المدرسة الواقعية التقليدية
جامعة محمد الخامس السويسي كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية-سلا
تحت اشراف الدكتور محمد مكليف
مركز راشيل كوري
تقع النظرية على مرتبة مهمة داخل كل حقل من حقول المعرفة الاجتماعية،حيث يعد تطور هذه النظرية و عمق التنظير فيها عاملا مهما للوصول إلى العلم ، حيث أن النظرية تزودنا بطرق لترتيب الحقائق و تحويلها الى معلومات وبيانات . لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هنا هو : هل تقوم النظرية بنفس الدور في كل فروع المعرفة ؟ و الإجابة هنا تحيلنا على أن النظرية تكون أكثر نجاعة داخل حقل العلوم الطبيعية ، لما يتميز به العلم الطبيعي من أربعة خصائص تؤهله لذلك وهي : منهج طبيعي استقرائي،موضوع طبيعي جزئي للدراسة ، ملاحظة حسية توصلنا لكشف قوانين و علائق مضطردة تربط الظواهر بعضها ببعض . لكن الأمر يختلف مع العلوم الاجتماعية التي تدرس الإنسان داخل علاقاته الإنسانية المتشابكة و المعقدة التي لا تخضع لملاحظة دقيقة أو بحث تجريبي صارم ، وللإجابة عن النظرية قدمت مجموعة من التعاريف الكلية و الجزئية ، من أهمها : تعريف " كينيث والتز" في كتابه " نظرية السياسة الدولية "[1] حيث تحدث على ان النظريات ليست هي القوانين نفسها المتعلقة بظاهرة معينة بقدر كونها من تحاول تفسير هذه القوانين بالأساس ، والى جانبه نجد كل من "جيمس دورتي " و "روبيرت بالستغراف" تحدثا عن النظرية باعتبارها اختيار مجموعة من الظواهر المحددة و تفسيرها تفسيرا عاما ، حيث يصبح من أهم عناصرها حسب مايقول "أندرو فنسينت" التعريفات ، ثم الفرضيات ، الوصف ثم التحليل في مرحلة لاحقة ، كما أن دورها ينحصر في تنظيم الحقائق و البيانات داخل إطار منطقي يمكن من استخلاص مدلول معين لهذه الحقائق و التنبؤ بمستقبلها ، وحسب " دافيد ادواردز" فإن النظرية هي مجموعة من الافتراضات حول ظاهرة معينة . أما في حالة العلاقات الدولية فإن المقصود بها وضع افتراضات حول ظواهر السياسة الدولية ، مثل الحروب و الأزمات و الأحلاف ...الخ[2] ، وفي سياق أخر تحدث "والتز" عن كيفية بناء النظرية في العلاقات الدولية ، مشيرا إلى ضرورة بنائها من خلال التبسيط وهنا يقصد الطرق الأربع: طريقة العزل و التجريد ثم التجميع ، وبعد ذلك النمذجة و المثالية . كما يميز الأخير في تصنيف النظريات المرتبطة بالعلاقات الدولية وكذا مستوياتها ، فحسبه نجد أولى نظامية و أخرى مختزلة ، بناءا على علاقتها بمستويات التحليل ( الفرد ، الدولة ، النظام الدولي ) ، وعليه فإن النظريات التي ترتكز على قضايا الفرد و الدولة هي إذا نظريات جزئية أو مختزلة ، و أما النظريات التي تتفاعل مع المستوى الدولي هي نظريات نظامية أو هيكلية . كما يقدم "فيوتي" و " كاوبل" [3]تصنيفات أخرى بناءا على موضوع النظرية: أولا نظريات تاريخية ووصفية ، ثانيا نظريات علمية تنبؤية ، ثالثا نظريات معيارية و تخمينية ...إلىأخره من التصنيفات المتعددة .
وفي نفس الإطار فان أدبيات العلاقات الدولية وضحت ان عملية التنظير ترجع إلى عشرات القرون ، فبعضها يعود إلى النصوص في الهند و الصين و اليونان و ايطاليا مع كتابات كل من : " أفلاطونوأرسطو و ميكيافليي " ، كما يرجع بعضها الأخرإلى كتابات " بير ديبوي" في القرنين 14 و 15م ...وغيرهم. وقد كانت القضايا التي تناولها المفكرون من الفترة ما بين 1648 م (نشأة الدولة القومية)إلى 1914 م ( الحرب العالمية الأولى )، إلا انه قد يبرز خلال التعاطي مع النظرية تحت مظلة العلاقات الدولية مشكل أساسي مرتبط بالأساس بطبيعتها ، فما دمنا نتحدث عن العلاقات الدولية كعلم ثم كتطبيق ، و بمعنى اصح كممارسة فنحن نتحدث عن عنصر متغير بشكل دائم ، فهل ترقى النظرية للتطبيق على هذا الأساس ؟ رغم ما يرافق ذلك من إشكالات و اكراهات؟ وإذا افترضنا إمكانية تطبيقها على الواقع الدولي ، فهل تستطيع النظرية الرقي إلى مستوى التنبؤ الضروري لمسايرة المتغير الدولي في إطار علم العلاقات الدولية كعلم من العلوم الاجتماعية ؟ ما يزكي هذا الطرح هو الاختلاف و التباين بل و التعدد بين النظريات في العلاقات الدولية .
فنجد المدرسة المثالية تتمحور أفكار النظريات فيها حول ما يجب أن يكون عليه حقل العلاقات الدولية ، بينما المدرسة الواقعية أسست نظرتها على أساس عامل القوة ، بوصفه المتحكم الرئيسي في تحديد طبيعة العلاقات الدولية ، لتليها مدرسة سلوكية وما بعد سلوكية ، حتى الواقعية كفكر لم تصمد لتجدد إلى الواقعية الجديدة،تليها بعد ذالك أطروحات معاصرة . فبعدما أخذت المدرسة السلوكية نصيبها من الدراسة و التحليل في العلاقات الدواية ، جاءت المدرسة الواقعية التي ورث مؤسسوها نزعة الشك لدى 'هوبز'و'روسو' ثم 'ميكيافيلي'، الذين تصوروا أن حالة عدم الثقة هي الحالة السائدة بين الدول ، خاصة في فترة شهدت الحرب العالمية الثانية كحدث بارز في حقل العلاقات الدولية آن ذاك . هذا ما يجعل النظرية الواقعية على قدر أعلى من الأهمية يستوجب تناولها بالدرس و التحليل من اجل الوقوف على فترة زمنية مهمة من تاريخ العلاقات الدولية ، وكذا تحري مدى تطبيق النظرية في إطارها ، وهو الأمر الذي يفتحنا على مجموعة من الإشكالات ستسهل في ما بعد الإجابة عنها الوصول إلى مضمون هذه النظرية . ولعل من أهمها تحديد منطلقات و أسس المدرسة الواقعية .
إذن نحن نتساءل :
ماهو مفهوم الواقعية أصلا؟ ماهي جذوره التاريخية و الفلسفية ؟ وكيف تطور ؟ هل تطوره مرهون بتطور النظرية أم بتطور تاريخ العلاقات الدولية؟
ü وكمستوى أخر سيكون من الواجب تناول أفكار و أراء رواد و منظري هذه المدرسة و مواجهتها بالانتقادات البنيوية الموجهة لها ، و بالتالي اختبار نجاعتها ولو بشكل غير مباشر.
إذن نحن نتساءل هنا عن :
من هم منظروا المدرسة الواقعية ؟ ما حججهم ؟ وما الانتقادات التي وجهت لهم؟
كل هذه التساؤلات تفرض علينا تناول موضوع هذا العرض من واقع التصميم الاتي :
ü المبحث الأول : الأسس النظرية للمدرسة الواقعية v المطلب الأول : المدرسة الواقعية ، المفهوم و النشأةv الطلب الثاني : مرتكزات المدرسة الواقعيةü المبحث الثاني : المدرسة الواقعية:التطبيقات و الانتقادات v المطلب الأول : تطبيقات النظرية الواقعية التقليدية على مستوى الممارسة في العلاقات الدوليةv المطلب الثاني: الانتقادات الموجهة للمدرسة الواقعية المبحث الأول : الأسس النظرية للمدرسة الواقعية
نظرا للأهمية الدراسة و التنظير في المدرسة الواقعية و انفتاح هذه الأخيرة على جوانب عديدة في العلاقات الدولية ، لابد من التطرق إلى ماهية هذه المدرسة كمفهوم ، ثم ما صاحبه من عوامل نشأة ، أخيرا مراحل تطورها .
المطلب الأول : المدرسة الواقعية ، المفهوم و النشأةانهارت أمال المثاليين باندلاع الحرب العالمية الثانية و ظهور نظريات مناقضة بدأت التأسيس الجديد للمذهب الواقعي ، وكان ظهور كتاب " السياسة بين الأمم والصراع من اجل القوة و السلم" لـ"هانز مورغينثو" بمثابة بداية التأسيس لهذه النظريات ، التي اهتمت بدراسة العلاقات الدولية وكان لها تأثير في صنع القرار في السياسة الخارجية للدول الغربية ، ومنذ ذلك الحين هيمن هذا المنظور الواقعي على كل الدراسات ذات المغزى . كما أكد الواقعيون أن جوهر العلاقات الدولية يتجلى في عدم الثقة وان الوفاء للآخرين غير ممكن ولو تم توقيعه في مواثيق مكتوبة أوأحلاف[4] وعلى الرغم من أن تجربة العلاقات الدولية التي ينطبق عليها ذلك المثال هي تجربة أوروبية حيث لم تنضم إليها الدول الشرقية وكذا الولايات المتحدة الأمريكيةإلا حديثا . وعلى الرغم منأن الجذور الفلسفية للمدرسة الواقعية بدأت من التاريخ الأوروبي منذ القدم إلاأن لبناتها الأساسية تم وضعها في الولايات المتحدة الأمريكية كرؤية جديدة منافسة للمدرسة المثالية ثم تطورها وهيمنتها على حقل دراسة العلاقات الدولية .
ترجع جذور المدرسة الواقعية الى التاريخ القديم بحيث من الممكن إرجاعهاإلى المؤرخ الإغريقي الكبير " ثيوسيديدس" الذي عاش القرن الخامس قبل الميلاد* ويعتبر كتابه " تاريخ الحرب البيلوبونيرية" محاولة واضحة تبين أصول الصراعات الدولية باعتماد القوة كأساس متحكم في هذه الأخيرة، كما صنف "مكائيل
دويل " اتجاهات الرواد الأوائل للواقعية إلىأربعة وهي:
أ-الواقعية المركبة : "لثيوسيديدس" فبالنسبة له الماضي مرشد للمستقبل ، حيث أشارإلى كيفية استخدام التاريخ بشكل صحيح بالقول : " يمكن تعلم الدروس من التعرف على الوباء، ويمكن لأثاره الاجتماعية أن تحذرنا من ما يمكن توقعه في الوقت الحاضر"[5]واعتمد في منهجه على الجمع بين التفسيرات المباشرة و غير المباشرة لسبب الأكبر للبحث ، إلىأنأصبح الواقعيون يحتجون و يستدلون "ثيوسيديدس" لتأسيس تقليد تاريخي و متواصل له.
ب-الواقعية الأصولية: "لمكيافيلي" المفكر الايطالي الذي اعتمد على أربعة عوامل أثارت سخطه من انقسام ايطاليا إلىإمارات و معارضة الكنيسة للوحدة القومية ، وكذا انتهاز اسبانيا و فرنسا لضعف ايطاليا لغزوها ، ثم اكتشافه أهمية القوة في فرض التحولات السياسية ، وقد انعكست هذه التأثيرات على مفاهيمه السياسية[6] .
ج- الواقعية البنيوية او الهيكلية:"لهوبز" »اعتبر أن الجنس البشري كله لديه جنوح عام إلى الرغبة المستمرة في سبيل القوة ، ولا ينتهي هذا الجنوح إلا بالموت«[7]
لقد اظهر هوبز الوجه الفلسفي للواقعية السياسية حيث يرى بان الطبيعة جعلت الناس متساويين في قدراتهم من ما يجعلهم متساويين في الأمل و الطموح في تحقيق الأهداف ، وبهذا يصيران عدوين في سبيل تحقيق هدفيهما ، يحاول كل منهما أن يدمر الأخر ا وان يخضعه لسلطانه . وان ما يعود لكل إنسان هو فقط ما يستطيع امتلاكه و ما لديه القوة على الاحتفاظ به
من هنا يتضح أن المدرسة الواقعية تهدف لدراسة وفهم سلوكيات الدول و العوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض ، كما أنها لم تتوخى من صدامات العلاقات الدولية نتيجة معينة وإنما قامت بالتنظير للأمر الواقع.
الطلب الثاني : مرتكزات المدرسة الواقعية
تمثل المدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل على تيار المثالية ، وهدفت الواقعية إلى دراسة و فهم سلوكات الدول و العوامل المؤثرة في علاقات بعضها مع البعض ، فقد جاءت الواقعية لتدرس و تحلل ماهو قائم في العلاقات الدولية . وتحديد سياسة القوة و الحرب و النزاعات ، ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم أفكار و نظريات حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية ، ونصح ميكيافيلي " الأمير" في هذا الصدد للان من يهمل ماهو حاصل من أجل الاهتمام بما يجب أن يحصل ، لابد أن يؤدي بعمله هذا إلى تدمير ذاته بدل ان يحافظ عليها .[8]
فرؤية الواقعيين للعلاقات الدولية حسب رأي "مارتن وايت" تتلخص في : كيف يسير العالم ؟ و ينطلق "مورجينتاو" من مبدأ أساسي يتمثل في ان هناك أشياء كثيرة في العالم لا نستطيع ان نغيرها ، ومن الواجب علينا محاولة فهمها كما هي ، أي يجب أن ينظر إلى العلاقات الدولية كما هي وليس ما يجب ان تكون .
لقد هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم و استيعاب الظواهر الدولية ، ويرى "مورغينتو" انه لهذه الأسباب تتميز السياسة الدولية كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ و القانون الدولي و الأحداث الجارية و الإصلاح السياسي ، ويمكن ان نجمل مسلمات الفكر الواقعي في النقاط التالية :
ü رفض المثالية الأخلاقية و القانونية ، فالسياسة لا يمكن ان تحددها الأخلاق، وبالتالي لا يمكن تطبيق المبادئ الأخلاقية على العمل السياسي . ويقول
ميكيافيلي في هذا الصدد : الأخلاق نتاج للقوة، كما دعا كل من "جان دوان" و "توماس هوبز" للفصل بين الأخلاق و السياسة .
ü النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية و عن تحليل وفهم التجارب التاريخية ، و البحث عن الثوابت وجوهر الظواهر بدل السرد التاريخي للأحداثو الوقوف عند مظاهرها وهكذا يمكن تحديد المفاهيم و الكشف عن القوانين و الأنماط التعليمية .
ü ان العلاقات الدولية لا تقوم إلا بين الدول القومية السيدة المستقلة ، ولكن اختلافاتها حول كيفية قيام هذه العلاقات ، فقد رأى "نيكولاس سبيكان" أن العلاقات بين الدول تمر عبر ثلاثة اتجاهات :
التعاون أو تسوية الخلافات في ما بينها أو العارضات و التناقض .ولكن لكي تضمن الدول بقائها عليها حسب "سبيكمان" ان تجد هدفها الأول في سياستها الخارجية وهو الحفاظ على قوتها أو زيادة هذه القوة، وبما أن القوة في معناها الأخير تعني القدرة على خوض غمار الحرب ، فان الدول تؤكد دائما على أهمية بناء مؤسساتها العسكرية،ولعل أهم المفاهيم المركزية في الفكر الواقعي هي القوة ثم المصلحة القومية وأخيرا ميزان القوى .
ü
مفهوم القوة عند الواقعيين: في الواقع ان هناك مدرستان واقعيتان في ما يخص أسباب السلوك العدواني للدول ، المدرسة الأولى تعتبر أن الطبيعة البشرية تحكمها غريزة القوة وهي غريزة حيوانية تتمثل في حب السيطرة و الهيمنة تزداد هذه العدوانية عندما تنتقل من المستوى الفردي إلى مستوى الدولة نتيجة ازدياد الإمكانيات المتاحة ،أما الرأي الثاني فيقول أن البحث عن القوة ليس نتيجة غريزة حيوانية متأصلة في الطبيعة البشرية و إنما ينتج أساس عن شوق شديد للآمن ، فانعدام الأمن في نظام دولي يتسم بالفوضى يخلق ضغوط على الدولة للحصول على اكبر قدر ممكن من القوة ، و المفارقة الكبرى ان اضطرار الدول لزيادة قوتها من اجل دعم أمنها يؤدي إلى ازدياد الصراع بينها وبالتالي انعدام الأمن. وبالرجوع إلى "هانس مورغانتو" الذي يؤكد على دور القوة في العلاقات الدولية فإننا نجد انه يرى على أن السياسة الدولية تهدف إلى ثلاثة أهداف:
الحفاظ على القوة ، الزيادة في القوة،إظهار القوة ،كما يرى "ريمون ارون" أن للقوة دورا أساسيا لتحقيق أهداف الدول ويرى بان العلاقات الدولية لا يديرها سوى شخصيتان « الدبلوماسي و الجندي».[9]
ü
المصلحة القومية:نشأ هذا المفهوم مع قيام الدولة القومية وانتقال الولاء لها،واستعمل مفهوم المصلحة القومية منذ نشأته كأداة تحليل سياسية لوصف وشرح وتقويم السياسات الخارجية للدول ،كما استعمل أيضا كوسيلة لتبرير أو رفض أواقتراح سلوك سياسة معينة ، وكان هذه الاستعمال للمصلحة القومية الأقدم و الأكثر شيوعا ، وهناك مجموعة من المصالح تتمثل حسب "توماس روبنسون" في المصالح الدائمة و المصالح المتغيرة و المصالح العامة و الخاصة ، ثم المصالح الثانوية . أما أهمها فيتجلى في المصالح الأولية للدولة و التي تشمل الحفاظ على الوحدة الجغرافية و الهوية السياسية و الثقافية للدولة ، وحمايتها ضد الاعتداءات الخارجية .
ü
توازن القوى: التوازن عبارة عن حالة من الإتزان الساكن أو المتحرك بين قوى متعارضة ، ومن الملاحظ أن المصالح القومية للدول تجرها إلى نزاع مع دول أخرى داخل النظام الدولي و التوازن داخله وثيق الصلة بالنزاع السلمي ، فالدول تبذل جهود مدروسة للحفاظ على التوازن بين الدول المتنافسة أو الكتل المتعارضة ، ويعتبر الواقعيون أن لعبة ميزان القوى هي الوسيلة الأكثر عملية للإقامة السلام و الاستقرار ، مقارنة مع دعوة المثاليين إلى اعتماد القانون الدولي وإقامة حكومة دولية .
المبحث الثاني : المدرسة الواقعية:التطبيقات و الانتقادات
بعد أن تعرفنا على الأسس النظرية التي تؤطر المدرسة الواقعية من باب واسع ، سوف نحاول الأن التعرف على تطبيقات النظرية و الانتقادات الموجهة .
المطلب الأول : تطبيقات النظرية الواقعية التقليدية على مستوى الممارسة في العلاقات الدولية
إن الذين يوجهون السياسة الخارجية عادت ما يصرفون النظر عن أطروحات الأوساط النظرية غير أن هناك علاقة لا يمكن تجاهلها بين العالم النظري و العالم الواقعي حيث تمارس السياسة فنحن بحاجة إلى النظريات حتى تضفي معنى على الكم الهائل من المعلومات التي تغمرنا يوميا ، وحتى صانعي السياسة الذين يتعالون على النظريات يتوجب عليهم في واقع الأمر ان يعتمدوا على أفكار خاصة بهم حول الكيفية التي تسير بها الشؤون الدولية ، وفي حال أرادوا اتخاذ قرار إزاء وضع معين ،فالكل يستعمل النظريات سواء بإدراك أو بغيره.[10]
وعلى مستوى الممارسة الدولية إذا اتجهنا بالنظر نحو السياسة الأمريكية في العلاقات الدولية فإننا سنجدها في كثير من جوانبها تعتمد على النظرية الواقعية . هذه الأخيرة التي ترتكز على مفهوم المصلحة القومية كمفهوم أساسي في العلاقات الدولية ، ولتحقيق هذه المصلحة تعمل على إظهار قوتها و الزيادة منها باستمرار ، وإذا نظرنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية كدولة فاعلة داخل المنتظم الدولي نجدها تتبنى نهجا براغماتيا في السياسة و الحياة ، حيث تمت ترجمتها إلى وقائع تركت بصماتها في كل ميادين الحياة الأمريكية خصوصا في السياسة و الاقتصاد و كذا المجتمع ،هذا ما تجلى مع بداية الحرب البارد بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي . فأكدت أن السياسة لم تكن أبدا معركة بين الخير والشر ، بل هي صراع من اجل المصالح .
ولكي تحافظ امركيا في ذلك الوقت على مصالحها القومية تعمل على أتباعأساليب مخلفة خاصة على مستوى سياستها الخارجية ، ولعل الغالب عليها هو سياسة القوة في العلاقات الدولية ، فمنذ الحرب العالمية الثانية و الولايات المتحدة تزداد قوة ، ففي الوقت الذي سعى فيه السوفيات إلى الحد من هذا النمو السريع للقوة الأمريكية من خلال امتصاص تلك القوة ، وجدوا أنفسهم بعد خمسين سنة تعرضوا لعملية امتصاص و تفكيك عكسية ، مما أعطاها القدرة على ممارسة التأثير على غيرها ، لذا صارت نحو توظيف تلك القوة من اجل تحقيق و خدمة مصالحها العليا .
فمن خلال ما تقدم نلاحظ أن الولايات المتحدة تركز في سياساتها الخارجية على النظرية الواقعية التي تتخذ من مفهومي القوة و المصلحة القومية ركيزتين اساسيتسن لبناء النظرية الواقعية ، وعند التأمل في في السياسة الخارجية نجد أن هذين المفهومين (القوة و المصلحة القوة ) يطغيان على فكر صانع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية يستحضرها في كل عملياته وفي تنفيذ السياسة الخارجية لها ، هذا دون إغفال توازن القوى الذي عملت به الولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة ، حين كان العالم يسيطر عليه قوتين هما الولايات المتحدة و الاتحاد السفياتي ، قد ساهم كلا هذين القطرين في المحافظة على قوتيهما العسكرية .
المطلب الثاني: الانتقادات الموجهة للمدرسة الواقعية
تعرضت النظرية الواقعية التقليدية التي تزعمها "مورغينتو" للانتقادات واسعة تتعلق بعدم دقته في استخدام المفاهيم ، فمصطلح القوة مثلا الذي يبني عليه الطرح النظري يحتمل مضامين عده ، كما أن تبريرهم لقيام الحروب بالنزعة الشريرة للإنسان لاتصمد كثيرا أمام الحالات العديدة لسيادة منطق السلام والتعايش ، وفي هذه الحالة بالذات يتساؤل أتباع منظور السلام الديمقراطي أن كان الطرح الواقعي لا ينطبق على الدول الديموقراطية التي لا تلجئ أبدا للاستخدام القوة ضد بعضها البعض ، حتى لو لم تكن مصالحها متناغمة وهذا يجرنا لطرح استفهامات حول مدى صلابة مفهوم الدولة كفاعل موحد يستند إليه الواقعيون لتبرير تماثل ردود أفعال الدولة تجاه البيئة الدولية ، في الواقع أن الدولة تظهر كمجموع الفواعل الداخلين المشكلين لها ، وبذلك فان ردود أفعالها تتباين بحسب توجهات السياسة الداخلية التي تدخل ضمن مستوى تحليلي أخر غير المستوى النظمي وهو المستوى الوطني ، هذا ومن جانب أخر لم تأخذ بعين الاعتبار الفواعل الجديدة في الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية ، كما لم تولي الواقعية اهتماما للقوى المتوسطة و القوى الصغرى في السياسة الدولية.[11]
كما لم تولي أيضا أي اهتمام لظاهرة الاعتماد المتبادل بالإضافةإلى الغموض الملاحظ على مفهوم المصلحة القومية التي تعد كمتغير رئيسي يساعد بشكل كبير في دراسة السياسة الخارجية للدول فكل قائد سياسي يفسره حسب أهدافه الخاصة ، كما أن اختلاف التجارب الوطنية يساهم أيضا في اختلاف المفهوم وأيضا غياب دراسة تجريبية من الصعب التقرير بزمان و مكان معين ، او محدد للمصلحة القومية ، فإستخدام الواقعيين لمفاهيم سياسية من الماضي لتحليل النظام الدولي المعاصر ، كالسعي لتحديد أهداف محددة ، فصل السياسة الداخلية عن الخارجية ، الدبلوماسية السرية ، توازن القوى .فهذه المفاهيم لا تمت بصفة قويمة للنظام المعاصر ، أما بخصوص توازن القوى فيرى "انيس كلود" و "وارنس هاس" في نقدهم لتوازن القوى الذي تستخدمه الواقعية انه يحمل معاني عديدة فهي سياسة تريد تحقيق أهداف معينة في السياسة الخارجية أو هي تعريف لحالة واقعية أو توزيع متساوي للنظام الدولي ، أو البحث عن الهيمنة و تعريف لقانون شامل للتاريخ.
" إن نية من يصنع الحرب أكان ذلك خيارا أم طموحا هي الغزو،والاحتفاظ بثمرات غزوه فهو يتصرف بطريقة يغني بلده و البلد الذي غزاه في أن واحد " ميكيافيلي [1]د. نصرمحمدعارف:
نظرياتالسياسةالمقارنة،طبعة 2002،ص:52،53.
[2]د. عصامعبدالشافي ،"الواقعيةوالمثاليةفيتحليلالعلاقاتالدولية،المركز العربي للدراسة و الابحاث ، رابط الدراسة:
http://www.arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=295
[3]Michael W. Doyle:
Ways of War and Peace (New York: W.W. Norton &Company, 1997). P. 44.
ورد في : " النظرية الواقعية في العلاقات الدولية"،د انور محمد فرج،مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية،طبعة 2008،ص:171
[4]د. عصامعبدالشافي ،"الواقعيةوالمثاليةفيتحليلالعلاقاتالدولية،المركز العربي للدراسة و الابحاث ، رابط الدراسة:
http://www.arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=295
[5] د.محمد علي العويني،"العلوم السياسية:دراسة في الاصول و النظريات و التطبيق"،القاهرة،عالم الكتاب،1988،ص 120.
[6] د.محمد محمود ربيع،د.اسماعيل صبري مقلد،موسوعة العلوم السياسية ، الكتاب السادس،ص 142.
[7]د.عبد الكريم احمد ، "دراسات في النظرية السياسية"،القاهرة ، معهد البحوث و الدراسات العربية 1973،ص323
[8]علي شفيق علي عمر،"العلاقات الدولية في العصر الحديث"،مطبعة المعارف الجديد ، طبعة1989،ص:15
[9]د انور محمد فرج،"النظرية الواقعية في العلاقات الدولية"، مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية،طبعة 2008،ص:171
[10]د.محمد وقيع الله : مداخل لدراسة العلاقات السياسية الدولية ، مجلة "اسلامية المعرفة"،فصلية يصدرها "المعهد العالمي للفكر الاسلامي"،مكتبة ماليزيا،السنة الرابعة،ع/14،خريف 1998.
[11]محمد طه بدوي،"أصول علم العلاقات الدولية" ، المكتب العربي الحديث ، الإسكندرية ، طبعة 1989 ، ص :47