا، و غدت السياسة الروسية المعادية للباب العالي مثار مخاوف الدول الأوربية و في مقدمتها إنكلترا. فكان الخلاف حول التعامل مع الدولة العثمانية التي أصبحت تعرف بالرجل المريض الاسم الذي أطلقه عليها القيصر الروسي نيقولا الأول في حديث جرى بينه و بين أبردين رئيس وزراء إنكلترا، و لم يتردد هذا القيصر أن يصرح علنا (1833 م) بأنه ليس في استطاعته أن يبعث الحياة في الموتى و أن الدولة العثمانية دولة ميتة، مؤكدا أنه ليس لديه ثقة في أن يستمر هذا الجسم العجوز محافظا على الحياة لأنه في حالة انحلال في جميع النواحي.
و قد تحول هذا التباين في المواقف مع نهاية القرن الثامن عشر إلى تضارب في المصالح بين كل من إنكلترا و فرنسا و روسيا و النمسا؛ فقد تخوف الساسة الإنكليز والفرنسيون من النيات الروسية لأنها تقوم على التوسع العسكري و تهدف إلى الوصول إلى المضايق و النفاذ إلى البحار الدافئة، مما قد يهدد طرق التبادل التجاري و خطوط المواصلات الدولية بين أوربا و بين الهند وبلاد الشرق الأقصى، و يجعل من شرق أوربا و خاصة شبه جزيرة البلقان منه منطقة وصاية روسية في إطار رابطة الشعوب السلافية، وهذا ما يخل بمبدأ التوازن الأوربي. و قد أصبحت هذه الأوضاع تتطلب التدخل من طرف الدولتين إثر تراجع العثمانيين أمام الروس سنة 1806 م و حصول قيصر روسيا على مكاسب استراتيجية جعلت المضايق تحت رحمته عملا ببنود معاهدتي بوخاريست سنة 1812 م و أدرنه سنة 1892 م.
و بالفعل أدى هذا الموقف المعادي للأطماع الروسية إلى مواجهة عسكرية في حرب القرم (1853-1856 م)، فبعد أن اشتد الخطر الروسي على المضايق، و تزايدت أطماع القياصرة الروس في الدولة العثمانية نتيجة الانتصارات التي حققوها في حروبهم معها، و بعد أن تمكنوا من فرض شروط مجحفة على الباب العالي في معاهدة سان ستيفانو، تدخل الإنكليز و الفرنسيون بكل حزم بعد أن رفض القيصر نيقولا التنازل عن مطالبه في الدولة العثمانية و التخلي عن خططه و عن حماية الرعايا الأرثوذكس العثمانيين البالغ عددهم آنذاك حوالي عشرة ملايين نسمة، و أصر على الوقوف إلى جانب القساوسة الأرثوذكس في مسألة الأماكن المقدسة بفلسطين. فتوترت الأوضاع بسرعة وسارعت القطع البحرية الإنكليزية و الفرنسية بالتحرك نحو المضايق لمساعدة السلطان العثماني عبد المجيد على رفض الشروط الروسية التي كان القيصر يحاول إجباره على القبول بها، و بعد فشل الوساطة النمساوية اندلعت الحرب في مارس 1845 م، و تمكنت القوات الحليفة (الفرنسية، الإنكليزية، العثمانية) من النزول في شبه جزيرة القرم و تحقيق انتصارات على الجيوش الروسية في معركة سيباستوبول التي عانت فيها الجيوش المتحاربة قساوة الطبيعة و تفشي الكوليرا، و اضطر قيصر روسيا إلى الرضوخ للأمر الواقع و التخلي عن مطالبه في معاهدة باريس (30 مارس 1856 م) التي أبعدت الخطر الروسي عن الدولة العثمانية، وأكدت استقلالها، و جعلت الملاحة في نهر الدانوب مفتوحة أمام الجميع، و جعلت من البحر الأسود مجالا محايدا، و أقرت مبدأ التحكيم في الخلافات و مبدأ رعاية السلطان العثماني للمسيحيين الخاضعين له.
لقد أدى ضعف السلطة العثمانية المركزية بالولايات العربية إلى تزايد أطماع الدول الأوربية في بعض الأقاليم و خاصة منها ولايات الجزائر و مصر و الشام، و هذا ما فرض وضعا خاصا في تعامل هذه الأقاليم مع الدول الأوربية، فأصبحت تمثل الجانب العربي من المسألة الشرقية، سواء بالنسبة لتطورات المسألة الجزائرية التي انتهت بالغزو الفرنسي (1830 م)، و التي سوف نعالجها في القسم القادم، أو فيما يخص تفاعلات المسألتين المصرية و السورية التي سوف نتعرض إليهما في ما يلي.
2- المسألة المصرية 4
تحولت ولاية مصر التي كان يستبد بها المماليك إلى مسالة دولية عندما خططت حكومة الإدارة بفرنسا في 12 أفريل 1798 م، لاحتلالها بهدف قطع خطوط الموصلات البرية بين إنكلترا و أقاليم الشرق و إنشاء مستعمرة فرنسية جديدة وفق أساليب و طرق حديثة و تكون تعويضا لما خسرته فرنسا في مستعمرات جزر الهند الغربية. و وافق ذلك رغبة أعضاء حكومة الإدارة الفرنسية في وضع حد لطموح القائد بونابرت و إبعاده عن التدخل في شؤون الحكم بباريس و إضعاف نفوذه المتزايد في دواليب الدولة الفرنسية، فنـزلت القوات الفرنسية بالإسكندرية (أول جويلية 1798 م) و استولت على القاهرة إثر معركة الأهرام، و حاولت التوسع في الشام قبل أن تتوقف أمام أسوار عكا حيث واجهت مقاومة أحمد باشا الجزار و مناوشات الأسطول البريطاني (شهر ماي 1799 م). لكن مشروع إنشاء مستعمرة فرنسية في مصر لم يعد قابلا للتحقيق بعد تحطم الأسطول الفرنسي في أبي قير (1 أوت 1798 م) و بعد أن غادر نابليون بونابرت مصر على عجل في 22 أوت 1799 م، و انتهت المغامرة الفرنسية في مصر باغتيال خليفة بونابرت الجنرال كليبر و بانسحاب القائد مينو الذي خلفه مع قواته في شهر سبتمبر 1801 م.
لقد أنشأ بونابرت في مصر "الديوان الوطني" و أسند رئاسته للشيخ عبد الله الشرقاوي و كونت على غراره دواوين محلية بالأقاليم المصرية لتكون في خدمة الجيش الفرنسي، ثم تابع مخططه بعد رحيله من مصر القائد مينو، فاعتنى بتنظيم إدارة مصر و إصلاح شؤونها، فأحدث ضريبة موحدة و سجل للمواليد و الوفيات، و بدأ في إصلاح نظام الري و تطوير الزراعة و إنشاء الجسور و تمهيد الطرق و تحسين ميناء الإسكندرية وإقامة مصنع للأقمشة بالجيزة و مصنع للصابون، و كون من العلماء المصاحبين للحملة "المجمع العلمي المصري" وأسند رئاسته للعالم مونج (Monge)، فواظب أعضاؤه على إجراء تجارب رياضية و طبيعية و تسجيل مظاهر الحياة و الحضارة بمصر و نشرها في مدونة "وصف مصر"، كما ظهرت تجارب بعض هذه الأبحاث في مجلة أنشأت اهذا الغرض بعنوان بريد مصر (Le courrier d'Egypte). و من هذا الجانب يمكن أن نعتبر الحملة الفرنسية على مصر بمثابة محاولة جريئة للتحديث، فقد اصطحب نابليون معه 164 عالما مع العديد من الآلات و المعدات للبحث و الدراسة، و هذا ما لاحظه من عاصر تلك الأحداث و كتب عنها، مثل المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي الذي سجل انطباعاته في كتابه "عجائب الآثار في التراجم و الأخبار" و أدلى برأيه فيها في كتابه "التقديس بذهاب دولة الفرنسيين"، إلا أن هذه التجربة ظلت محدودة، و لم يتجاوز تأثيرها تيقظ و حيرة النفوس من تقدم الأوربيين و تراجع أمر المسلمين، و هذا ما يجعل الحملة الفرنسية عاملا ساعد على اليقظة وليس سببا في النهضة كما ذهبت إلى ذلك العديد من الدراسات العربية المعاصرة و المعجبة بإنجازات الغرب وإسهاماته الحضارية، فقد ذهب أحد الكتاب المحدثين و هو محمد أمين حسونة في مجلة الكاتب إلى حد القول : " لقد كانت حملة نابليون على مصر أشبه بالصاعقة التي هوت من السماء فأيقظت مصر من سباتها العميق، و نبهت أهلها إلى ما كان خافيا عنهم من حقوق، و عملت على تنوير أذهانهم، فإنها بحق أول اتصال مباشر بين تقليد الشرق و حداثة الغرب...".
من جانب آخر أكدت الحملة الفرنسية على مصر أهمية مصر الاستراتيجية بالنسبة للإنكليز، فاعتبروها معبرا حيويا نحو الهند، و هذا ما جعل إنكلترا تتباطأ في سحب قواتها التي شاركت في طرد الفرنسيين من مصر، فلم تغادر أراضيها إلا بعد 1803 م، بعد أن استمالت لها بعض أعيان المماليك مثل الألفي، و عندما بدأت الأوضاع تستقر بمصر لمحمد علي لم تتردد الحكومة الإنكليزية في تجريد حملة في ربيع 1807 م بقيادة الجنرال فريزر مؤلفة من سبعة آلاف جندي لاحتلال الإسكندرية، و لم تنسحب من سواحل مصر إلا بعد عجزها عن مواجهة المقاومة المستميتة التي وجدتها في ميناء رشيد.
و على كل فقد مهدت الحملة الفرنسية على مصر لتولي أمور البلاد شاب طموح هو محمد علي الألباني الذي شارك في الجهود الحربية للدولة العثمانية في طرد الفرنسيين من مصر، و قد سمحت له الظروف فيما بعد أن يصبح سيد مصر المطلق الصلاحية (1805-1848 م) و أن يجعل من نفسه نائبا للسلطان قبل أن يستقل بمصر و يجعلها ولاية وراثية لعقبه، و ما كان له ذلك لولا قيامه بإصلاحات جريئة تجاوزت ما كان يطمح إليه السلاطين العثمانيون، فصمم على تنفيذ مشروع دولة حديثة تقوم على زراعة القطن الواسعة وتستند إلى المشاريع الاقتصادية الكبرى و في مقدمتها شق الترع و استصلاح الأراضي و تطوير طرق المواصلات، و أعطى أهمية بالغة لنشر تعليم متطور و أرسل البعثات العسكرية و التعليمية إلى أوربا، فبلغ عدد الطلبة المصريين الموفدين إلى أوربا و أغلبهم نحو فرنسا 311 طالبا ما بين 1813 و 1849 م، و استقدم الخبراء و المدرسين الأوربيين و في مقدمتهم العقيد الفرنسي سيف Sève الذي اعتنق الإسلام باسم سليمان باشا و الذي كان له دور أساسي في بناء جيش محمد علي الحديث العدة و الجيد التدريب. وهكذا جعل محمد علي بإصلاحاته من مصر بلدا يشارك في التأثير على السياسة الدولية و في صنع الأحداث المؤثرة في المنطقة، ودفعها نحو الاندماج في اقتصاد تجاري خاضع للدورة الاقتصادية الأوربية و يقوم على المحاصيل النقدية (زراعة القطن) و يستند إلى قاعدة انتاجية قوامها المصانع و الورشات و طرق المواصلات و شبكة من الترع والقنوات، كما أوجد واقعا ثقافيا متفتحا على الغرب و معتمدا على مقومات مصر العربية الإسلامية.
بدأ محمد علي بتنفيذ خطته الرامية إلى جعل مصر قوة عسكرية قادرة على فرض مكانتها و توسيع سلطتها على حساب الدولة العثمانية بالقضاء على مراكز القوى المحلية، فبادر بالتخلص من خصومه و في مقدمتهم زعماء الممماليك، فقضى على ما يزيد عن 450 من أعيانهم في مذبحة القلعة (11 مارس 1811 م). وبذلك أمكن له البدء في مشاريعه التوسعية، فبادر بتقديم العون للدولة العثمانية في مواجهتها للحركة الوهابية بالجزيرة العربية (1811-1818 م)، ثم تحول إلى أقاليم جنوب وادي النيل (النوبة و السودان الشرقي) وأخضعها ابتداء من سنة 1820 م، و بذلك أصبح قوة إقليمية تفرض حضورها على الساحة الدولية، فاستنجد به السلطان العثماني لإخماد ثورة اليونان، فأرسل أسطوله و قواته البرية بقيادة ابنه إبراهيم باشا الذي حقق نجاحا معتبرا في فترة قصيرة، و عندما وضعت معركة نافارين (1827 م) حدا لطموحه في شبه جزيرة المورة، تحول محمد علي نحو ولاية سوريا المجاورة لاحتلالها، و كان السلطان قد وعده بها لقاء خدماته له، فاستولى الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا على أقاليم سورية (1831-1832 م)، و وصل في تقدمه حتى أضنه و قونية (سبتمبر 1832 م).
أصبحت طموحات محمد علي تهدد وحدة الدولة العثمانية ذاتها و مصالح الدول الأوربية في المنطقة، وأصبحت الدولة العثمانية عاجزة عن رد تطلعات محمد علي نحو الأناضول، فاستنجد السلطان العثماني (محمود الثاني) بعد تلكؤ إنكلترا بالقيصر الروسي نيقولا الأول الذي أرسل على الفور أسطولا محملا بثلاثين ألف جندي إلى البوسفور (30 فيفري 1833 م)، و توصل محمد علي إلى تسوية مع السلطان في اتفاق كوتاهية (5 ماي 1833 م) الذي منح السلطان بمقتضاه بلاد الشام لمحمد علي و إقليم أضنه لابنه إبراهيم باشا، ثم أمضيت معاهدة هنكار أسكه سي (8 جويلية 1833 م) التي ضمنت فيها روسيا حق التدخل ثانية في شؤون الدولة العثمانية تحت غطاء تقديم المساعدة، و هذا ما رفضته كل من إنكلترا و فرنسا لأنه يمكن روسيا من الوصول إلى مياه البحر المتوسط. كل هذه الأحداث دفعت الدول الأوربية الكبرى إلى التدخل عندما تجدد النـزاع بين محمد علي و السلطان العثماني و حقق محمد علي انتصارات حاسمة في نزيب (24 جوان 1839م)، و أبدت مساعي الوساطة في النـزاع (28 جويلية 1839 م)، و عندما فشلت في ذلك تدخلت إنكلترا بمساعدة النمسا و أرغمت قوات محمد علي على الانسحاب من بلاد الشام (1841 م) بعد أن بسطت سيادتها عليها مدة عشر سنوات.
مما لا شك فيه أن تجربة محمد علي بمصر كانت انجازا غير ملامح الوضع الاجتماعي و الاقتصادي لمصر خاصة و عدل من موازين القوى المحلية، و جعل فكرة تأسيس دولة قوية تشتمل مصر بامتدادها الطبيعي نحو السودان و بتكاملها مع بلاد الشام أمرا قابلا للتحقيق، لكن اندفاع محمد علي في سياسة عسكرية طموحة و تجاهله لطبيعة العلاقات الدولية آنذاك حال دون تحقيق هذا المشروع الطموح و الوصول به إلى مستوى إحداث ديناميكية في المجتمع و الاقتصاد و الثقافة تغير من واقع مصر، فكانت نقطة الضعف الكبرى فيه هو تحجيمه للطبقة الوسطى المصرية و سحق الطبقة الدنيا بفعل تشجيع الملكيات الكبرى. و بذلك ظل النمو الاقتصادي لمصر مرتبطا بل خاضعا لمتطلبات اقتصاد الدول الأوربية الكبرى، و لم تقو المؤسسات التي أقامها على التطور في مواجهة الضغوط الأوربية.
على أن الشيء الذي يحسب على محمد علي و قد لا يغفره له التاريخ هو تحقيقه لأهداف الدول الأوربية و لو بشكل غير مباشر، فبدلا من مساعدة السلطان و الحذر من الدول الأوربية و خاصة فرنسا، فإن محمد علي لم يمتنع عن مجاراة الفرنسيين في مشاريعهم التوسعية في شمال إفريقيا، و لم يتردد في توجيه ضربة قاضية للدولة العثمانية لم تقم منها أبدا، ففتح بذلك الطريق للتغلغل الأوربي و قدم حججا قوية للدول الأوربية لكي تقرر مصير الدولة العثمانية لفائدتها و على حساب شعوب الشرق، و من هذا المنظور لا يعدو مشروع محمد علي كونه طموحا شخصيا استخدم الوطنية العثمانية كحيلة لتعزيز أهدافه الخاصة و جعل من البرنامج الاصلاحي بمصر مجرد وسيلة لتحقيق أغراضه و في فرض سلطته عليها و تحويلها إلى ولاية وراثية لعائلته.
3- المسألة السورية 4
لقد ترتب عن الوضع الجغرافي لبلاد الشام المتحكم في طرق المواصلات في شرق المتوسط توجه أنظار الدول الأوربية نحوها، و قد عززت ذلك الذكريات التاريخية المرتبطة بهذه البلاد و المتعلقة خاصة بالأماكن المقدسة المسيحية. كما كان للواقع البشري لبلاد الشام المتميز بتعدد الطوائف و اختلاف المذاهب و تباين العقائد دخل في زيادة حدة الأطماع الأوربية، فقد قدر عدد سكان بلاد الشام في أواخر القرن التاسع عشر ب 3.300.000 نسمة، منهم 1.200.000 مسلم سني و 50.000 مسلم شيعي و 600.000 مسيحي تابع لكنيسة روما، منهم 300.000 من الموارنة و الباقي من الكلدانيين و الكاثوليك الأرمن و الكاثوليك، و 400.000 مسيحي غير تابع لكنيسة روما من اليونان الأرثوذكس و الأرمن و الجريجوريين و اليعقوبيين و البروتستانت، هذا بالإضافة إلى حوالي 100.000 يهودي. و قد كان للموارنة بين هذه الطوائف وضع خاص لما حققوه من نهضة علمية بفضل مدارس الإرساليات و لارتباطهم بكنيسة روما مباشرة و لصلاتهم المتميزة مع دولة فرنسا منذ القرن السابع عشر خاصة. و هذا ما سوف يكون مشكلة عويصة للدولة العثمانية في تعاملها مع فرنسا.
و قد ساعد الحكم المصري ببلاد الشام، باعتماده أسلوبا إداريا يقوم على مبدأ المساواة بين الطوائف في المعاملات، على تغير موازين القوى الاجتماعية و الاقتصادية، الأمر الذي أخل بالتوازن المتوارث وأضر بالامتيازات و المكتسبات التي حققتها بعض الفئات، بل أحدث اضطرابا في التعامل جعل المسلمين في سورية و حتى في مصر لا يفرحون بانتصاراته لأن عواطفهم كانت مع السلطان العثماني، و هذا ما ساعد مناصري السلطان العثماني و المتعاونين مع إنكلترا على إثارة الفتن ضد حكم إبراهيم باشا لبلاد الشام، فكان ذلك تمهيدا لتعاون بعض الطوائف فيما بعد مع الدول الأوربية دون اعتبار لمصالح الدولة العثمانية و سيادتها، فاستغل الإنكليز طائفة الدروز و دفعوهم للثورة على محمد علي، و ساندت فرنسا الطائفة المارونية و شجعتها على الوقوف ضد من يمس بمصالحها. و هذا ما تسبب بعد انسحاب الإدارة المصرية من الشام (1841 م) في تهيئة الظروف لحدوث اضطرابات بدأت فعلا عندما رفض فلاحو جبال لبنان، الذين انتشر الوعي بينهم، لمطالب و سلوكات ملاك الأراضي القاسية، و تفاقم الوضع بعد اشتداد المنافسة خاصة بين طائفتي الدروز و الموارنة و محاولة عمال الدولة العثمانية استعداء الطائفتين ضد بعضهما، فعمت الاضطرابات جبل لبنان سنة 1845 م و امتدت إلى بعض مدن بلاد الشام الداخلية، الأمر الذي استدعى تدخل قناصل الدول الأوربية، و أعربت فرنسا عن مناصرتها الصريحة للموارنة متهمة الدولة العثمانية بالتحيز للدروز في صراعهم مع الموارنة.
و مع حلول عام 1274 هجرية/ 1857 م أصبحت الأوضاع في مجمل بلاد الشام تنذر بانفجار خطير قد يفتح الباب لصراع طائفي محلي و تدخل دولي أوربي. و بالفعل أصبح من غير الممكن تجنب الاصطدام بعد أن استولى الفلاحون في شمال لبنان على أراضي الاقطاعيين بتحريض من الكنيسة المارونية في الوقت الذي امتنع فيه الفلاحون الموارنة في الجنوب عن دفع الإيجارات للملاك من الدروز و بعد أن تمادى الباشا التركي في بيروت في إذكاء روح العداء بين الطوائف بجبل لبنان، في وقت لم تبخل فيه الدول الأوربية بمد المتصارعين من الموارنة و الدروز بالمال و السلاح. فانتشرت الفتن بين الطائفتين في قرى جبل لبنان و انتقلت بسرعة إلى دمشق بتشجيع من الوالي العثماني، فكان للأمير عبد القادر الجزائري دور مشرف في العمل على إخماد نار الفتنة كما سوف نوضحه في الفصل الخاص بأعمال الأمير.
سارعت فرنسا بإرسال قوة مؤلفة من ستة آلاف جندي إلى بيروت (أوت 1860 م) ترضية للرأي العام الذي كان يؤازر الموارنة في محنتهم، فتبنت الدول الأوربية هذا العمل الحربي حتى لا تنفرد فرنسا بالأمر، و حددت له مدة لا تزيد عن نصف عام، على أن تنتهي أعمال العنف في ربوع بلاد الشام، و أن تلتزم الدولة العثمانية بمعالجة الأمر بما تتطلبه مصالح الجميع، و أن تعوض الأضرار التي لحقت بضحايا أحداث الفتنة. وتحول التدخل العسكري إلى قضية سياسية، فتشكلت لجنة دولية لدراسة وضعية لبنان، فأقرت باتفاق مع السلطان جعل جبل لبنان "متصرفية" تتكون من عدة قضاءات إدارية لها نظام خاص و يتولى تسييرها متصرف مسيحي غير لبناني من الرعايا العثمانيين الأرثوذكس، يقترحه السلطان و توافق عليه الدول الأوربية و تحدد مدة حكمه، و يعود في إدارته لمتصرفية لبنان إلى الباب العالي مباشرة، و يؤدي مهامه بمساعده مجلس إداري و مجلس عدلي يضم ممثلين عن كل الطوائف، و تتولى الحفاظ على الأمن قوة مختلطة من الدرك. فكان تولي داود باشا متصرفية لبنان بداية فعلية لتكريس تقسيم بلاد الشام لاحقا و تجزئتها إلى دول إقليمية سوف تتحدد كياناتها مع نهاية الحرب العالمية الأولى حسب الخريطة التي وضعتها اتفاقيات سايكس بيكو.
-4المراجع المعتمدة 4
- أ.ج. جرانت و هارولد تمبرلي، أوربا في القرنين التاسع عشر و العشرين (1789-1950 م)، ترجمة بهاء فهمي، القاهرة، مؤسسة سجل العرب، 1967، ج. 1.، ص ص. 401-434، ج.2، ص ص. 3-31 و 417-434.
- ليلى الصباغ، تاريخ العرب الحديث و المعاصر، دمشق، مطبعة بن حيان، 1982، ص ص. 239-242.
- ناصر الدين سعيدوني، معركة نافارين 1827، ضمن كتاب "ورقات جزائرية"، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 2000، ص ص. 351-370.
- محمد رفعت، تاريخ حوض البحر المتوسط و تياراته السياسية، القاهرة، دار المعارف، 1959.
- عبد العزيز الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1986، ص ص. 830-831.
- محمد فريد، تاريخ الدولة العلية العثمانية، بيروت، دار الجبل، 1977، ص ص. 261-284.
- محمد كمال الدسوقي، الدولة العثمانية و المسألة الشرقية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة و النشر، 1976، ص ص. 117-294.
- هربرت فيشر، تاريخ أوربا في العصر الحديث (1789-1950 م)، ترجمة أحمد نجيب هاشم، القاهرة، دار المعارف، 1958، ص ص. 217-227.
- كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ج. 4، القرن التاسع عشر، ترجمة نبيه أمين فارس و منير بعلبكي، بيروت، دار العلم للملايين، 1961، ص ص. 44-45.
- عبد الكريم رافق، العرب و العثمانيون (1516-1916 م)، دمشق، مكتبة أطلس، 1974، ص ص. 389-404.
- سيار الجميل، تكوين العرب الحديث، بيروت، دار الشروق، 1997، ص ص. 302-309.
- ج.ك. هيرولد، بونابرت في مصر، ترجمة فؤاد أندلوس، القاهرة، 1967.
- عبد الرحمن الجبرتي، مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس، القاهرة، دار المعارف، د.ت.، ج. 2، ص ص. 91-94.
- ف. لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة عفيفة البستاني، موسكو، دار التقدم، 1971، ص ص. 43-55 و 57-75 و 102-145.
- آ. ريفلين، الاقتصاد و الإدارة في مصر في مستهل القرن التاسع عشر، ترجمة أحمد عبد الرحيم مصطفى و مصطفى الحسيني، القاهرة، 1968.
- محمد فؤاد شكري و آخرون، بناء دولة محمد علي، القاهرة، 1948.
- محمد أنيس، الدولة العثمانية و الشرق العربي (1514-1914 م)، القاهرة، دار الجيل للطباعة، ص. 222.
- عبد الكريم غرايبة، سورية في القرن التاسع عشر (1840-1876 م)، محاضرات، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، 1961-1962، ص. 20.
-برنارد لويس، إستانبول و الحضارة العثمانية، ترجمة السيد رضوان علي، بني غازي، 1973، ص ص. 179-180.
-آ. ريفلين، الاقتصاد و الإدارة في مصر في مستهل القرن التاسع عشر، ترجمة أحمد عبد الرحيم مصطفى و مصطفى الحسيني، القاهرة، 1968.
- محمد فؤاد شكري و آخرون، بناء دولة محمد علي، القاهرة، 1948.
- محمد أنيس، الدولة العثمانية و الشرق العربي (1514-1914 م)، القاهرة، دار الجيل للطباعة، ص. 222.
- عبد الكريم غرايبة، سورية في القرن التاسع عشر (1840-1876 م)، محاضرات، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، 1961-1962، ص. 20.
- برنارد لويس، إستانبول و الحضارة العثمانية، ترجمة السيد رضوان علي، بني غازي، 1973، ص ص. 179-180.
- A.S. Anderson, The Eastern Question (1774-1923), London, Macmillan, 1966.
- Ed. Drian, La question d'Orient
- D. Kitsikis, L'Empire Ottoman, Paris, P.U.F., 1985, pp. 101-111.
- R. Mantran, Histoire de la Turquie, Paris, P.U.F., 1985, pp. 88-101.
- S. Goriainow, Le Bosphore et les Dardanelles, Paris, Plon, 1910.
- G. Douin, Navarin 1827, Le Caire, 1927.
- V.P. Fleuriot de Langle, L'affaire de Navarin autour de la journée du 20 octobre 1827, Paris, 1930.
- N. Nuy, La bataille de Navarin (1827), Paris, 1887.
- E. Bogdanovitch, La bataille de Navarin (1827), d'après des documents inédits, Paris, Charpentier, 1877.
- F. Charles-Roux, Bonaparte gouverneur de l'Egypte, Paris, 1936.
- F. Charles-Roux, Le problème musulman de Bonaparte, in Revue des études napoléoniennes, n° 1, 1925.
- F. Charles-Roux, L'Egypte de 1801 à 1832, Mohamed Aly et sa dynastie jusqu'à l'occupation anglaise, Paris, Plon, 1936.
- M. Sabry, L'Empire égyptien sous Mohamed Ali et la question d'Orient (1811-1849), Paris, P. Geuthner, 1930.