شباط 1966.. انقلاب على عفلق وأمين الحافظ.. والقيادة القطرية لحزب البعث تتوعد المسيئين للثورة والشعبواجه حزب البعث عقب ثورة الثامن من آذار عام 1963 عددا من التحديات منها المعركة مع الناصريين الذي شاركوا البعثيين بالانقلاب على حكم الانفصال, والذي انتهى لمصلحة البعثيين في تموز من العام نفسه, وسقوط البعثيين في العراق بعد قيامهم تسلمهم للسلطة في 8 شباط عام 1963
واضطرابات حماه عام 1964 وكانت صراعا بين البعثيين وحركة الإخوان المسلمين الممولة من العوائل الإقطاعية, وما لبثت أن انتقلت تلك الأحداث إلى باقي المدن السورية, حيث تم إخماد هذه الاضطرابات, وتخلى الفريق أمين الحافظ عن رئاسة الوزراء مؤقتا لصلاح الدين البيطار, احد مؤسسي الحزب, وهو دمشقي منحدر من الطبقة الوسطى, وذلك في خطوة لطمأنة الشارع, حيث أذاع تعهدا بحماية الحريات الشخصية والعامة, وجرى إعداد دستور جديد
إلا أن التحديات الأكثر تأثيرا التي واجهت حكام سورية الجدد هو الصراع الداخلي في الحزب او بين ما يعرف بالقيادة القومية التي كان أمينها العام ميشيل عفلق وبين القيادة القطرية التي كانت تسيطر عليها اللجنة العسكرية, وتضم عددا من الضباط لعبوا الدور الأساسي في ثورة 8 آذار, كانت الآمر الناهي في الوضع بسورية.
وتأسست اللجنة العسكرية في مصر في عهد الوحدة وكانت تضم بادئ الأمر 5 ضباط هم العقيد محمد عمران والرائدان صلاح جديد واحمد المير, والنقيبان حافظ الاسد وعبد الكريم الجندي, ثم ما لبثت ان توسعت هذه اللجنة لتضم عددا من الضباط البعثيين
وخاض الطرفان صراعهما في إطار الحزب, حيث استطاع الضباط انتزاع السلطة النهائية من يد القيادة القومية ووضعوها في يد القيادة القطرية, ثم عقدوا مؤتمرا قطريا في آذار عام 1965 لإقرار مبدأ كون الحكومة خاضعة كليا للحزب وان الأمين القطري يجب أن يكون حكما رئيسا للدولة وان القيادة القطرية هي التي تعين رئيس الوزراء والوزراء ورئيس الأركان وكبار القادة العسكريين.
وحاول عفلق ان يواجه العسكريين للحد من سيطرتهم على الحزب فدعا الى مؤتمر قومي في ايار عام 1965 غير أن أعضاء القيادة غير القومية من غير السوريين نصحوه بالحذر خوفا من إبعاد العسكريين في الحزب المدنيين وأقنعوه بان يلتزم الهدوء وبان يتخلى عن منصب الأمين العام الذي شغله لمدة 18 عاما, وخلفه الطبيب والكاتب الأردني منيف الرزاز, الذي حاول ردم الهوة بين المتناحرين داخل الحزب من خلال اجتماعات مشتركة للقيادتين القومية والقطرية, لكن دون جدوى.
إلا انه بعد ذلك أعيد خلط الأوراق على يد الفريق أمين الحافظ (عضو في اللجنة العسكرية) بشكل غير متوقع, فقد كان الحافظ يشغل عدة مناصب كرئيس مجلس الرئاسة والأمين العام للقيادة القطرية, والقائد العام للجيش ورئيس الوزراء, فيما كانت اللجنة العسكرية تعتبره بأنه رجل من قش بدون قاعدة سياسية أو خلفية حزبية, فقام الحافظ بالتخلي عن اللجنة العسكرية وانضم إلى الأعضاء القدامى في الحزب, الذين كانوا بحاجة إلى سند عسكري, وهذه الخطوة وضعته فورا على طريق المجابهة مع اللجنة العسكرية ورجلها القوي صلاح جديد الذي كان يخفي سلطته وقوته وراء منصب الأمين القطري المساعد.
وفي كانون الأول من عام 1965 أصدرت القيادة القومية قرارا منعت بموجبه القيادة القطرية من اجراء اي نقل او طرد للضباط من لخدمة بدون الحصول على إذن من القيادة القومية, كما قام الرزاز بدعوة القيادة القومية إلى اجتماع طارئ لإصدار قرار بحل القيادة القطرية, وعينوا قيادة كاملة جديدة لسورية إذ أعادوا البيطار إلى رئاسة الوزراء وجعلوا الفريق أمين الحافظ رئيسا لمجلس رئاسي جديد, واستدعي الضابط محمد عمران الذي طرد من اللجنة العسكرية من مدريد, حيث كان يشغل منصب سفير, وعين وزيرا للدفاع وقائدا أعلى للقوات المسلحة, وتم تعيين منصور الأطرش رئيسا لمجلس وطني موسع للثورة واستبعد منه أعضاء اللجنة العسكرية, فيما لم يعبئ الفريق الأخر بهذه التعيينات.
وفي 21 شباط عام 1966 بدأت المصادمات بين القيادة القومية والضباط, وذلك بناء على قرار لوزير الدفاع محمد عمران يقضي بنقل 3 ضباط مؤيدين لصلاح جديد هم اللواء احمد سويداني, والعقيد عزت جديد من سلاح الدبابات, والرائد سليم حاطوم قائد وحدة فدائية.
وقامت اللجنة العسكرية بالرد على هذا القرار من خلال الهجوم على منزل امين الحافظ في 23 شباط, حيث استسلم بعد مقاومة شرسة منه ومن حراسه, واقتيد هو وعمران والقادة الموالين لهم الى سجن المزة, كما وقعت مصادمات مماثلة في عدد من المدن إلى ان اللجنة العسكرية حسمت الأمر لمصلحتها.
كما اعتقل في دار الضيافة بشارع بغداد 30 من البعثيين القدامى, من بينهم صلاح الدين البيطار ومنصور الاطرش وشبلي العيسمي, فيما لم يعتقل ميشيل عفلق وقام بالسفر الى لبنان ومن بعدها الى البرازيل ثم عاد الى العراق في 1968 بعد تسلم البعث السلطة من جديد هناك.
ونستعرض في صحيفة البعث الناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي في عددها رقم 904 الصادرة في 24 شباط عام 1966 مادة بعنوان "بيان القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي... مع الشعب والبعث والاشتراكية".
وجاء في البيان أن ثورة 8 اذار ثورة حقيقية على التخلف والتجزئة وحربا على الاستعمار والرجعية وانتصارا لإرادة جماهير الشعب الكادحة على مستغليها وتحقيقا لأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية.
وتابع البيان أن حزب البعث الذي فجر هذه الثورة وخاض معارك قاسية مع أعداء الشعب لحمايتها كان يتوقع ان يلجأ أولئك الأعداء إلى التسلل خلف الصفوف والاستعانة بمن ركبوا المد الثوري دون قناعة أو إيمان, ومن خلال نزعات التسلط والفردية ومن خلال المترددين الجبناء والمرتبطين فكريا وتاريخيا مع مدارس الاحتراف السياسي.
واشار البيان المؤقت للقيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث ان قوى الرجعية والتخلف حاولت ان تنفذ الى قلب الثورة لتحرفها عن طريقها الحتمية وتقودها الى هاوية الحكم الفردي واسلوب المساومة والارتماء, وان استطاعت هذه القوى ان تنفذ الى الحزب عن طريق فردية امين الحافظ وتخاذل محمد عمران ويمينة صلاح البيطار وانانية ميشيل عفلق, وتمكنت من جر الحزب خلال الاشهر الاخيرة الى حافة التمزق والضياع فان الحزب الذي حمى ثورته من كل خصومة لم يكن غافلا عن تآمر هؤلاء.
واوضح البيان ان الحزب قد صبر على هؤلاء شهرين يحذر وينبه, قدمت لهم المذكرات من جميع فروع الحزب المدنية والعسكرية داخل القطر وخارجه فاصموا اذانهم عنها, طلب منهم عقد مؤتمر قطري لمعالجة ما اقدموا عليه فرفضوا وهددوا بفصل كل من يحضر المؤتمر.
طلب منهم عقد مؤتمر قومي كاعلى سلطة في الحزب فرفضوا, طلب منهم عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني فرفضوا وكان جوابهم دائما مزيدا من الإمعان في تخريب الحزب والثورة, بل ازدادوا تآمرا وبدأ كل من الحافظ وعمران على تناقضهما الاكيد يغذيان الطائفية والعشائرية والإقليمية في الجيش ويقيمان التكتلات والتحالفات مع خصوم الثورة واعدائها لضرب الثورة وحزبها القائد.
وتابع البيان ان عفلق والبيطار ازدادا تآمرا وتخريبا على الصعيد السياسي والشعبي فاتهموا الحزب وزرعوا التفرقة في صفوفه ومدوا يدهم الملوثة إلى كل انتهازي رخيص او عدو متآمر واستعانوا بهم على الحزب وثورته.
وأعلنت القيادة القطرية المؤقتة في ختام بيانها التزامها التام بمقررات مؤتمرات الحزب القومية والقطرية والمنهاج المرحلي والبيان الوزاري للحكومة السابقة, ومحاسبة كل الذين اساؤوا إلى للثورة والشعب... وإحالة المعتقلين إلى محكمة حزبية عليا خاصة.. والمبادرة الفورية الى معالجة الوضع الاقتصادي الذي أصابه الإهمال نتيجة التناقضات التي كانت قائمة فقي قيادات الثورة وذلك بترسيخ وتطوير الخطوات الاشتراكية على اسس عملية مدروسة.
كما جاء في ختام بيان القيادة القطرية اعتبار نفسها قيادة مؤقتة حتى انعقاد اول مؤتمر قطري يحدد موعد انعقاده مع امناء فروع الحزب المدنية والعسكرية... ودعوة ممثلي منظمات الحزب في الوطن العربي لعقد مؤتمر قومي يحدد موعده من قبل لجنة تحضيرية منبثقة عن هذه المنظمات
بعد 8 آذار عام 1963.. المجلس الوطني لقيادة الثورة يعزل مدنيا الشخصيات التي كرست الانفصال
في 8 آذار عام 1963, او ما يعرف بـ "ثورة آذار", قام مجموعة من الضباط ينتمون إلى أحزاب وتيارات سياسية بالانقلاب على ما يعرف بـ "الحكم الانفصالي", ذلك الحكم الذي بدأ في 28 أيلول عام 1961 وهو تاريخ الانقلاب الذي قام به العقيد عبد الكريم النحلاوي, والذي أدى إلى انفصال أول تجربة وحدوية في العالم العربي بين سورية ومصر, حيث استمرت تلك المرحلة أكثر من 3 سنوات
وتميز النظام الانفصالي, "إذا صحت التسمية", بأنه كان ضعيفا لأسباب عديدة منها أن هذا النظام كان يرتكز على طبقات أضعفتها التقلبات منذ الاستقلال كحرب فلسطين والانقلابات العسكرية التي عصفت في سورية في الخمسينات وصعود الأحزاب الراديكالية, كل ذلك لم يجعلهم قادرين على السيطرة على أجهزة الدولة, خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار الوضع العربي حيث ان سورية كانت تتعرض لحملة صاخبة من مصر بسبب الانفصال بالإضافة إلى ان التدخل المصري كان سافرا الى درجة أن سورية اشتكته إلى جامعة الدول العربية ولكن تهديد عبد الناصر الغاضب بالانسحاب من الجامعة اذ أيدت الشكوى المقدمة ضده قد سحق الموضوع.. كل هذا جعل نظام الرئيس ناظم القدسي كسيحا وان الإطاحة به ليست مسالة كبيرة.
يضاف الى ما سبق تشتت الجيش السوري حيث كان في عام 1962 منقسما الى فئات كفئة الضباط الدمشقيين وفئة الحوارنيين الموالين لاكرم الحوراني وفئة الناصرين والمستقلين والبعثيين.
وفي 8 شباط عام 1963 قام البعثيون في العراق بانقلاب عسكري على الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم مما ادى الى ارتفاع معنويات الضباط في سورية وخاصة البعثيين الذين تحالفوا مع الناصريين والمستقلين وقاموا بانقلاب في 8 اذار عام 1963 والتي اصبحت تعرف بثورة 8 اذار
وقام الحكام الجدد بوضع السلطة بيد هيئة سرية مؤلفة من 20 عضوا هي المجلس الوطني لقيادة الثورة منهم 14 بعثيا و8 من الناصريين والمستقلين, حيث يعكس هذا التشكيل الفئات التي عملت معا لاسقاط الرئيس ناظم القدسي, وظلت تركيبة المجلس لعدة شهور لغزا بالنسبة للجمهور.
ونتناول في صحيفة العروبة في عددها رقم 12 الصادر في 26 اذار عام 1963 مادة بعنوان "مجلس الثورة يعزل الذين كرسوا الانفصال", جاء فيها أن المجلس الوطني لقيادة الثورة اصدر مرسوما تشريعيا فوض فيه جزاء العزل المدني على ركائز العهد الانفصالي وعلى الذين خانوا قضية الشعب وزيفوا إرادته وقد اصدر المجلس بمرسوم اخر اللائحة الاولى من الاسماء الذي يسري عليهم جزاء العزل السياسي وهي تضم 74 شخصا.
وجاء في المرسوم رقم 11, الذي تضمن 8 مواد, ان المجلس الوطني لقيادة الثورة بناء على المرسوم التشريعي ذي الرقم 10 المتضمن تخويله بالسلطات التشريعية يرسم ما يلي:
المادة الأولى: يفرض جزاء العزل المدني بمرسوم يتخذه المجلس الوطني لقيادة الثورة بحق الأشخاص والهيئات التالية:
أ- الأشخاص الذين جعلوا من أنفسهم ركائز للعهد الانفصالي سواء بأقوالهم أم بأفعالهم.
ب- الأشخاص الذين استغلوا نفوذهم وثرواتهم او سخروا وظائفهم في الدولة قصد خدمة العهد الانفصالي او خدمة رجاله.
ج- الصحفيون والكتاب الذين اساؤوا إلى إيمان الشعب في سورية بالقومية العربية او بثوا الأفكار الشعوبية ولاسيما الذين عملوا على زعزعة ثقة الشعب بقوميته بدافع التكسب والحصول على المنافع غير المشروعة والاموال من الهيئات الرجعية او الجهات الاجنبية.
د- الأشخاص الذين انحرفوا عن مبادئ القومية العربية سواء من اليمنيين او اليساريين او الانتهازيين المرتدين.
ه- رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزارات ونوابهم والوزراء والنواب الذين عملوا على تكريس الانفصال فانحرفوا عن الاتجاه القومي وخدموا الاتجاه الشعوبي سواء باقوالهم ام بأفعالهم ام بتشجيع الاخرين.
وجاء بالمادة الثالثة من المرسوم بانه يحرم المعاقب بجزاء العزل المدني من الحقوق التالية:
أ- حقه في ان يكون ناخبا او منخبا في المجالس النيابية او الادارية او البلدية او الطائفية او الجمعيات اوالنقابات او النوادي وسائر الهيئات الاجتماعية مهما كان نوعها ويحرم من جميع الحقوق السياسية المنصوص عنها في القوانين النافذة.
ب- حقه في ان يكون مدير جريدة او مجلة او مطبوعة دورية او وكالة انباء وان يكون رئيس تحرير فيها او صاحب امتياز او صاحب اي حق من الحقوق الصحفية مهما كان نوعها.
ج- حقه في ان يكون موظفا او مستخدما او عاملا او متعاقدا في الدولة او في احدى مؤسساتها العاملة.
ونصت المادة الخامسة من المرسوم رقم 11 بانه يتراوح جزاء العزل المدني بين 5 سنوات و10 سنوات.
وتضمن المرسوم اسماء الشخصيات التي فرض بحقها العزل المدني ومنهم ناظم القدسي خالد العظم, مامون الكزبري, معروف الدواليبي, اكرم الحوراني, رشاد جبري احمد سليمان الاحمد, خليل كلاس, أمين النفوري, عبد الكريم النحلاوي, نصوح بابيل, احمد عسه , موفق عصاصة وغيرهم....
يشار الى انه بعد القيام بالثورة بدأ الصراع بين الفئات التي اسهمت بالقضاء على نظام الانفصال حيث اصطدم الناصريون بالبعثيين وكانت الغلبة للبعثيين وذلك في تموز من العام نفسه ثم تم الصراع بين البعثيين والمستقلين, ليصبح حزب البعث القوة الاساسية الفاعلة على الساحة السورية منذ عام 1963