عندما أدخل النفط الماركسيّة إلى عقول العرب
نظام مارديني
التطوّر الرأسمالي اللامتوازي للخليج ومصرع الأفكار الكبيرة نظام مارديني يقدّم أستاذ مادّة العلاقات الدولية، فريد هاليداي، في كتابه، تحليلاً معمّقاً لجغرافية الشرق الأوسط، وذلك ضمن السياق العالمي للاستراتيجية الغربيّة ما بعد الاستعمار والاقتصاد السياسي للنفط. فمنذ عام 1962، والحروب الثوريّة المستعرة في الجزيرة العربية، تُعدّ الوجه الخفي لأزمة الطاقة، وهذه العلاقة ما بين الثورة والنفط هي التي تحدّد أهمية هذا الكتاب، الذي يستمدّ تركيزه الخاص من طريقة معالجته المعادية للرأسمالية، وطريقة مقاربته للحركات الثورية في شمال اليمن وجنوبها وفي عُمان، التي تعدّ أكثر أقطار الجزيرة العربية اكتظاظاً بالسكان، وهي لذلك لم تشهد أي استغلال واسع النطاق للنفط، بل تبرز لديها التناقضات الاجتماعية للمجتمع العربي في الجزيرة. غير أن اللافت هنا هو تضمين هاليداي كتابه كلاماً عن إيران التي تقع خارج منطقة شبه الجزيرة العربية، ولا يمكن تصوّر مستقبل المنطقة بمعزل عنها. فبسبب النفط، اكتسبت الجزيرة العربية أهميّة استراتيجية قصوى بالنسبة للرأسمالية العالمية، بعدما كانت منطقة شديدة التخلّف اقتصادياً. وفي الوقت الذي نمّت الطبقات الحاكمة استقلاليتها الذاتية، تحوّلت الحركة المناوئة للاستعمار في الجزيرة إلى حركة وطنية، وصعّدت النضال ضدّ الاستعمار إلى مستوى لم تكن تعرفه المنطقة من قبل، وكان حكّام الدول المنتجة للنفط، الذين هم في نزاع محدود (تناقض ثانوي) مع الاستعمار بسبب إسرائيل وأرباح النفط، عازمين على احتلال مكانة أكبر لدى الرأسمالية العالمية، في الوقت الذي كانت فيه الحركة المناوئة للاستعمار تهدف إلى هدم هذا النظام ككلّ. أكّدت هذه المتغيّرات صحّة إحدى مقولات التحليل الماركسي للتطور اللامتوازي والمشترك. فالرأسمالية توحّد العالم في سوق واحدة ونظام واحد للسيطرة السياسية، ومع ذلك تبقى أجزاء هذا النظام العالمي متمايزة. وغالباً ما يجري تأكيد الفروقات بين هذه الأجزاء من خلال ضمّها في نظام واحد. وهذه اللامساواة تمثّل أضعف حلقة في النظام الرأسمالي ككلّ، وخاصة في الدول المتخلّفة، حيث يؤدّي تأثير الرأسمالية السلبي إلى خلق تناقضات حادّة جداً، لأنّ التطوّرات التي تتمّ في قطاعات أخرى لم تكتمل بعد. وكان هذا أساساً التحليل اللينيني لإمكان نجاح الثورة في روسيا المتخلفة، وفي دول فقيرة ومتخلفة أخرى. يُذكَر أنّ الحركات الثورية في شبه الجزيرة العربية نمت من خلال الناصرية ونتيجة الصراع معها، وكانت الجزيرة أوّل مكان أضعفت فيها الإمبريالية وعملاؤها من العرب الناصرية، ولذلك اضطرت الناصرية في شمال اليمن إلى الوصول إلى تسوية مع العربية السعودية التي شعرت بحدة التحول في الحركة الناصرية. وقد رأت حركة القوميين العرب في ذلك الحين، أن تراجعات الناصرية في تذبذبها في شبه الجزيرة العربية، وظهور ديكتاتورية طبقة جديدة في مصر، وهزيمة عام 1967، هذه الأمور الثلاثة بأنّها الطابع الطبقي للناصرية ومحدوديتها في مواجهة الإمبريالية، الأمر الذي أدى إلى احتدام الجدل والنقاش داخل حركة القوميّين العرب خلال الستينيات، ودفعها إلى «اعتناق» الماركسية ـــ اللينينية. فعلى أثر الصدمة التي أحدثتها هزيمة عام 1967، التقط العديد من القوميّين هذه النظرية الثورية، ولكن غير المعروفة في العالم العربي، كردّ على فشل المؤسّسات والأفكار القائمة. وقد جرى تشويه القاعدة الماركسية ـــ اللينينية بحيث أصبحت ترمز إلى أي نقد قومي للتيارات السائدة. ولكن مع استمرار وجود المشكلات القديمة، فقد خبا بريق الماركسية ـــ اللينينية، وتراجع العديد من الذين ادّعوا تبنّيهم لها بحماسة. ولكن بعض الجماعات الثورية، من ناحية ثانية، استوعبت دروس الحقبة الناصرية وقطعت صلتها بالممارسات والنظريات السابقة. وقد اتضح لهم أيضاً أن التحالفات السياسية العريضة ضرورية لمواجهة خطر العدو المشترك، وأن الدعم الجماهيري لا يُكتَسَب بالشعارات. وقد أخذوا يعبرون عن سياستهم بحذر، دون التخلي عن دروس الماضي. وقد تغلبت فكرة «أكثر نشاطاً» و«أقل خطابة» على إغراءات الأفكار الثورية. وكان مستقبل هذا الاتجاه الراديكالي يعتمد على تطوره الداخلي وعلى تكاتف المحافظين العرب والقوى الرأسمالية، في محاولة لعزل التيار الراديكالي وسحقه، رغم الخلافات حول مسائل رأسمالية داخلية. فذلك التيار كان يمثّل خطراً على احتياطات النفط في الخليج وعلى الاستقرار السياسي للأقطار العربية، وبالتالي فقد أوجد هذا التيار إمكان تقديم بديل لشعوب الشرق الأوسط التي ما تزال خاضعة لاضطهاد كبير ومختلف الأشكال. * كاتب سوري العنوان الأصلي
الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية الكاتب فريد هاليداي الناشر دار الساقي
http://alakhbar.spiru.la/node/122757