من غرائب تاريخ القادة

أنتونيو ديـ أوليفييرا سالازار .. دكتاتور البرتغال منذ 1932 إلى 1968 .. أسس وقاد الـ Estado Novo (الولاية الجديدة) والحكومة
واليمينية والإستبدادية والتي ترأست وسيطرت على حياة البرتغال الإجتماعية والسياسية والثقافية والإقتصادية منذ 1932 إلى 1974 ..
قصة حكمه للبرتغال قصة غريبة وعجيبة للغاية .. لا تستغربوا لأن سالازار ليس هو بطل قصتنا .. بطل قصتنا هو صديق سالازار الحميم ..
فيرجيليو ريس .. لنعد إلى العام 1924 .. أنتونيو سالازار .. مدرس الإقتصاد السياسي في الجامعة .. وفيرجيليوريس .. أحد كبار
الموظفين في مستعمرة أنغولا البرتغالية .. دائما نجدهما معا هذان الشابان الرشيقان المتماثلان عمرا وحتى طولا في مقاهي حي الجامعة
بلشبونة في البرتغال .. ودائما نجدهما يتناقشان نقاشا يتطور تدريجيا حتى يصبح حادا ليضم كل من هو موجود في المقهى .. فقد كان
حي الجامعة بتلك الفترة صندوق صغير مغلق مليء بالأفكار الثورية .. فإذا رأى صاحب المقهى أشباح رجال الشرطة السرية يحومون
حول المكان سارع بفض النقاش والشجار بجملته المعتادة : شطرنج يا سنيور سالازار ؟! .. فيجيبه أنتونيو سالازار وكأنه يعرف ما
المغزى من هذا السؤال : حسنا يا عزيزي .. شطرنج .. ويحضر الساقى رقعة شطرنج ويلتف الجميع حول الشاب سالازار ليشاهدوا
ابداعه في اللعبة التي لم يهزم بها .. يسود الصمت حتى ينصرف رجال الشرطة السريون ويتنفس صاحب المقهى الصعداء ..

---

في إحدى الليالي .. وقد انصرف اغلب من في المقهى .. تدخل غجرية من محترفات قرأة الطالع في الكف ..
أمسكت بكف سالازار وقالت له : ستصبح يا فتى رئيسا لهذه البلاد !! فأجابها بمرح وسخرية : سأبحث عنك حينها لأشنقك
لأنك تنبأتي لي بهذا المصير البشع .. والآن اقرئي كف صديقي فيرجيليو .. ما أن شاهدت الغجرية كف فيرجيليو حتى تملكتها الدهشة :
يا الهي .. هذه اصابع عبقرية .. أصابع شيطان .. هذه الأصابع هي من ستجعل من صاحبك رئيسا للبلاد !!
صاح فيرجيليوريس ضاحكا : تصور يا انتونيو .. أنا الذي سأرفعك لقمة المجد !! بأصابعي هذه .. فيجيب انتونيو :
هراء ثم انكي لم تقرئي كفه .. لم تقرأي سوى أصابعه .. فترد الغجرية : يكفي هذه فإني أرى الموت في كفه .. الموت والثراء قبله ..

---

كان فيرجيليوريس يشعر بالغيرة والحسد من صديقه المتألق الذكي مدرس الاقتصاد السياسي .. وكان يقول لنفسه ان هذه الدنيا لا
تحترم الا من يحمل شهادة عليا .. حسنا .. لم لا احصل على شهادة عليا ؟! وبالفعل .. وخلال 6 أيام كان لدى فيرجيليوريس
باكالوريوس في العلوم الهندسية في كامبردج .. وباكالوريوس معهد العلوم البحرية في لندن .. وباكالوريوس في الصيدلة من جامعة باريس ..
وباكالوريوس في التعدين من ستوكهولم .. كيف يمكن لمخلوق بشري ان يحصل على كل هذه الشهادات الصعبة في 6 أيام فقط ..
بالتأكيد هو ليس عالما مرموقا وبالتأكيد لم يكن له الوقت الكافي ليدرس .. كل ما فعله انه حبس نفسه في منزله وزور هذه الشهادات
ببساطة بإستخدام أصابعه العبقرية .. ولم يعد احد قادر على تمييز الزائف منها من الصحيح .. حتى عمداء الكليات نفسهم لم يشكوا
في صحتها .. تقدم فيرجيليوريس بشهاداته ليحصل على وظيفة محترمة في انغولا كان قد عاش فيها سابقا كاتبا للحسابات في احد سجونها ..
ولكن هذه المرة اراد ان يكون مفتش عام في السجون .. وكان له ما اراد .. ومن تلك الوظيفة استطاع جمع اول 10000 اسكودس
وهي عملة البرتغال بذلك الوقت .. طبعا لم يجمعها بطريقة شرعية .. فمن الرشاوي الى تزوير قرارت الإفراج عن بعض السجناء
استطاع جمع ذلك المبلغ .. وشاء القدر ان يتعرف على 3 من أعظم المجرمين في عصرهم .. النصاب العالمي جوستاف هينيس ..
أبرع منوم مغناطيسي في عصره مارانج فان سلفردي .. أخطر مروج للأوراق المالية الزائفة ادريانو سيلفا .. وسرعان ما تآلفوا
وخططوا للثراء الفاحش التي تنبأت به تلك الغجرية لفيرجيليو .. كانوا يجتمعون في منزل فيرجيليو ويخططون ويبتكرون خصوصا
ان موهبتهم كلهم مجتمعة تجعل نسبة الأمان إلى 100% .. كانت خطتهم ان يسرقوا البنك الوطني .. فيرجيليو رفض في البداية
بحجة انهم ليسوا من رجال العصابات .. لكن مارانج صاحب النظرات الممغنطة كان له رأي آخر : سنسرق البنك الوطني بلا عنف ..
بل ان البنك الوطني لن يشعر اننا سرقناه .. كم تريدون 10 ملايين ؟ 20 مليونا ؟ لا بأس .. لنجعلها 50 مليونا .. ولكن كيف ؟!
بالإستعانة بمهارة فيرجيليو بالتزوير .. ومهارة مارانج بالتنويم المغناطيسي .. ومهارة ادريانو في ترويج الأموال ..

---

كانت الحكومة البرتغالية تطبع اموالها في احدى مؤسسات الطبع في لندن .. ذهب مارانج الى مدير تلك المؤسسة في لندن بصفته
وسيطا بين المؤسسة والحكومة البرتغالية .. مدعيا بأن الحكومة البرتغالية تريد أوراقا مالية جديدة .. وبالإستعانة بنظراته الممغنطة
استطاع خداع المدير وسلب ارادته .. ولم يفطن مدير المؤسسة الى خدعة واحدة من الخدع الكثيرة التي نطق بها مارانج ..
واحدى تلك الخدع ان مارانج طلب من المدير ان يكون ترقيم الأوراق المالية الجديدة نفس ترقيم الدفعة الأخيرة .. دهش المدير لهذا
الطلب الغريب : نفس الترقيم ؟!! فيجيب مارانج ببساطة : أجل نفس الترقيم لأن الحكومة قامت بسحب كل الأوراق القديمة
بسبب تلفها المبكر ..

---

من وجهة نظري .. أعتقد ان مارانج لم يطلب ترقيما جديدا لأن الحكومة البرتغالية ربما كانت ستطلب من تلك المؤسسة ان تطبع أوراقا
مالية جديدة بترقيم جديد يلي ترقيم الدفعة الأخيرة .. وعندها كان سيتشابه الترقيم الذي تريده الحكومة عن طريق وسيطها الحقيقي مع
الترقيم التي تريده العصابة .. وبالتأكيد كانت المؤسسة ستستغرب من طلب الحكومة على أساس انها طلبت ذلك الترقيم سابقا .. فالحكومة
لا تملك من يملك نظرات مارانج الممغنطة وكانت ستحدث مشكلة كبيرة قد تؤدي لفشل الخطة .. لذا كان من الأفضل ان يحدث كما خططت
العصابة الصغيرة .. وهو ترقيم الأوراق المالية الجديدة بنفس ترقيم الدفعة السابقة ..

---

اجتمع مدير تلك المؤسسة مع اللجنة الخاصة واقنع اعضائها بالموافقة على طلب الوسيط (مارانج) : أنا لا ارى اي عيب في الأوراق
التي قدمها الوسيط كلها تحمل توقيع وزير المالية .. بالطبع التوقيع هو من تزوير فيرجيليو بطل قصتنا .. وأجاب احد اعضاء اللجنة :
من باب الحيطة .. لابد من خطابات أخرى بخط وزير المالية ومحافظ البنك الوطني .. بخط كل منهما على حدة .. وليس مجرد توقيع
على خطاب من الآلة الكاتبة .. نقل المدير هذا الكلام الى الوسيط مارانج الذي أجابه بعدم وجود اي مشكلة وانه سيأتيه بتلك الخطابات ..
في 3 ساعات فقط .. إستطاع فيرجيليو تزوير خطابين بخط وزير المالية وخطابين بخط محافظ البنك الوطني .. مع التواقيع والأختام المطلوبة ..
ولم تشك اللجنة أبدا في صحة تلك الخطابات .. ونجحت الخطة .. وحصلت العصابة على الـ 50 مليون أصلية تماما .. وبدأوا بترويجها
وتحويلها الى عملات اجنبية .. فرنكات ودولارات وجنيهات استرلينية .. لأن الأموال التي معهم كان ترقيمها مطابق لترقيم أموال أخرى
صحيحة أيضا .. وكانت خطتهم ستبوء بالفشل ان حدث أحتمال 1 بالمليون وهو ان تقع عملتين بنفس الترقيم في مكان واحد ..
لهذا كان ترويجها أفضل .. سافروا الى البرازيل فاحشي الثراء .. ودخلوا مجال التجارة .. ثم فجأة تحقق ذلك الاحتمال ..
احتمال الـ 1 بالمليون .. وانكشف الأمر وحدث تحقيق طويل وبنفس الوقت حدث انهيار قاتل في الأقتصاد البرتغالي وازمة
مالية خطيرة أدت الى انقلاب الثورة التي حملت أنتونيو ديـ أوليفييرا سالازار زعيم الثورة الى المقعد الذهبي .. رئاسة الدولة ..
وتحققت نبوئة الغجرية .. وكانت اصابع فيرجيليو هي من سببت هذه الكارثة ومن رفعت أنتونيو الى رئاسة البرتغال .. ولكن الغجرية
تنبأت بالموت لفيرجيليو بعد الثراء .. فهل صدقت في هذا أيضا ؟! الحكومة البرتغالية لم تستطع الوصول لأفراد العصابة الموهوبة ..
ولكن شاء القدر ان يفقدوا كل ما كسبوه من مال .. وماتوا فقراء مشردين في البرازيل .. أما فيرجيليوريس .. فقد صار يتسول لقمته
امام الكنائس في عاصمة البرازيل .. الى عام 1955 وهو يتسول لقمته ومن كانوا يتصدقون عليه لم يكن لهم ادنى فكرة ان هذا المتسول
كان في يوم من الأيام أخطر مزور في عصره .. ثم اختفى ولا احد يعلم اين ذهب ..

---

هذه القصة قرأتها في كتاب للكاتب درويش الجميل .