لدكتور عبدالحي يحيى زلومعمان- في كتابه الجديد "مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة"، الصادر باللغة العربية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، يكشف الخبير في مجال النفط، الدكتور عبدالحي يحيى زلوم، سلبيات اقتصاد العولمة، وما يتخللها من سرقة موارد الدول تحت أرقى المسميات وأحط الأساليب وبمساعدة مؤسسات سرية وشبه سرية وعلنية على جانبي الاطلسي.
أنهى المؤلف زلوم دراسته الابتدائية والثانوية في القدس والجامعية الأولى والعليا في الولايات المتحدة في الهندسة وإدارة الاعمال والإدارة العليا. وعمل في قطاع النفط العربي والعالمي أكثر من خمسين سنة؛ حيث ساهم في الأعمال التأسيسية للعديد من شركات النفط منذ بداياتها، والمؤلف باحث له ثمانية كتب بالعربية، وخمسة بالإنجليزية.
يهدف هذا الكتاب إلى كشف عورات اقتصاد العولمة وما يحدثه من تشوهات وحالات عدم استقرار اقتصادي واجتماعي، وبيان أن هناك شبه اجماع على ضرورة تغيير الأسس التي بني عليها هذا النظام.
ووفق المؤلف زلوم، يعتقد المؤرخ العالمي المشهور إيريك هوبسباوم (Eric Hobsbawm)، كما جاء في محاضرة ألقاها بجامعة هارفارد بتاريخ 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2006م، أنه: "لربما تسبب الإمبراطورية الأميركية الفوضى والبربرية بدلاً من حفظ النظام والسلام". وقال "إن هذه الإمبراطورية سوف تفشل حتماً"، ثم أضاف "هل ستتعلم الولايات المتحدة الدروس من الامبراطورية البريطانية، أم أنها ستحاول المحافظة على وضعها العالمي المتآكل، بالاعتماد على نظام سياسي فاشل وقوة عسكرية لا تكفي لتنفيذ البرامج التي تدّعي الحكومة الأميركية بأنها قد صممت من أجلها؟".
يهدف هذا الكتاب أن نعلم ونتعلم كيف يخطط الغرب في المدى القصير والبعيد لعشرات السنين لتحقيق أهدافه بكافة الوسائل المالية والإعلامية والعسكرية والأمنية الأخلاقية واللا أخلاقية. وكذلك لبيان أن ما يسمى الحرب على الارهاب لا يهدف لمنع المسلمين من الصلاة والصيام فلو كان الأمر كذلك لقبل المرابون العالميون، وبالتالي وكلاؤهم الأميركيون، أن يجعلوا من البيت الأبيض مسجداً وأن يجعلوا من ساكنه إماماً لهذا المسجد، ولطلبوا من ساكنه أن يحول اسمه من باراك حسين اوباما إلى البركة حسين أبو أمه. أخطر ما في الموضوع هو أن كافة مراكز الابحاث التي تم ذكرها في هذا الكتاب سواء السرّية منها أو العلنية تصرّ على قيام حكومة عالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأن تكون المُثل الغربية الانغلوساكسونية الأميركية هي مُثل ارجاء العالم قاطبة.
وحسب كتابات صامويل هانتنغنتون وغيره فإن الفكر الاسلامي والعالم الذي يحمله هو العائق الأكبر لعولمة عالمية بمثل أميركية. فعلى سبيل المثال لا الحصر اذا أصر المسلمون على تطبيق اقتصاد يخلو من الربا فذلك يعني بكل بساطة انهيار عامود النظام الرأسمالي واصحابه البارونات العالميين بل وتسقط آلية سلب الشعوب من مواردها ومقدراتها. ونعني هنا اعتماد نظام أساسه مبدأ دخول رأس المال كشريك حقيقي يشارك في المخاطرة كما في المنفعة وليس على طريقة الالتفاف على المشاركة الحقيقية كما تمارسه بعض البنوك التي تسمي نفسها اسلامية.
هذا مع الاشارة بأن تحريم الربا ليس حكراً على الإسلام لأن كافة الأديان السماوية من إسلامية أو مسيحية أو حتى يهودية قد حرمت الربا، عدا أنه سُمح لليهود به فيما بينهم وبين الغوييم (غير اليهود).
النفط السعوديهللّت قنوات الإعلام الأميركية خصوصاً، والغربية عموماً، لخبر ادعت فيه أن استقلال الولايات المتحدة النفطي قد أصبح قاب قوسين أو أدنى بعد أن زاد الانتاج النفطي الأميركي عن نظيره السعودي خلال سنة 2013، ما يجعل النفط العربي والسعودي ذا أهمية دنيا بالنسبة لواشنطن. لكن هذا الكلام هو من باب التمني ولا صلة له بالواقع، كما سنبين في الفصل الحادي عشر من هذا الكتاب.
إن هذه الفرقعة الاعلامية مبنية على أسس خاطئة لو أحسنا الظن، او أنها بنيت على خطأ لغرض في نفس يعقوب عن سابق معرفةٍ وتصميم ولعل هذا هو الأرجح.
أما إنتاج النفط في الولايات المتحدة فهو ما زال أقل من انتاج السعودية، أمّا لو تمّ إضافة السوائل الخفيفة المصاحبة لانتاج الغاز، والزيادات الناتجة عن اتحاد الهيدروجين مع النفط في عمليات التكرير، وكذلك الميثانول المستخرج من النباتات أو المنتوجات الزراعية، عندئذٍ يصبح المجموع لهذه المواد الهايدروكربونية مساوياً أو يزيد قليلاً عن انتاج السعودية سنة 2013 والتي ستزيد انتاجها بدورها 2 مليون برميل خلال سنتين.
كذلك فإن الولايات المتحدة ستبقى مستوردة للنفط الى يوم يبعثون؛ حيث أنّ عجزها اليوم حتى بعد كل الاضافات غير الاحفورية التي ذكرناها، فإنها بحاجة الى استيراد ما يعادل ضعف انتاج الكويت من النفط يومياً، هذا بالاضافة الى أن كلفة انتاج البرميل الواحد في الولايات المتحدة يزيد حوالي 20 ضعفاً عن معدّل كلفة انتاج نظيره العربي أو السعودي، بالاضافة الى أن أكثر عائدات النفط العربي تعود الى الخزانة الأميركية بشكل سندات، ما يدعم دور الدولار كعملة الاحتياط العالمي.ولكن...
من المهم أن نبين هنا أن التكنولوجيا الحديثة تتطور بتسارع كبير، خصوصا في العقدين الاخيرين؛ حيث مكّن هذا التطور من جعل انتاج الزيت الصخري (Shale Oil) في الولايات المتحدة أمراً ممكناً، وذلك نتيجة إمكانية الحفر الأفقي وتكنولوجيا التكسير الهايدروليكي.
كما أن طرق الاستخراج الحديثة جعلت الانتاج من الزيت الرملي في كندا أمرا ممكناً، ما جعل انتاجه مجدياً فنياً واقتصادياً ورفع احتياطيها من البترول أكثر من 15 ضعفاً، ما جعلها ثالث صاحبة أكبر احتياطي عالمي.
في الوقت نفسه وبعد تطوير وانتاج البترول من الخام الرملي الثقيل في فنزويلا بطريقة مجدية فنياً واقتصادياً تقدمت فنزويلا على المملكة العربية السعودية لتصبح صاحبة المركز الأول للاحتياط النفطي المثبت عالمياً ولتصبح السعودية صاحبة المركز الثاني.
وعلى سبيل المثال أيضاً يدّعي أحد كبار علماء الباحثين في الصخر الزيتي في شركة Shell في الولايات المتحدة والذي هاجر بعد تقاعده الى اسرائيل، الدكتور فاينغار، بأن انتاج إسرائيل من النفط من صخرها الزيتي سيفوق حاجتها سنة 2020 بل ويدّعي أنها ستصبح من الدول الشرق اوسطية المصدرة للنفط. وكذلك فإن احتياطي الأردن من نفس هذا الصخر الزيتي يحتوي على بترول يزيد عن احتياطي الولايات المتحدة وقطر مجتمعتين (حسب تقديرات 2013) فيما لو تمّ استغلاله.
امبراطورية عالمية انغلوساكسونيةشارك بنك التمويل "ن. م. روتشايلد وأبناؤه المحدودة "N M Rothschild & Sons Limited شاباً اسمه سيسل رودس (Cecil Rhodes) في تأسيس شركة مناجم الماسDE BEERS في جنوب افريقيا حينما كان في الخامسة والثلاثين من عمره.
وكانت عائلة روتشايلد اليهودية قد عولمت نشاطها البنكي حيث قام المؤسس مائير روتشايلد بفتح بيوته ومصارفه المالية في فرانكفورت ولندن، وباريس وفي النمسا تحت اشرافه واشراف أولاده، أما في الولايات المتحدة فعبر وكلاء معتمدين.
كان رودس في الرابعة والعشرين يوم الثاني من حزيران (يونيو) سنة 1877 عندما تم تكريسه في المحفل الماسوني التابع لجامعة أكسفورد.
ويدّعي أنه في نفس ليلة تكريسه جاءه هاجس صار حلمه الكبير؛ حيث سطّر في تلك الليلة هدفه وطموحه وهو تحفيز وتوسيع الامبراطورية البريطانية وتوحيد الجنس الانغلوساكسوني بما فيها الولايات المتحدة في ظل امبراطورية واحدة. اذا كنا نؤمن أن عصر الانبياء والوحي قد ولّى، فلنا أن نظن أن الوحي قد جاءه ممن كرسوه في محفلهم صباح ذلك اليوم.
يروي البروفيسور كارول كيغلي (Carroll Quigley)، خريج جامعة هارفارد والاستاذ في جامعة جورج تاون بواشنطن، والذي عمل مستشاراً لوزارة الدفاع، ودرّس بيل كلينتون والعديد من طلاب السلك السياسي لخريجي جورج تاون. يروي في كتابه "الكارثة والأمل" (Tragedy and Hope)، الصادر سنة 1966م أن رودس قد أسس جمعية سرّية تم إنشاؤها سنة 1881م، علماً بأن عملية الاعداد لها قد استغرق سنين قبل ذلك. وقد تم تسميتها (جمعية المختارين (Society of the Elect). ولقد وضع رودس بالتعاون مع وليام ستيد (William Stead) هيكلية هرمية بالغة التعقيد ربما استوحاها من الماسونية. كان على رأس الهرم اللورد روتشايلد، ورودس وستيد. يلي هؤلاء "دائرة الأوائل" (CircleOf Initiates) من النبلاء واللوردات ومنهم الكاردينال ماننغ (Manning) واللورد غراي (Grey) واللورد آرثر بلفور، صاحب وعد بلفور الشهير والذي وجهه الى اللورد روتشايلد وبذلك كان وعد بلفور موجه من مرؤوس الى رئيسه في تنظيم سري فهل لنا ان نعتبر ذلك مؤامرة أم نظرية مؤامرة؟، ثم يليهم ( جمعية المساعدين)، وهم جمهور أعضاء الجمعية والذين تم تنظيمهم سنة 1909م باسم (جمعية المائدة المستديرة). وكان ليونيل كورتيس (Lionel Curtis) هو المنظم لها، والتي انشأت بدورها جورنال المائدة المستديرة سنة 1910م، وهو أيضاً من قام بتنظيم شبكة العلاقات الانغلو أميركية في مؤتمر فرساي للسلام.
اذن الهدف من مسلسل هذه الجمعيات السرية والعلنية هو خلق امبراطورية عالمية انغلوساكسونية تسيطر على مقدرات العالم: حيث يقول سيسل رودس:" ولم لا نشكل تنظيماً سرّيا هدفه توسيع الامبراطورية البريطانية وإخضاع العالم للحكم البريطاني ولاستعادتنا للولايات المتحدة لنجعل من الجنس الانغلوساكسوني امبراطورية واحدة؟"، ومن أقواله أيضاً: "علينا أن نكتشف اراضي جديدة يمكن استخراج المواد الخام منها بسهولة في نفس الوقت نستعمل العمالة بالسخرة من مواطني المستعمرات كما ستصلح تلك المستعمرات كمنفذ للبضائع الفائضة المنتجة في مصانعنا."
في بدايات العقد الثاني من القرن العشرين بدا واضحاً ان الشيخوخة قد أصابت الامبراطورية البريطانية، وحيث أن بارونات رأس المال العالمي هم دوماً بحاجة إلى امبراطورية ذات يد طولى لحماية مصالحهم فلقد وجد هؤلاء البارونات الماليون ان الولايات المتحدة هي المؤهلة لقيادة الرأسمالية الانغلوساكسونية، فبدأت مراحل الترتيب للانتقال الممنهج والمبرمج الذي بدأ تنفيذه حتى في قاعات مؤتمر السلام في فرساي، كما سنبين في الفصول اللاحقة.
المطلوب إذن امبراطورية عالمية انغلوسكسونية لحماية بارونات المال أصحاب النظام الرأسمالي الذي تم تسميته نسبة لهم، فإذا فقدت الامبراطورية البريطانية مقومات الامبراطورية فلتصبح الولايات المتحدة هي حصان هؤلاء البارونات الجديد، ولتكن الامبراطورية البريطانية هي مستشارها الامبريالي – وهكذا كان.
وسوف نبيّن بالتفصيل في فصول هذا الكتاب كيف تم إيجاد المؤسسات على جانبي الاطلسي في بريطانيا والدول التابعة لها، وفي الولايات المتحدة؛ حيث أخذت أكثرها طابع السرّية وشبه السرّية.
وكان من أهمها في الولايات المتحدة مجلس العلاقات الخارجية (Council on Foreign Relations)، والذي خطط اثناء اشتعال الحرب العالمية الثانية لنظام امبراطوري أميركي، وكان من بين أعضائه البارزين أشعيا بومان.
توصل بومان في الدراسات السرية التي كان يرأسها إلى أن الامبراطورية الأميركية الانغلوساكسونية يلزمها بعد الحرب ما اسماه المنطقة الكبرى والتي تشمل نصف الكرة الارضية الغربي وأوروبا وآسيا كلها في البداية ثمّ العالم كله بعد الخلاص من الاتحاد السوفيتي.
موّل اليهودي أشعيا بومان (Isaiah Bowman) العام 1955م "معهد بحوث السياسة الخارجية" (FPRI) لإصدار نشرة ربع سنوية باسم أوربز (Orbis) العام 1957م، والتي تخصصت في الشؤون الدولية. ولقد كان في هيئة التحرير لهذه المجلة وليم ياندل إليوت (William Yandell Elliot) رئيس كلية سياسات الدولة في جامعة هارفارد، وتلميذه، آنذاك، هنري ألفرد كيسنجر (Henry A. Kissinger)! ولقد كانت المهمة المعلنة لمعهد بحوث السياسة الخارجية المذكور ونشرته ربع السنوية هي الدعوة إلى إقامة امبراطورية أميركية عالمية دون اتحاد سوفييتي، والتخلي عن سيادة الدول والدولة القومية.
ففي العام 1957م، أي قبل 35 سنة من انهيار الاتحاد السوفيتي، جاء في مقالة بعنوان "موازين الغد "Balance of) (Tomorrow: "إن مهمة الولايات المتحدة هي توحيد العالم بأكمله تحت قيادتها خلال هذا الجيل.
أما سرعة وكفاءة تحقيق الولايات المتحدة لهذا الهدف فسوف يقرر مصير الحضارة الغربية وبالتالي المصير البشري... فهل سيكون النظام العالمي الجديد القادم هو إمبراطورية عالمية أميركية...؟ يجب أن يكون الأمر كذلك لدرجة أن تحمل الامبراطورية العالمية تلك دمغة الروح الأميركية….
أما التهديد لهذه الرؤيا وهذه الامبراطورية الأميركية فسيأتي من آسيا كما جاء في مقالة أوربز(Orbis): "أما الامبراطورية الأميركية والجنس البشري فسوف لن يكونا متضادين".
ما جاء في رسالة الستين أميركي ومنهم صامويل هنتنغتون (Samuel Huntington) صاحب "صراع الحضارات"(The Clash Of Civilizations) بعد حوالي خمسين سنة وكذلك ما أتى به جورج دبليو بوش في مبدئه (القرن الأميركي الجديد) كان صدى عن مقالة هنري لوس سنة 1942م في مجلة لايف بعنوان (القرن الأميركي) والتي تدعو لتبني القيم والمعايير الأميركية لتكون قيم العالم بأجمعه وهي الرسالة نفسها التي جاءت بها مقالة أوربز المذكورة أعلاه وللعلم؛ فينتمي كل من لوس وبوش الاب والابن الى الجمعية الفائقة السرية" (skulls and bones) والتي تصل سريتها الى درجة تتطلب أن يترك عضوها أي مجلس يتمّ ذكرها من غير منتسبيها.
لقد كُتبت رسالة الستين بعد أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) العام 2001م وهي مؤكدة للرسالة التي نشرتها أوربز(Orbis) العام 1957م، علماً بأن أكثر خريجي كلية السياسة الحكومية لجامعة هارفارد كانوا أعضاء في المجلس الاستشاري لمعهد أبحاث السياسة الخارجية ومنهم: إليوت Elliot، كيسنجر Kissinger، بريجنسكي Brzezinski، برنارد لويس LewisBernard وحتى صامويل هنتنغتون Samuel Huntington نفسه. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح النظام العالمي الجديد هو تحقيق امبراطورية أميركية عالمية تعمّها المثل والقيم الأميركية. وتم انشاء العديد من المنظمات والهيئات بالغة السّرية كانت تضع الاجندات لتنفيذ النظام العالمي الجديد.
بعد أن بدأت أوروبا تستعيد عافيتها بعد الحرب العالمية الثانية تم إنشاء ملتقى "بيلدربيرغ" (Bilderberg) في 1956م، يضّم اساساً قادة السياسة والاقتصاد والاعلام على جانبي الاطلسي. وعندما استعادت اليابان عافيتها الاقتصادية تم انشاء اللجنة الثلاثية (Trilateral Commission) في 1973م ليتم التنسيق مع القوة اليابانية الصاعدة في منطقة شرق آسيا وجنوب شرق آسيا واندماج الاقتصاد الآسيوي مع الاقتصاد الأوروبي الأميركي المتعولم.
أعلن جورج بوش الاب عن قيام "نظام عالمي جديد" بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يتم فيه تحويل ذلك الاتحاد من الاشتراكية الى الرأسمالية وليتم أمركة العالم اقتصادياً وسياسياً بقيادة الامبراطورية الأميركية.
وفي كل عصر وحقبة من الزمن نجد بأن أصحاب رؤوس الأموال هؤلاء قد "لمّعوا" أحد كهنةٍ لنظامهم أسموهم "الاقتصاديين" والذين كانوا ومازالوا يزاولون دور وعاظ السلاطين بإصدار الفتاوى من نوع "ادفع وارفع"، ليضفوا عليه هالة القداسة، وأنه إذا "قال فصدقوه". عند انهيار النظام كما حصل أيام الكساد الكبير كان هناك جون مينارد كينزJohn) Maynard Keynes)، والذي نظر بضرورة تدخل الدولة لتقليم أظافر السوق وكذلك بالانفاق عن طريق العجوزات أثناء الأزمات إلى أن يتم إنقاذ النظام.
وما لبث النظام بعد ذلك أن أخرج كبير كهنة جديد، فجاء ملتون فريدمان يقول: "إن تدخل الدولة هو أبو الشرور والشر المستطير"، فتم فكفكة ما تم وضعه من قوانين معتمدة على الأورثوذوكسية الكينزية، خصوصاً في عهد ريغان ثم جاء رئيس البنك المركزي بول فاوكر ومن بعده آلان غرينسبان والذي حكم النظام المالي الأميركي ومن ثم العالمي 18.5 سنة ليقول لنا أمام لجنة تقصي حقائق في الكونغرس في اكتوبر سنة 2008م "انني مصاب بالذهول ... فأنا أعرف بأن هناك خطأ ما في النظام ... لكني لا أعرف ما هو؟!".
جاء المحافظون الجدد منذ عهد جورج بوش الاب ثم استكملوا مهمتهم في عهد جورج دبليو بوش الابن ضمن سلسلة من المؤسسات السرّية وشبه السرّية ومنها "القرن الأميركي الجديد"، والذي يدعو جهاراً نهاراً بالقول والعمل السياسي والعسكري الى عولمة العالم تحت قيادة الولايات المتحدة والتي هي بدورها تحت قيادة اصحاب رأس المال العالمي.
نهاية التاريخ أم نهاية النظام كتب فرانسيس فوكوياما (Fukuyama) بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين كتاباً أسماه "نهاية التاريخ" ونظّر أن التاريخ هو عبارة عن صراع بين العقائد والايدويولوجيات وأنه بعد اندحار الفاشية والشيوعية فلقد انتهى التاريخ الى حتمية أن تصبح الرأسمالية الليبرالية الغربية هي المنهج العالمي الوحيد بما فيها من مُثُل وثقافة والتي بدأت تكتسح العالم اليوم.
ليس فقط أن هذا القول يتناقض مع ما جاء في كتابنا هذا أو أن الولايات المتحدة تشن حرباً على ثقافة وايدويولوجية أخرى تسميها حرب أجيال.
لكن هذه النتيجة أيضاً تتناقض مع قناعات واستنتاجات كثير من العلماء والمفكرين الأميركيين. أحد كبار منتقدي فوكوياما كان البروفيسورصامويل هانتغتون صاحب كتاب ونظرية صراع الحضارات والذي جادل بأن الصراع هذه الأيام هو ليس بين الايدويولوجيات وإنما هو بين الحضارات وأهمها الصراع مع الاسلام.
وكذلك جادل بنجامين باربر في كتابه الصادر 1996م بعنوان "الجهاد ضد الماك ورلد"، كما جاء في كتاب البروفيسور ليستر سي ثورو "مستقبل الرأسمالية":
"إن الأنظمة المنافسة للنظام الرأسمالي من فاشية واشتراكية وشيوعية قد انهارت جميعها. ولكن، بالرغم من أن المنافسين قد أصبحوا طي الكتمان في كتب التاريخ فإن شيئاً ما يبدو وكأنه يهز أركان النظام الرأسمالي نفسه".
ما نراه نحن هو أننا لسنا في نهاية التاريخ بل في نهاية نظامٍ انتهت مدة صلاحيته.
اقسام هذا الكتاب الاربعةيتكون هذا الكتاب من اربعة اقسام؛ القسم الأول يبين كيف أن الولايات المتحدة قد تطورت من مُسْتَعْمَرة تم بناء اقتصادها على اساس العبودية، وكيف تحوّلت بعد الاستقلال الى مُسْتَعْمِرة قامت بما يزيد عن 200 حرب وتدخل خارجي في عمرها القصير، ويظهر القسم الثاني كيف تم بناء الجمعيات السرّية لاقامة دولة عالمية بقيادة تكتل رأس المال العالمي، وكيف ولماذا تم انتقال حصان التكتل المالي العالمي من بريطانيا الى الولايات المتحدة وما هي قوى الظل التي اُّسِست لنظام عالمي جديد؟.
أما القسم الثالث، فيبين أن الاستيلاء على البترول العربي تم ّخطوة خطوة، وأسبابه، كما يبين مستقبل البترول العربي في المتغيرات التكنولوجية، وكيف للآن ومنذ بدايات السبعينيات من القرن الماضي قد اصبح البترودولار(عائدات النفط) غطاء للدولار يسمح لمطابع الخزانة الأميركية بطباعة مليارات الدولار يومياً. كما يبحث عن مستقبل البترول العربي في المتغيرات العالمية اليوم.
أما القسم الرابع، فيبين أنه بعد بروز قوة عالمية مناكفة لمبدأ الأحادية الأميركية ومع فشل نظام اقتصاد العولمة والذي أصبح عبئاً على الاقتصاد المنتج يرى الكثيرون أن النظام الاقتصادي المتعولم والاحادية السياسية قد أصبحتا في نهاية مدة صلاحياتهما قاب قوسين أو أدنى، كما يبين هذا القسم كيف أن (الديمقراطية) الأميركية قد أصابها الوهن في عقر دارها وكيف أن سلطة رابعة فائقة السرّية تدير مع قوى الظل هذه الامبراطورية والتي ما زالت الأقوى في التاريخ وكيف ان تجربة الاتحاد السوفيتي أثبتت أن امبراطوريات هذا الزمان وإن كان لها أنياب نووية هي في حقيقتها أوهى من خيوط العنكبوت.
قال وزير الطاقة الأميركي، رتشاردسون، أيام الرئيس كلنتون سنة 1999م:" لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى".