أساليب التحليل الكمي في عملية اتخاذ القرارات الإدارية
-حالة إدارة المؤسسات العمومية الاقتصادية الجزائرية
- بوشنافة أحند –المركز الجامعي بشار-
الملتقى الوطني الأول حول "المؤسسة الاقتصادية الجزائرية و تحديات المناخ الاقتصادي الجديد" 22/23 أفريل 2003
تبرز أهمية عملية اتخاذ القرار بدءا بالفرد الذي يعمل من خلال سعيه المستمر من أجل البقاء وممارسة النشاط الإنساني في شتى المجالات،على اتخاذ القرار بصورة مستمرة ليرقي بنمط حياته و أساليبها مستخدما في ذلك عقله المبدع و تجاربه و معلوماته وقدرته على الانتقاء و الاختيار.
أما إذا انتقلنا إلى مجال الحياة العملية أين تختلف طرق تسيير شؤون العمل، و تزداد المشاكل و تتعقد كلما تنوع النشاط و اتسع مجاله، فإن المدير الذي ينظم و ينسق و يتعامل مع البيئة الخارجية، فإنه يتخذ في كل مرحلة من مراحل عمله قرارا معينا يتوقف عليه نجاح المدير و المؤسسة معا. و مع نمو حجم المؤسسات الاقتصادية و تعقد مشاكلها و تزايد صعوبة معالجة جميع العوامل التي تؤثر على القرار، أصبحت الحاجة ماسة إلى تطوير أساليب اتخاذ القرارات الإدارية حتى تتلاءم مع نوعية المشاكل و تكون قادرة على إيجاد الحلول الملائمة لها و الوصول إلى أفضل القرارات.حيث إن الاهتمام يزداد حاليا بالجانب العلمي للإدارة و استخدام الأساليب الكمية لتحليل الظواهر الإدارية و قياسها و التي تجعل عملية اتخاذ القرارات أكثر دقة و فعالية على الرغم من أن العديد من المتغيرات الإدارية يصعب السيطرة عليها و إخضاعها للطرق العلمية و تحليلها و التعامل معها على أساس رقمي لأنها ترتبط بالعنصر البشري والعوامل المؤثرة فيه و نظرية القرارات الإدارية مع حداثة العهد بها تمثل أسلوبا متميزا متطورا في تحليل البيانات تحليلا كميا يتفق مع سير الإدارة في الاتجاه العلمي الذي يهدف إلى تحليل عملية اتخاذ القرارات الإدارية بالاستعانة بالحاسوب و استخدام الأساليب الكمية المختلفة المتمثلة في بحوث العمليات و الطرق الإحصائية و المحاسبية التي تهدف للوصول إلى قرارات أكثر دقة و منطقية.
كما ظهرت أهمية استخدام الأساليب العلمية في اتخاذ القرارات ضمن الإدارة الحديثة نتيجة لكون الأسلوب التقليدي الذي كانت تعتمد عليه العوامل الذاتية و الحسابات التقريبية و حكم العادة أصبح لا يجد ملائمة لاستمراره و استمرار نجاحه في عالم المعرفة المتفجرة و المنافسة العالمية و التكنولوجية السريعة الإمداد، أين تكون للإداري الخيارات الكثيرة ذات العواقب غير المعروفة، والأحداث الاجتماعية المتغيرة أو الغير يقينية و التي تشمل عدة جوانب بعضها فني و الآخر تنظيمي و مالي و قانوني…إلخ
لهذا السبب أصبح من الضروري محاولة البحث عن كيفية استخدام الطرق و الفنيات المساعدة على اتخاذ القرارات في الإدارة .حيث أن البحث في هذا المجال لا يزال لم يعرف بروزه بشكل كافي ليؤكد أو يعارض مسألة استخدام هذه الأساليب التي قد يؤدي تطبيقها العلمي إلى سلبيات و تناقضات يمكن أن تنتج نماذج تصميمه غير قادرة أن تعطي إجابات دقيقة. من هنا تتشكل الفرصة للبحث في مسألة تطور التطبيقات الإدارية التي تتعلق بالأساليب المساعدة في اتخاذ القرار في المؤسسات العمومية الاقتصادية الجزائرية التي لها خصائص متميزة لا تتحدد فقط بنوع إدارتها و تنظيمها و قيادتها، بل أيضا بطبيعة تخلف محيطها الاقتصادي الاجتماعي السياسي و التكنولوجي مع كل ما يحمله هذا من مؤثرات و ضغوط التي تنعكس آثارها على صعوبة إدخال الأساليب العلمية الحديثة. أن الجانب الكمي في الإدارة يلتجئ لصياغات و أشكال علمية و رياضية و طرق منهجية لربط الفرضيات مع بعضها البعض لتشكل تقنيات كمية في التسيير. إلا أن درجة فعالية هذه التقنيات ترتبط بمسألة الأقلمة و القدرة على التمثيل الحقيقي للواقع المعقد، و قدرات المسير و شروط المحيط، و طبيعة الاستعمال. إن هذا الجانب الكمي هو شبه مهمل ضمن فن تطبيقات الإدارة ضمن أكثرية مؤسساتنا الأقل أداء ا،لأن الإدارة حسب طبيعتها تعتمد أكثر على وضع الحكم بناءا على ما يحمله من قرارات التي يظهر فيها التوازن أكثر من تطوير حسابات أقل أو أكثر تقدما.
بناءا على ما سبق ، يمكن التساؤل عن إمكانية و كيفية استخدام أساليب التحليل الكمي المساعدة في اتخاذ القرار،وأبعاد تطبيقاتها في إدارة المؤسسات العمومية الاقتصادية الجزائرية؟ و كيفية تصورها في ضوء تطور الإدارة و فعالية قراراتها ؟
و ذلك قصد توضيح البناء الفكري لنظريات اتخاذ القرار لإبراز أهمية إدخال الأساليب الكمية في تحسين عملية اتخاذ القرارات الإدارية و محاولة إعطاء تصور للواقع و إيجاد الحلول للوضعيات القرارية السيئة بما يضمن الحصول على تنمية مقبولة بدلالة الاحتياجات و بأقل التكاليف ضمن إدارة المؤسسات العمومية الاقتصادية الجزائرية و ذلك من خلال تحليل العوامل المؤثرة على فعاليتها التي جعلتها عملية صعبة تعطي نتائج غير مرضية.و من خلال كذلك تصور منهجي لاستخدام تقنيات حديثة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة لصنع قرارات فعالة ضمن إدارة عصرية لمؤسسة ذات سلوك أمثل تواجه تحديات السوق .حيث أن فكرة هذا الموضوع تنبني على اعتبار أن الأساليب الكمية الحديثة لها إيجابيات و مر دودية كبيرة في الإدارة مما يجعلها مهمة و ضرورية لبد منها لمساعدة عملية اتخاذ القرار مثلما يفرضها التطور الإداري الذي يستعمل الإعلام الآلي بغض النظر عن الصعوبات التي تواجه استخدامها. حيث أن هذه الصعوبات ليست عائقا لإصلاح إدارة تعاني من القرارات الفاشلة بسبب تسيير لا يستند إلى أساليب قياس الفعالية و أدوات الحساب الاقتصادي.و أن التركيز على هذا الجانب يعتبر محورا أساسيا لتحسين أداء المؤسسة و فعالية قراراتها في ضوء فرضية وجود تغير في السلوك الإداري الذي تفرضه تشريعات قانونية و تنظيمية للإصلاح الاقتصادي و ما سيتبعه.و إن عدم استخدام أساليب في عملية اتخاذ القرار تكون لها سلبيات كثيرة تؤثر على نجاحها. كما يفترض أن القرار كوظيفة تتخذ لتطوير واقع وفق فعالية معينة تكون ملازمة لعملية اتخاذ القرار و يترتب عنها مستقبل تقل فيه درجة الغموض.وأن الأعمال الإدارية تخضع لقواعد تطبق وفق طبيعة أهداف تكون قابلة للتقييم في الزمان بما يؤدي إلى نتائج فعالة لتوظيف الموارد المتاحة.و تتمحور هذه الدراسة حول النقاط الأربعة التالية:
v مفهوم الإدارة و أهمية القرار فيها.
v عملية اتخاذ القرارات الإدارية.
v أساليب التحليل الكمي لعملية اتخاذ القرارات الإدارية و متطلبات استخدامها.
v واقع إدارة المؤسسات الجزائرية من حيث اتخاذ القرار و الوسائل المساعدة في ذلك.
و فيما يلي سوف يتم تلخيص مضامين النقاط المذكورة أعلاه المكونة لخطة الدراسة:
1) مفهوم الإدارة و أهمية القرار فيها:
إن المؤسسات تحتاج إلى فكر إداري يحسن استثمار الأموال و تخطيط الإنتاج وضغط التكاليف و أعمال الرقابة و رفع مستوى الإنتاجية.
إن الإدارة كعمل جماعي لها أهداف تتطلب التحديد و التحقيق و تتألف من نشاطات و وظائف محددة يقوم بها الإداري وهي تهدف إلى استمرار المؤسسة عن طريق تشغيل عناصر الإنتاج.و للإدارة قواعد و مبادئ محددة و معروفة ،كما يمكن تطويرها بالممارسة العملية. إذ يتعذر تحقيق الإنتاجية بمجرد توفر عناصر الإنتاج من أموال ومواد و آلات و أفراد إذا لم يتضمن المشروع إدارة تحسن القرارات السديدة، حيث أن القوانين و المبادئ الاقتصادية تقتضي و جود إدارة جيدة إذ بدون هذه الإدارة تصبح معرفة الوسائل عديمة الجدوى و تتعرض عناصر الإنتاج للهدر والضياع.
إن القرار الإداري يتطلب و جود مشكلة إدارية تحتاج حلا معينا،و إن تكون هناك حلول متعددة لمواجهتها تطرح للنقاش و يتم دراستها و تقييمها حتى يتم اختيار الحل الأكثر ملائمة.
إن عملية التصنيف لأنواع القرارات لا تخضع لمعايير و اعتبارات ثابتة،بل تكون حسب طبيعة اتخاذ القرارات و تعدد واختلاف جوانبها و المعيار المختار. حيث أن أهم معايير تصنيف القرارات الإدارية هي:
1. تصنيف القرارات من حيث شكلها، إجراءات و أساليب اتخاذها و منها:
× القرارات المكتوبة و الشفوية.
× القرارات الصريحة و القرارات الضمنية.
× القرارات الأساسية و الروتينية.
× القرارات المبرمجة و غير المبرمجة.
× قرارات اتوقراطية و ديموقراطية.
× القرارات الكيفية و القرارات الكمية.
× قرارات ردود الأفعال تجاه المنبهات أو الدوافع التي تشعر بها الإدارة.
2. قرارات وفقا لأهميتها ضمن مستويات تنظيم المؤسسة و منها:
× القرارات الإستراتيجية.
× القرارات التكتيكية(قرارات كيفية استغلال الموارد اللازمة للعمل).
× القرارات التنفيذية.
3. قرارات وفقا للوظائف الأساسية للمؤسسة منها:
× قرارات إدارية(قرارات، تحديد الأهداف،رسم السياسة،إجراء التنفيذ، التنظيم…).
× قرارات متعلقة بشؤون العاملين.
× قرارات تتعلق بالإنتاج.
× قرارات بالتسويق.
× قرارات بالتمويل.
4. قرارات وفقا لظروف اتخاذها(أو بيئة اتخاذها):
× قرارات التأكد.
× قرارات عدم التأكد.
× قرارات ظروف المخاطرة (الاحتمالية).
5. هناك تصنيفات أخرى لأنواع القرارات و منها:
أ. تصنيف قرارات بمناسبة اتخاذها التي تتضمن:
× القرارات الوسطية(أي القرارات التي ينبغي تنفيذها وفقا للتعليمات الصادرة من الجهة العليا).
× القرارات الاستئنافية(قرارات حسم الخلافات و النزاعات).
× القرارات الإبتكارية( و هي قرارات ذاتية للمدير لتغيير حركة النشاط).
ب. قرارات بحسب مجالها و تضم:
قرارات سياسية، اقتصادية،اجتماعية،كما أن هناك بالمؤسسة مشاكل عامة،مشاكل وسط،و مشاكل حدود النقاط.
ت. قرارات من حيث الزمن و هناك:
× قرارات طارئة و غير طارئة.
× قرارات حاضرة و مستقبلية.
إذ تتجلى أهمية القرارات في الإدارة من خلال كون اتخاذ القرار هو جوهر عملية الإدارة و يتغلغل فيها لدرجة يمكن معها القول أن الإدارة هي اتخاذ القرار.حين يقوم المدير بهذه العملية الإدارية لتحقيق أهداف المؤسسة،إنما يحاول الوصول إلى تلك الأهداف باتخاذ مجموعة متسلسلة من القرارات كل منها يدفع موقف المدير خطوة للوصول إلى الهدف النهائي لذلك تعد عملية اتخاذ القرارات جوهر عمل المدير و أساسه و أهم عنصر فيه لأنها تمثل نقطة البدء بالنسبة لجميع النشاطات و الفعاليات اليومية في حياة المؤسسات و لأن التوقف عن اتخاذها يؤدي إلى شلل العمل و النشاط و تراجع المؤسسة.
إن القرارات المتخذة تؤثر على مستقبل المؤسسة و مدى نجاحها أو فشلها و على العاملين و نشاطهم فيها.لهذا فإن القرارات الإدارية هي المحور الأساسي و الفعال و الحلقة الرئيسية في العملية الإدارية التي لا تتكامل بدونها، فوظائف الإدارة لن يتحقق وجودها وتنفيذها إلا إذا تم اتخاذ قرارات بنشأتها و بشأن جميع النشاطات الأخرى في المؤسسة و الأفراد و العاملين و المتعاملين معها وحتى مع البيئة الخارجية التي تحيط بها.
كما تتجلى أهمية القرارات في الإدارة من خلال دور القرارات و ارتباطها بجوانب العملية الإدارية المختلفة التالية:
1- فالتخطيط يقوم على اتخاذ سلسلة من القرارات الإدارية التي تتعلق بوضع افتراضات حول الأحداث المستقبلية و ردود أفعال والتي كلما كانت قريبة من الواقع كلما كان التخطيط سليما.
2- التنظيم يقوم على اتخاذ سلسلة من القرارات الإدارية التي تتعلق بالهيكل التنظيمي،الإجراءات التنظيمية،طبيعة العلاقة بين العاملين،تقسيم العمل مسؤولية العاملين.و تحديد القواعد التي تحكم سير العمل،و نقل عملية اتخاذ القرارات إلى جميع أجزاء التنظيم،سواء عموديا أو أفقيا،و العمل على تحقيق تنمية و تدريب العاملين،كما أن تقييم التنظيم الإداري يتوقف على نوعية القرارات المتخذة و الكفاءة التي تنفذ بها.
3- التوجيه يعتمد على سلسلة من القرارات الإدارية التي تتعلق بكيفية إصدار الأوامر والتعليمات الواضحة والتامة بشأن ما يجب عمله و الإرشاد بأسلوب أداء العمل حسب الظروف القائمة،و كيفية الإشراف أثناء التنفيذ و ذلك باستخدام كل وسائل التحفيز و التصحيح.
4- الرقابة التي تعتمد على سلسلة من القرارات الإدارية التي تتعلق بتحديد مجالات الرقابة،معاييرها والمعلومات المطلوبة لها و الزمن اللازم لذلك و الجهات التي تشرف عليها.و يمكن القول إذ أن حقيقة المشكلة الإدارية تتمثل باختصار في اتخاذ القرارات التي تحدد كيفية توزيع الموارد على أوجه الاستخدام غير المحدود تحت تأثير عوامل و ضغوط خارجية لا تملك الإدارة قدرة السيطرة عليها إلا في حدود التخفيف من آثارها،كما أن تلك القرارات تتخذ في ظروف تتصف بنقص المعلومات وعدم التأكد و صعوبة الرؤية المستقبلية مما يتطلب ضرورة وجود نظام مناسب فعال يساعد المدير على تقدير الاحتمالات بصورة صحيحة و اتخاذ القرارات السليمة.
2) عملية اتخاذ القرارات الإدارية:
إن عملية اتخاذ القرارات الإدارية هي العملية التي تحدد طريقة الاستخدام الأفضل في ظل مجموعة الظروف المعينة، وهي تمثل من بين مجموعة من الاختيارات،ما يشعر المدير أنه أفضل هدف لبلوغه أو أحسن عمل للقيام به في الحالات المعينة كما يراها.شهدت عملية اتخاذ القرارات الإدارية تطورا في تاريخ الفكر الإداري حيث أن الفكر الإداري القديم الذي اعتمد على ذاكرة وتجربة مراقبين وممارسين للإدارة و التي كانت لها مساهمة هامة لا يمكن إنكارها في إلقاء الضوء على عملية اتخاذ القرار بما قدمته من أساليب كانت تتسم بالرشد و العقلانية إذا ما قيست بظروف العصور التي شهدتها و ما يشهد على ذلك ثرات الإدارات التي سادت في هذه المرحلة منها الإدارة المصرية،الصينية،اليونانية،والرومانية و الإدارة العربية الإسلامية التي ابتعدت و قدمت مفاهيم وأساليب لتنمية و ترشيد سلوك ممارسة عملية اتخاذ القرار و إبراز أهمية مؤثرات الظروف الاجتماعية و التاريخية و الاقتصادية، و دور الاتصالات الإدارية، المشاركة في اتخاذ القرار،المسؤولية الإدارية، المتابعة و التقييم للقرارات، مبدأ استقرار القيادات ومبدأ التثبت.
أما عملية اتخاذ القرارات في الفكر الإداري الحديث فهي تحدد من خلال النظريات المختلفة للتنظيم التي نتجت من الدراسات و البحوث العلمية التي تمت للوصول إلى أفضل الأساليب التي تحقق أهداف التنظيم. حيث ظهرت النظريات الكلاسيكية التي من أهم أفكارها استخدام المعادلات الرياضية و العمليات الحسابية لوضع حسابات و تقديرات دقيقة للأسباب و النتائج لتحليل مختلف البدائل لترشيد قراراتها،و ركزت على المنهج العلمي ومبادئ و توجيهات ترشيد المقرر في عملية اتخاذ القرار التي تعتبرها مشكلة تقنية بحثه.و اقتصرت على دور الإدارة وسلطاتها وعملية تفويض السلطة و اللامركزية في اتخاذ القرار و مبادئه التي تشترط استخدام الأساليب العلمية،حيث ظهرت منها كل من نظرية الإدارة العلمية التي من أبرز روادها تايلور،ونظرية التقسيم الإداري الذي من أبرز روادها كل من هنري فايول،فرنك جلبرت و ليندول أرويك.وإلى جانب ذلك ظهرت النظريات السلوكية التي ساعدت في التعرف على العوامل و المتغيرات المختلفة التي تتفاعل و تؤثر على اتخاذ القرارات و منها العنصر البشري الذي يعتبر العنصر الأساسي و الهام في العملية الإدارية و السلوك التنظيمي و تعتبر التنظيم الإداري نظاما مفتوحا يرتبط بالبيئة المحيطة به كما ركزت على القيادة والاتصالات و بذلك جعلت الدراسات الإدارية تخرج عن نطاق التنظيم الآلي المحدود كما صورته النظريات الكلاسيكية إلى طرق النواحي الحركية في الإدارة مستعينة في ذلك بدراسات العلوم النفسية و الاجتماعية و الحضارية حيث يعتبر من روادها كل من ماري فوليت،تشستر برنا رد، هر برت سيمون ،ورو برت تنانتباوم، جيمس تمبسون،لفين وجور .
لعملية اتخاذ القرارات الإدارية مراحل تختلف من حيث العدد و الترتيب وفقا لخلفيات الباحثين والدارسين و المهتمين بهذا المجال للتوفيق والموائمة بين الجوانب النظرية و الممارسات العلمية.إلا أنها تنصب على فكرة أساسية واحدة تنطبق مع المنهج العلمي وهي:تعريف المشكلة تحديد أهدافها،جمع المعلومات و البيانات المتعلقة بالمشكلة،ثم اختيار البديل الأنسب الذي يعالج المشكلة و يحقق الهدف المنشود و أخيرا متابعة و تنفيذ القرار و تقدير النتائج.
· إن عملية اتخاذ القرار تتم ضمن مواقف و بيئات.فمن حيث المواقف نجد أنها تختلف حسب درجة التأكد من النتائج المتوقعة للقرار و مدى شمولية البيانات و دقة المعلومات المتوفرة فيها. حيث نجد حالة التأكد التي تتوفر فيها المعلومات التامة و الكاملة عن النتائج الخاصة بالقرار،وبكل بديل من البدائل المتاحة.حالة الاختلاف التي يصعب فيها تحديد معيار القرار ودرجة الاختلاف في المصالح مع منافسين أذكياء في السوق.حالة عدم التأكد التي لا تتوفر فيها إلا معلومات جزئية عن الظروف أو البيئات لا تمكن من تحديد احتمالات حدوث النتائج المحتملة.حالة المخاطرة التي يعلم فيها احتمالات حدوث النتائج و لا يعلم فيها أي من هذه النتائج سوف تحدث. أما بالنسبة لأنواع البيئات التي تواجه متخذ القرار.فهناك الأنظمة المفتوحة التي تستقبل المعلومات من البيئة بشكل مستمر لتعديل أهدافها في ضوء التغير لتحسين قراراتها.و النظام البيئي التركيبي الذي يتميز حسب وضعية القوى الخارجية ومدى تأثيرها على إمكانية التنبؤ بالأحداث المستقبلية.
إن المشاركة في عملية اتخاذ القرار،تعمل على تهيئة الجو المناسب و الموقف الملائم للوصول إلى قرار أكثر ثباتا بما يضمن عدم إلغائه أو تعديله و تلا في ما قد يترتب من آثار سلبية و تساعد على تقبل المرؤوسين للقرار وعدم معارضتهم له بعد إصداره، و تخفف من العقبات التي تعترض التنفيذ.و يمكن تمييز درجة المشاركة في ظل نمطين أساسيين لسلوك المديرين وهما:
-النمط الأتوقراطي الذي تكون فيه السمة الجوهرية للمدرين تتمثل في اتخاذهم من سلطاتهم الرسمية أداة تحكم وضغط على مرءوسيهم لإجبارهم على إنجاز العمل. إلا أن النمط الأتوقراطي يتدرج في شدته بين أنماط متعددة يمثل إحداهما السلوك الأتوقراطي المتسلط أو المتحكم أي المتطرف في استبداديته و لا يوجد فيه أي مظهر للمشاركة.أما الثاني فهو السلوك الأتوقراطي المتعامل أو اللبق الأكثر اقترابا من السلوك الديموقراطي من حيث منح الحرية للمشاركة في صنع القرار من خلال لباقته في الإقناع وتوليد الإحساس.أما الثالث فهو السلوك الأتوقراطي الصالح أو الخير الذي يكاد يكون وسطا في شدته بين النمطين السابقين و تكون فيه المشاركة بشكل محدد في اتخاذ القرار.
-النمط الديموقراطي الذي يميز السلوك الإداري للمدير الذي يعتمد على العلاقات الإنسانية السليمة والتعاون مع المرؤوسين في حل المشاكل،و تختلف درجة المشاركة باختلاف نمط السلوك الديموقراطي للدير والنهج الذي يسير عليه. إلا أن هذا النمط يتميز بأقصى قدر في حرية التصرف للمرؤوسين ودرجة مشاركة واسعة في اتخاذ القرار.
و توجد عدة أساليب و صور لاتخاذ القرار عن طريق الحكم الجماعي أهمها: اللجان،مجالس الإدارة،مؤتمرات أو لقاءات حل المشاكل، و ما يسمى بأسلوب الدلفاي و هو الحكم الجماعي الذي يشترك فيه عدد من الخبراء و المختصين باستخدام وسائل رسمية للاتصالات مثل قوائم الاستفتاء لآراء المشاركين من الخبراء .
و توجد جملة من العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرارات الإدارية تتمثل في المعوقات والصعوبات والضغوط المختلفة التي تحيط بعملية اتخاذ القرار و تؤثر فيها سلبا بدرجات.حيث أن هذه العوامل منها ما هو داخلي يؤثر في اتخاذ القرارات الإدارية ضمن المؤسسة صاحبة القرار و المعنية به مثل العوامل الإنسانية التي تتمثل في شخص المدير متخذ القرار أو المساعدون و المستشارون الذين يستعين بهم المدير، و المرؤوسون و غيرهم ممن يمسهم القرار. ومن العوامل الداخلية أيضا الجوانب التنظيمية للمؤسسة التي تتوقف على التنظيم الإداري،عدد المستويات الإدارية للتنظيم و حجم و حدات العمل و توزيعها الجغرافي وطرق الاتصال التي تؤثر على سير المعلومات و دقتها، إضافة إلى مؤثرات التنظيم الرسمي و غير الرسمي.و كل من تفويض السلطة ودرجة المركزية و اتساع نطاق الإشراف أو عدد العمال. هذا إضافة إلى بعض الضغوط الداخلية الأخرى مثل عنصر الزمن،و مدى وفرة الإمكانيات المادية و المالية والبشرية لمواجهة عمليتها الجارية،و قصور نظام المعلومات أي مدى توفر الظروف و الشروط و كل اللوازم الضرورية لسير نشاط المؤسسة.