العلاقات السعودية- الروسية من الافتراق إلى الاتفاق.
المصدر: السياسة الدولية
بقلم: محمد عزالدين
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=220953&eid=709
فى تطور نوعى لطبيعة العلاقة بين الدولتين، قام الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولى عهد المملكة العربية السعودية بزيارة إلى
روسيا الاتحادية، فى مطلع شهر سبتمبر الماضى وتكتسب هذه الزيارة أهميتها من اعتبارات عديدة، فهى أول زيارة يقوم بها مسئول
سعودى بهذا المستوى الرفيع إلى موسكو منذ عام 1926
وهى تأتى فى وقت تشهد فيه العلاقات السعوديةـ الأمريكية بعض التوترات المكتومة والخلافات المعلنة، وذلك على خلفية قضايا
عديدة تفجرت على أثر هجمات الحادى عشر من سبتمبر وتداعياتها، حيث كان 15 من منفذيها ال 19 يحملون الجنسية السعودية
بالإضافة إلى الاتهامات الأمريكية الأخيرة للمملكة بشأن مسئوليتها عن ارتفاع أسعار النفط ومن جهة ثالثة، اتخذت حكومة بوتين
موقفا رافضا للحرب التى قادتها الولايات المتحدة على العراق فى 20 مارس الماضى، وهو الموقف الذى تناغم مع سياسة الرياض حيال
المسألة العراقية ومن جهة رابعة، فإنه بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، واستمرار سياسة العزلة التى تفرضها الولايات المتحدة
وحلفاؤها على كل من سوريا وليبيا، وهما الحليفان التقليديان لروسيا، حولت موسكو بوصلتها السياسية فى اتجاه الرياض التى
تتمتع بموقع قوى داخل العالم الإسلامى، خصوصا أن موسكو تعمل من أجل الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامى ولو بصفة مراقب على
الأقل، وهى تعلم مكانة المملكة فى هذه المنظمة
ومن ثم، تعد زيارة ولى العهد السعودى إلى موسكو محطة فاصلة فى العلاقات بين الدولتين ويستعرض هذا التقرير طبيعة العلاقات
بينهما وأهداف الدولتين من توطيد هذه العلاقات والملفات المطروحة فى القمة الأخيرة ورؤية مستقبلية لما ستؤول إليه العلاقات
طبيعة العلاقات بين الدولتين:
لقد مرت العلاقات السعوديةـ الروسية على مدى77 عاما بثلاث مراحل ومحطات رئيسية هى:
1)ـ مرحلة الاعتراف:ـ وتقع هذه المرحلة بين عامى (1926 ـ 1935) فقد كانت السعودية أول دولة عربية تعترف بالاتحاد
السوفيتى وتقيم علاقات دبلوماسية معه، كما كان الاتحاد السوفيتى أول من أعترف بتوحيد الحجاز ومضى لإقامة علاقات دبلوماسية
مع أمير الحجاز وقتئذ الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية وقد وضعت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية
والاتحاد السوفيتى سنة 1926 بأنها بادرة على سعى السوفييت لتوطيد صلاتهم مع البلدان المجاورة لحدودهم الجنوبية على أساس من
مراعاة المساواة والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية كما أنه كان دليلا على فطنة مبكرة لدى مؤسسة الدولة بن
سعود كما كان المستشرقون والمستعربون السوفييت يسمونه، وكان من معالم فطنة بن سعود أن يوازن بين نفوذ القوى الأوروبية
والأجنبية فى الشرقين العربيين الأوسط والأدنى بقوة السوفييت البازغة، أخذاً بقاعدة عدم الانغلاق والاكتفاء السياسى بسلة
واحدة من التعاطى السياسى الخارجى
وربما لم تفت هذه البادرة على واضعى السياسة السوفيتية الجديدة آنذاك لهذا اختاروا شخصية فريدة من تاريخ الدبلوماسية
السوفيتية كمبعوث من كرملين موسكو إلى أمير الحجاز ووقع الاختيار على مستشرق سوفيتى بارز هو كريم حكيموف الذى سبق له العمل
كقنصل عام للحكومة السوفيتية فى طهران عاصمة إيران فى الفترة الممتدة من 1921 إلى 1924 إلا أن العلاقات الثنائية فى هذه
المرحلة شهدت فتورا شديدا، فالتحالف السعودى الروسى لم ير النور كاملا، لاعتبارات سياسية واقتصادية، اضافة إلى ظهور توزيع
جديد للقوى الدولية فى المنطقة على أعتاب الحرب العالمية الثانية، فأفرغت هذه العلاقات الثنائية من قيمتها الحقيقية، وانتهت
بسحب موسكو سفيرها، وتوقفت العلاقات رسميا بعد عدة أشهر
2)ـ مرحلة القطيعة:
استمرت فترة طويلة تجاوزت النصف قرن، بدءا من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1935 وحتى
أواخر الثمانينات الذى شهدت تفكك الاتحاد السوفيتى فى عهد آخر رؤسائه ميخائيل جورباتشوف وقد اتسمت العلاقات السعوديةـ
السوفيتية بالشك وعدم الثقة والارتياب، حيث أنه سادت مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى بقيادة الولايات المتحدة
وامتدت آثار تلك الحرب إلى المناطق الإقليمية ومنها المنطقة العربية، وكانت السعودية من الدول العربية ذات العلاقة الوطيدة
مع الولايات المتحدة والغرب وكانت السعودية من وجهة نظر الاتحاد السوفيتى دولة عربية رجعية ومحافظة، فى الوقت الذى كان يسعى
فيها لدعم علاقاته بالدول العربية التى عرفت بأنها تقدمية، وكانت السعودية ترى فى الاتحاد السوفيتى خطرا دوليا وإقليميا
بسبب سعيه الدائم لنشر الأيديولوجية الشيوعية، ودعم النظم الموالية له فى المنطقة وحصار ومواجهة النفوذ الأمريكى الغربى
والدول الموالية له ومنها السعودية، هذا علاوة على المواقف المتشددة التى كانت تواجه المسلمين السوفييت فى الاتحاد السوفيتى
من ظلم واضطهاد
وفى الواقع أن السعودية كانت ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية من الدول العربية الرائدة فى مواجهة النفوذ السوفيتى فى
المنطقة العربية والعالم الثالث وكذلك العالم الإسلامى وكان ذلك أهم أسباب الحرب الباردة العربية بسبب اختلاف وتباين مواقف
الدول العربية من الاتحاد السوفيتى خاصة فى الخمسينات والستينات، وقد زاد ذلك الوضع منذ اكتشاف البترول وتزايد النفوذ
الأمريكى بعد النفوذ الغربى من منطقة الخليج بوجه خاص
وقد استمرت العلاقات مقطوعة ومتوترة ويسودها الشك وعدم الثقة فى السبعينات أيضا حيث وقعت حرب أكتوبر 1973 وما تلاها من
خطوات نحو تسوية الصراع الإسرائيلى وانفراد الولايات المتحدة بلعب الدور الرئيسى فى التسوية، وامتلاكها ل 99% من أوراق
الحل، الأمر الذى أدى إلى تزايد النفوذ الأمريكى على حساب النفوذ السوفيتى وزاد من ذلك الغزو السوفيتى لأفغانستان عام 1979
الأمر الذى أدى إلى توتر العلاقات بينهما ودعم الدولتين للأطراف المتصارعة فى أفغانستان، بحيث كانت أفغانستان هى العقبة
الكبرى التى كانت تنتهى عندها محاولات إعادة العلاقات بين الدولتين، هذا مع عدم تغير موقف الاتحاد السوفيتى من مسلميه
بالإضافة إلى استمرار إدارة الاتحاد السوفيتى لعلاقاته مع الدول العربية من منطلق دعم الدول العربية التقدمية فى مواجهة
الدول العربية المحافظة وعلى رأسها السعودية، وقد استمر هذا الوضع حتى السابع عشر من سبتمبر1990
3 ـ مرحلة توطيد العلاقات :
تبدأ هذه المرحلة بزوال العاملين اللذين تسببا فى توتر العلاقات على مدى العقود الخمسة
الماضية (غزو أفغانستان والشيوعية) وذلك مع بداية عقد التسعينات الذى شهد زيارة الأمير سعود الفيصل وزير خارجية
المملكة إلى الاتحاد السوفيتى ولقائه بجورباتشوف وتبع ذلك استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء عام
ـ 1991 وظلت العلاقات تسير بخطى بطيئة على امتداد عشر سنوات حتى عاودها النشاط مرة أخرى فى مايو الماضى (2003) لتدشن
مرحلة جديدة فى العلاقات الثنائية بين البلدين ومحاولة تعويض الفرص الضائعة على كافة الأصعدة تحقيقا للمصلحة المشتركة
للجانبين
أهداف الدولتين من توطيد العلاقات:
فى الحقيقة أن توطيد العلاقة بين الدولتين، يحقق مجموعة من الأهداف لدى كل طرف سيسعى إلى تحقيقها، ويمكن بيانها على النحو
التالى:
أولاً: بالنسبة للمملكة العربية السعودية:
سوف تعمل المملكة العربية السعودية ومن خلال علاقتها مع روسيا الاتحادية على تحقيق الأهداف التالية:
1 ـ فى ضوء التطورات الإقليمية والدولية الراهنة، وبخاصة فيما يتعلق بمستجدات العلاقات الأمريكيةـ السعودية، فانه من
المهم أن تتجه الرياض إلى تعزيز علاقاتها مع عدد من الأطراف الدولية الهامة، مثل الصين وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبى
لايجاد نوع من التوازن فى العلاقات الدولية وعدم اقتصار العلاقات على قطب دولى واحد، علاوة على تنويع دوائر الحركة بالنسبة
للسياسة الخارجية السعودية فهذا من شأنه التقليل من حدة الضغوط التى يمكن أن تتعرض لها المملكة، وبخاصة فيما يتعلق بعلاقتها
مع واشنطن، والتى أصبحت تنطوى على قضايا شائكة ومعقدة، وبالذات فى ظل اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقليص اعتمادها
على السعودية سواء على الصعيد العسكرى أو النفطى
إلا أنه لا يمكن التسليم بأن العلاقات السعودية الروسية موجهة ضد الولايات المتحدة لسبب بسيط، وهو أن روسيا ليست خصما
عنيدا للولايات المتحدة كما كان الحال فى زمن الاتحاد السوفيتى بل على العكس باتت روسيا هى الحليف القريب والشريك
الاستراتيجى فى قضايا كثيرة فهى تقف على أعتاب حلف الناتو لكى تصبح شريكا فاعلا فيه قريبا، كما أن الولايات المتحدة ساعدت
روسيا حتى أصبحت ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع وأصبحت تحظى بمكانة تشبه الدولة الأولى بالرعاية من جانب الولايات المتحدة
والدول الصناعية التى قررت مؤخراً منح روسيا 20 مليار دولار على مدى عشر سنوات لكى تتمكن من تفكيك مخزون مادة البلوتونيوم
المشع
2 - تتمكن السعودية من الاتصال المباشر مع الجالية الإسلامية فى موسكو، والتى يقارب عددها 22 مليون نسمة، ولدوا وشبوا
وترعرعوا على مدى ما يزيد عن ألف عام بين أحضان الدولة الروسية ما يجعلهم فى وضعية متباينة عن أمثالهم من مسلمى العديد من
الدول الأوروبية والغربية الذين استوطنوا هذه البلاد عن طريق الهجرة كما أن المسلمين فى روسيا يمكنهم بعد انتهاء الحكم
الشيوعى السفر إلى المملكة العربية السعودية لزيارة الأماكن المقدسة وأداء مناسك الحج والعمرة
ومن الجدير بالذكر أن الجاليات اليهودية فى روسيا تمارس دوراً نشيطا فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
والإعلامية، مما يترك آثاره على سياسة البلاد الخارجية أيضا، فى غياب أى نشاط عربى وإسلامى فى البلاد ولكن يظل هذا التأثير
اليهودى على العملية السياسية فى روسيا محدودا، فظاهرة اللوبى الصهيونى المعروفة فى الولايات المتحدة غير موجودة فى روسيا
لاعتبارين أساسيين:
أولهما، خاص بالمجتمع اليهودى فى روسيا، والذى يتجنب التعصب الزائد لإسرائيل خشية إثارة المشاعر المعادية للصهيونية
والسامية تجاههم كما أن اليهود الروس مازالوا مشغولين ولفترة قادمة باستعادة ثقافتهم وطقوسهم الدينية، واهتمامهم بإسرائيل
هو اهتمام ثقافى واقتصادى بالدرجة الأولى، حيث يسعون إلى جذب الدعم الإسرائيلى للعملية التعليمية والثقافية فى الإقليم، أما
اهتمامهم بالأيديولوجية الصهيونية فى حدود وثانيها، أن هناك خلافات شديدة فيما بين اليهود الروس، يصعب معها تكوين جبهة
موحدة تستطيع الضغط لصالح إسرائيل
3 ـ الاستفادة من الخبرة السوفيتية عمليا وتقنيا وفتح مجالات أرحب للتعاون بين الدولتين فى شتى المجالات الاقتصادية
والعلمية والثقافية والرياضية
4 ـ الحصول على الدعم الروسى فى بعض القضايا العربية والإقليمية مثل المسألة العراقية والصراع الفلسطينى الإسرائيلى
واستهداف إيران إلى جانب مكافحة الإرهاب
ثانياً:ـ بالنسبة لروسيا:
تسعى روسيا من خلال علاقتها مع السعودية إلى تحقيق الأهداف التالية:
1 ـ تنشيط أو استرجاع الدور الروسى فى المنطقة، وبخاصة فى أعقاب الإطاحة بالنظام البعثى فى بغداد، حيث أن الشركات
الروسية كانت لديها مصالح مباشرة فى ثلث الإنتاج العراقى من النفط والغاز، كما أن انفراد واشنطن بملف الصراع الفلسطينى ـ
الإسرائيلى دليل آخر على هذا التهميش والتراجع وفى هذا السياق، ولما كانت واشنطن قد أتمت سحب قواتها العسكرية من أراضى
المملكة، فإن النجاح الذى قد تحرزه الجهود الرامية إلى تأسيس اطار جديد للتعاون الحقيقى بين السعودية وروسيا قد يمهد الطريق
للتنسيق والتعاون بين الطرفين فى مجال الدفاع عن دور روسى فاعل ونشط فى المنطقة
2 ـ تنشيط صادرات السلاح الروسى إلى المنطقة، حيث تهيمن الاعتبارات الاقتصادية على أولويات المصالح الروسية ففى اطار
توجه القيادة الروسية للاعتماد على الموارد والامكانات الذاتية فى النهوض الاقتصادى تم التركيز على التوسع فى مبيعات
الأسلحة ليس فقط إلى الأسواق التقليدية للسلاح الروسى، ولكن بفتح أسواق جديدة، الأمر الذى أدى إلى زيادة صادرات السلاح من
ـ 368 مليار دولار عام 2000 إلى 44 مليار دولار عام 2001
فى هذا الاطار يكتسب سوق الشرق الأوسط أهمية خاصة كسوق هامة للأسلحة الروسية فمن المعروف أن الاتحاد السوفيتى كان أكبر
مصدر للأسلحة إلى الشرق الأوسط (273% من اجمالى صادرات السلاح للمنطقة) وذلك خلال الفترة من 1984 إلا أن مبيعات السلاح
الروسية انخفضت لتمثل 10% فقط من إجمالى مبيعات الأسلحة للمنطقة خلال الفترة من 1989 ـ 1993، لتحتل روسيا بذلك المرتبة
الرابعة بين الدول المصدرة للسلاح للمنطقة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا
وتسعى روسيا إلى استعادة مكانتها كمصدر رئيسى للسلاح فى المنطقة من خلال فتح أسواق جديدة فى الأردن ودول الخليج العربى
والتى تعتبر سوقا تقليديا للولايات المتحدة والدول الغربية كما تهدف روسيا إلى جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال العربية خاصة
من دول الخليج العربى، وتنشيط العلاقات الاقتصادية والتجارية، وزيادة الصادرات الروسية من السلع والمواد الخام إلى دول
المنطقة
ـ 3 ـ الحصول على دعم المملكة العربية السعودية ومؤازرتها لرغبة روسيا فى الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامى، وهو ما
أشار اليه الرئيس بوتين فى تصريحاته أثناء زيارته لماليزيا فى أغسطس الماضى عقب اجتماعه بنائب الرئيس الماليزى عبد الله
بودى الذى يرأس المنظمة فى أكتوبر الحالى خلفا لمهاتير محمد حين قال:
يزيد عدد المسلمين فى روسيا على عددهم فى بعض الدول
الإسلامية بما فى ذلك ماليزيا نفسها، داعيا إلى انضمام بلاده بصفة مراقب فى المرحلة الراهنة والملاحظ تزايد دور المسلمين فى
الحياة الروسية الاقتصادية والسياسية ومع أنه لا توجد أحزاب كثيرة فى روسيا تمثل ما اصطلح على تسميته الطوائف الدينية
التقليدية ويقصد بها المسيحية الأرثوذكسية والإسلامية واليهودية والبوذية إلا أن الحزب الأوروآسيوى الذى تأسس مطلع العام
ـ 2001 ويضم فى عضويته وقيادته شخصيات إسلامية معروفة بدأ ينشط فى الساحة السياسية طارحا شعارات مهمة مثل تدعيم التكامل فى
الساحة السوفيتية السابقة، وجمع صفوف المجتمع على أساس المساواة واحترام القيم الثقافية والدينية لجميع الطوائف
ولا يستبعد المحللون والمراقبون للشأن الروسى احتمال تشكيل كتلة نيابية إسلامية كبيرة فى مجلس النواب الدوما الروسى فى
الانتخابات المقبلة خريف هذا العام وتكشف أحدث الاستطلاعات عن أن نسبة الذين سيقترعون لصالح مرشحى الحزب الأورو آسيوى
ارتفعت خلال شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر الأخيرة من 10% إلى 20% وفى حال وصول مرشحى الحزب إلى البرلمان بنسبة مرموقة فإن
دعوة بوتين التى عارضتها أوساط ليبرالية محدودة موالية للغرب ستجد الدعم السياسى والاجتماعى الكافيين لأن تصبح روسيا عضوا
فاعلا فى منظمة المؤتمر الإسلامى
علاوة على ذلك، روسيا ليس لها مصلحة أن يكون هناك صراع بين الحضارات لاسيما والطرح القائم الآن حول صراع الحضارات يرى فى
الإسلام وحضارته عدوا ومنافسا للحضارات الأخرى، فالإسلام مكون رئيسى للحضارة والثقافة الروسية، فالإسلام هو الديانة الثانية
بعد المسيحية، ويوجد بها أكثر من (5000) مسجد، وتعد موسكو أكبر عاصمة أوروبية باعتبار عدد المسلمين يقارب المليون
والمسلمون من القوميات الروسية أعضاء فى مختلف أجهزة الحكم الروسية، ولديهم جمهوريات إسلامية ذات حكم ذاتى ضمن فيدرالية
روسيا ومن أبرزها (تتارستان وبشكيريا وداغستان)، والمسلمون لا يتركزون فى مناطق معينة خاصة بهم، بل لهم انتشار فى كافة
انحاء روسيا، هذه كلها عناصر هامة تبرز أهمية العامل الإسلامى فى روسيا ذاتها، بحيث يصبح حدوث صراع بين الحضارات يهدد
الوحدة والأمن الروسى، وكذلك الأمر بالنسبة للمملكة العربية السعودية التى تقوم على العقيدة والثقافة الإسلامية، والتى بها
الحرمان الشريفان وأكبر مجمع على الاطلاق لطباعة المصحف الشريف، فهى بالنسبة للمسلمين راعية شئونهم ومهتمة بمصالحهم
وحاجاتهم، ولذلك فإن الصراع بين الحضارات يهدد أمنها واستقرارها
4 ـ الحصول على دعم المملكة للانضمام إلى عضوية منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) فعلى الرغم من أن روسيا دولة
ليست عضوا فى أوبك إلا أنها حاولت التنسيق مع دول المنظمة ولكن لم يتحقق بشكل تام، نظرا لأن الحكومة الروسية لاتملك سيطرة
كاملة على قطاع النفط الروسى وذلك على خلاف السعودية التى تسيطر الحكومة فيها على قطاع النفط وبالتالى أصبح الخيار الوحيد
المتاح أمام الدولة الروسية هو أما تشجيع أو الحد من الوصول إلى أنابيب النفط التى تقع تحت سيطرة الحكومة ولكنها لا تستطيع
السيطرة على أعمال الشركات
ونظرا للسيطرة المحدودة للحكومة الروسية على قطاع النفط، فإن شركات النفط الروسية الكبيرة مثل (لوك أويل) و (يوكوس)
و (سرغت) أبدت امتعاضها لأية محاولة للحد من صادراتها معتبرة ذلك تدخلا حكوميا لا مبرر له فى خطط هذه الشركات إضافة إلى
ذلك فإن روسيا واجهت فى الوقت الراهن ضغطا سياسيا عالميا من الحكومات الغربية وخاصة الحكومة الأمريكية لرفع إنتاجها من
النفط من أجل الحفاظ على الأسعار منخفضة، الأمر الذى يساعد على انعاش اقتصاديات هذه الدول وقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة
إلى زيادة إنتاج روسيا من النفط فى حين كانت السعودية من خلال منظمة الأوبك تبذل جهودا مكثفة للمحافظة على استقرار الأسعار
الملفات المطروحة على قمة الرياض ـ موسكو:
لتحقيق أهداف الدولتين من توطيد العلاقات، تطرقت مباحثات ولى العهد السعودى الأمير عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس
الروسى فلاديمير بوتين إلى عدة ملفات، على النحو التالى:
1 ـ الملف السياسى:
والذى انقسم بدوره إلى ملفين آخرين، وهما:
أ ـ الملف الفلسطينى:
إن العمل السعودى الروسى بالنسبة للملف الفلسطينى يكاد يكون متشابها، فاذا كانت السعودية هى
صاحبة المبادرة المعروفة بمبادرة ولى العهد والتى أقرتها القمة العربية فى بيروت (27 مارس 2002) عن الاستعداد العربى
الكامل لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل عندما تنسحب من جميع الأراضى العربية المحتلة وتعترف بحق الفلسطينيين فى إقامة
دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، فإن روسيا هى أحد أضلاع مربع السلام مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة
ولعب وسيط السلام الروسى أندريه فيروفين جهودا كبيرا فى صياغة خريطة الطريق، وتطالب كل من السعودية وروسيا بالتنفيذ الكامل
لكل بنود خريطة الطريق، كما أعلنتا أكثر من مرة أن الجدار الفاصل الذى تنوى إسرائيل بناءه يتعارض مع خريطة الطريق والرغبة
فى التعايش بين الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى وقد خلص الجانبان إلى ضرورة نشر قوات دولية فى منطقة النزاع الفلسطينى ـ
الإسرائيلى، باعتبار ذلك السبيل الوحيد لوقف إراقة الدماء، وعلى أن يكون ذلك مشروطا بموافقة الطرفين (الفلسطينى ـ
والإسرائيلى) كما استبعدت موسكو فكرة العقوبات للضغط على إسرائيل
ب ـ الملف العراقى:
برزت نقاط مشتركة بين المملكة وروسيا بمناسبة التحضيرات للحرب ضد العراق العام الماضى، حيث اتخذت
موسكو موقفا حازما بشأن تحكيم الأمم المتحدة فى قضية أسلحة الدمار الشامل فى العراق، ورفض الحرب على هذا البلد إلا بتفويض
من مجلس الأمن وهو مثيل الموقف السعودى فى المسألة بعينها، كما أن تداعيات الحرب الانجلو أمريكية على العراق، وما تثيره من
هواجس حول الأمن الاستراتيجى السياسى والاقتصادى، جعلت روسيا أقرب من ذى قبل للتفاهم مع العالم العربى والإسلامى
وشدد الطرفان على ضرورة سيادة العراق ووحدة أراضيه واستقلاله، وأهمية تحديد سقف زمنى لانهاء الاحتلال وإقامة مؤسسات الحكم (الشرعية) فى العراق، الأمر الذى يعنى ضمنا أن البلدين وعلى الرغم من ترحيبها وابداء الاستعداد للتعامل مع مجلس الحكم
الانتقالى فى بغداد والوزارة العراقية المشكلة حديثا، فإن الرياض وموسكو لا ينظران إلى هذه المؤسسات على أنها مؤسسات كاملة
الشرعية، بل مؤقتة وخطوة على طريق تحقيق سيادة العراق وان الاعتراف السعودى الروسى المتأخر بمجلس الحكم العراقى سيتم فى حال
إقامة (حكومة شرعية تمثل كل فئات الشعب) كما أكد الطرفان على ضرورة إرسال قوات دولية إلى العراق تمثل تخويلا وتفويضا
واضحا من مجلس الأمن
2 ـ الملف الأمنى:
إن مكافحة الإرهاب يمثل أيضا رابطا فى خدمة روابط المصالح التى تجمع البلدين فالأمن الروسى والسعودى مهددان من العمليات
الإرهابية والنشاطات المتطرفة وما يؤكد ذلك أن الزيارة تأتى بعد تفجيرات الرياض فى مايو الماضى وما تبعها من حملات مطاردة
للعناصر المتطرفة، وهى الأحداث التى وصفها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أنها تماثل ما يجرى فى الشيشان بالضبط فالموقف
السعودى الرسمى يقوم على إدانة العمليات الإرهابية واحترام السيادة الروسية على اراضيها، وهو ما لم تر بعض الجهات الروسية
أنه كاف، لكن المواجهة السعودية للمتطرفين داخل حدودها يمكن أن تغير من الصورة وذلك على أساس مشاركتها فى الحرب ضد الإرهاب
بالإضافة إلى تبديد المخاوف من ارتباط بعض السعوديين بالعناصر الانفصالية فى الشيشان كما تتعرض السعودية لضغوط من جانب
واشنطن التى تتهم بعض العناصر الإسلامية السعودية بدعم الإرهاب والتسلل لتنفيذ عمليات داخل الأراضى العراقية
وقد أسفرت المباحثات بين الجانبين السعودى والروسى عن تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق والتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب ورغم أن
اللجنة لاترقى إلى اتفاقية تعاون أمنى، إلا أن الجانبين يعدانها خطوة كبيرة باتجاه الشراكة فى مجال مكافحة الإرهاب بكافة
أشكاله وتجلياته
3 ـ الملف الاقتصادى:
تعتبر الرياض وموسكو أكبر مصدرين للنفط فى العالم، فروسيا تعد أكبر مصدر للنفط من غير أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بينما تمتلك السعودية أكبر مخزون بترولى فى العالم ومن ثم، فقد حظى الملف النفطى بأولوية فى جدول أعمال مباحثات
الجانبين لأسباب عديدة أهمها ما ذكرته تقارير اقتصادية صادرة حديثا من أن روسيا شكلت خلال العامين الأخيرين تهديدا حقيقيا
لزعامة المملكة العربية السعودية فى مجال النفط، واستندت فى ذلك إلى احصائيات حديثة كشفت عنها مؤسسة الطاقة الدولية ومقرها
فى باريس، وأشارت إلى أن روسيا تجاوزت المملكة العربية السعودية وتصدرت قائمة الدول المنتجة للنفط فى العالم فى شهر مارس
الماضى وذلك للمرة الأولى منذ الثمانينيات، حيث ضخت روسيا 736 مليون برميل فى اليوم مقارنة بإنتاج المملكة العربية السعودية
الذى بلغ 733 مليون برميل فى اليوم فى ذلك الوقت وقد أشارت مؤسسة الطاقة الدولية إلى أن روسيا تمكنت من تحقيق ذلك رغم ان
احتياطياتها النفطية تعادل فقط 51% من احتياطيات السعودية، وعلى الرغم من أن طاقتها الإنتاجية تبلغ 70% من الطاقة الإنتاجية
للسعودية، والأهم من كل هذا أنها ليست عضوا فى منظمة الأوبك ولذلك فإن وجود دولة مثل روسيا بمثل هذا الحجم من إنتاج النفط
الذى يتم خارج نطاق الأوبك لا يسهم بالطبع فى ضبط أسعار النفط فى السوق العالمية وقد أبرمت الدولتان اتفاقا بتروليا يقضى
بدخول رؤوس الأموال السعودية للاستثمار فى مشاريع روسية، وأن تستفيد الرياض من الخبرة الروسية فى هذا المجال، كما تعهد
الجانبان بموجب الاتفاق بالتعاون معا لضمان استقرار السوق العالمية للبترول، الأمر الذى يكتسب أهمية كبيرة على ضوء احتمالات
تغير أوضاع السوق العالمية للبترول فى ظل سيطرة الولايات المتحدة على آبار البترول العراقية وفى الاطار الثنائى أيضا تم
توقيع اتفاقات تعاون فى مجالات التجارة والصناعة، كما تتطلع السعودية وروسيا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ضمن شروط
لا تؤثر على الاستقلال الاقتصادى والسياسى للرياض وموسكو
4 ـ الملف الثقافى:
تطرقت مباحثات الطرفين إلى سبل تطوير العلاقات الثقافية بينهما وتدعيم الاتصالات عن طريق الأوساط العلمية الأكاديمية بحيث
تمخضت عن مذكرة للتعاون بين أكاديمية العلوم الروسية ومراكز الأبحاث العلمية التقنية للسعودية، علاوة على التبادل الثقافى
والذى جسده برنامج حوارى على مدى أسبوعين شارك فيه أكثر من عشرة أكاديميين بارزين من السعودية وصلوا قبل الأمير عبد الله
ومكثوا بعده فى موسكو، وشاركوا فى حلقات نقاش مع وجوه ثقافية وأكاديمية وفكرية بارزة فى روسيا وضمن ندوات مفتوحة تحت عنوان (الحوار الثقافى الروسى ـ السعودى) الذى يعتبره المراقبون سابقة فى العلاقات بين بلد عربى وروسيا، بحيث حرص الوفد
الثقافى السعودى على إبراز الصورة الحقيقية للثقافة العربية والإسلامية التى تقوم على التسامح واحترام الآخر وإمكانية
التبادل والتعاون الثقافى معه، من خلال تقديم الفرص الدراسية للطلبة الروس لتعلم العربية ومواد الثقافة والهوية الإسلامية
رؤية مستقبلية:
وفى النهاية، يمكن القول ان العلاقات السعوديةـ الروسية مرشحة للدخول فى مرحلة جديدة بعد زوال الأسباب التى باعدت بين
البلدين فى الماضى فالنفط أصبح محطة ارتكاز للتعاون بين العملاقين النفطيين من أجل ضمان استقرار أسعار النفط العالمية كما
إن الإرهاب طالهما وأصبحت موسكو والرياض مسرحا لعمليات تفجير من حين لآخر والايديولوجيا لم تعد متناقضة، فهاهى روسيا تطلب
الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامى ومن ثم، فإنه يتوقع والشواهد كثيرة إن رحلة الافتراق فى علاقات السعودية وروسيا
انتهت، لتبدأ رحلة جديدة من الاتفاق.