الكتاب: علم النفس السياسي أسس ثقافة أحادية وتعددية
تأليف: مجموعة من المؤلفين
إصدار: وزارة الثقاقة- الهيئة العامة السورية للكتاب
دمشق2007
يتناول الكتاب(علم النفس السياسي- أسس ثقافة أحادية ومتعددة) العلاقة بين الثقافة والسياسة، لكن من زاوية نظر علم النفس السياسي. ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام، وهي: أسس علم النفس السياسي متعدد الثقافات، علم النفس والصراع السياسي؛ علم النفس السياسي للتغيير في الأقاليم الثقافية؛ وأخيراً علم النفس السياسي ومعضلات التعددية الثقافية.
ساهم في إنتاج مادة الكتاب أ كثر من عشرين كاتباً مختصاً في السياسة والثقافة وعلم النفس،كل في اختصاصه، وبعد بحث ميداني تجريبي أغلب الأحيان، إلا أن الكتاب جاء بشكل رئيس نتيجة جهد عالمين نفسيين- سياسيين، تعاونا معاً لإصداره، وهما ستانلي رينشون وجون دوكيت، اللذان يهتمان بالأصل، اهتماما عميقا بكل ماينتج عن الثقافة ويشتق منها. أحدهما يتناول ذلك الاهتمام من خلال علم النفس الاجتماعي، والآخرمن خلال علم السياسة ونظرية التحليل النفسي. ولا شك في أن نتاج الجهد الجماعي الذي يتوفر عنه الكتاب، يعد عملا شاملا جامعا، يحتاج إلى قراءته كل من يهتم بالسياسة، كذلك أيضاً كل من يعنى بالثقافة وعلم النفس وعلاقة كل منهما بالآخر.
يوضح المؤلفان الرئيسان للقراء، أنهما في تحريرهما لمادة الكتاب، قاما بالحفاظ على منظورات المساهمين العشرين، ولم يحاولا أن يفرضا أي تماثل مصطنع أو غير ناضج لوجهات النظر، بل طالبا من كل مساهم توضيح فهمه للثقافة وعلم النفس، لهذا فإنَ البؤرة الموحدة للكتاب كله تتركز على نتائج علم النفس بالنسبة إلى الحياة السياسية.
يفتتح الناشران القسم الأول من الكتاب، الذي يتألف من خمسة فصول، بتوضيح أن العلاقات السياسية والنفسية هي الجوهرالذي يحدد ماهية علم النفس السياسي«مع ذلك، ومما يثير المفارقة، أنه على الرغم من أن علم النفس السياسي قد حقق تقدما أساسيا على صعيد ماهية وأدواته في العقود الثلاثة الماضية، إلا أن القليل من النظريات في هذا الميدان والأقل من أبحاثه تفحصت الثقافة بشكل صريح» الكتاب ص 13..
يعيدنا الكتاب إلى تاريخ التطوُر النظري الأول لعلم إناسة الثقافة والشخصية، حيث سنعلم أن هذا العلم سبق الحرب العالمية الثانية ببضع سنوات، ولما اندلعت الحرب سنة 1939، عملت اللجنة الخاصة بالمعونات الوطنية على" دفع علماء النفس والأنتربولوجيا، لدراسة الحفاظ على المعنويات خلال الحرب، وإثر الهجوم على بيرل هاربور، بات تطوير علم الإناسة الثقافي السيكولوجي وتطبيقه مسألة ملحة عسكريا ومسألة نظرية أكاديمية أيضاً... في النهاية، بالطبع، أثبتت القوة العسكرية، وليس الاستخدامات السياسية لعلم النفس الثقافي، أنها هي الحاسمة. لكن من الجديربالذكر أنه على الرغم من أن الأولى هي التي فازت بالحرب، إلا أن السلام لم يصبح مضمونا بغير الثانية. فسلطات الحلفاء المحتلة لم ترض ببساطة أن تدير البلدان المهزومة المحتلة، بل أرادت تغييرها، ولإنجاز هذا، حاولت أن تحوِل مجتمعين ثقافيا، من الحكم الاستبدادي إلى الحكم الديمقراطي، تلك الواقعة(مازال الكلام للمؤلفين) التاريخية الرشيمية لايزال علينا أن نكتشفها تماماً، غير أن نتائجها الهائلة تؤكد الدور الحاسم الذي تلعبه الثقافة في التقاطع بين علم النفس والسياسة»ص19.
في القسم الثاني من الكتاب، وفيه ثلاثة فصول، جرى الاهتمام بالثقافة، وعلم النفس والصراع السياسي، وإلى الصراع السياسي العالمي، ليكشف لنا الكتاب واحدة من أشد، إن لم تكن أشد القضايا المعاصرة تفجراً على الصعيد المحلي والدولي، ألا وهي الأسس الثقافية للتعصب والتمحور العرقي، كما سنطالع في أحد فصول هذا القسم مقاربات هامة لعلاقة الثقافة بالاستبداد، باعتبار الثاني يتجلى مركَزاً في الحقل السياسي بامتياز.
في الفصل الثالث من القسم الثاني، يتناول الكتاب النزاع (بتعبير المؤلفين) العربي الاسرائيلي باعتباره مثالاً للظلم في العلاقات مابين الثقافات، فالإسرائيليون«يدافعون عن سلوكهم تجاه الفلسطينيين على أنه دفاع عن النفس... والفلسطينيون يدافعون عن سلوكهم تجاه الإسرائيليين بأنَ القضية قضية حق تقرير المصير. لكن وراء هذه التبريرات العريضة، يسرد كل جانب نسقاً من المظالم التي تلعب دوراً هاماً في هذا الصراع» ص 201 ... ثم يحلل المؤلفان(ستانلي رينشون وجون دوكيت) البنيتان الثقافيتان ، العربية والإسرائيلية، ويأخذان من الانتقام الإسرائيلي، كعقاب على مقاومة الشعب الفلسطيني، ومن العمليات التي يقوم بها بعض الفلسطينيين، وتطول المدنيين الإسرائيليين، مثالاً على أثر الثقافة على السياسة، في إطار علم النفس السياسي.
في القسم الثالث من الكتاب، استكشاف للتغيير في الأقاليم الثقافية، ضمن وعبر مناطق مختلفة ثقافيا، حيث تشكل الصراعات الثقافية والعاطفية غير المترابطة الواقع السياسي لجماعتين سكانيتين في أمريكا الجنوبية.
في القسم الرابع والأخير من الكتاب، بحث في معضلات المجتمعات ذات التعدد الثقافي، ويكون الأبرز وضع كندا، والولايات المتحدة. تبيِن المقاربة لهذه المعضلة، أنّ التعدد بفضائله وغناه، له وجه آخر هو ، وإن على مدى بعيد نسبياً، تهديد النسيج الوطني... وفي كلمة لوليم كلينتون سنة 1997، جاء أنه «من المحتمل أن يكون شيئاً عظيما حقاً بالنسبة إلى أمريكا أن نكون هكذا متعددي الأعراق... لكن من المحتمل ايضاً أن يكون ذلك سببا لإثارة المشكلات وتحطيم القلب والفرقة والخسارة»ص 416.
إضافة إلى ما أتينا عليه، ينطوي الكتاب، في أقسامه وفصوله المختلفة على أفكار هامة وجديدة، هي ثمرة جهود أكاديمية متخصصة، ولعل منهج تحرير الموضوعات المطروحة، يعطي القارئ فرصة للاطلاع على وجهات نظر متنوعة، ومختلفة أحياناً.