الأصول السياسية المعاصرة من خلال الرؤية الصهيونية
رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
إعداد الطالبة : كريمة بلخضر وإشراف أ . د . منصور بن لرنب
===================================
صدرت الباحثة رسالتها بقول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} البقرة/120
كما صدرت رسالتها بمقدمة عن مكانة الأديان والمعتقدات في نفوس البشر على مر العصور, سواء كانت أديان صحيحة (كالإسلام) أو محرفة (كاليهودية والنصرانية) أو وضعية (كالهندوسية والبوذية وغيرها), إضافة إلى تقديس العلمانية والتقدم والمادة في العصر الحديث.
إن هذا التعدد في الشيء المقدس خلق ردود فعل من رجال الدين والعلم, ففي حين حاول رجال العلم تكييف المسيحية مع مكتشفات العلم الحديثة, حاول رجال الكنيسة -وخاصة الأمريكية- التمسك بأصول الدين المسيحي واليهودي, مما بات يعرف هناك بالأصولية, وليست النازية والفاشية إلا أحد أبرز تجلياتها.
إلا أن الغرب بخبثه ومكره وعدائه للإسلام, عمم ما أسماه بالأصولية على الثقافة الإسلامية كلها, واعتبرها أصولية تحمل معنى رفض الجديد والتمسك بالقديم, والعودة إلى الأصول ورفض الحداثة, وممارسة العنف في الداخل والخارج.
لقد عمل الغرب بهذه الأصولية المقيتة التي ظهرت ونشأت عنده, متشبعا بعلمانية متصهينة, ومتخفيا براية العولمة والانفتاح والتحرر والديمقراطية, ليضطهد من خلالها الشعوب الضعيفة, وفي مقدمتها الشعوب الإسلامية.
بعد هذه المقدمة التوضيحية دخلت الباحثة عمق دراستها التي قسمت إلى أربعة فصول, خصص الأول لدراسة الأصولية كظاهرة عالمية, والثاني لدراسة الصهيونية السياسية كنموذج للظاهرة الأصولية, بينما تعرضت في الفصل الثالث لأهم الروابط الفكرية التي جمعت الصهيونية كأصولية بالأصوليات الأخرى المعاصرة, كالنازية والهندوسية, وجعلت الفصل الأخير للتقويم النقدي لمزاعم الأصولية الصهيونية.
في الفصل الأول حاولت الباحثة العودة لتاريخ ظهور مصطلح الأصولية في البيئة الغربية والإسلامية, ووصلت إلى نتيجة مفادها: أن الأصولية الغربية بكل تطوراتها تحمل محددات ثلاثة ثابتة, وهي: الجمود – والعودة للماضي – والانغلاق والتصلب, وذلك بدءا من ظهور الأصولية عند الغرب كمصطلح, وانتهاء بالأصولية الأمريكية التي ظهرت في القرن التاسع عشر, بظهور حركة دينية تدعو للتفسير الحرفي للكتاب المقدس الذي يضم العهد القديم, والذي يدعو لإقامة دولة إسرائيل تمهيدا لظهور المسيح المنتظر, إضافة إلى بعض ملامح الأصولية التي ظهرت في الحروب والحملات الصليبية.
أما في الثقافة الإسلامية فلم تعثر الباحثة على كلمة (أصولية) في المعاجم العربية, إنما هناك كلمة (أصل) ومشتقاتها فقط, والتي تصب كلها في محتوى مخالف تماما لما تعنيه الكلمة في الثقافة الغربية.
ومع كل الحملات الإعلامية الغربية التي حاولت ترسيخ مصطلح الأصولية على المجتمعات الإسلامية, والتي تحمل معاني التعصب والتطرف والجهل والعدوانية إلخ......, إلا أن الحقيقة أن الغرب حاول إصباغ الأصولية على اليقظة والصحوة الإسلامية المعاصرة, وذلك من خلال إلصاق مفهوم (الأصولية الغربية) على العودة لأصول لإسلام ومصادره الأصلية المتمثلة بالكتاب والسنة.
ومن خلال ما سبق ميزت الباحثة بين التعريف الغربي والإسلامي للأصولية, فبينما يعطيه الغرب مفهوما فكريا أو اعتقاديا من خلال العودة للماضي والجمود والانغلاق والعنف, يعطيه المفهوم الإسلامي مفهوما إصلاحيا خيريا, من خلال الرجوع إلى منابع الإسلام وأصوله ومصادره الأساسية.
وفي نهاية الفصل الأول درست الباحثة كلا من الأصولية الليبرالية, والتي تعتبر أخطر ظاهرة اقتصادية سياسية عسكرية لاستغلال الشعوب الضعيفة واضطهادها, والأصولية المسيحية باعتبارها نوعا من العودة للدين في وجه التقدم والعقلانية والعلمانية, مع تركيز شديد على محتويات العهد القديم المتعلق بالقضية اليهودية, مما يدلل على أن البيئة التي نشأت فيها الأصولية المسيحية تحوي بذور فكر أصولي آخر تمثله (الأصولية الصهيونية).
في الفصل الثاني الذي خصص لدراسة الأصولية الصهيونية السياسية, أوضحت الباحثة أن أول استعمال لمصطلح الصهيونية كان من قبل (نيثان بيرنباوم) في عام 1891م, وأن الصهيونية كتعريف: هي حركة ارتبطت بالمشروع الاستيطاني الغربي, وجاءت كحل للمسألة اليهودية, من خلال نقل اليهود إلى فلسطين, بينما ارتبطت الصهيونية السياسية بشخص (تيودور هرتزل) الذي عمل على إيجاد حل للمشكلة اليهودية عن طريق تجميع اليهود في دولة بدعم غربي كامل.
وعن الظروف التي أدت لنشوء الصهيونية السياسية وأنواعها, تعرضت الباحثة لعصر النهضة الذي حمل معه حركة تحرير اليهود, كما تعرضت لانهيار النظام الإقطاعي الذي جعل من اليهود عبئا على المجتمعات الغربية, إضافة للظروف المرتبطة بالجماعات اليهودية, التي تميزت بالانغلاق والتقوقع, مما جعل من الفكر الصهيوني حلا لكل هذه الأزمات.
كما تناولت الباحثة أنواع الصهيونية السياسية, كالصهيونية السياسية في إسرائيل وفي الخارج, وكالصهيونية التصحيحية وعلى رأسها (فلاديمير جايتنشكي) الذي يدعو للتركيز على العنصر اليهودي في الصهيونية, وكالصهيونية العمومية التي يمثلها أثرياء الغرب, والتي تصر على الطابع الغربي للمشروع الصهيوني, من خلال العلمنة واللبرلة.
وفي نهاية الفصل الثاني ذكرت الباحثة المصادر الفكرية للصهيونية ومنها: اليهودية التقليدية التي تدعي بأنها الشعب المختار....., والاشتراكية باعتبار مؤسسها تشبع بأفكار أساتذته الاشتراكيين, والعنصرية والقومية.
وعن علاقة الأصولية السياسية الصهيونية ببعض الأصوليات السياسية المعاصرة الأخرى, أعربت الباحثة في الفصل الثالث من رسالتها عن تأثر الأصولية الصهيونية بالأصولية الهندوسية, من خلال عدو مشترك لهما يتمثل بالإسلام والمسلمين في العالم, إضافة للمصالح الاقتصادية التي تجمع بينهما, حيث تدخل الصهيونية بوابة الأسرة الآسيوية عبر الهند, في مقابل دعم يهودي إسرائيلي عسكري للهند, ودخول بوابة الغرب وأمريكا من خلال إسرائيل.
كما أوضحت الباحثة عن العلاقة الوطيدة بين الأصولية الصهيونية والنازية, رغم العداء الظاهري بين اليهود والألمان بسبب الإبادة المزعومة, ناهيك عن العلاقة بين الأصولية الصهيونية والأصولية المسيحية الغربية, والتي شكلت مع الصهيونية إفرازا لمدنية غربية مادية علمانية مسيحية استعمارية, وكان من أهم الأفكار والمعتقدات التي تجمعهما: عقيدة المسيح المنتظر للمسيح, وعقيدة الشعب المختار والأرض الموعودة, إضافة للمصالح الاقتصادية المادية, مما يؤكد أن الغرب لم يحد يوما عن تسخير الدين لخدمة السياسة.
في الفصل الرابع والأخير, والذي يحمل عنوان: الأصولية السياسية الصهيونية في الميزان, وفي محاولة للنقد والتقييم, أوضحت الباحثة ادعاءات الصهيونية الدينية والتاريخية والعلمية الحضارية, بدءا من عقيدة (الشعب المختار والأرض الموعودة) والتي لم يكن من الصعب إثبات عدم مصداقيتها, من خلال نصوص التوراة والتلمود نفسهما, وصولا للادعاءات التاريخية بالحقوق التاريخية وأسطورة الأمة اليهودية, والتي أثبت المؤرخون كذبها, من خلال إثبات أن أقدم شعوب الأرض هم الكنعانيون العرب, وأن مملكة إسرائيل لم تعمر أكثر من (4 قرون), وانتهاء بالادعاءات العرقية التي أثبت علم الانثروبولوجيا غياب وحدة جنسية اليهود.
وبسبب الأزمات التي تعاني منها الحركة الصهيونية المعاصرة, كالأزمة السكانية الاستيطانية, وأزمة الهوية اليهودية, والتي تعبر عن إشكالية (من هو اليهودي), فإن استشراف الباحثة لمستقبل هذه الحركة يتوقف –كما تقول– على المشروع الإسلامي ومدى نجاحه وتقدمه, إذ المشروعان –الصهيوني والإسلامي– مترابطان ترابطا عكسيا, فكلما تقدم الأول وتجاوز أزماته بدعم من الغرب, تأخر الثاني وتراجع, والعكس صحيح.
وبتلخيص ما جاء في الرسالة من أفكار ومعلومات واستنتاجات, ختمت الباحثة هذه الدراسة القيمة النافعة, والتي ميزت فيها بمنتهى الموضوعية والعلمية, الفرق الشاسع بين مفهوم الأصولية الصهيونية, المرادف للعنف والتعصب والجمود والانغلاق, وبين الأصولية الإسلامية التي ترادف العودة لمنابع وأصول المصادر الإسلامية.
جزى الله الباحثة كل خير على هذه الدراسة القيمة, ونفع بها المسلمين.
آمين والحمد لله رب العالمين.
لتحميل الدراسة انقر هنا: