ثانيا: شروط صحة الحيازة.لا تخلص الحيازة للحائز إلا و هي خالية من العيوب أي يجب أن تتوفر فيها شروط الصحة و هي: الهدوء،
الوضوح، الاستقرار،العلنية.
1- الهدوء : أي أن يتمكن الحائز من الانتفاع بالعقار المحوز في غير عنف أو قوة وأن لا يقترن وضع اليد بالاكراه المادي أو المعنوي من طرف الحائز وقت بدئه. و تكون الحيازة مشوبة بعيب الاكراه إذا حصل عليها صاحبها بالقوة أو التهديد ابتداء و كذلك إذا حصل عليها الحائز بالغش و التواطىء عن طريق استعمال طرق احتيالية و يظل وضع اليد مشوبا بهذا العيب ما دامت القوة أو التهديد باقية لم تنقطع. بينما إذا انقطع الاكراه و بقي الحائز بعد انقطاعه مستمرا في وضعيته و أصبح وضع اليد هادئا واضحا فمن وقت زوال التهديد تعتبر الحيازة هادئة و صحيحة و تبدأ في إنتاج آثارها من وقت زوال العيب، أما التعدي الذي يقع أثناء وضع اليد الذي بدأ هادئا و يمنعه الحائز يظل هادئا على الرغم من ذلك، فالعبرة بوقت بدأ الحيازة. (1)
و تقدير شرط الهدوء مسألة واقعية يستقل بها قاضي الموضوع، فهو الذي يقدر مدى توافر أو عدم توافـر هذا
الشرط دون رقابة عليه في ذلك من المحكمة العليا طالما كان استخلاصه سائغا. و يمكنه ذلك من وقائـــع الدعوى و أوراقها أو من شهادة الشهود.
2- العلنية : يقصد بها ممارسة الحائز حيازته على مرأى من الناس أو على الأقل على مرأى من المالك أو صاحب الحق و أن تكون الأفعال الدالة على وضع اليد واضحة و يفهم منها أن واضع اليد إنما يدير العقار كمالك، فالعلنية هي إمكان العلم بوضع اليد لا العلم الفعلي، فلا يلزم أن يعلم المالك بوضع يد الحائز على سبيل اليقين بل يكفي من الظهور بحيث يستطيع المالك العلم به.
3- الوضوح : و يقصد به ألا تكون الحيازة مشوبة بعيب اللبس و الغموض. و تكون الحيازة كذلك إذا وقع اللبس أو الغموض فيما يخص الركن المعنوي في وضع اليد، و الذي يكون ناتجا عن احتمال النية لأكثر من معنى مما يوقع الغير في غموض.
4- الاستقرار : معناه أن يكون واضع اليد على اتصال مباشر بالعقار المحوز و أن تتوالى منه أعمال السيطرة المادية في فترات منتظمة و متقاربة و قاطعة على الدلالة في انتفاعه بالعقار المحوز. و هذا أمر حتمي كون أن تجريـــم
الاعتداء مرجعه حماية استقرار الأشخاص من كل ما يؤدي إلى اضطراب هذا الاستقرار.
1- أ/ زودة عمر، المرجع السابق.
قد يثور تساؤل على اشتراط استمرار الحيازة مدة سنة كاملة حتى تحضى بالحماية. إذا ما رجعنا إلى أحكام المواد 413 من قانون الإجراءات المدنية و 820 ،821 من القانون المدني نجدها تشترط أن تدوم الحيازة مدة سنة كاملة لإضفاء الحماية عليها غير أن هذا الشرط مقتصر على حالتي التعرض للحيازة أو إقامة أعمال جديدة من شأنها عرقلة الانتفاع بالعقار المحوز حيث استثنت المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية حالة اغتصاب الحيـازة. فيحق لمـن اغتصبت منه الحيازة أن يرفع دعوى قضائية لاستردادها و لو لم يحز العقار لمدة سنة كاملة. و أكدت المادة 414 من نفس القانون هذا الحق فنصت على أنه "يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة للعقار أو حق عيني عقاري لمن اغتصبت منه الحيازة بالتعدي أو الاكراه و كان له وقت حصول التعدي أو الاكراه الحيازة المادية أو وضع اليد الهادىء العلني".
إن هذه الحالة يشتبه فيها اغتصاب الحيازة بالتعدي المجرم بالمادة 386 من قانون العقوبات و ذلك لاتحادهما في عنصري التعدي و الاكراه. فإذا كانت الحماية المدنية لا تشترط في هذه الحالة دوام الحيازة مدة سنة كاملة فإنه بصفة أولى عدم اشتراطها لإضفاء الحماية الجزائية عليها.
إذا توافرت في الحيازة شروط الصحة تولد الحق في حمايتها جزائيا من كل اعتداء حتى و لو صدر من المالك الحقيقي إذ لا يجوز له سلب الحيازة بالقوة (1) حفاظا على الوضع الظاهر و النظام العام. ومن ثم فإن تطبيق المادة 386 منم قانون العقوبات يصبح أمرا حتميا ضد كل من يريد إنصاف نفسه بنفسه دون المرور بالقضاء بحيث أن النزاع حول الملكية يبقى تحت مراقبة الدولة و يصفى بواسطة أجهزتها المختصة و إلا عمت الفوضى و كثرت المشاجرات و المآسي. (2)
1- قرار محكمة عليا رقم 203501 صادر في 26/07/2000 "من الثابت في قضاء هذه المحكمة أن الحيازة الهادئة في حد ذاتها تمنح حقوقا مكتسبة للطرف المتواجد في الأرض محل النزاع و بالتالي يتعين على الطرف الآخر الذي يدعي ملكيته لها أن يسعى للحصول على حكم نهائي لصالحه يقضي بالطرد منها و أن يقوم بتنفيذه طبقا للقانون و إلا كان هو المعتدي إذا حاول استرجاع الأرض بناء على وثائق في حوزته "، مجلة الاجتهاد القضائي لغرفة الجنح و المخالفات، المرجع السابق، ص 149.
2- المرجع السابق، ص 55.
المبحث الثاني
محل الحماية الجزائية للملكية العقارية الوقفية.
الوقف نظام مأخوذ من التشريع الإسلامي و هو ما يعرف بـ "الحبوس". و أصدق تعريف مصور جامع لصور الوقف عند الفقهاء حسب الإمام محمد أبو زهرة هو منع التصرف في رقبة العين التي يمكن الانتفاع بــها مـع بقاء عينها و جعل المنفعة لجهة من جهات الخير ابتداء و انتهاء و قد اشترطت بعض المذاهب أن تكون العين الموقوفة صالحة للبقاء يمكن تنفيذ حكم التأبيد فيها و لهذا قرروا أن الأصل في الوقف أن يكون عقارا و جواز وقف غير العقار في أحوال استثنائية. (1)
و بما أننا بصدد دراسة الحماية الجزائية للملكية العقارية فإن ما يهمنا هو الوقف الذي يكــون محلـه عقــارا و للتفصيل فيه سنتطرق ابتداء إلى تعريف الملكية العقارية الوقفية في مطلب أول ثم إلى أركان الوقف و شروطه في مطلب ثاني.
المطلب الأول
تعريـف الملكية العقـارية الـوقفية.
عرفت المادة 31 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتعلق بالتوجيه العقاري الأملاك الوقفية على أنها الأملاك العقارية التي حبسها مالكها بمحض إرادته ليجعل التمتع بها دائما تنتفع به جمعية خيرية أو جمعية ذات منفعة عامة سواء أكان هذا التمتع فوريا أو عند وفاة الموصين الوسطاء الذين يعينهم الملك المذكور.
من خلال قراءة هذه المادة نلاحظ أنه حتى و لو أن الوقف في النهاية تصدق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر و الخير (2) إلا أن هذه المنفعة قد تؤول إليهم من تاريخ إنشاء الوقف أي فورا أو بعد فترة من إنشائه خلالها ينتفع بالعقار أشخاص أوصى عليهم الواقف أي عينهم، و لا تنتقل المنفعة إلى جهات الخيــر إلا بعد وفاتهم. و عليه فالوقف نوعان عام و خاص، و بعد أن كان ينظمهما القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف إلا أن القانون رقم 02/10 المؤرخ في 14/12/2002 المعدل و المتمم للقانون رقم 91/10 قد أخرج الوقف الخاص من هذا الأخير ليخضعه لأحكام القانون رقم 84/11 المؤرخ في 09/06/1984 المتضمن قانون الأســرة المعدل و المتمم في الفصل الثالث منه المتضمن للمواد من 213 إلى 220، حيث جاءت المادة الثانية من القانون رقم 02/10 كما يلي: "يحدد هذا القانون القواعد العامة لتنظيم الأملاك الوقفية العامة و تسييــرها و حفظها و الشـروط و الكيفيات المتعلقة باستغلالها و استثمارها و تنميتها. يخضع الوقف الخاص للأحكام التشريعية و التنظيمية المعمول بها". و قد ألغت المادة 06 منه كل من المواد 07-19-22-47 من قانون الأوقاف و هي المواد التي كانت تنظم الوقف الخاص.
1- الإمام محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي، ص 110.
2- المادة 03 من القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف.
أولا: الوقف العــام.
هو الوقف الـذي يحبس فيه المالك ملكه على جهات خيرية تنتفع به من وقت إنشائه و ينقسم بدوره إلى قسميـــن:
- وقف عام محدد الجهة: و هو الوقف الذي يحدد فيه صاحبه مجال معين يصرف عليه ريعه على ألا يصرف على غيـره، إلا إذا استنفذ.
- وقف عام غير محدد الجهة : هو الوقف الذي لا يحدد فيه صاحبه المجال الذي يصرف فيه ريعه فيصرف في نشر العلم و تشجيع البحث فيه و في سبيل الخيرات بصفة عامة.
ثانيا: الوقف الخاص.
هو الوقف الذي يحبس فيه الواقف ملكه على جهة من جهات الخير يعينها على ألا تـــؤول إليها المنفعة إلا بعــد
إنقطاع عقبه من الذكور و الإناث أو غيرهم من الأشخاص الذين يعينهم. هذا يعني أن هناك مجموعتين من الموقوف عليهم يؤول إليهما حق الانتفاع تنتفعان بالعين الموقوفة حسب ترتيب الأولوية. إذ يكون لعقب الواقف من الذكـــور و الإناث أو لأشخاص معينين بداية ثم بعد انقطاعهم ينتقل لجهة خير معينة من طرف الواقف.
و يمكن لهذا الأخير في كلا النوعين أن يحتفظ لنفسه بحق الانتفاع بريع العين التي حبسها مدى الحياة على أن يؤول بعد وفاته إلى الجهات الموقوف عليها.
و تجدر الإشارة إلى أن المقصود بالملكية الوقفية ليس ملكية العقار محل الوقف إذ جاء في المادة 05 من قانون الأوقاف أن الوقف ليس ملكا للأشخاص الطبيعيين و لا الاعتبارين، و هو ما أكدته المادة 17 من نفس القانـون إذ أن الوقف يزيل حق ملكية الواقف دون أن ينتقل إلى الموقوف عليه بل يتمتع هذا الأخير بحق انتفاع فقط. هذا ما يعني أن الملكية تبقى للمولى سبحانه مصداقا لقوله تعالى: ﴿ و لله ملك السموات و الأرض ﴾ . (1) و بالتالي فإن الحماية الجزائية للملكية العقارية الوقفية تؤخذ بمفهوم العقار و ليس بمفهوم الملكية العقارية أي أن المعتدى عليه ليس مالك و إنما يقع الاعتداء إما على العقار أو على حق الانتفاع الذي يملكه الموقوف عليه و هو من له الحق في طلب الحماية على أن يكون الوقف صحيحا.
1- المشرع الجزائري أخذ بالمذهب الشافعي و الحنبلي الذي يعرف الوقف أنه: "حبس العين على حكم ملك الله تعالى و التصدق بالمنفعة على جهة من جهات البر إبتداء و إنتهاء"، حمدي باشا عمر، عقود التبرعات – الهبة- الوصية- الوقف، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، ص 75.
المطلب الثاني
أركـان الوقف و شـروطه.
تعتبر الملكية الوقفية من أهم أصناف الملكية العقارية لذلك خصها المشرع بحماية جزائية على غرار باقي أصناف الملكية. غير أن هذه الحماية لا تتأتى إلا إذا كان الوقف صحيحا ولا يكون كذلك إلا إذا تـوافرت أركــانه و شروطه التي سنتناولها من خلال هذا المطلب.
الفرع الأول
أركـــان الـــوقف.
للوقف أربعة أركان: الواقف، محل الوقف، صيغة الوقف، الموقوف عليه، سنشرحها على التوالي:
1- الواقف : هـو مالك العين محل الوقف قبل إنشائه، و يتم إنشاؤه بإرادته المنفردة بموجب عقد مقيد لـدى الموثـق و مسجل لدى مصالح السجل العقاري. (1)
2- محل الوقف : يقصد بـه العيــن التي يــرد عليها الــوقف فقد تكـون عقـارا، منقــولا أو منفعــة.
3- صيغة الوقف : يصح الوقف سواء تم التعبير عليه باللفظ أو الكتابة أو الإشارة وفقا للقواعد العامة ما دام يعبر عن إرادة الواقف دون مجال للشك.
4- الموقوف عليه : هو صاحب حق الانتفاع على العين الموقوفة، يحدده الواقف و هو شخص معلوم قد يكون طبيعي
أو معنوي إذا كان الوقف عاما.
الفرع الثاني
شـــروط الــوقف.
لا يكفـي لصحة الـوقف توفــر أركانـه فبالإضافـة إليـها يجب أن يشمـل كل ركـن على شـــروطه.
1- شروط الواقف: يشترط في الواقف لكي يكون وقفه صحيحا أن يكون بالغا عاقلا و غير مكره، هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها جاء فيه: "من المقرر شرعا و قانونا أنه يشترط في الواقف أن يكون أهلا للتبرع رشيدا لا مكرها و يشترط في المال المحبس أن يكون مملوكا للواقف معينا خاليا من النزاع. و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية و القانون و لما كان من الثابت- في قضية الحال- أن المحبس كان عمره 99 سنة مريضا و أن قطعة الأرض المحبوسة ملكا لشخص آخر. فإن قضاة المجلس الذين قضوا بتصحيح عقد الحبس خالفوا أحكام الوقف و القانون و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه ". (1) أن يكون ممن يصح تصرفه في ماله غير محجور عليه لسفه أو دين. و يرى الأستاذ محمد طرفاني أن الوقف يبقى صحيحا حتى وإن كانت ديون الواقف تستغرق أمواله مادام أنه لم يتم الحجر عليه.
1- المادة 41 من قانون الأوقاف.
أما بالنسبة للوقف الواقع في مرض الموت فهو باطل حسب قرار المحكمة العليا المؤرخ في 03/03/1971 "...من المقرر في الشريعة الإسلامية أن الحبس الواقع في مرض موت المحبس باطل و على مدعي بطلانه بذلك السبب إقامة البينة على أن المحبس كان مصابا وقت تحبيسه بالمرض الذي مات من جرائه...". (2) أن يكـون مالكا للعين محل الوقف ملكية مطلقة.
2- الشروط الواجب توفرها في محل الوقف: يشترط ليكون الوقف صحيحا أن يقع على مال متقوم. و أن يكون معلوما محددا أي معلوم الأوصاف يمكن التعرف عليه دون نزاع (3) و أن يكون مشروعا، إذ لا يجوز وقف ما حرمته الشريعة الإسلامية مثل الخمور و حسب الأستاذ محمد طرفاني لا يجوز وقف المال المرهون لأنه مال مهدد بخطر الزوال. (4)
3- شروط الموقوف عليه: يشترط في الموقوف عليه إذا كان شخصا طبيعيا أن يكون موجودا و أن يقبل الوقف. أما إذا كان شخصا معنويا فيجب أن لا يشوبه ما يخالف الشريعة الإسلامية فيكون من جهات البر و الخير كالجمعيات الخيرية و المدارس و المساجد. و لا يمكن وقف عين ليستفيد من ريعها محل لممارسة الدعارة.
4- الشروط المتعلقة بالصيغة: يجب أن تكــون الصيغة واضحـة لا تـدع غموضا في فهـم إرادة الــواقف.
بالإضافة إلى هذه الشروط أخذ المشرع الجزائري بلزوم الوقف بعد صدوره أي لا يصح الــرجوع عنه. (5) و يجب أن يكون مؤبدا غير محدد بزمن. (6)
إذا اجتمعت أركـان الــوقف متوفـرة الشـروط كما تم شرحه صح الـوقف و اكتسب الشخصية المعنـويـة.
1- قرار رقم 46546 مؤرخ في 21/11/1988، عدد 02 ،ص 60 .
2-أ/ حمدي باشا عمر، المرجع السابق، ص 76.
3- قرار رقم 94323 مؤرخ في 28/09/1993: "من المقرر شرعا و قانونا أن يكون المال المحبس ملكا الواقف، و إلا كما جاز له أن يحبسه و أن يكون معينا- غير مجهول- و خاليا من كل نزاع و لو كان هذا المال في ال و من هثم فإن عقد الحبس الذي شمل مال المحبس مع مكال أخيه- في قضية الحال- لا يكون باطلا إلا بالنسبة لأخ المحبس المدعو "س" لكنه صحيح بالنسبة للمال المملوك له" أشار إليه أ/ حمدي باشا عمر في المرجع السابق، ص 76.
4- ا / حمدي باشا عمر، المرجع السابق، ص 78
5- المادة 16 من قانون الأوقاف.
6- المادة 03 من نفس القانون.
المبحث الثالث
محل الحماية الجزائية للملكية العقارية الوطنية.
ورد في دستور 23 فبراير 1989 مادتين تحددان مفهوم الأملاك الوطنية و هما المادتين 17 و 18 و عملا بهما فإن الأملاك الوطنية تشمل على مجموع الأملاك و الحقوق المنقولة و العقارية التي تحوزها الدولة و جماعاتها الإقليمية في شكل ملكية عمومية أو خاصة و تتكون من الأملاك العمومية و الخاصة التابعة للدولة، للولاية و البلدية (1) منه نستنتج أن الدستور أخذ بمبدأ إزدواجية الأملاك الوطنية و إزدواجية الملكية، وتبنى أيضا مبدأ الإقليمية حيث لا تدخل ضمن الأملاك الوطنية سوى الأملاك التابعة للأشخاص المعنويـة المتمتعة بإقليم أي الدولة، الولاية و البلدية (2) و بما أننا بصدد دراسة الملكية العقارية دون المنقولة فسنستبعد الأملاك و الحقوق المنقولة و نقسم هذا المبحث إلى الملكية العقارية الوطنية العمومية ندرسها في مطلب أول و ندرس في مطلب ثاني الملكية العقارية الوطنيـة الخاصة.
المطلب الأول
الملكية العقارية الوطنية العمومية.
حسب المادة 03 من قانون الأملاك الوطنية فإن الأملاك العقارية الوطنية العموميــة هي مجمـوع الأملاك و الحقوق العقارية التي تحوزها الدولة و جماعاتها الإقليمية ، التي لا يمكن أن تكون محل ملكية خاصة بحكم طبيعتها أو غرضها و أضافت المادة 12 من نفس القانون أنها الأملاك و الحقوق العقارية التي يستعملها الجميع و الموضوعة تحت تصرف الجمهورلاستعمالها إما مباشرة أو بواسطة مرفق عام شريطة أن تكيف في هذه الحالة بحكـم طبيعتها أو تهيئتها الخاصة تكييفا مطلقا أو أساسيا مع الهدف الخاص بهذا المرفق، و كذا الأملاك التي تعتبر من قبيل الملكية العمومية بمفهوم المادة 17 من الدستور.
ويقصد بالاستعمال المباشر الاستعمال دون المرور على المرافق العامة كالطرقات و الحدائق العامة و الشواطىء إذ يقوم به جميع المواطنين حسب الشروط نفسها على أن يكون مطابق لغرض الأملاك العموميـة، و يكــون حر و مجاني فلا يجوز منعه و لا اخضاعه لتصريح أو ترخيص قبليين. أما الاستعمال عن طريق المرافق العامة فهو استعمال الأملاك التي تكون بطبيعتها ضرورية للمرفق العام و هيئت خصيصا له و يستعملها الجمهور عن طريقـه. و يتميز عن الأملاك الأخرى التي تحوزها الهيئات المسيرة للمرفق العام دون أن تكون ضرورية له. (3)
1- المادة 02 من القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 المتضمن قانون الاملاك الوطنية.
2-ا / ليلى زروقي ، حمدي باشا عمر ، المنازعات العقارية ، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ، 2002 ، ص 89-90.
3- المرجع السابق ص93.
أما الملكية العقارية العمومية بمفهوم المادة 17 من الدستور هي المناجم و المقالع والغابات و كلها تعتبر ملكا للمجموعة الوطنية، إلا أن هذه الأخيرة ليست شخصية قانونية و بالتالي فإن الدولة هي التي تمثلها.
و لعل أهم ما يميز الأملاك العقارية العمومية عن الخاصة هو عدم قابيلتها للتصرف أو التقادم أو الحجز إذ يمنع على الأفراد وضع اليد على المال العمومي بنية التملك مهما طالت الإقامة لعدم جواز تملكه ملكية خاصة سواء تعلق الأمر بالمال في حد ذاته أو توقيع حقوق إمتلاكية عليه كحق الارتفاق.
و قد قسم المشرع الأملاك الوطنية العمومية إلى أملاك طبيعية و أملاك اصطناعية.
الأملاك الوطنية العمومية الطبيعية:
نذكر بعضها على سبيل المثال: شواطىء البحار، الأملاك البحرية و هي ملك للدولة وحدها دون الجمعات المحلية. الجزر التي تكون داخل رقاق المجاري و البحيرات و المساحات المـائية الأخرى والغابات.
الأملاك الوطنية العمومية الصناعية:
تشمل المنشآت المهيأة لاستقبال الجمهور مثل الحدائق المهيأة، البساتين العمومية، المنشآت الثقافية و الرياضية، الآثار العمومية، المتاحف، الأماكن الأثرية، الطرق العادية و السريعة. (1)
و حتى تكتسب الأملاك الوطنية صفة العمومية يتم إدماجها إما بالتعاقد أو بالطرق الجبرية كالتأمين و نزع الملكية للمنفعة العامة. إلا أن الإدماج يختلف باختلاف طبيعـة الملك، فبالنسبة للأملاك الطبيعيـة تكتسبها الإدارة بفعل الواقـع و ليس بتصرف قانوني فيتم بصورة آلية و لا يعتبر قرار الإدارة إلا كاشفا للحدود الطبيعية للمال كالشواطىء. أما الأملاك النهرية فيتم إدماجها بقرار تخصيص بعد تحقيق وجاهي لإعطاء حماية أكثر للملاك المجاورة. (2) و بالنسبة للأملاك الصناعية يشترط صدور قرار بإدماجها و تخصيصها لأهداف المنفعة العمومية و لا يسري مفعولها إلا بعد إستيلام المنشأة و تهيئتها تهيئة خاصة وفقا لطبيعتها و حسب الغاية من استعمالها. و تتمثل قواعد الإدماج أو التكوين حسب قانون الأملاك الوطنية في قواعد تعيين الحدود الخاصة بالأملاك الطبيعية و قواعد التصفيف الخاصة بالطـرق التي نصت عليها المادة 27 و ما بعدها. و قواعد التخصيص الخاصة بالأملاك الوطنية الصناعية المنصوص عليها في المادة 33 من قانون الأملاك الوطنية.
1- راجع المادة 16 من قانون الأملاك الوطنية .
2- أ/ زروقي ليلى، حمدي باشا عمر، المرجع السابق، ص 94-95.
المطلب الثاني
الملكية العقارية الوطنية الخاصة
لقد خصص مشرع القسم الثاني من الفصل الأول من الباب الأول من الجزء الأول من قانون الأملاك الوطنية لتعداد الأملاك الوطنية الخاصة و قسمها إلى أملاك مشتركة بين الدولة و الولاية و البلدية بصفة عامة في المادة 17 ثم خص كل مادة من المواد 18-19-20 لتعداد الأملاك الوطنية الخاصة التابعة للدولة، الولاية و كذا البلدية حسب هذا الترتيب و قد عرفتها المادة 03 أنها الأملاك الوطنية غير المصنفة ضمن الأملاك العمومية و التي تؤدي وظيفة إمتلاكية و مالية في حين عرفها القانون المدني في المادة 688 أنها الأموال التي تخصص بالفعل و بمقتضى نص قانوني لمصلحة عامة أو لإدارة أو لمؤسسة عمومية أو لهيئة لها طابع إداري.
و بمفهوم المخالفة للمادة 04 من قانون الأملاك الوطنية فإن هذه الأملاك لا تخضع لقواعد الحماية مثلها مثل الملكية الخاصة، فحسب الأستاذة ليلى زروقي يجوز التمسك بالحيازة حتى في مواجهة الدولة استنادا إلى المادة 04 المذكورة أعلاه التي لم تقر الحماية التقليدية للأموال- عدم قابلية التصرف- عدم الحجز و عدم جواز التمسك بالتقـادم إلا على الأملاك الوطنية العمومية. (1) إلا أن المحكمة العليا ذهبت في قرار لها إلى عكس ذلك حيث جاء فيه: "حيث أن قضاة المجلس اعتبروا أن الأرض المتنازع عليها "أرض عرش" من أملاك الدولة و بالتالي لا يمكن الادعاء بحيازتها". (2)
غير أنه هناك جانب من الفقه يرى أن منع التصرف و الحجز و التملك عن طريق التقادم وارد على الأملاك الوطنية بصنفيها معتمدين على نص المادة 689 من القانون المدني "لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم..." حيث أن هذه المادة لم تفرق بين الأملاك الوطنية العمومية و الخاصة بل جعلت لها نفس الحكـم. (3)
و باستقراء نصوص المواد 39-40-41 من قانون الأملاك الوطنية نستخلص أنه يمكن اكتساب الأملاك الوطنية الخاصة بعدة طـرق من بينها:
- الهبات و الوصايا التي تقدم للدولة أو لمؤسساتها العمومية ذات الطابع الإداري.
- أيلولة الأملاك الشاغرة و التي لا صاحب لها إلى الدولة.
- إلغاء تخصيص أو تصنيف بعض الأملاك الوطنية العمومية.
- استرداد بعض الأملاك الوطنية التابعة للدولة التي انتزعها أو احتجزها الغير أو شغلها دون حق أو سند.
· و بالإضافة إلى هذه الطرق تعتبر طرقا لتكوين الأملاك الولائية الخاصة:
- إدراج الأملاك التي أنشأتها الولاية بأموالها الخاصة.
- أيلولة الأملاك المنشأة أو المنجزة بمساعدة الدولة إلى الولاية أيلولة الملكية التامة أو تحويلها إليها.
- نقل الأملاك المخصصة للأملاك الوطنية العمومية غير الخاصة ريثما يتم تهيئتها تهيئة خاصة.
· و تعتبر طرقا لتكوين أملاك البلدية الخاصة:
- إدراج الأملاك التي أنشأتها البلدية بأموالها الخاصة.
- أيلولة الأملاك المنشأة أو المنجزة بمساعدة الدولة أو الولاية أو صندوق التضامن المشترك بين البلديات إلى البلدية أيلولة الملكية التامة أو تحويلها إليها.
- أيلولة الأملاك المختلفة الأنواع الناتجة من الأملاك الوطنية الخاصة التابعة للدولة أو الولاية إلى البلدية أيلولة الملكية التامة أو تحويلها إليها.
و لعل من أهم الأملاك الوطنية الخاصة التابعة للدولة الأراضي الفلاحية أو ذات الوجهة الفلاحية التي منحت للمنتجين في شكل حق انتفاع دائم إلى جانب التنازل الكلي عن الأملاك العقارية المبنية و المنقولة المخصصة لاستغلال هذه الأراضي، و التي تم تنظيمها بموجب القانون رقم 87/19 المتضمن ضبط كيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية و تحديد حقوق المنتجين و واجباتهم.
و تستغل هذه الأراضي في شكل شركة مدنية تتكون من ثلاثة أشخاص على الأقل بطريقة جماعية و على الشيوع، و هو ما يعرف بالمستثمرة الفلاحية الجماعية، و استثناء قد تكون المشتثمرة الفلاحية فردية إذا كانت مساحة الأرض أو موقعها لا يتناسبان مع شغلها بشكل جماعي.
و تعتبر المستثمرة الفلاحية كشركة مدنية صاحبة حق ملكية على العقارات المبنية و العقارات بالتخصيص الموفرة لخدمة الأرض و صاحبة حق الانتفاع الدائم بالأرض مالم يتم اسقاط هذا الحق عليها حسب الشروط المنصوص عليها قانونا و تبقى الدولة مالكة الرقبة.
1-المرجع السابق، ص 198.
2- قرار رقم 196049 مؤرخ في 26/04/2000 مجلة قضائية 2000، العدد الأول، ص 30.
3- قرار المحكمة العليا رقم 198170 مؤرخ في 26/07/2000 "لا يجوز تملك أموال الدولة بالتقادم المكسب و لما ثبت من قضية الحال أن الأرض محل النزاع تم تأميمها و إدماجها ضمن الصندوق الوطني للثورة الزراعية فهي تعد ملكا عاما لا تخضع للتقادم المكسب. إن بقاء المطعون ضده في جزء من القطعة الأرضية مدة من الزمن لا يعدوا أن يكون مجرد رخصة لا تقوم معها الحيازة عملا بأحكام المادة 808 من القانون المدني"، المجلة القضائية 2002، العدد الأول، ص 275.
الفصل الثاني
وسائل الحماية الجزائية للملكية العقارية
بعدما بينا في الفصل الأول المقصود من الملكية العقارية المعنية بالحماية الجزائية سنحاول في هذا الفصل توضيح كيفية تطبيق و تجسيد هذه الحماية عمليا.
يقصد بالحماية بصفة عامة التدابير التي أقرها المشرع لدفع الاعتداء و فرض النظام العام و بما أن البحث يرمي إلى دراسة الجانب الجزائي للحماية فحسب فإن الحماية تتجسد في وسيلة التجريم لارتباط الجريمة بالعقوبة التي تحقق الردع العام و الخاص و تحول دون ارتكاب الجريمة من كافة أفراد المجتمع و تكرار الفاعل لسلوكه المجرم.
و سنقسم دراستنا لوسائل الحماية تبعا لأصناف الملكية العقارية بداية بالملكية العقارية الخاصة في المبحث الأول ثم الملكية العقارية الوقفية في المبحث الثاني و أخيرا الوطنية في المبحث الثالث.
المبحث الأول
وسائل الحماية الجزائية للملكية العقارية الخاصة
تنص المادة 01 من قانون العقوبات أن لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن إلا بقانون و بالتالي فإن وسيلة الحماية الجزائية باعتبارها تتمثل في عنصر التجريم لا يمكن التوسع فيها خارج القوانين العقابية و بالرجوع إليها لا نجد سوى نص عقابي واحد صريح يتعلق بقمع التعدي على الأملاك العقارية لكن هناك نصوص أخرى تتعلق بالعقــار و توفر له الحماية رغم أنها لا تنصب على حماية الملكية العقارية في حد ذاتها و إنما جاءت لتكريس الحماية الدستورية للحرية الشخصية وحياة الأفراد و كذا بما يكفل حماية العقار ذاته. سنحاول تحليل بعضها على سبيل المثال لا الحصر.
المطلب الأول
جريمـة التعدي على الأملاك العقاريـة
نص المشرع الجزائري في القسم الخامس من قانون العقوبات على جريمـة التعدي على الأملاك العقاريــة وقد شمل هذا القسم مادة واحدة و هي المادة 386 والتي بعد تحيين الغرامة المقررة لها تطبيقا للمادة 467 مكرر التي جاء بها القانون رقم 06/23 المؤرخ في 20/12/2006 المعدل والمتمم لقانون العقوبات يمكننا صياغتها كما يلي: يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة من 20.001 د ج إلى 100.000 دج كل من انتزع عقارا مملوكا للغير و ذلك خلسة أو بطرق التدليس. و إذا كان انتزاع الملكية قد وقع ليلا بالتهديد أو العنف أو بطريقة التسلق أو الكسر من عدة أشخاص أو مع حمل سلاح ظاهر أو مخبأ بواسطة واحد أو أكثر من الجناة فتكون العقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات و الغرامة من 20.001 دج إلى 100.000 دج.
من خلال دراسة نص المادة نستشف الأركان التي تقوم عليها الجريمة و التي سنبينها في الفرع الأول و نبيـن في الفرع الثاني الجزاء المقرر لها و كذا الظروف المشددة له.
الفرع الأول
الأركان المكونة لجريمة التعدي على الأملاك العقارية
تقوم جريمة التعدي على الأملاك العقارية كغيرها من الجرائم على الأركان الثلاثة. الشرعي و نعني به النص القانوني الذي يبين الفعل المكون للجريمة و يحدد العقاب الذي يفرضه على مرتكبها، تطبيقا لمبدأ لا جريمة و لا عقوبة بغير قانون. الركن المادي و هو السلوك الذي يتعارض مع القانون و يعتبر جوهر الجريمة. و الركن المعنوي أي علم المجرم بأركان الجريمة و انصراف إرادته إلى ارتكابها.
باسقاط هذه الأركان على جنحة التعدي على الأملاك العقارية يمكن تحديدها على النحو التالي:
أولا: الركن الشرعي.
يتمثل في نص المادة 386 من قانون العقوبات التي جاءت بتجريم فعل التعدي على الأملاك العقاريــــة و أصبغت عليه وصف الجنحة و حددت له ظروف التشديد المتمثلة فـي: الليل- التهديـد- العنف- التسلق- الكسـر- التعدد و حمل السلاح، و حددت له الجزاء و ظروف التشديد.
ثانيا: الركن المادي.
جاء في نص المادة 386 من قانون العقوبات "... كل من انتزع عقارا مملوكا للغير و ذلك خلسة أو بطرق التدليس...". و في قرار المحكمة العليا رقم 97152 المؤرخ في 17/01/1989 "من المقرر قانونا أن جريمة الاعتداء على ملكية الغير لا تقوم إلا إذا توافرت الأركان الآتية: نزع عقار مملوك للغير، ارتكاب الفعل خلسة أو بطريق التدليس". (1) و عليه فإن الركن المادي لجريمة التعدي على الأملاك العقارية يتكون من عنصرين انتزاع عقار مملوك للغير و أن يكون الانتزاع عن طريق الخلسة أو التدليس.