نظرية الدور الاقليمى وفلسفة المجال الحيوى
1– ماهية النظام الاقليمى
يمثل النظام الاقليمى وحدة متوسطة بين الدولة القومية والنظام العالمى، ولهذا يعرف بأنه (نمطا منتظما من التفاعلات بين وحدات سياسية مستقلة داخل اقليم جغرافى معين). كما يوصف بأنه (اطار تفاعلى مميز بين مجموعة من الدول يفترض بأنه يتسم بنمطية وكثافة التفاعلات بما يجعل التغير فى جزء منه يؤثر على بقية الاجزاء، وبما يؤدى أو يحمل ضمنا إعترافا داخليا وخارجيا بهذا النظام كنمط مميز).
والتمييز بين النظم الاقليمية يستند الى اتجاهات ومدارس متعددة، من بينها من يذهب الى التمييز بين اتجاهات ثلاثة فى هذه النظم هى : -
الأول: اتجاه التقارب، ويقصد به التقارب الجغرافى .
والثانى: اتجاه التماثل أو التجانس، وهو يركز على أبعاد التماثل الثقافى والاجتماعى والاقتصادى .
أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه التفاعلى، الذى ينتقد الاتجاهين السابقين لعدم اشتراطهما ان تكون الدول المتجاورة على علاقات وثيقة فيما بينها، ومن ثم يصبح العامل الحيوى فى اى نظام اقليمى هو: مدى وجود تفاعلات سياسية واقتصادية وثقافية بين الدول وبعضها البعض.
وبصرف النظر عما تظهره هذه الاتجاهات من تنوع ، فان من بين المعايير المتفق علي توافرها فى تعريف النظم الاقليمية ما يلى : -
أ) وجود اكثر من ثلاث دول (او دولتين على الاقل عند البعض) تشارك فى عضوية النظام.
ب) وجود شبكة معقدة ومتداخلة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الخاصة بالنظام .
ج) وجود منطقة جغرافية معيتة كمحدد لهوية النظام ، اى توافر تقارب جغرافى ملحوظ بين وحدات النظام.
د) وجود درجة ملحوظة من التجانس الاجتماعى والاقتصادى والثقافى.
2- جذور نظرية الدور الاقليمى:
يرجع أصل وجذور نظرية الدور الاقليمى الى فلسفة السياسة النازية التى ترى ان لكل دولة مركزية (مجالا حيويا) تلعب فيه دورا بحكم تاريخها وجغرافيتها، وأن لهذه الدولة ان تسيطر عليه بالغزو المسلح للأقاليم إن لم يكن بممارسة النفوذ السياسى، وذلك حسب الفكر الألماني الذى أقر بعضوية الدولة وضرورة زحزحة حدودها لتشمل أراضي تتناسب مع متطلباتها الجغرافية.
وجاء ذلك في ظل تنامي أفكار القومية الشيفونية الممزوجة بأغراض التوسع العسكري للحزب النازي، ولم يتوان هتلر فى تلقف هذه الافكار لتكريس مفهوم المجال الحيوي لألمانيا، أي مساحتها الجغرافية اللائقة بها وبالجنس الآري، ولتمثل أبرز مقومات القومية الاشتراكية (النازية) التي تبناها.
وتبدو خطورة هذه النظرية في أن تعريف المجال الحيوي لقوة عظمي محددة يعتمد علي إدراك النخبة السياسية الحاكمة لحدود هذا المجال, وقد تؤدي الأطماع الاستعمارية إلي توسيع هذا المجال من خلال غزو أقطار مجاورة, وضمها إلي أراضي القوة العظمي.
وعلى الجانب الآخر ظهر على المسرح الجغرافي - مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد للمجال الحيوى وهو "الحدود الشفافة"، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور- أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ"جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية". وهذا المفهوم يسمح بأن يصبح العالم كله "المجال الحيوي" للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة اختارتها لنفسها.
وأهم سمة في هذا المجال الحيوي هو "اللامواجهة"؛ استناداً إلى مزايا الحرب الإلكترونية، وتوظيف الخصوم المتناحرين في إدارة الحرب بالإنابة، أو التدخل في لحظة محددة باعتباره تدخلاً إنسانيا لصالح العدل والحرية، وفي نفس الوقت تدفع الولايات المتحدة في هذا المجال الحيوي - دون حاجة لتوسيع الحدود- بمبيعات أسلحتها وتحصل شركاتها على أفضل فرص "إعادة الإعمار" وحقوق التنقيب عن الثروات ويشهد علي ذلك أن الولايات المتحدة قسمت العالم إلي مناطق عسكرية لكل منها قيادة محددة تعمل تحت إمرتها أساطيل وطائرات وقوات عسكرية.
وقد أرادت الولايات المتحدة أن تنتهز فرصة الضعف التي تمر بها روسيا فمدت مجالها الحيوي إلي حدودها من خلال استقطاب دول أوروبا الاشتراكية السابقة لتصبح تابعة لها سياسيا بضمها إلي حلف الأطلنطي, واقتصاديا من خلال مدها بالمساعدات, غير أنه أخطر من ذلك كله إقامة شبكة متكاملة من الصواريخ بعيدة المدي تحاصر بها روسيا إستراتيجياً, بزعم أنها موجهة ضد إيران, رغم الاعتراض الروسى بأنه ذلك يهدد أمنها القومي .
وهناك من يرى أن المجال الحيوى يتضمن كافة مجالات الأنشطة الإستراتيجية التي تقوم بها دولة ما، على البر، وفي البحر، وتحت الماء، وفي الجو، وفي الفضاء. ويتم تحديد أبعاد "المجال الحيوي" لأي دولة من خلال قدراتها الاقتصادية، والعلمية، والتقنية، والاجتماعية، والعسكرية ـ أو "قوتها الإجمالية". وطبقاً للمنظـِّرِين الصينيين فإن "المجال الحيوي" للقوى العظمى يمتد إلى ما هو أبعد من حدود الدولة