(4) مشروع الشرق الأوسط الجديد وخرائط "رالف بيتر" و"جيفري جولدبرج
أُطلق مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" لأول مرة في عام 2006 على يد "كونداليزا رايس" مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، في مقابل مصطلح الشرق الأوسط الكبير، وتزامن هذا التحول في مصطلحات السياسة الخارجية الأمريكية مع تدشين خط أنابيب (باكو- تيبلسي- جيهان) في شرق المتوسط.
قدمت مشروع "الشرق الأوسط الجديد" علنًا كل من واشنطن وتل أبيب، مع توقع أن لبنان ستكون نقطة الضغط لإعادة تنظيم الشرق الأوسط كله (حاولت إسرائيل غزو لبنان بعد ذلك بأشهر)، وارتبط ظهور مشروع الشرق الأوسط الجديد بمصطلح كثيرًا من تم تداوله على ألسنة الساسة في الولايات المتحدة في هذا التوقيت، وهو ما يعرف بمصطلح "الفوضى الخلاقة" أو "الفوضى البناءة" والذي يعني ببساطة استغلال ظروف الفوضى والحروب في كل إقليم من أجل إعادة تشكيل وجه الشرق الأوسط لتحقيق الأهداف الجيو- إستراتيجية للحلفاء.
خريطة "رالف بيتر" ظهرت فى 2006تزامن الحديث عن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" مع ظهور خريطة الكولونيل "رالف بيتر" والتي تم نشرها في مجلة القوات المسلحة الأمريكية لأول مرة في يونيو/حزيران من العام نفسه (2006) تحت عنوان "حدود الدم: كيف يمكن للشرق الأوسط أن يبدو بشكل أفضل؟"، جدير بالذكر أن "رالف بيتر" هو كولونيل متقاعد في أكاديمية الحرب الأمريكية، ويعتبر رالف بيتر أحد المحللين العسكريين المقربين من دوائر صناعة القرار في الجيش والاستخبارات.
وعلى الرغم من أن هذه الخريطة لم تصدر عن جهة رسمية أمريكية، فقد تم استخدامها في كلية الدفاع بحلف الناتو لتدريب كبار قادة وضباط الجيش. ومن المرجح وفقًا لــ"جلوبال رريسيرش" أنه قد تم استخدامها في الأكاديمية الوطنية للحرب وفي دوائر أخرى للتخطيط العسكري.
خريطة "رالف بيتر" تعتمد على أخري من الحرب العالمية الأوليترتكز هذه الخريطة على خرائط قديمة وضعت للشرق الأوسط منها الخرائط التي وضعت بعد الحرب العالمية الأولى في عهد الرئيس الأمريكي "وودرو ويلسون"، ووصف "بيتر" الحدود الموضوعة في الشرق الأوسط وإفريقيا حاليًا بأنها "حدود مشوهة وضعها الأوربيون لتمرير مصالحهم".
مؤكدًا أنه لا يمكن الوصول إلى تقسيم حدودي يمكن أن يجعل من الجميع سعداء، واصفًا الحدود الجديدة التي وضعها بأنها عملية "تصحيح للأخطاء بحق تجمعات سكانية شديدة الأهمية مثل الأكراد والبلوش والعرب الشيعة".
تقسيمات رالف بيتر للشرق الأوسطالنظر إلى خريطة "رالف بيتر" يقودنا إلى تغييرات عدة، لعل أهمها في منطقة مثلث (باكستان وأفغانستان وإيران) عبر اقتطاع (بلوشتان المستقلة) من حدود الدول الثلاث، إضافة إلى دولة كردستان والتي تضم أجزاء من سوريا والعراق وتركيا الحالية وإيران، ثم اقتطاع جزء آخر من إيران لصالح أذربيجان، ثم دولة للسنة في العراق تجمع بين مساحات من العراق وسوريا حيث تتواجد الأغلبية السنية، ودولة للعلويين على الساحل السوري ودولة للشيعة العرب (معظمها على الأراضي العراقية) تحاصر الإمارات الخليجية الصغيرة: الكويت والإمارات والبحرين.
خريطة «رالف بيتر»
أما السعودية فكان لها نصيب الأسد من رؤية "رالف بيتر" لإعادة الهيكلة، حيث رأى أن ينضم الجزء الشمالي منها إلى "دولة الأردن الكبرى"على أن يتم صناعة دولة مقدسات في مكة والمدينة "أشبه بالفاتيكان" بينما يتم ابتلاع الجزء الجنوبي منها ضمن إطار الحدود اليمنية.
خريطة "رالف بيتر" أثارت غضب تركيا بقي التأكيد أن خريطة "رالف بيتر" لم يتم الاعتراف بها بشكل رسمي من قبل دوائر صناعة القرار الأمريكية، ولاقت احتجاجات واسعة بعد ظهورها، أبرزها ردود فعل غاضبة في تركيا ظهرت في صورة بيانات صحفية يوم 15 سبتمبر/ أيلول 2006 بعد عرض الخريطة في كلية الحرب في حلف الناتو، ما أثار غضب الضباط الأتراك.
وهو ما دفع رئيس الأركان التركي الجنرال "بويوكانيت" لمخاطبة رئيس هيئة الأركان المشتركة للحلف الجنرال "بيتر بيس" احتجاجًا على الخريطة مما دفع البتاجون للتأكيد أن الخريطة لا تعكس السياسة الرسمية للولايات المتحدة وأهدافها في المنطقة.
خريطة «جيفري جولدبرج»وتعتبر خريطة "جيفري جولدبرج"، التي نشرها للمرة الأولى في مجلة (ذا أتلانتيك) أواخر عام 2007 (أعاد جولدبرج تقديم أطروحته في ذات المجلة في يونيو/ حزيران 2014)، امتدادًا لخرائط "رالف بيتر"، وطرح "جولدبيرج" أطروحته في مقالات له بعنوان "ما بعد العراق" تزامنًا مع طرح مجلس الشيوخ الأمريكي خطة وصفت بأنها غير ملزمة لتقسيم العراق.
خريطة «جيفري جولدبرج»
أولت خريطة جولدبرج اهتمامًا خاصًا لتقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي (حدث التقسيم فعليًّا بعد ذلك بثلاث سنوات)، وتشارك مع "رالف بيتر" ذات الرؤية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ودولة كردستان مع إعادة تقسيم سوريا والعراق والأردن ضمن 4 دول هي (دولة سوريا الكبرى ودولة الأردن الكبرى ودولة العراق السنية ودولة العراق الشيعية)، كما أوصى بوضع شبه جزيرة سيناء تحت سيطرة دولية.
(5) خريطة صحيفة نيويورك تايمز
نشرت الخريطة في 28 سبتمبر/ أيلول من عام 2013، وأثارت جدلًا واسعًا في حينها، وضم المقال الذي كتبته "روبن رايت" مشروعًا أو توقعًا لتقسيم 5 دول في الشرق الأوسط وتفتيتها إلى 14 دولة جديدة، وقد ظلت هذه الخريطة حبيسة لأروقة الصحافة لم ترق إلى حدوث جدل كبير على مستوى رسمي سوى أن الصحافة العربية تلقتها بقدر واسع من الاهتمام.
خريطة صحيفة نيويورك تايمز
تقسيم نيويورك تايمزخلال الخريطة المتوقعة، تم تقسيم سوريا إلى 3 دويلات إحداها للعلوين على الساحل، ودولة للسنة في القلب، ودولة أكراد سوريا المرشحة للانضمام إلى أكراد العراق، أما العراق فقسمت لعراق سنية في الشمال (تلتصق بدولة السنة في سوريا)، مع دولة شيعية في الجنوب، ثم امتداد كردي موازٍ لأكراد سوريا، أما السعودية فقسمت لخمس دول في الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط، بينما قسم اليمن ليمن شمالي، ويمن جنوبي.
وعلى الجانب الإفريقي، قسمت ليبيا على أساس قبلي إلى دولة في الشرق عاصمتها بنغازي، ودولة في الغرب وعاصمتها طرابلس، ودولة في الجنوب وعاصمتها سبها.
في الختام، وبصرف النظر عن مدى جدية هذه المشروعات وفاعلية أصحابها في صناعة القرار، وحول ما إذا كانت فعليًّا تشكل بعضًا من حقيقة رؤية القوى الكبرى للمنطقة، فإن المؤكد للرائي أن الشرق الأوسط هو من يقود نفسه نحو مصير مجهول مليء بهواجس التفتيت والتقسيم وأنه إذا كانت سايكس بيكو قد حدثت في غفلة من عمر الزمان بينما لم تفق دول الشرق الأوسط سوى على وقع الصدمة، فإن التغييرات التي يموج بها الشرق الأوسط الآن ليل نهار تحدث على مرأى ومسمع من الجميع وأنه لا شيء بإمكاننا أن نعده بعد الآن مفاجئًا أو صادمًا.