* دور المجتمع المدني في تحقيق التنمية الشاملة في الجزائر، بين الثبات والتغير *
إعداد
أ / قرزيز محمود أ / يحياوي مريم
المركز الجامعي برج بوعريريج جامعة بسكرة
مقدمة :
أدت عديد من العوامل الموضوعية إلى طرح رؤى جديدة حول مفاهيم المشاركة والمناهج المختلفة للتنمية، فليس للتنمية طريق واحد، ولكن طرق متعددة. وقد كان مصطلح الشراكة وليد هذه الظروف، وتعبيرا عن فهم جديد لأهمية المنظمات غير الحكومية ودورها في التنمية. ولذلك أعيد إحياء مصطلح العقد الاجتماعي ولكن بمفهوم جديد، قائم على أنه من خلال عملية ديمقراطية لابد من تأسيس مثلث فاعل، أضلاعه الحكومة والمجتمع المدني والسوق، مهمته الأساسية تحقيق التنمية في المجتمع، يضاف إليه في بعض الحالات، خاصة حالات الدول النامية، والهيئات التنموية الدولية. وهكذا أصبح من المتداول الحديث عن ثلاثة قطاعات أساسية فى مجال التنمية: القطاع الأول المتمثل فى الحكومة، والقطاع الثانى وهو القطاع الخاص، والقطاع الثالث وهو المنظمات غير الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني .
سنبحث في هذه الورقة البحثية ماهية المجتمع المدني وعناصره وأهدافه، و كذا علاقته بواقع ومستقبل التنمية الشاملة في الوطن العربي وببلادنا .
1- ماهية المجتمع المدني :
1-1- تعريف المجتمع المدني:
يعرف المجتمع المدني بأنه جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية وفي استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن تأثير رأسمالية الشركات في القطاع الخاص، حيث يساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء والمثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقاً لما هو مرسوم ضمن برنامج الجمعية(1).
1-2- عناصر تكوين المجتمع المدني :
من الممكن أن نجد تعاريف عديدة للمجتمع المدني إلا أنها لا تخرج عن توافر أربعة عناصر أساسية:
أ - يمثل العنصر الأول بفكرة "الطوعية" أو بكلمة أخرى المشاركة الطوعية التي هي بالأساس الفعل الإداري الحر أو الطوعي، وبهذه الطريقة تتميز تكوينات وبنى المجتمع المدني عن باقي التكوينات الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة تحت أي اعتبار.
ب- العنصر الثاني هو أن المجتمع المدني منظم: وهو بهذا يختلف عن المجتمع التقليدي العام بمفهومه الكلاسيكي. حيث يشير هذا الركن إلى فكرة "المؤسسية" التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريباً، والتي تشمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ج- العنصر الثالث يتعلق "بالغاية" و "الدور": التي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة. من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعي.
د- آخر هذه العناصر يكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءاً من منظومة مفاهيمية أوسع تشمل على مفاهيم مثل: الفردية، المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، والشرعية الدستورية...الخ(2).
1-3- العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني :
إن الأصل في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني إنها علاقة تكامل واعتماد متبادل وتوزيع للأدوار، وليست علاقة تناقض أو خصومة، فالمجتمع المدني ما هو إلا أحد تجليات الدولة الحديثة التي توفر شرط قيامه عن طريق تقنين نظامٍ للحقوق ينظم ممارسات كافة الأطراف والجماعات داخل المجتمع. كما أن المجتمع يعتمد على الدولة في القيام بوظائفه الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية من خلال ما تضعه من تنظيمات. فالدولة والمجتمع المدني متلازمان، لا دولة من دون مجتمع ولا مجتمع من دون دولة، بل إن المجتمع المدني هو وليد قوة الدولة ومن أجل موازنة قوتها. فلم يتطور المجتمع المدني في الغرب لتقويض الدولة، لقد كان المجتمع المدني والدولة القوية حصيلة التطور المتوازي. كما أن الدولة تستطيع أن تسهم في تقوية المجتمع المدني أو في تطور مجتمع مدني صحي من خلال وضع قوانين واضحة قابلة للتطبيق لعمل هذا المجتمع، وأيضاً تقديم حوافز له. وعلى الصعيد المقابل فإن منظمات المجتمع المدني تصبح أكثر فعالية في المشاركة في عملية صنع السياسة، إذا كانت الدولة تتمتع بسلطات متماسكة قادرة على وضع السياسات وتنفيذها(3).
1-4- المجتمع المدني في الوطن العربي :
تشكل المنظمات غير الحكومية في الوطن العربي أو ما يطلق عليها الجمعيات الأهلية العربية، العمود الفقري للمجتمع المدني. ورغم نشأة هذه المنظمات في كثير من البلدان العربية منذ زمن بعيد، فإن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت صحوة ملحوظة ونمو غير مسبوق في تأسيس المنظمات غير الحكومية. وقد كان ذلك في الواقع نتاج متغيرات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية بعضها له سمة عالمية والأخرى محلية. يمكن تحديد ثلاث مجموعات من العوامل أسهمت في هذه الصحوة : أولها السياسات الاقتصادية التي اتبعتها معظم البلدان العربية منذ منتصف الثمانينيات والتي تمثلت في التحرير الاقتصادي وتخلي الدولة عن جزء كبير من الدور المحوري التي كانت تشغله اقتصادياً واجتماعياً. وقد كان وراء ذلك تفاعل الضغوط القادمة من المؤسسات المالية الدولية مع الأزمة الاقتصادية التي أمسكت بخناق غالبية الأنظمة السياسية العربية، حيث وصلت سياسة التصنيع بإحلال الواردات إلى سقفها، وازداد استيراد الغذاء من 2 بليون دولار في الثمانينيات إلى 20 بليون دولار في التسعينيات. ناهيك عن ارتفاع الديون الخارجية من أقل من 5 بليون دولار في عام1970 إلى 200 بليون دولار في عام 1990. أدت سياسات التحرير الاقتصادي التي اتبعتها معظم الدول العربية غير النفطية إلى خفض الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية وبرامج الرفاهة الاجتماعية(4).
أما المجموعة الثانية من المتغيرات فمرتبطة بالتحولات الديمغرافية والاجتماعية التي شهدتها تلك البلدان مثل تزايد عدد السكان وما يفترضه ذلك من احتياجات جديدة فضلاً عن النمو الحضري الذي لم يواكبه تنمية اقتصادية وغيرها من تحولات(5).
تدور المجموعة الثالثة من المتغيرات حول الدور الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية والذي تجاوز مجرد الضغط من أجل تطبيق برامج التحرير الاقتصادي والتكيف الهيكلي إلى البحث عن فاعلين جدد غير حكوميين يتم التعامل معهم. وبالفعل اتجهت هذه المؤسسات إلى التعامل بشكل مباشر مع المنظمات غير الحكومية بغية سد الفجوة التي تركتها الدولة وإنقاذ ضحايا التحرير الاقتصادي. ولا يفوت في هذه النقطة الإشارة إلى الدور الذي لعبته أيضاً منظمة الأمم المتحدة في مؤتمراتها المختلفة من خلال تأكيدها على ضرورة مشاركة المنظمات غير الحكومية في صنع السياسات وصياغة خطط التنمية.
كل هذه المتغيرات مهدت الطريق إلى تحولات جذرية على مستوى الكم والكيف في أوضاع المنظمات غير الحكومية العربية. فقد تزايد عدد هذه المنظمات بنسب كبيرة في بعض الأقطار العربية مثل مصر واليمن وتونس والجزائر والمغرب. يقدر عدد المنظمات غير الحكومية ـ وفقاً إلى التقرير الذى أصدرته الشبكة العربية للمنظمات الأهلية عام 2003 بـ 230 ألف منظمة في عام2002(6).
لم تقتصر التحولات على النمو الكمي في أعداد المنظمات غير الحكومية، لكن تجاوز ذلك إلى تحول كيفي يتعلق بأنشطة وفعاليات هذه المنظمات. فقد برز جيل من المنظمات الدفاعية التي تقوم بدور تنويري ونشط في مجال حقوق الإنسان والمرأة والطفل والفئات المهمشة. إلى جانب ذلك وضح الاهتمام بمكافحة الفقر وتبني منهجٍ جديدٍ للتعامل مع هذه المشكلة، يستند إلى فكرة التمكين وليس مجرد تقديم المساعدات الخيرية. كما احتلت قضية مكافحة البطالة مكانة أساسية في بعض الدول العربية مثل مصر والأردن والمغرب من خلال تركيز المنظمات غير الحكومية في هذه البلدان على التدريب والتأهيل والمشروعات الصغيرة. كما ظهرت أنماط جديدة من المنظمات التي هدفت إلى ملء الفراغ الذي تركته الدولة وخاصة في مجالات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الاجتماعية (مصر – الأردن). بالإضافة إلى ذلك نشطت منظمات أهلية جديدة في مواجهة ظواهر اجتماعية سلبية مثل عمالة الأطفال وأطفال الشوارع والإدمان، بل وسعت إلى وضع هذه القضايا على أجندة الحكومات في بلدان مثل مصر والسودان والمغرب(7).
خلاصة القول أن هناك مؤشرات إيجابية تمثلت في النمو الكمي في أعداد المنظمات غير الحكومية والنقلة الكيفية في مناهج واقترابات هذه المنظمات في التعامل مع الواقع.
وجدير بالذكر أن هذه التحولات صاحبها خطاب سياسي داعم لهذه المنظمات ودورها في التحول الاقتصادي. بل بدأت إرهاصات بناء شراكة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، والتي كانت أبرز تجلياتها قيام الحكومات بإسناد عديد من المشروعات للمنظمات غير الحكومية لتنفيذها.
ورغم كل ما سبق من تطورات فإنها لا تمثل توجهاً عاماً ولكن مجرد حالات أو استثناءات لم تصل إلى حالة القاعدة العامة، فما زالت التوجهات الخيرية لها الغلبة على نشاط المنظمات الأهلية العربية، فـحوالى نصف المنظمات غير الحكومية العربية يعمل في الأنشطة الخيرية في المتوسط ( في لبنان 53.3 بالمئة وفى سوريا 80 بالمئة والكويت 78.2 بالمئة والسودان 70 بالمئة). في حين لا تزيد المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال التنمية والتي تتبنى فلسفة التمكين عن الربع(
.
ويمكن القول إن العلاقة المتوترة بين الدولة والمجتمع على مر التاريخ قد لعبت دوراً في تكريس هذا الاتجاه، فالعمل الخيري نشاط لا يثير الحكومات ولا يؤدي إلى مصادمات مع الأنظمة السياسية. وعلى صعيد أخر فهو نشاط يصب في صالح استقرار الأوضاع القائمة من خلال تسكينها والحد من قسوتها. كما أنه لا يرتبط برؤية نقدية لواقع المجتمع وخريطته الطبقية، على عكس الحال في المنظمات الدفاعية والحقوقية وبدرجة أقل المنظمات التنموية والتي تطرح رؤية نقدية للواقع وتسعى لإصلاح السياق السياسي والمؤسسي الذي تعمل فيه وفقاً لاستراتيجيات الجيل الثالث من المنظمات غير الحكومية.
ومع ذلك يمكن رصد بدايات لدور تلعبه المنظمات غير الحكومية في صنع السياسة وبالتحديد السياسات المتعلقة بالرفاهة الاجتماعية. 2- أساسيات التنمية الشاملة : 2-1- مفهوم التنمية الشاملة : يمكننا تحديد مفهوم التنمية الشاملة على أنها : عملية تحول تاريخي متعدد الأبعاد، يمس الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما يتناول الثقافة الوطنية، وهو مدفوع بقوى داخلية، وليس مجرد استجابة لرغبات قوى خارجية، وهو يجري في إطار مؤسسات سياسية تحظى بالقبول العام وتسمح باستمرار التنمية، ويرى معظم أفراد المجتمع في هذه العملية إحياء وتجديداً وتواصلاً مع القيم الأساسية للثقافة الوطنية (9).
2-2- أهداف التنمية الشاملة :
التنمية الشاملة تسعى لتحقيق أهداف ونتائج في مختلف جوانب الحياة أهمها (10) :
أولاً – الأهداف الاقتصادية :
أ ـ زيادة إنتاجية العمل .
ب ـ تغيير الأهمية النسبية للقطاعات الرئيسة في الاقتصاد الوطني. أي زيادة الأهمية النسبية لقطاعات الصناعة والخدمات، وتراجع الأهمية النسبية لقطاع الإنتاج الأولي، سواء من حيث العمالة، أو من حيث المساهمة في توليد الدخل القومي، والإنتاجية أو في تحقيق القيمة المضافة، وذلك باستبعاد أن يكون توسع قطاع الخدمات غطاء لبطالة مقنعة.
ج ـ تزايد الاعتماد على المدخرات المحلية كمصدر للاستثمار.
د - تنمية القدرة المحلية على توليد التكنولوجيا وتوطينها واستخدامها بالرغم من التوجه الحالي نحو عولمة الاقتصاد.
ه ـ محاربة الفقر وتراجع حدوده وحدته، وهذا يتم عن طريق تراجع التفاوت في توزيع الدخل والثروة في المجتمع.
ثانياً - الأهداف الاجتماعية:
أ ـ تحسين مستويات التعليم والصحة والرفاهية عموماً لكافة المواطنين.
ب ـ زيادة الاهتمام بالطبقة المتوسطة، والطبقة العاملة.
ج ـ زيادة نسبة الخبراء والفنيين والعلماء في القوى العاملة.
د ـ تزايد مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي وفي مجالات الحياة العامة.
ه ـ تعميم قيم حب المعرفة وإتقان العمل.
و ـ تنمية الثقافة الوطنية. (11).
ثالثاً - الأهداف السياسية: توصف التنمية الناجحة بأنها تؤدي إلى ظهور دولة قوية ومجتمع قوي، فيتمتع جهاز الدولة من ناحية بالاستقلال النسبي في صنع وتنفيذ سياساته في كافة المجالات، وذلك في مواجهة القوى الاجتماعية الداخلية والقوى الخارجية، وأن يحظى في نفس الوقت بالقبول من جانب أغلبية المواطنين فلا يعتمد على القهر أساساً لإنقاذ سياساته، والمجتمع القوي هو الذي يتمتع أفراده وجماعاته بقدر واسع من الحرية في القيام بأنشطتهم الخاصة والعامة في إطار قواعد عامة عقلانية مقبولة منهم على نطاق واسع وموضع احترام من جانب هذه الدولة. وهكذا، فمن الناحية السياسية يمكن القول بأن التنمية تعني تواجد الدولة التي تتمتع بالفعالية إلى جانب المجتمع المدني، هذه هي الأبعاد الثلاثة الرئيسة للتنمية الشاملة: البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد السياسي، قد لا يكون البعد الاقتصادي هو أهمها، لكنه قد يكون أكثرها تحديداً وتأثيراً على الأبعاد الأخرى.
إن التنمية الشاملة الجديرة بجهد الأجيال العربية وتضحياتها تتمثل بعدد من المضامين أبرزها :
أ- رفع مستوى الأداء الاقتصادي أي رفع مستوى الإنتاجية وزيادة حجم الإنتاج القومي ضمن نمط قطاعي متوازن قدر الإمكان وتطوير قدرة البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
ب- تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين .
ج- توفير فرص العمالة المنتجة وخفض البطالة الظاهرة منها والمقنعة .
د- إصلاح نظم توزيع الدخل في كل قطر عربي.
ه- تحقيق مشاركة شعبية واسعة في مسيرة التنمية .
و- تقليص الفجوة التنموية فيما بين الأقطار العربية.
إن عملية التنمية تحتاج إلى تراكم لرأس المال يتزايد باستمرار، حين يجب أن يتم استخدام كامل مدخرات الأفراد والمجتمع عن طريق خلق فرص كافية للاستثمار، (قد تكون الدول العربية الغنية بالنفط لا تعاني من هذا النوع من الصعوبات وهي السعودية، الكويت، ليبيا، الإمارات العربية المتحدة، قطر ، البحرين، الجزائر ، العراق) إلا أن بقية الدول العربية تواجه هذه المشكلة التي تتفاوت حدتها من دولة إلى أخرى. والسبب الأساسي في ذلك أن غالبية المجتمع في الدول العربية على حالة من الفقر لا تسمح لهم مجرد التفكير بالادخار. مع العلم أنه كلما اشتد الفقر في أي قطر عربي، اشتدت الحاجة في هذا القطر إلى ادخار وتراكم رأس المال لخلق فرص استثمار جديدة، (إلا أنه كلما اشتد فقر الدولة تعذر على الشعب أن يدخر، ومن أهم واجبات التنمية الاقتصادية أن تكسر هذه الحلقة المفرغة. والطريق الوحيد لكسر هذه الحلقة المفرغة هو استخدام عوائد النفط في تمويل عملية التنمية (12).
كما يعد الإنسان الثروة الاقتصادية الأولى لكل مجتمع من المجتمعات وأساس تقدمه الاقتصادي والاجتماعي لأنه محور كل نشاط اقتصادي، والإنسان هو المنتج عندما يبذل الجهد ويقوم بالعمل ويستخدم طاقاته الذهنية والجسدية، وهو المستهلك عندما يقوم باستهلاك السلع والخدمات التي تلبي حاجاته ورغباته، وهو مستثمر عندما ينتج وسائل الإنتاج الجديدة. والإنسان هو كل فرد في المجتمع هو السكان.
من الضروري الاهتمام بالمؤسسات التي يكتسب الأفراد من خلالها المهارات والكفايات التي يحتاج إليها للقيام بالعمل، والتركيز هنا يقع على ثلاث مؤسسات، أساسية:
1 - الأسرة،
2 - المدرسة
3 - ومنظمات الاستخدام .
إن الاهتمام بالقوى العاملة لا يقتصر على تحديد حجم وتركيب هذه الموارد وإنما يشتمل أيضاً كيفية توزيعها واستخدامها . ويستخدم عادة في هذا المجال ميزان موارد القوى العاملة الذي يحدد مصادرها ومجالات الاستخدام .وتظهر في هذا الميزان بصورة أساسية مصادر تدفق العاملين إلى المؤسسات الإنتاجية والمرافق التابعة للقطاع غير الإنتاجي وعدد الدارسين في سن المقدرة على العمل أو الفنيين في مرحلة التأهيل . بالإضافة إلى المزاولين في الاقتصاد المنزلي والقطاعات الهامشية ، كما يوضح لنا هذا الميزان التناسبات في توزيع القوى العاملة بين الحالات المنتجة وغير المنتجة وبين المدينة والريف وحسب فروع الاقتصاد الوطني والطبيعية الاجتماعية لهذا التوزيع أي بين القطاع العام والخاص والتعاوني والمشترك.
ولابد هنا من الإشارة إلى أهمية توزيع موارد القوى العاملة بين القطاعات المنتجة وغير المنتجة والعلاقة المتبادلة والتناسب الأمثل فيما بينها . فمن المعلوم أن تطور القطاعات غير المنتجة يعتمد على تطور القطاعات المنتجة ، وبصورة أساسية على مستوى إنتاجية العمل في هذه القطاعات وحجم الفائض الاقتصادي الذي يستخدم جزء منه لتغطية الإنفاق في القطاعات غير المنتجة .ومن ناحية أخرى فإن تطور القطاعات المنتجة يتوقف على تطور القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم التي تضمن تطور العنصر البشري من الناحية الأيديولوجية والمهنية باعتباره القوة الأساسية المنتجة في المجتمع . إن تطوير مجال الخدمات مثل السكن ومرافق العناية بالأطفال يهيئ الشروط لكي تقوم المرأة بكامل وظيفتها في عملية الإنتاج الاجتماعي وبالتالي الاستغلال الأمثل للموارد البشرية . إن التناسب الأمثل لمصادر القوة العاملة بين القطاعات المنتجة وغير المنتجة يتوقف على طبيعة ومستوى التطور الاقتصادي . ففي مرحلة معينة يتطلب الأمر زيادة عدد العاملين في القطاعات المنتجة بسبب انخفاض المستوى التقني لوسائل الإنتاج . إلا أن عملية التحديث اللاحقة تساعد على الاستغناء عن قسم من العاملين في الإنتاج المادي وتحويلها إلى قطاع الخدمات ، إن مثل هذا التحديث يقود إلى تغيير العلاقة بين رأس المال والعمل من خلال التخفيض اللازم في قوة العمل ، كما يساعد تخفيض نفقات الجهاز الحكومي من خلال تبسيط وعقلنة عمل هذا الجهاز على إنجاز هذه المهمة.
إن الثروة الحقيقية للمجتمعات هى الثروة البشرية ، والموارد الحقيقية هى الموارد البشرية ، لأنه مهما كانت مقومات الثروة الأخرى متوافرة فإن تعظيمها أو هدرها يتوقف على طبيعة العنصر البشري . والحديث عن العنصر البشري يعنى الحديث عن التعليم والمؤسسة التعليمية .
وقد شهد العالم فى الآونة الأخيرة تطورات هامة فيما يتعلق بأشكال وأساليب التعليم والتعلم ، وهناك اهتمام متزايد بدور الأسرة والأم ، وتركيز على الدورات والبرامج التدريبية ، وأيضاً مفهوم المدرسة بدأ يتغير ، ولم يعد التعليم يتم بالشكل التقليدي ولكن هناك أدوات وأشكال مختلفة فى إطار ما يطلق عليه عمليات التعلم . إن تنمية الموارد البشرية في الوطن العربي يجب أن تكون تنمية مترابطة متكاملة في جوانبها الأساسية، كالسياسات السكانية، والخصائص الهيكلية للقوى العاملة، وسياسات التربية والإعداد والتدريب، وسياسات الاستخدام، على أن يتم ذلك كله في إطار الخطط الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ومن خلال الأهداف الاستثمارية والإنتاجية، وعند وضع أي إستراتيجية لتنمية الموارد البشرية يجب أن تتضمن:
أ- تحقيق التطور النوعي للقوى العاملة ورفع كفاءاتها ومهاراتها في شتى قطاعات النشاط الاقتصادي، بما ينسجم مع مستلزمات تحقيق التنمية الشاملة، وهذا يتطلب رفع إمكانيات التأهيل والتدريب وتوسع قاعدتها بحيث تشمل مختلف أصناف المهن ومستويات المهارة والاختصاص .
ب- تأهيل القوى العاملة لاستخدام التقدم التقني والثورة العلمية في عملية التنمية الشاملة وجعلها في مستوى يمكنها من الإسهام في تطوير التكنولوجيا وتوطينها وابتكارها.
ج- تحقيق التوازن في سوق القوى العاملة، تحقيق التوازن بين عرض القوى العاملة والطلب عليها بهدف التوصل إلى الاستخدام الأمثل لقوة العمل.
د- مكافحة الأمية ونشر الثقافة العمالية بهدف النهوض بمستوى الموارد البشرية وتنميتها (13).
إن وضع مثل هذه الاستراتيجية يتطلب توفير البيانات والمعلومات، وتحديد الاتجاهات المستقبلية للتنمية الشاملة . 2-3- الوطن العربي والتنمية :
كانت بلادنا العربية ومازالت من البلاد النامية, وقد خضعت للاستعمار الغربي, الذي استغلها ونهب خيراتها, مما جعل البلاد العربية أمام مهمة مزدوجة تتمثل في(14) :
1ـ التنمية التي تحتاجها هذه البلاد على كافة الصعد من جهة.
2 ـ إصلاح ما أفسده الاستعمار في هذه البلاد من جهة أخرى.
بالطبع, لا يمكن أن ننكر الفارق الكبير بين البلاد المتطورة والبلاد المتخلفة, ولا يمكن أن نتجاهل حاجة البلاد المتخلفة أو النامية ومنها بلادنا العربية إلى العمل الكثير لتخطي المشاكل الكثيرة التي تعاني منها مجتمعاتها, غير أننا نريد تحديد ما هي التنمية التي تحتاجها هذه البلاد حقيقة بعيداً عن الاستلاب والتبعية, ونريد أيضاً أن ننبه إلى ضرورة التنمية المجتمعية ككل والتنمية الفردية للإنسان بشخصه ثانياً.
إن حجة التنمية استخدمها الغرب من أجل السيطرة واستغلال خيرات ما سمي بلدان العالم الثالث, وقد برر حالة هذه البلاد المتردية بطريقة استعلائية عنصرية, وأرجع سبب تردي الأوضاع عموماً فيها إلى عوامل طبيعية تتعلق بذهنية ونفسية سكان هذه البلاد, وإلى عوامل أخرى متعلقة بظروف كل بلد على حدى .
ومما يؤكد هذه النظرية الغربية الاستعلائية برأيهم أن البلاد المتخلفة لم تستطع تخطي ظروفها الصعبة, رغم خروج الاستعمار منها منذ عقود, وهي حتى الآن لم تستطع النهوض مما يؤكد نظرية قصور قدرات سكان البلاد المتخلفة, وحاجتهم الدائمة لمن يسير بهم نحو التقدم والرفاهية المزعومة.
ومن هنا فقد عامل العالم الغربي البلاد الأخرى من منطلق الوصي على قصّر, واستخدم أساليب ووسائل متعددة للوصول إلى زرع قناعة وصلت إلى حد البديهة عند سكان البلاد المتخلفة, هذه البديهة مفادها أن كل ما هو غربي هو تقدمي, وكل نظام غربي سواء كان في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع بل وحتى في كل الأمور الصغيرة والكبيرة من اللباس والموضة ومقاييس الجمال إلى اللغة وطرق التعبير وأساليب البحث العلمي, هو النظام الأمثل والأكمل, والذي يجب على هذه البلاد المتخلفة إذا أرادت التقدم السعي للوصول إليه بكل ما تملك من أدوات ووسائل, حتى لو أدى بها هذا الأمر إلى التصادم مع جذورها وإلغاء هويتها الخاصة وثقافتها الحضارية. لذلك فقد سيطرت على العالم مفاهيم غربية في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والصحة والعلم وطرق المعيشة وعلاقات الأفراد وكل شيء, صارت هي القمة. بالرغم من أن التجربة قد أثبتت ضرر كثير من هذه المفاهيم, ونتائجها الكارثية على المجتمعات الغربية نفسها. لكنها مازالت إلى الآن هي النموذج الأكمل في نظر سكان البلاد المتخلفة(15) . 3- دور مؤسسات المجتمع المدني في تدعيم التنمية في الجزائر : 3-1- المجتمع المدني ومسألة التنمية : هناك إجماع أو اتفاق مع المشتغلين بعلم الاجتماع والمهتمين بقضايا التطور والتنمية على أن التنمية الحقيقية هي التي تقوم بالاعتماد المتبادل بين المجهودات الحكومية والأهلية معاً، وعلى أن يقدم كل، طرف ما لديه ويسهم بما في وسعه لمواجهة مشكلات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والصحية.. وغيرها وما نراه جميعا في بلادنا اليوم من تواجد كبير وانتشار واسع لمنظمات المجتمع المدني ودور تلك المنظمات في التطور الاجتماعي والاقتصادي، في تطوير وتدعيم التنمية حيث أن البعض منها أصبح لها نشاطاً ملحوظاً في برامج وخطط التنمية في تنفيذ بعض أهداف وبرامج السياسة السكانية وكذا في مجالات البيئة ومكافحة واستراتيجية الفقر.. الخ(16) . 3-2- المجتمع المدني في الجزائر و التنمية : نظراً لإدراك الدولة الجزائرية للدور المهم لهذه المنظمات فقد عملت على تسجيلها بمختلف الطرق وساهمت في تقديم العون لها ومن ضمنها الإعفاءات الجمركية والضريبية وتذليل الصعاب وتقديم التسهيلات والتخفيف من الإجراءات الروتينية الخاصة بإنشاء تلك المنظمات ومنها مساحة كافية للعمل والتحرك كشريك فاعل وهام فبعد استقلال ، وخصوصا اثر التحول الديموقراطي وتبني سياسة التعددية الحزيبة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي تشكلت العديد من الأحزاب السياسية في الجزائر، -على أن الحزب مؤسسة غير رسمية في أنظمة الحكم الديموقراطية لما تتمتع به من قدرة على التأطير و التجنيد و التمثيل و المراقبة- (17) ، و توازيا مع دلك تم اعتماد العديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية والرياضية مهدت إلى نمو وتطور الحركة الجمعوية في الجزائر ، التي ساهمت في بلورة نموذج غير رسمي تمثل في المجتمع المدني ، الذي احتل ولا يزال يحتل موقعا مهما ليس على المشهد السياسي في الجزائر فحسب ، بل تجاوز دوره في المستويات الأخرى خصوصا الاجتماعية والثقافية و التنموية . وقد أصبح متاحا لمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني ببلادنا العمل على كافة المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وتدخلها كشريك هام فعلا في عمليات البناء والتطوير ومنها أنها أصبحت تعمل في مختلف الأنشطة الحيوية مثل: أ - تدعيم الخدمات الصحية وخاصة في المناطق الريفية القريبة ، أملا في تدعيم تلك الخدمات في المناطق البعيدة والنائية. ب - العمل في مشاريع الرعاية الصحية الأولية والصحة الإنجابية. ج- في مجال المشاريع الإنتاجية الصغيرة. د- في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات. ه- في مجال التدريب والتأهيل ومحو الأمية. و- في مجال متابعة استراتيجية مكافحة الفقر. ك- في مجال التنمية والاهتمام بالطفولة والشباب. ل- في مجال الإسهام في تنمية المجتمعات المحلية. ن- في مجال الخدمات، العامة وتقوية البنية الأساسية للمجتمع. ورغم ذلك فإن هناك بعض أوجه القصور في آلية عمل، منظمات مؤسسات المجتمع المدني ببلادنا نذكر منها بإيجاز ما يلي: (18) . أ- التكوين والتسمية : لو نظرنا إلى المسمى السائد لمعظم منظمات المجتمع المدني أن معظمها إن لم يكن جميعها ينطوي تحت مسمى "جمعية" ولو تمعنا لوجدنا أن غالبيتها يحمل اسم "جمعية خيرية" وهذا دليل على أن معظم تلك الجمعيات كانت بدايتها من منطلق العمل الخيري أو الإحسان والتي يتبناها البعض إما من القطاع الخاص أو من مجموعة من الأشخاص يسعون لتقديم العون والمساعدة لشريحة معينة من الناس في إطار مناطقهم، وبذلك انحصرت تلك الجمعيات في مناطق دون أخرى، كما طرأ على تكوين تلك الجمعيات نوعا من العشوائية من حيث النشأة وضعف الجانب التنموي وضعف القضايا المطلبية للتنمية الشاملة وانحصر عملها في الجانب الخدمي أو الدعائي الموسمي المعتمد على المساعدات والمعونات التي يقدمها المانحين. ب- الخدمات: اتسم نشاط تلك الجمعيات والمنظمات بالطابع التقليدي لتقديم الأعمال الخيرية . و تقديم هذه الأعمال موسميا وفي مناسبات معينة. إضافة إلى بقاء معظم المستفيدين والمستهدفين من تلك الخدمات كفئات غير منتجة وغير عاملة بانتظار الهبات والمساعدات التي سوف تقدمها لهم تلك الجمعيات.وبالتالي لم يرتبط نشاط تلك الجمعيات بالعمل الاجتماعي، والتنموي بمفهومه الشامل. ج- مصادر الدعم المالي: ارتباط قيام أو إنشاء أو استمرار إنشاء تلك الجمعيات أو المنظمات بتوفير الدعم المادي سواء من المؤسسات والهيئات الحكومية أو الأهلية أو فاعلي الخير، فإذا توقف هذا الدعم توقف نشاط تلك الجمعيات. و كذا ضآلة الدعم المقدم من المؤسسات الحكومية المعنية أو الوكالات الداعمة والمنظمات والمؤسسات الأهلية يؤثر سلبا في مواصلة تلك الجمعيات لتقديم خدماتها. إضافة إلى عدم الاهتمام بجمع الاشتراكات من الأعضاء والمنتسبين والأشخاص المستفيدين من عمل لتلك الجمعيات والمنظمات والتي تعتبر مصدرا للتمويل، الذاتي رغم ضآلته أو محدوديته، كما أن الدعم الحكومي لتلك المؤسسات أو المنظمات والجمعيات لا يرتبط بمعايير وشروط واضحة ولهذا لم يحدث توازن في تقديم الدعم المادي حيث تستأثر بعض المنظمات والجمعيات على الدعم المادي أو التمويل من الجهات الحكومية أو المنظمات الإقليمية أو الدولة الداعمة والمانحة والأخرى لا تحصل على أي دعم يذكر. د- البناء الهيكلي والقدرات: البناء الهيكلي لمعظم منظمات المجتمع المدني لا يرتبط بالأهداف التي تنشأ لأجلها تلك المنظمات، كما أن بعضها يفتقر إلى رسم الخطط والأهداف الواضحة والبعيدة المدى لاستمرار نشاطها. فطبيعة عمل تلك الجمعيات لا يسير وفقا للإطار المؤسسي المستند إلى تطبيق الأنظمة واللوائح الداخلية وفتح السجلات المالية والإدارية ونظام الأرشفة. كما أن عدم امتلاك بعض المنظمات أو معظمها للمقرات الدائمة يضعف عملها، وكذا تنقل أعضاءها أو توقفهم عن مزاولة نشاطهم . وافتقار عمل تلك المنظمات إلى التعاون بينها وبين المؤسسات الحكومية والداعمة لها إذْ تقتصر الصلة على تقديم الدعم المادي فقط. إضافة لقلة أو انعدام برامج التأهيل والتدريب الموجهة لقيادة وأعضاء الهيئات الإدارية العاملة في تلك المنظمات أو الجمعيات أدى إلى ضعف مستوى الأداء فيها. كما أن اختيار بعض الشخصيات الإدارية غير المؤهلة لقيادة تلك المنظمات يضعف أداءها، حيث لا تعي تلك الشخصيات إلى ضرورة عقد الاجتماعات الإدارية بانتظام وإعداد التقارير والمشروعات والموازنات لتوفر البيانات الدقيقة للجهات المانحة، وعدم التواصل والتنسيق مع المؤسسات المعنية. ويأتي أخيرا عدم وضع خطوط واضحة للسلطة لمتخذي القرار في هذه المنظمات وعدم وضوح المهام والمسئوليات لدى تلك القيادات في هذه الجمعيات والمنظمات لتحسين أداءها مما يقود إلى قيام تلك المنظمات بأعمال ومهام غير ضرورية أو مزدوجة كما تكون بعيدة عن الأهداف المرسومة إن وجدت. ه- مشاركة المرأة : يتضح جليا ضعف مساهمة النساء والفتيات في العمل الطوعي والذي يندرج ضمنه عمل المنظمات والجمعيات والمؤسسات وخاصة الخيرية ويرجع ذلك إلى تأثير منظومة القيم الاجتماعية والتي تحد من المشاركة الفاعلة للمرأة وإن تغيرت بعض المفاهيم تجاه خروج المرأة لسوق العمل نظرا للحاجة الاقتصادية بالأساس ، والتي اضطر البعض للقبول بخوض المرأة لمجالات العمل وإن كانت بعض الشرائح الاجتماعية تفضل عمل المرأة في أعمال معينة كالتدريس والطب .. وغيرها ، ولكن نظير دخل مادي يوفر ظروف معيشية أفضل للأسرة. أما العمل تطوعا وخاصة في منظمات المجتمع المدني فما زال لا يلقى تجاوبا عند معظم النساء في بلادنا . 3-3- متطلبات عمل مؤسسات المجتمع المدني في الجزائر : يتضح انطلاقا مما سبق أن عمل مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق متطلبات التنمية الشاملة المنشودة ببلادنا تتحدد بالأساس فيما يأتي : أ - تأهيل، وتدريب قيادات منظمات المجتمع المدني لتمكنهم من تطبيق أساليب القيادة وتطوير آلية العمل لتنفيذ الخطط والأهداف المرسومة لتلك المنظمات. ب- تفعيل دور مكاتب الشئون الاجتماعية والعمل في الولايات وتهيئتها للقيام بمهامها من حيث الإشراف والمتابعة والتنسيق والتقييم المستمر لأنشطة وبرامج المنظمات والجمعيات المشرفة عليها. ج- وضع آلية للرقابة الداخلية وإيجاد معايير رقابية تتناسب وعمل تلك المنظمات واستحداث أساليب تتناسب والتطورات الجارية. د- الاستعانة بخبرات المنظمات والجمعيات الأخرى والتي تمتلك خبرة متنامية ومتطورة في هذا المجال . ه- وضع تصنيف محدد للمهام والمسئوليات والصلاحيات للعاملين والقياديين في تلك المنظمات. و- إيجاد آلية للتواصل والتنسيق بين الجمعيات والمنظمات والجهات ذات العلاقة وعلى الأخص الحكومية. ك- توفير الدعم المادي وتوزيعه بصورة عادلة ووفقا لمتطلبات كل منظمة واحتياجاتها وليس وفقا لقربها من ذوي العلاقة من المانحين على أن تتبنى الجهة المشرفة على عمل تلك المنظمات عملية التوزيع ووفقا للدراسات والمعلومات المتوفرة لكل منظمة. ل- البعد عن مبدأ فرض الوصاية من قبل الجهات المانحة للدعم المادي، ووضع الشروط والسياسات الخاصة بها وإتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني العمل وفقا لخططها واحتياجاتها. ن - إزاحة العراقيل، وتذليل الصعاب التي تحول دون مشاركة المرأة في منظمات المجتمع المدني بالاشتراك مع الرجل من منطلق أن المرأة نصف المجتمع ، فكيف نعزل نصف المجتمع عن نصفه الآخر والاكتفاء بأن تعمل المرأة في سياق المنظمات النسوية فقط فيكف لنا أن نعمل على تنمية المجتمع والسير قدما نحو التنمية الشاملة دون المشاركة الفعلية لنا جميعا نساء ورجال (19) .
الخاتمة :
أضحت الشراكة بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية من البدائل الحديثة المطروحة لتحقيق التنمية والحد من الفقر. فلم يعد فى مقدرة أية دولة، متقدمة أو نامية، أن تضطلع بكل المهام التنموية فى المجتمع، وأصبح من المستقر عليه أن الحد من الفقر مرتبط ارتباطا وثيقا ببناء شراكة مؤسسية وفعالة بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية. وعلى هذا، فإن إحداث نقلة كيفية فى التنمية مرهون ببناء الشراكة بين الدولة والمجتمع المدنى ، ولا يكون رهنا باقتناع صانع القرار من عدمه.
يكشف العرض السابق عن أن نجاح الشراكة فى الواقع مرهون بإشكالية كبرى إذا تم حسمها، فمن الممكن التغلب على كافة التحديات الأخرى، وهى إشكالية طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى، هل هى علاقة اعتماد متبادل أم علاقة صفرية؟. إذا حسمت هذه الإشكالية لصالح البديل الأول، وهو علاقة الاعتماد المتبادل، فمن المتوقع أن يتم تحقيق إنجاز على صعيد كل التحديات الأخرى، سواء المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية والحكومات كل على حدى، أو المتصلة بالتفاعلات بين الطرفين. وربما يفسر هذا الإلحاح فى كل الأدبيات التى عنيت بالقضية على أن أول شروط الشراكة وأهمها هو توفير بيئة سياسية مواتية، بما يتضمنه ذلك من إطار قانونى مشجع لعمل المنظمات غير الحكومية .
الهوامش :
1- مركز التميز للمنظمات غير الحكومية ، المجتمع المدني ، *نسخة الكترونية* ، تصنيف ورقم الوثيقة: أبحاث ودراسات، عدد (23)، 20/9/2003 ، ص 2. www.ngoce.org
2- نفس المرجع ، نفس الصفحة .
3 عبد الغفار شكر، المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية، دار الفكر المعاصر، 2003م، ص 20.
4- Ibrahim, S., Crisis, Elites and Democratization in the Arab World, Middle East Journal, vol 47, no. 2, Spring 1993 , p 293
5- أماني قنديل، المجتمع المدني في العالم العربي، دراسة للجمعيات الأهلية العربية، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1994، ص 11
6- الشبكة العربية للمنظمات الأهلية ، التقرير السنوي الثالث للمنظمات الأهلية العربية، مكافحة الفقر والتنمية البشرية، 2003، ص 14
7- أماني قنديل ، مرجع سابق ، ص ص 15-20
8- نفس المرجع ، ص 25 .
9 - مصطفى العبد الله الكفري ، التنمية الشاملة والتنمية البشرية ، *نسخة الكترونية* ، مجلة الحوار المتمدن - العدد 816 – 26-4-2004 ، ص 1. gasomfa@scs-net.orgwww.
10- نفس المرجع ، نفس الصفحة .
11- نفس المرجع ، ص 2.
12- خيري عزيز، قضايا التنمية والتحديث في الوطن العربي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان ، 1983 ، ص 73.
13- نفس المرجع ، ص 75 .
14- عدلى هويدا، التسامح السياسى، المقومات الثقافية للمجتمع المدنى فى مصر، القاهرة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، 2000، ص 37 .
15- نفس المرجع ، ص 39 .
16 - السيد، مصطفى، مفهوم المجتمع المدنى والتحولات العالمية ودراسات العلوم السياسية، سلسلة بحوث سياسية 95، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، أبريل 1995. ص 45.
17- عبد النور ناجي ، دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق الحكم الرشيد في الجزائر ، مجلة الأداب والعلوم الاجتماعية ، جامعة سطيف، عدد 5/2007 ، ص 207.
18- نفس المرجع ، ص 209.
19- نفس المرجع ، نفس الصفحة .