المسألة الطائفية: تعدد الهويات في الدولة الواحدة - كاظم شبيب
الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت
الطبعة: الأولى 2011
490 صفحة
http://www.mediafire.com/?9dl767fv402y6h0
عرض للكتاب عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية:
شغلت المسألة الطائفية حيزاً مهماً من اهتمامات الباحثين في السنوات الأخيرة مع تفجر العديد من الصراعات التي حملت الطابع الطائفي، ولاسيما بعد حرب العراق عام 2003. وحاولت العديد من الدراسات تفسير أسباب نشوب هذه الصراعات الطائفية وطرق علاج هذه المشكلة، التي باتت تهدد استقرار كثير من المجتمعات. ويمثل هذا الكتاب محاولة جادة لشرح أبعاد هذه المسالة والبحث عن المخارج والسيناريوهات المناسبة لكيفية تعاطي المجتمعات والدول ذات الطوائف المتعددة والمتنوعة معها، وذلك من خلال طرح نماذج استطاعت تحقيق حالة من الاستقرار الدائم أو شبه الدائم لمجتمعات تتسم بالتنوع الثقافي والفكري والعرقي والطائفي.
ينطلق مؤلف الكتاب من الإقرار بحقيقة أن التنوع بأشكاله المختلفة، المذهبي والطائفي والعرقي والثقافي، سمة أساسية لكافة المجتمعات البشرية، وأن الدول تتمايز طبقاً لكيفية التعامل مع هذا التنوع وإدارته، محاولاً تفسير الأسباب الكامنة خلف اندلاع الصراعات والتوترات الطائفية، والتي من بينها: ارتباط المجتمعات سلبياً بالموروثات التاريخية، على نحو يجعلها حبيسة للتاريخ ومرتهنة له، فبعض الطوائف تحتكم إلى وقائع حدثت من عشرات القرون في تبرير خلافاتها الاجتماعية والسياسية القائمة، كموضوع الإمامة والخلافة بين الشيعة والسنة عند المسلمين، وموضوع العقل والروح بين الأرثوذوكس والكاثوليك والبروتستانت عند المسيحيين. ومن هذه الأسباب كذلك غياب ثقافة التعددية الفكرية والتوافق السياسي، ووجود مصالح ضيقة، أو أجندات سياسية ضيقة، عند بعض الأشخاص أو بعض الجماعات المهيمنة على الطوائف، التي تسعى إلى تحقيق هذه المصالح دون النظر للأخطار المترتبة عليها.
ومن ذلك أيضاً غياب العدالة في توزيع موارد الدولة بين الطوائف والمناطق المختلفة، وقد يحدث ذلك نتيجة خلل في خطط التنمية التي تتبناها الحكومات، وقد يكون متعمداً لتهميش بعض الطوائف وتعزيز مكانة طوائف أخرى، أضف إلى ذلك انتشار التعصب لدى بعض الأفراد والجماعات، والتفسير الخاطئ للدين من قبل البعض الآخر، ومحاولة توظيفه لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية معينة، وغياب الرؤية السياسية والاستراتيجية لأطراف الصراع الطائفي، واستجابة بعض الأطراف الداخلية لمتطلبات بعض الأطراف الإقليمية والدولية وسياساتها التي قد يكون لها مصالحها الخاصة، علاوة على وجود إعلام يساهم في إشعال النزاعات الداخلية من خلال القيام بدور سلبي في إثارة هذه الطائفة أو تلك.
ويرى المؤلف أن الصراعات الطائفية هي من أخطر التهديدات التي تواجه أي مجتمع، فهذه الحروب عادة ما تكون غارقة في الشراسة لأنها تقوم على العصبية، وبالتالي فإن خسائرها المادية والبشرية غالباً ما تفوق التقديرات والتوقعات، وقد تعيد المجتمع إلى الوراء عشرات السنين، بل تعيد الشعوب نفسها إلى بذور التخلف الفكري والثقافي، فتسود العصبيات الإثنية والطائفية والقومية لتكرس سمات التشرذم والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، كما أن آثارها تظل باقية في النفوس لوقت طويل، وقد تكون مقدمة لحدوث انقسامات داخلية تهدد بتغيير ملامح البنيان السياسي للدولة وجغرافيتها، بل إن آثارها قد لا تتوقف عند حدود البلد أو المجتمع الذي تدور رحاها داخله، بل تمتد وتتسع لتشمل المنطقة المحيطة به ما دامت التداخلات الاجتماعية والتاريخية ناشطة وطبيعية بين هذا البلد ومحيطه الجغرافي.
ويرى المؤلف أن هناك محطات أساسية لا بد من الاعتماد عليها في أية مساع لمعالجة المشكلات الطائفية في أي بلد يحتضن فسيفساء من الهويات الثقافية والدينية، مهما كان حجمها وتعددها؛ كقاعدتي الديمقراطية والمواطنة الدستورية. فالديمقراطية، وفقا للمؤلف، هي أداة أو آلية رئيسية لجميع الخطط والمشروعات التي تستهدف معالجة الطائفية بصورة كلية لا جزئية، وبدونها قد تفشل كل خطط المعالجة، وتتحول إلى محاولات ترقيعية أو ترميمية لمشكلة الطائفية. فالنظام الديمقراطي هو الصيغة التي تحمي أوسع تنوع ممكن وتعترف به، وهو الذي يتيح لجميع مكونات المجتمع المشاركة في صنع هوية المجتمع ومستقبله. أما قاعدة المواطنة الدستورية، فهي من القواعد الأساسية التي لا خلاف عليها في معالجة مشكلة الطائفية، وإن لم يكن جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، فلن تفلح أي معالجة للطائفية في البلدان التي تعاني من مشكلاتها. والموقف المطلوب من الدولة هنا، هو الحياد المنصف والموضوعي لتطبيق هذه القاعدة. فـ"دولة المواطنة الحقيقية" هي التي تقوم على حياد الدولة تجاه انتماءات المواطنين وهوياتهم الثقافية. والحياد المنصف يعني أنه لا أحد فوق القانون، وأن الفرص تكون متاحة للجميع بصرف النظر عن عرقه وطائفته وثقافته.
ويطرح المؤلف مفهوم "دولة الإنسان" باعتباره المدخل المناسب لتحقيق الاستقرار المجتمعي في الدول التي تتميز بتنوع تركيبتها العرقية والطائفية والثقافية. وطبقاً لهذا المفهوم، فإن إنسانية المواطن يجب أن تكون هي المدخل لحقوقه وواجباته، بصرف النظر عن عرقه وديانته وثقافته. "ودولة الإنسان" بهذا المعنى تتميز بعدة سمات، فهي أولاً دولة تعددية تعبر عن مصالح كافة فئات المجتمع وطوائفه، ولا تسمح لفئة معينة أو لطائفة محددة بالهيمنة على البلاد والعباد على أي أساس ديني أو ثقافي أو عرقي، ويتجاوز دور الدولة هنا مجرد احتضان الهويات المتعددة إلى التركيز على تضييق الهوة بين هذه الهويات من خلال برامج وخطط تستهدف بناء ثقافة مشتركة وهوية وطنية جامعة تتيح فرصاً متساوية للجميع. وهي ثانياً دولة دستور ومؤسسات بمعنى أنه لا مكان فيها للقرارات الارتجالية والهوائية، وأن تكون كافة الحقوق والواجبات مكفولة بموجب القانون والدستور، على أن تكون هذه القوانين ملزمة للجميع، وليست إطاراً شكلياً كما هو حادث في كثير من بلدان العالم النامي. وهي ثالثاً دولة مواطنة، بمعنى أنها تعمل لتحقيق الاندماج الوطني على قاعدة "الوطن للجميع".
ويرى المؤلف أنه بقدر نجاح الدولة في إرساء هذه الأسس يكون نجاحها في تحقيق الاستقرار المجتمعي، مشيراً إلى العديد من الأمثلة والتجارب الناجحة التي استطاعت تحقيق الاندماج الوطني الحقيقي. فنجاح الدولة في تطبيق قاعدتي "المواطنة الدستورية" و"الديمقراطية التوافقية" التي تجمع ولا تفرق، والتي تقوم على شراكة دستورية بين كافة أطياف المجتمع يعزز استقرار الوطن، كما أن حصول كافة أبناء الشعب، أو أغلبه، على رفاهية إنسانية وحياة كريمة، يعزز انتماءهم لبلدانهم وليس لطوائفهم.
وبشكل عام، يتميز هذا الكتاب بأنه يطرح مجموعة من المبادئ الأساسية التي لا يوجد خلاف عليها لتحقيق الاستقرار في المجتمعات المتنوعة ثقافياً ودينياً، كما أنه يعرض كثيراً من النماذج والتجارب الدولية الناجحة، وهو جهد يحسب للمؤلف، وبالتالي فهو يمثل مساهمة جيدة في توضيح أبعاد هذه المسألة الشائكة، التي أصبحت تشكل تهديداً لكثير من المجتمعات والدول، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي.