3 ـ العرب والنظام الإقليمي "تحت التشكيل"([url=#_ftn1][sup][1][/url])[/sup].
لقد أصبحت المنطقة العربية مخترقة من قبل أطراف غير عربية تريد أن تلعب دورًا إقليميًا وتؤسس مكانة إقليمية على أنقاض النظام العربي الذي تناثرت أشلاؤه بفعل أزمة وحرب الخليج الثانية، تلك أصبحت حقيقة، والحقيقة الثانية هي: التداخل بين مفاهيم "العربي" و "الآسيوي" و"الشرق أوسطي" ـ وذلك في منطقة الخليج"([url=#_ftn2][2][/url]).
الأمر الذي يعني ـ وبوضوح ـ إعادة النظر في مفاهيم النظام الإقليمي في المنطقة فقد شهدت المنطقة العربية مع بداية عقد التسعينيات عدة تغيرات إقليمية ودولية شديدة التأثير على المنطقة العربية، ولعل أبرزها: أزمة حرب الخليج الثانية، وانهيار الاتحاد السوفيتي، ولقد عبر كثير من الباحثين عن أزمة النظام الإقليمي العربي ما بين انهيار هذا النظام أو "ذوبان حدود النظام العربي، وتداخلها مع نظام الشرق الأوسط"([url=#_ftn3][3][/url]) وهذا دعا البعض إلى اعتقاد أن "مقولة التناقض الحتمي بين الانتماء للنظام العربي والانتماء لأي نظام آخر. وبخاصة نظام الشرق الأوسط، من دعاوى التاريخ، ولم يعد لها بريقها السابق"([url=#_ftn4][4][/url]) الأمر الذي دعا البعض الآخر إلى مقولة: "خروج العرب من التاريخ"([url=#_ftn5][5][/url]).
ولعل أخطر ما يترتب على تلك المتغيرات من نتائج هو "نفاذ دول الجوار الجغرافي إلى قلب المنطقة (العربية) مع إسرائيل من خلال قضايا المياه، والتعاون الاقتصادي والترتيبات ذات الطابع الأمني"، وذلك "في مرحلة وهن عربي شامل لم يشهدها في تاريخه المعاصر"([url=#_ftn6][6][/url]).
وهناك ادعاء بانتهاء التناقض بين النظام العربي والنظام الشرق أوسطي، وذلك تأسيسًا على ما حدث إبان أزمة وحرب الخليج الثانية من غزو دولة عربية لدولة عربية أخرى، ومن ثَمَّ فقد تغير مفهوم الخطر المحتمل، فهو قد يأتي من الجار العربي، وخاصة وأن نمط التحالفات التي شهدتها تلك الفترة قد عرف وقوف دول شرق أوسطية في تحالف مع دول عربية ضد دول عربية أخرى، بل والأغر من ذلك أن أصبحت إسرائيل والسعودية ـ وفي وقت واحد ـ هدفًا للصواريخ العراقية، الأمر الذي أدى ببعض الأطراف العربية (وبصفة خاصة دول الخليج) إلى "إدارة الظهر للعالم العربي" تمهيدًا لتصفية "بقايا الالتزامات المعنوية والمالية" نحو هذا النظام (العربي) وتحويلها وإدماجها ضمن "منظومة الشرق الأوسط"([url=#_ftn7][7][/url]).
والواقع أن تناول كل هذه الأحداث المتشابكة ودراسة تفاعلاتها يحتاج إلى العرض التفصيلي لبعض الجزئيات التي تساعد على فهم وتحليل المواقف، وبيان المصالح والاتجاهات المتعارضة، وبيان وفهم حقيقة المصطلحات التي نستخدمها أكاديميًا وإعلاميًا.
وهذا يعني عودة منا مرة أخرى لمصطلح "الشرق الأوسط" الذي سبق أن تحدثنا عنه، لنوضح أن دعوى انتهاء التناقض بين هذا المصطلح وبين مصطلح النظام العربي وإن كان لها مبرراتها التي ذكرنا بعضها آنفًا إلا أنه يبقى مصطلح الشرق الأوسط على عيوبه التي سبق وذكرناها على خطورته على مستقبل المنطقة وقضاياها المصيرية.
فالتناقض بين هذا المصطلح (الشرق الأوسط) وبين إسلامية النظام الإقليمي يبقى قائمًا، بل إن إسلامية النظام الإقليمي تبقى ـ من وجهة نظرنا الأمل الباقي لإنقاذ مستقبل المنطقة العربية والإسلامية.
وقد سبق وأن أوضحنا أن النطاق الجغرافي الذي يشمله مصطلح الشرق الأوسط يتطابق - في بعض التحديات - مع النطاق الجغرافي للعالم الإسلامي. فلماذا إذن يريدونه نظامًا إقليميًا شرق أوسطيًا، وليس نظامًا إقليميًا إسلاميًا؟ إذن الإجابة على هذا السؤال في غاية الوضوح، فالنظام الشرق أوسطي يعني دخول إسرائيل وإدماجها في هذا النظام وتعزيز مكانتها الإقليمية، وتكريس شرعية وجودها عبر كل الدول المنتمية لنظام الشرق الأوسط، والتي هي دول إسلامية - بالأساس - ضمن إطار العالم الإسلامي. وبذلك تنتهي دعوى أن إسرائيل كيان غريب على الجسد العربي، وبذلك يكون إرساء النظام الشرق أوسطي على حساب معيار إسلامية النظام الإقليمي، ولصالح تبرير وجود إسرائيل وتكريس شرعيتها، والاعتراف بذلك من جميع جيرانها.
واستكمالاً لهذا التحليل نضيف بعضًا من سلسلة النتائج والتداعيات الخطيرة للنظام الشرق أوسطي على كيان العالم العربي والإسلامي ومستقبله، والتي تتمثل في "تصفية التراث الإيديولوجي والسياسي القائم على رفض الإيديولوجية الصهيونية، سواء في الخطاب السياسي أو في أساليب التنشئة التعليمية، والسياسية... إلخ"([url=#_ftn8][8][/url])، والتركيز على أن "نظام الشرق الأوسط الجديد" هو "شرق أوسط متعدد الإيديولوجيات والأديان والسياسات، والقوميات والثقافات([url=#_ftn9][9][/url]) ولعل هذا في جانب منه يفسر شيوع مصطلح "التعددية" الأكاديمية أو الثقافية عمومًا([url=#_ftn10][10][/url]) الأمر الذي يخدم ويكرس في النهاية بقاء إسرائيل، وتبرير وجودها على أساس أنها إحدى صور هذه التعددية التي تذخر بها هذه المنطقة، وذلك على حساب أي دعاوى بوجود وحدة ثقافية حضارية عربية إسلامية تجمع بين هذه المنطقة وتجعلها عربية وإسلامية. ومن ثم يتأكد مصطلح "الشرق الأوسط" وتنزوي وراءه أي دعاوى عربية أو إسلامية.
وبذلك يتم حرمان المنطقة العربية والإسلامية من أي مقومات تساعدها على الخروج من أزمتها، وذلك بتشجيع التنظيمات الفرعية بعيدًا عن الالتزام بإطار عربي أو إسلامي شامل، كعزل أمن الخليج ومستقبله عن باقي الوطن العربي، وعزل منطقة آسيا الوسطى والقوقاز عن الالتقاء بالعالم الإسلامي وبقائها ضمن الإطار الروسي([url=#_ftn11][11][/url]). وبذلك يتم توزيع المكاسب مرة أخرى بين القطبين السابقين أعداء الأمس وحلفاء اليوم: روسيا، والولايات المتحدة حيث تحتفظ روسيا بالجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز ضمن إطار "الكومنولث" وتهيمن الولايات المتحدة على الخليج ومنابع النفط الغنية.
ومن هنا تأتي أهم الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز، فهي قد تكون بمثابة تعويض استراتيجي عما خسره العرب من تفكك وانهيار حليفهم القديم "الاتحاد السوفيتي" فكيف يكون ذلك؟
في الواقع إن هناك معنى مهمًا ينبغي توضيحه حينما تقول: "العرب" فالسؤال يكون "أي عرب"([url=#_ftn12][12][/url]) فمن الواضح أن العرب لا يكونون إرادة سياسية واحدة، ولا كيانًا سياسيًا موحدًا له مصالح معينة وسياسات متفق عليها، ولكنهم يتوزعون بين كيانات سياسية قطرية قد تتعارض مصالحها واتجاهاتها وقد تختلف سياساتها وتوجهاتها. وإذا كان المقصود "بالعرب" جامعة الدول العربية، فإننا نجد من أهل هذه الجمهوريات من يرون أن جهودها قاصرة حتى الآن. وإن كان المقصود هو الدول العربية، فإن من بينها اثنتين ـ على وجه الخصوص ـ مرشحتين لمزيد من التعاون مع هذه المنطقة، وهما: السعودية ومصر، وذلك لاعتبارات تتعلق أساسًا بوجود الحرمين الشريفين في الأولى، ووجود الأزهر الشريف في الثانية.
هذا فضلاً عن أوجه التعاون والاستثمارات الممكن الاستفادة بشأنها([url=#_ftn13][13][/url])، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، يواجهنا ـ بهذا الصدد ـ افتراض بأن الدول العربية قد أخفقت ـ حتى الآن ـ في الاستفادة الفعالة لإقامة روابط شاملة مع هذه الجمهوريات، وأن رؤيتها لهذه الجمهوريات قد انحصرت في أشكال التعاون الديني والثقافي متغافلة عن مدى ما يمكن أن تقييده في المجال التسليحي والاقتصادي والاستراتيجي من هذه المنطقة، ولا سيما وأن إسرائيل لقد سبقت العرب بالفعل فأقامت علاقات بشكل مبكر تمثلت في الخط الجوي الذي فتحته مع "باكو" عاصمة أذربيجان، وسبقت بذلك الدول العربية، أيضًا في عرض الخبرة الإسرائيلية في المجال الزراعي والصناعي كما حدث في أوزبكستان([url=#_ftn14][14][/url])، وذلك من أجل تدعيم النشاطات والعلاقات الاقتصادية بينها وبين مختلف الجمهوريات([url=#_ftn15][15][/url]).
وفي المقابل نجد أن القصور العربي دفع رئيس أذربيجان (مطالبيوف) ـ حين التقى بمسئول بمكتب جامعة الدول العربية بموسكو ـ من أن يصرح: "بح صوتنا في مناشدتكم أن تمدوا إلينا أيديكم لنعمل معًا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية"([url=#_ftn16][16][/url]) كما أن مفتي كازاخستان (أحميدوف) قد نبه إلى أن الظروف الاقتصادية في هذه الجمهوريات تدفعها إلى التعاون مع كل من يمد يده إليها. فأين الدول العربية من ذلك، إنها "لا تزال تقف موقف المتفرج من الأحداث التي تشهدها المجتمعات الإسلامية، وهناك من يظن أن واجبه ينحصر في تقديم المصاحف والهدايا التذكارية لبعض المسلمين..، وهؤلاء يهربون من الميدان، ويتركون الفرصة للغير ليدخل ويقدم مساعداته وأفكاره، وثقافاته وسياساته"([url=#_ftn17][17][/url]).
ويعتقد البعض أن العرب لديهم فرصة أكبر مع الجمهوريات الإسلامية، وذلك للذكريات التاريخية للسيطرة الفارسية والعثمانية على تلك المناطق([url=#_ftn18][18][/url]). في حين ينظر إلى العرب ـ وبصفة خاصة السعودية حيث "الحرمين الشريفين"، ومصر حيث "الأزهر" بكثير من المشاعر الإسلامية، كما يرى البعض أن فرصة العرب باعتبار أنهم ليسوا من دول الجوار الجغرافي لآسيا الوسطى ستجعلهم مفضلين من قبل هذه المنطقة؛ لأن احتمالات الهيمنة بسبب الجوار الجغرافي ليست واردة بالنسبة لهم([url=#_ftn19][19][/url]). ولعل هذه المبررات يمكن أن تمثل معطيات المصالح العربية مع هذه المنطقة بخصوص قضيتين مهمتين هما: الصراع مع إسرائيل، والتعاون الاقتصادي، فما هي التأثيرات الممكنة لاستقلال الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز على هاتين القضيتين.
أ ـ بالنسبة للصراع مع إسرائيل:
هل يعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه واستقلال الجمهوريات الإسلامية في صالح العرب في صراعهم مع إسرائيل؟ وكيف؟
في واقع الأمر، كان ينظر إلى الاتحاد السوفيتي في معظم فترات هذا الصراع على أنه حليف للعرب، ومصدر أساسي من مصادر التسليح، هذا فضلاً عن أن وجوده كقطب في توازن دولي يقوم على الثنائية القطبية كان يعطي "هامشًا للمناورة"([url=#_ftn20][20][/url]). لا يتوافر في حالة سيطرة قطب واحد. على الرغم من أن البعض يرى في زوال القطبية الثنائية فرصة لإيجاد حل لهذه القضية باعتبار أن ثنائية التوازن كان تصعب الوصول إلى حل، فما كان يوافق عليه أحد قطبي التوازن الدولي يرفضه الآخر لمجرد أنه صادر عن خصمه ومنافسه([url=#_ftn21][21][/url]).
والمشكلة الحقيقية في اختفاء الاتحاد السوفيتي هي مشكلة بعض القيادات العربية التي تعودت أن تعتمد على وجوده، وعلى أن تتصور أن هذا وضع أبدي لا يمكن أن يتغير([url=#_ftn22][22][/url]). ولعل الوعي بهذه المشكلة ينبه القيادات الحالية على ألا تكرر نفس الخطأ بأن تبني سلوكها، واستراتيجيتها على أن النظام الدولي يتميز بهيمنة قطب واحد هو الولايات المتحدة، وأن هذا الوضع سوف يستمر، فهذا ـ على الأقل ـ لا يمكن أن يكون الاحتمال الوحيد، فهناك منافسون جدد. هذا بالإضافة إلى ما يتوقعه بعض الباحثين من عودة روسيا لتمارس دورها كقوة عظمى بعد تغلبها على مشاكلها الاقتصادية، وفي ذلك نذكر تلك المقولة: "قد عودنا التاريخ الروسي بأنهم كأمواج البحر ينحسرون لفترة لأسباب داخلية كما حدث بعد ثورة أكتوبر (1917م) ثم يعودون مرة ثانية أقوى من السابق، وبمعنى آخر أن عودة روسيا من جديد ـ لا بد منها ـ كقوة عالمية تلعب دورًا مهمًا في القضايا الدولية والإقليمية"، "ولكن بعد ترتيب البيت الداخلي، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي الجديد ثم الخروج إلى العالم الخارجي"([url=#_ftn23][23][/url])
وبغض النظر عن مدى صحة هذه المقولة، فإن هذا يبقى أحد الاحتمالات، والمهم أن روسيا الآن ـ وتحت زعامة "يلتسن" ـ لا تعد توجهات إيجابية نحو العرب، بل على العكس إنها ترى فيهم مؤيدين ومحالفين للاتحاد السوفيتي السابق بكل ما يأخذونه عليه من مخالفات لحقوق الإنسان([url=#_ftn24][24][/url]). وحتى قبل مجيئ "يلتسن" والتطورات الأخيرة، فإن الاتحاد السوفيتي في عهد "جورباتشوف" كان قد بدأ التحول نحو استرضاء الولايات المتحدة وجعل أولويات منصبه حول حل مشكلاته الاقتصادية، وبما تبناه من مفاهيم "توازن المصالح"، و"الاعتماد المتبادل". كل ذلك جعل مشاكل العالم الثالث والنزعة السوفيتية إلى دعم قضاياه، تتضاءل أمام الرغبة في التوافق مع الولايات المتحدة، إذن بانهيار الاتحاد السوفيتي كان العرب بالفعل "قد خسروا الكثير"، ولم يبق أمامهم إلا التحرك للتعامل مع ثلاث مشكلات أساسية، وهي: إمدادات التسليح، وجهود التسوية، والهجرة اليهودية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق إلى "فلسطين".
ولقد تأثرت بالفعل إمدادات التسليح للدول العربية، وخاصة في غيبة صناعة حربية عربية متطورة، يمكن أن تعوض نقص الإمدادات الخارجية، وقد ينظر إلى الجمهوريات الإسلامية على أنها يمكن أن تكون مصدرًا من مصادر التسليح، وخاصة وأنها لظروفها الاقتصادية تعتمد على بيع الأسلحة. ولكنا نلفت النظر إلى أن سوق السلاح لورثة الاتحاد السوفيتي ينافس العرب فيه منافسون كثيرون لديهم القدرة على الدفع بالعملات الصعبة، فضلاً عن أن الولايات المتحدة تراقب جيدًا هذه العملية لتمنع تسرب الأسلحة المتطورة وعلماء الطاقة النووية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق إلى دول العالم الثالث، وبصفة خاصة إلى الدول العربية والإسلامية حتى لا يؤثر ذلك على التفوق الإسرائيلي في مجال التسلح والذي تدعمه الولايات المتحدة([url=#_ftn25][25][/url]).
وإذ كان استقلال الجمهوريات الإسلامية قد أوجد بادرة إيجابية تمثلت في إعلان نازار بابيف ـ رئيس كازاخستان ـ اعترافه بالدولة الفلسطينية، وذلك في لقاء بينه وبين ياسر عرفات([url=#_ftn26][26][/url]) إلا أن كم المشاكل الداخلية التي تواجه هذه الجمهوريات واحتمالات تفجر الصراعات الحدودية والاثنية والعرقية، تجعل احتمال أن يكون لهذه الجهوريات أثر ملموس بالنسبة لميزان التسلح بين العرب وإسرائيل، أو لجهود التسوية احتمالاً ضئيلاً، فالأثر الأكبر سيكون لروسيا الوريثة الكبرى للاتحاد السوفيتي، ووريثة مقعده في الأمم المتحدة.
تبقى المشكلة الأهم، وهي المتعلقة بالهجرة اليهودية من هذه البلاد إلى إسرائيل. وأكثر ما يمثله هذا الوضع من خطورة تتمثل فيما يمكن أن يؤدي إليه من التأثير ـ مستقبلاً ـ على المعادلة السكانية بحيث ترجح اليهود في إسرائيل والأرض المحتلة، وما يمثله هذا الوضع من تهديد خطير للدول العربية المجاورة، وإذا علمنا "أن الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز تضم حوالي 12% من إجمالي يهود جمهوريات رابطة الدول المستقلة يتركز معظمهم في أوزبكستان (5.5% من إجمالي يهود الجمهوريات)([url=#_ftn27][27][/url]). يكون على العرب التحرك السريع لاستخدام كافة الوسائل الممكنة للتعاون مع هذه الجمهوريات من أجل مواجهة هذه المشكلة والأخطار التي تحملها.
أما عن القضية الثانية التي تهم العلاقات بين العرب والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز فهي:
ب ـ التعاون الاقتصادي:
وفي دراسة عن العلاقات العربية ـ السوفيتية من الناحية الاقتصادية لوحظ أن هذه العلاقات كانت مبنية على مقومات موضوعية أكثر منها على اعتبارات إيديولوجية([url=#_ftn28][28][/url])، ومن ثَمَّ فإن تفكك الاتحاد السوفيتي لا يعني انهيار العلاقات الاقتصادية العربية التي ترتبط بجمهورياته، بل إنه يعني فتح آفاق جديدة للتعامل مع عدد أكبر من الكيانات السياسية المستقلة، ولا سيما مع الجمهوريات الإسلامية التي تعد سوقًا اقتصاديًا كبيرًا، كما أنها تحوي آفاقًا رحبة للتعاون الاقتصادي([url=#_ftn29][29][/url]).
وقد تمت بالفعل بعض الخطوات في سبيل تدعيم التعاون في هذا المجال، "فقد اتفقت مصر وأذربيجان على إقامة بنك مشترك، ووقع صديق أبو شيف - وزير اقتصاد كازاخستان - اتفاقية تجارية مع جمعية مستثمري العاشر من رمضان في مصر في فبراير 1992م"([url=#_ftn30][30][/url]). كما اتخذت بعض الخطوات مع بعض الجمهوريات الأخرى، منها اتجاه عدد من رجال الأعمال المصريين إلى إقامة عدد من المشروعات المشتركة بين مصر والجمهوريات الإسلامية، وعلى المستوى الرسمي توجه وفد اقتصادي برئاسة الدكتور الجنزوري لزيارة بعض الجمهوريات المستقلة، وذلك في 19 يناير 1992م([url=#_ftn31][31][/url]).
والواقع إننا إذا كنا نضع الحاضر والمستقبل أمام دائرة البحث، فإن التعاون الاقتصادي هو أساس النجاح في كافة المحاور الأخرى، وهذا يستلزم الوعي بضرورة التنسيق العربي، ووضع استراتيجية عربية شاملة تضع نصب أعينها التعاون الاقتصادي العربي ـ العربي ـ والعربي ـ الإسلامي، على أوسع نطاق. وفي هذا الخصوص فإن الدول العربية البترولية تحتل أهمية كبيرة لما توفره في أرصدة مالية وتسهيلات ائتمانية، واستثمارات يمكن أن تعزز بها التعاون الاقتصادي مع الجمهوريات الإسلامية المستقلة، وخاصة، وأن المشاكل الاقتصادية هي من أهم ما يواجه هذه الجمهوريات من مشاكل وتحديات([url=#_ftn32][32][/url])، وإذ علمنا "أن ودائع الدول العربية في البنوك الأجنبية تجاوزت (1000) مليار دولار، فإنه ينبغي توجيه جزء من هذه الأموال للاستثمار في هذه الجمهوريات خاصة، وأنها تملك ثروات طبيعية لم تستغل بعد"([url=#_ftn33][33][/url]).
وقد توجد هناك عوائق دولية ومنافسات إقليمية قد تعوق التعاون الاقتصادي المنشود بين الدول العربية والجمهوريات الإسلامية المستقلة، فمن المعروف أنه منذ انتهاء عصر الحرب الباردة، ووجود احتمال التحام الجمهوريات الإسلامية بالعالم الإسلامي، مع ما يعينه ذلك من تهديد للمصالح الغربية ـ بصفة خاصة الأمريكية ـ في حقول البترول الخليجية ـ وهذا الهاجس يقلق صانع القرار الغربي، وذلك في ظل استراتيجية في الغرب بفكرة "الجسر المقطوع" بين الناحيتين"([url=#_ftn34][34][/url]).
[url=#_ftnref1][/url](2) انظر: نبيل عبد الفتاح، "العرب من النظام العربي إلى النظام الشرق أوسطي تحت التشكيل" مرجع سابق ص 46.
[url=#_ftnref2][/url](3) انظر: د. مصطفى علوي، الانعكاسات الإقليمية والدولية لاستقلال الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز" مرجع سابق، ص 65.
[url=#_ftnref3][/url](4) انظر وقارن: أسامة المجدوب "المستقبل العربي وتداعيات عقد التسعينيات" السياسة الدولية، السنة (29) إبريل 1993م، ص 129، وانظر أيضًا: د. مصطفى علوي "مصر والنظام العربي بعد حرب الخليج، ندوة حرب الخليج والسياسة المصرية. (أسوان 28 ـ 30 نوفمبر 1991م) مركز البحوث والدراسات السياسية ـ جامعة القاهرة نوفمبر 1991م).
[url=#_ftnref4][/url](1) انظر هذا الرأي في: د. مصطفى علوي "الانعكاسات الإقليمية والدولية لاستقلال الجمهوريات الإسلامية الجديدة في آسيا الوسطى والقوقاز" مرجع سابق.
[url=#_ftnref5][/url](2) انظر: د. فوزي منصور، خروج العرب من التاريخ (القاهرة: مكتبة مدبولي، ط1، 1993م).
[url=#_ftnref6][/url](3) انظر: نبيل عبد الفتاح، مرجع سابق، ص 69.
[url=#_ftnref7][/url](4) المرجع السابق، ص 66.
[url=#_ftnref8][/url](1) المرجع السابق، ص 69. وانظر أيضًا: نبيل عبد الفتاح "القضايا المطروحة في مفاوضات السلام"، جريدة الأهرام 1/11/1991م.
[url=#_ftnref9][/url](2) انظر: نبيل عبد الفتاح "العرب من النظام العربي إلى النظام الشرق أوسطي تحت التشكيل" مرجع سابق، ص 69.
[url=#_ftnref10][/url](3) انظر: د. نيفين عبد الخالق مصطفى "الأبعاد السياسية لمفهوم التعددية: قراءة في واقع الدول القطرية العربية، واستقراء لمستقبلها" بحث قيد النشر.
[url=#_ftnref11][/url](4) انظر وقارن:
[ltr]William E. Odom, “soviet politics and After: old and New concepts. World politics vol. 45, October 1992, No 1 pp. 66-98.[/ltr]
[url=#_ftnref12][/url](5) انظر وقارن: "الوسط تحاور هيلين كارير، دانكوس - الخبيرة البارزة في شئون الجمهوريات الإسلامية" في: أرواد آسبر "ماذا يريد العالم الإسلامي الجديد" مرجع سابق، ص 287 ـ 288.
[url=#_ftnref13][/url](1) راجع: المرجع السابق، ص 228 ـ 279.
[url=#_ftnref14][/url](2) انظر وقارن: د. محمد السيد سليم "مستقبل الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز" مستقبل العالم الإسلامي. 2 (5) شتاء 1992م، وانظرها في: روسيا وآسيا الوسطى والعرب: "مجموعة قراءات" مرجع سابق 227. وانظر أيضًا: محمد السيد سليم، العرب فيما بعد العصر السوفيتي: المخاطر والفرض، السياسة الدولية، 27 (108) من أبريل 1992م انظرها في: روسيا وآسيا الوسطى والعرب "مجموعة قراءات" مرجع سابق ص 341.
[url=#_ftnref15][/url](3) انظر: وقارن: عبد الرحمن الهواري "مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي في ضوء تفكك الاتحاد السوفيتي" الدار العربية للدراسات والنشر والترجمة لعدد (57) أغسطس 1992م، انظرها في: روسيا وآسيا الوسطى والعرب "مجموعة قراءات" مرجع سابق، ص 380.
ولمزيد من التفاصيل عن التسلل الإسرائيلي لهذه الجمهوريات انظر: مني ياسين "إسرائيل تتسلل لاختراق الجمهوريات الإسلامية السوفيتية" جريدة الشعب 25/6/1991م، انظر أيضًا: "إسرائيل تغزو الجمهوريات الإسلامية السوفيتية" جريدة المسلمون 6/9/1991م.
[url=#_ftnref16][/url](4) انظر: عبد الملك خليل "روسيا والغرب وصياغة أخرى لمستقبل العلاقات" جريدة الأهرام 18/11/1991م، وانظر أيضًا: مصر الفتاة "القاهرة" 9/9/1991م، نقلاً عن د. محمد السيد سليم، "مستقبل الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز" مرجع سابق، ص 227.
[url=#_ftnref17][/url](1) انظر تصريحات زين الدين أحميدوف ـ المفتي الأول في كازاخستان ـ جريدة الجمهورية 6/2/1992م.
[url=#_ftnref18][/url](2) انظر وقارن: عبد المجيد فريد. "المسلمون في الاتحاد السوفيتي إلى أين؟" جريدة الأهرام 9/10/1991م.
[url=#_ftnref19][/url](3) انظر: وحيد عبد المجيد، "تأثير تفكك الاتحاد السوفيتي في العالم العربي والإسلامي" مستقبل العالم الإسلامي، 2 (5) شتاء 1992م، انظرها في: روسيا الوسطى والعرب "مجموعة قراءات" مرجع سابق، ص 368.
[url=#_ftnref20][/url](4) انظر: د. محمد السيد سليم "العرب فيما بعد العصر السوفيتي: المخاطر والفرص" مرجع سابق، ص 338.
[url=#_ftnref21][/url](5) انظر وقارن: عبد الرحمن الهواري، "مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي في ضوء تفكك الاتحاد السوفيتي" مرجع سابق، ص 380.
[url=#_ftnref22][/url](6) انظر وقارن: أسامة المجدوب. "المستقبل العربي وتداعيات عقد التسعينيات" مرجع سابق، ص 131.
[url=#_ftnref23][/url](1) انظر: محمد حسن العبدوس، "مجلس التعاون الخليجي بين الأمن الإقليمي والتحديات الخارجية" مجلة دراسات دولية (تونس: جمعية الدراسات الدولية) العدد (47)، فبراير 1993م، ص 31.
[url=#_ftnref24][/url](2) انظر: د. محمد السيد سليم "العرب فيما بعد العصر السوفيتي" مرجع سابق، ص 343.
[url=#_ftnref25][/url](3) انظر مزيدًا من التفصيل في: مرجع سابق، ص 340، 341. وراجع أيضًا: جريدة الشعب 31/12/1991م، جريدة الأهرام 4/12/1992م. سلامة أحمد سلامة. "نحن والأوكازيون النووي" جريدة الأهرام 11/2/1992م.
[url=#_ftnref26][/url](4) انظر: د. محمد السيد سليم "العرب فيما بعد العصر السوفيتي: المخاطر والفرص"، مرجع سابق، ص 343,
[url=#_ftnref27][/url](1) المرجع السابق، ص 344. ونقلاً عنه ولمزيد من التفصيل عن هجرة اليهود السوفيت يمكن مراجعة د. عبد الوهاب المسيري. هجرة اليهود السوفيت (القاهرة: دار الهلال. سلسلة كتاب الهلال 1990م) ص ص 139 ـ 228. د. أحمد يوسف أحمد "المخطط الراهن لتهجير اليهود السوفيت إلى فلسطين، الجذور، الواقع، المستقبل". المستقبل العربي 13 (141) نوفمبر 1990م، ص ص 80 ـ 101 ويمكن مراجعة إحصاء المهاجرين اليهود في: التقرير الاستراتيجي العربي لعام 1989م، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية الأهرام، 1991م). ص 23.
[url=#_ftnref28][/url](2) انظر: طه عبد العليم "آفاق العلاقات الاقتصادية العربية ـ السوفيتية، المستقبل العربي، السنة (10) العدد (110) أبريل 1988م، ص 75.
[url=#_ftnref29][/url](3) لمزيد من التفاصيل حول الإمكانيات الاقتصادية لجمهوريات المستقلة راجع: معتز محمد سلامه، "مستقبل الدور الروسي في الكومنولث الجديد" السياسة الدولية، السنة (29) العدد (112) أبريل 1993م، ص 158.
[url=#_ftnref30][/url](4) انظر: د. محمد السيد سليم "العرب فيما بعد العصر السوفيتي: المخاطر والفرص" مرجع سابق ص 345.
[url=#_ftnref31][/url](5) المرجع السابق، نفس الصفحة
[url=#_ftnref32][/url](1) انظر وجهة نظر بهذا الشأن في: أسامة المجدوب "المستقبل العربي وتداعيات عقد التسعينيات" مرجع سابق، ص 128 وما بعدها. ولمزيد من التفاصيل عن الإمكانيات الاقتصادية لندوة العالم الإسلامي والمستقبل، مرجع سابق، وبصفة خاصة بحث د. محمد إبراهيم منصور "التكامل وتقسيم العمل بين الأقطار الإسلامية" ص ص 1 ـ 53.
[url=#_ftnref33][/url](2) انظر: د. محمود أبو العلا، مرجع سابق، ص 157 ـ 158.
[url=#_ftnref34][/url](3) انظر: د. محمد عبد القادر أحمد، مرجع سابق، ص 285.