الدبلوماسية الإلكترونية والمدخل الجديد لإدارة السياسة الخارجية
د. عادل عبد الصادق
تعريف ومدلولات الدبلوماسية الإلكترونية
كان انعكاس تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كوسيلة وطبيعة عمل جديدة للعمل الدبلوماسي واضحا مع ظهور الإنترنت والمحمول والكمبيوتر والاتصال عن طريق الأقمار الصناعية وما تتيحه مواقع الإنترنت من معلومات جيو سياسية وأثرت على وظائف الدبلوماسية وهي الحماية لمصالح الدولة والملاحظة والمتابعة والمفاوضات وجمع المعلومات ، والمشاركة في صنع القرار والمحاكاة للمنازعات الدولية وتعظيم فوائد التدريب ورفع كفاءة العنصر البشري .
دفعت بذلك التحولات التي أحدثتها الثورة المعلوماتية إلى إعادة تعريف الدبلوماسية فيعرفها جوردن سميث على أنها “ فن التقدم والحفاظ على المصالح القومية من خلال تبادل المعلومات بين الحكومة والدول والجماعات الأخرى “ ، وركز التعريف على دور الاتصالات في بروز فاعلين آخرين ومن ثم فإن ظهور الفاعلين الدبلوماسيين خارج نطاق الدولة أصبح احد أهم ملامح العلاقات الدولية المعاصرة .
أثر الفضاء الإلكتروني على طبيعة المهام الدبلوماسية وظهرت الدبلوماسية الإلكترونية أحد الافرع المهمة في أنشطة الخدمات الخارجية ، وتعرف الدبلوماسية بشكل عام أنها فن التفاوض، وتبرز كوسيلة أو أداة للتفاوض من أجل اقناع طرف أو أطراف، ولا يوجد تعريف محدد للدبلوماسية الا أنها تجمع بين بعض السمات مثل أنها فن يصنع برامج السياسة و فن إدارة العلاقات الدولية، وعملية إدارة المعاملات بين الدول بأساليب الحوار والتفاوض ، باعتبارها لغة الحوار والنقاش والاقناع وفن التعامل بين المنظمات الدولية وحل مشكلاتها وهي لغة العقل الهادئ لا الحرب والصراع، وتعمل على تحقيق ما تعجز الحرب عن تحقيقه وتدخل في المجالات الاقتصادية والسياسية والإعلامية والثقافية
وليس هناك تعريف متفق عليه للدبلوماسية الإلكترونية ، الا ان ابسط تعريفاتها يشير إلى أنها تعبر عن “ استخدام شبكة الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات للمساعدة على تنفيذ أهداف دبلوماسية. ، أو أنها تعبر عن عملية تسخير الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال الحديثة للتواصل مع جمهور خارجي بهدف خلق بيئة تمكين للسياسة الخارجية لبلد ما.
وتتحول المعلومات إلى صيغة رقمية بما يتيح إمكانية توظيفها من قبل الدبلوماسيين والقدرة على الاحتفاظ بها ،والتنسيق مع أذرع أخرى للحكومة ،واستخدام هذه الوسائل للاستمرار في تنفيذ دور الاشراف والتوجيه للسياسة الدولية عبر الحكومة حتى عندما تصبح الدوائر البيروقراطية مدوَّلة بشكل متزايد. وتتيح الدبلوماسية الإلكترونية للدبلوماسيين الاتصال بشعوبهم والشعوب الاجنبية والاستماع إليهم والحوار معهم، هؤلاء الناس الذين انتقلوا وتواجدوا على الإنترنت، إضافة إلى فرض تأثيرهم في عالم الإنترنت المزدحم على نحو متزايد
سمات وخصائص
أصبح العالم أكثر قربا من بعضه البعض, فما يحدث في اي دولة يمكن معرفته في دولة أخرى, وهكذا سادت الشفافية في نشر المعلومات وحرية الوصول إليها ونقلها والتفاعل بشأنها, وبما يؤثر في تعبئة الرأي العام العالمي خلف مايحدث ودفع الجماهير للقيام برد فعل قد يغلب عليه الاستجابات العاطفية تارة أو المساعدة في الرشادة في اتخاذ القرارات تارة أخرى, وذلك من قبيل الموازنة بين التكلفة والعائد للصراع مع تجاوز الزمان والمكان وقيود الجغرافيا للكشف عن اماكن الكوارث والصراع, وبما يعمل على تسريع الخطى لاحتواء الصرإعات والتدخل الدولي في إطار الأمن الإنساني المشترك.
وشهد العالم منذ انتهاء الحرب الباردة تحولا جذريا في الطريقة التي يتعامل بها الفاعلون الدوليون في إدارة علاقاتهم الدولية التي تتعلق بالدبلوماسية والسياسة الخارجية ، ووقف خلف ذلك بعدان مهمان يتعلق احدهما بمعدلات النمو المتسارعة في انتشار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وتأثيرها الكبير على ممارسة الدبلوماسية ، ومثل ذلك أيضا تهديدا لعمل المسئولين الدبلوماسيين ودورهم المركزي في رسم السياسة الخارجية ،وعمل ذلك أيضا على تقويض بعض المهام الدبلوماسية، وأصبحت ثورة الاتصال والمعلومات تقوم بدور كبير في نقل المعلومات حول ما يدور في الخارج وبصورة اسرع وبطريقة مباشرة وهذا ما شكل في حد ذاته إحلالا لمهمة السفير أو المبعوث الدبلوماسي .
اما البعد الآخر الذي كان له دور في تفعيل استخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في نقل المعلومات والانفتاح على الخارج وسرعة نقل المعلومات بين الداخل والخارج فهو بروز دور الفاعلين من غير الدول كفاعلين دبلوماسيين وبشكل مكنهم بأن يكون لهم دور أساسي في العلاقات الدولية الجديدة ، والتي من أهم ملامحها ان الدولة لم تعد الفاعل الوحيد في صنع السياسة الخارجية وأصبح إلى جانبها فاعلون آخرون يقومون بالعديد من المهام الدبلوماسية وأدى بروز الفضاء الإلكتروني وتحوله إلى أداة فاعلة في الدبلوماسية الدولية في تطوير عمل اجهزة إدارة الشئون الخارجية لدول العالم،وأدى أيضا إلى بروز دور قوى للقوة الناعمة في العلاقات الدولية وتطور في إدارة الأزمات الدولية ومنع الصراع الدولي وبشكل جديد في إدارة التفاعلات الدولية .
وتتميز الدبلوماسية الإلكترونية بعدة مزايا هي ، الاولي ، المركزية واللامركزية :عن طريق تنقية الجهاز البيروقراطي وتقليل التكلفه وتوفير قنوات اتصالية سهلة داخل المنظمة بما يزيد من الكفاءة والفعالية .والثانية ، التفتت والاندماج : عبر سهولة إنشاء روابط إلكترونية افتراضية بين المجتمعات المختلفة بما عمل على سهولة الاندماج وفي نفس الوقت القدرة على التعبير عن الهوية الذاتية. والميزة الثالثة، الشفافية :بحالة الانكشاف العالمي ودعم التكتل والتحالف وراء قضايا عالمية وشكل ذلك لصانعي القرار قضايا تتعلق بكيفية التعامل مع المعلومات والضغوط، والميزة الرابعة، التعبئة والرشادة :بتوافر المعلومات في اتخاذ القرارات و الموازنة بين التعبئة وبين الرشادة في اتخاذ القرار .والميزة الخامسة ، السرعة :بتجاوز الزمان والمكان وقيود الجغرافيا بما ينعكس في تسريع الخطى لاحتواء الصرإعات ، والتدخل الإنساني ،والميزة السادسة ، الافتراضية : يعني المحاكاة عبر الكمبيوتر للواقع الفعلي ، فالدبلوماسية الافتراضية هي دبلوماسية حقيقية ،تتم عبر وسائل تكنولوجية، وبرز ما يطلق عليه بـ “الدبلوماسية الضخمة”Mega-diplomacy..والتي تعبر عن شبكة من التفاعلات السريعة بين فاعلين رسميين وغير رسميين.
مظاهر التحول في تأثير الفضاء الإلكتروني على الدبلوماسية الدولية
أثر الفضاء الإلكتروني على وظيفة الدبلوماسي في جمع المعلومات وإيصالها إلى دولته و تعزيز قدرته على المتابعة لما يجري داخل بلده أو داخل الدولة التي يتواجد بها، وإتاحة الفرصة للدبلوماسي للتدريب عن بعد عن طريق الإنترنت والعمل على رفع قدراته العلمية واللغوية، و تأسيس سفارات افتراضية في المناطق الخالية من الحضور الدبلوماسي أو الضعيفة بتطوير مواقع إلكترونية تؤسسها وزارة الخارجية بالدولة المعنية, ذات خدمات موسعة وحية ومتطورة ، وأثرت على وظائف الدبلوماسية وهي الحماية لمصالح الدولة والملاحظة والمتابعة والمفاوضات وجمع المعلومات ، والمشاركة في صنع القرار والمحاكاة للمنازعات الدولية وتعظيم فوائد التدريب ورفع كفاءة العنصر البشري عن طريق ما يمكن ان يتيحه الإنترنت من مهارات لغوية ومعلوماتية وتفاوضية كما يمكن الاطلاع على جميع مناطق النزاع في العالم، واقرار مشروعات أمنية مشتركة عن طريق مواقع الإنترنت والتواصل مع الأطراف المعنيين عن طريقه .
وأثر الفضاء الإلكتروني على العمل الدبلوماسي من خلال الإنترنت والمحمول والكمبيوتر والاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية وما تتيحه مواقع الإنترنت من معلومات جيو سياسية وساعد الفضاء الإلكتروني في تغيير شكل العلاقات الدولية عن طريق التأثير على العنصر البشري وعلى فن الدبلوماسية والمبعوثين الدبلوماسيين في طريقة جمعهم المعلومات وطرق الارسال وجمع المعلومات، وعملية اختبار الدبلوماسي الذي يجب ان يمتلك قدرة عالية من التعامل مع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ويستطيع ان يتفاعل من خلالها ، وكذلك في طبيعة الرسائل التي يمكن ان يبعثها المبعوثون الدبلوماسيون.
وساعد الفضاء الإلكتروني على الحد من إهدار الوقت والموارد في التحضير للقمم بين قادة الدول ، وأثرت وسائل الإعلام كذلك على عمل وزارة الخارجية عبر نقل المعلومات والأحداث والتقارير ، وأدى ذلك إلى تحول وزارة الخارجية من مجرد محصل للبيانات ومجمع للمعلومات ومنفذ للسياسات إلى متلق للمعرفة ومنسق للمجهودات ومفكر في البدائل ومخطط للإستراتيجيات .
ويتم توظيف الفضاء الإلكتروني في العمل الدبلوماسى عبر أدوات جديدة مثل مواقع الإنترنت الخاصة بالسفارات أو عبر استخدام الشبكات الاجتماعية مثل “تويتر” و”فيس بوك” و”يوتيوب” ، والتي اتاحت فرص الوصول مباشرة إلى جمهور الدولة بدلا من الاقتصار على العلاقات مع المؤسسة الرسمية ، وأصبحت تلك الأدوات الجديدة تساهم في خدمة أهداف السياسة الخارجية.الأمريكية ، ويتطلب تفعيل الدبلوماسة الإلكترونية العمل على تحقيق عدة اعتبارات لعل اهمها ، الاول ،عبر دمج التكنولوجيا ونشاطات الإدارة،والثاني ، تمويل برامج تطوير التكنولوجيا,في مختلف المناصب الدبلوماسية، والثالث، تأسيس مركز تكنولوجيا والتعاون مع السفارات في الخارج،والرابع-، العمل على اعتماد تمويل خاص للابتكار التكنولوجي واستخدام البرامج الإلكترونية الإدارية،والخامس- توسيع التشارك في المعلومات والمعارف، والسادس ، العمل على إقامة نظام موسع لإدارة العلاقات ،والسابع ،تحسين قدرات البحث والاسترداد للمواد الرقمية وتوسيع استخدامها للمؤتمرات المنقولة عبر الأقمار الصناعية. والثامن -، تبني أدوات اتصال جديدة مثل منتديات النقاش الحي الإلكترونية وخدمات الفيديو عبر الإنترنت,والتي تغير طريقة التفاعل بين الناس في أرجاء العالم.