المحاضرة الثانية
جذور العلاقات الدولية في العصور القديمة
[rtl]
تعود الجذور الأولى للعلاقات الدولية إلى الكيانات السياسية الأولى التي عرفتها البشرية، وذلك إعتماد على حالة التجمع والرغبة في التنظيم ، وهي الرغبة التي ما فتئ الإنسان يسعى إلى تحقيقها، ويمكن تلمس هذه الجذور من خلال جملة من الدلائل التاريخية ، لعلل أبرزها كميات مهمة من الآثار والوثائق القديمة،حيثترجع الوثائق الرئيسية في العلاقات الدولية إلى تلك الحقبة: فكانت هناك معاهدات واتفاقيات دبلوماسية، وأخذت المجتمعات القديمة تحافظ على علاقات صداقة فيما بينها، وكذلك علاقات تجارية، أو منازعات. وكانت الاتصالات تجري بإرسال مبعوثين خاصين يُمنحون ميزات خاصة: سفراء. وتبرم المعاهدات بين الملوك على أساس من المساواة، وتكون مكتوبة، وتخضع لإجراءات تصديق، على شكل احتفالات رئيسة. وتؤدي المعاهدات خدمة في الإعداد للحرب "خاتمة التحالفات"، أو عند انتهاء مدة "معاهدة السلام". وتستخدم أيضاً في السلم. كالمعاهدة التجارية التي جرت بين آمينوفيس الرابع
(Amenophis) وملك قبرص آلازيا (Alasia) في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهو اتفاق تجاري لإعفاء المنتجات القبرصية من الضرائب الجمركية، مقابل توريد كمية معينة من النحاس والخشب. كما عُقِدت معاهدة بين رمسيس الثاني، وملك الحثيين عام (1275)ق.م، تنص على أن ملك الحثيين لن يقبل على أرضه لاجئين مصريين، مقابل أن يتكفل الفرعون بالعهد بتسليم المجرمين الحثيين.[/rtl]
[rtl]وعرفت الصين حرباً مستمرة "بين الممالك المحاربة" بين القرن الخامس والثالث ق.م، والتي كانت منظمة كدول، في الواقع، حديثه، ولقد تمت كتابة فن الحرب في تلك الحقبة من قبل سان تزو (Sun-Tzu). في الوقت نفسه، كان العالم اليوناني متجانساً في ثقافته، ومقسماً سياسياً إلى مدن، وذهب أبعد من ذلك في تنظيم العلاقات الدولية: فاخترع اليونانيون إجراءات التحكيم والحماية الدبلوماسية "شبه منظمات" دولية، مثل "منتدى المدن في اليونان، الذي كان يسمح بإدارة مشتركة دينية مقدسة، وكذلك إنشاء نظام دفاع جماعي بين المدن، مثل جامعة ديلوس (Delos) التي جرى تشكيلها بمبادرة من أثينا في القرن الخامس ق.م.[/rtl]
[rtl]
كان العالم الإغريقي يتكون من عدد من المناطق المستقلة يطلق عليها الدول ـ المدن. وكثيرًا ما كانت الدول ـ المدن تدخل في حروب مع بعضها ،ولقد بدأ تطور الدول ـ المدن الإغريقية على امتداد قرون من الزمن، فأحيانًا كانت بعض الدول المتجاورة تسعى للاتحاد فيما بينها بغية تكوين دولة كبرى، مع محاولة معظم الدول الحفاظ على استقلالها. واجهت بلاد الإغريق في تلك الأثناء المشكلة المتمثلة في زيادة أعداد السكان، وقلة الأراضي الزراعية؛ ولذا اندلع القتال بين الدول المتجاورة، حيث كان القتال من أجل الحدود أحد أسبابها، وقد نما بعض تلك الدول على حساب الدول الأخرى؛ فأسبرطة أصبحت قوية من خلال قهرها الشعوب المجاورة وتغلُّبها عليها. وبذلك غدا الكثير من أهالي تلك الدول يعملون في الأراضي لصالح سادتهم من الأسبرطيين، ولعل من أهم هذه الحروب التي تعد سندا ومرجعا مهما لأصحاب الطرح الواقعي، الحرب البلوبونيزية وهي حرب نشبت بين دولتي أثينا وإسبرطة من عام 431 إلى عام 404ق.م. وطبقًا لرواية المؤرخ الإغريقي ثيوسيديدس، الذي عاصر تلك الحرب، أقدمت العصبة البلوبونيزية، أسبرطة وحلفاؤها، على الهجوم على إمبراطورية أثينا لتخوفهم من قوتها المتنامية، وقد انتهت بانتصار إسبرطة، بعد أن كسبت مساندة الفرس، كما نجحت في تأليب الرعايا الأثينيين على التمرد مما عجل بانهيار أثينا واستسلامها ، ومما زاد الأمر سوءًا، أن أثينا مُنيت عام 430ق.م بالطاعون الذي أودى بحياة ثلثي السكان فيها.[/rtl]
[rtl]
لقد دفع نقص الأراضي العديد من الإغريق إلى مغادرة دولهم، وذلك ما سمح لهم تأسيس دول جديدة على طول شواطئ البحرين الأبيض المتوسط والأسود خلال المدة الواقعة فيما بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد.[/rtl]
[rtl]
وكان أكثر المستوطنات تطوّرًا في جنوبي إيطاليا وصقلية وقد أصبحت تُعْرف باسم بلاد الإغريـق الكبرى.[/rtl]
[rtl]
تحول الكثير من المزارعين الإغريق إلى عبيد نتيجة صغر مساحات الأرض التي يعملون بها وكثرة الديون عليهم وتعذر سدادها، الأمر الذي أدى إلى خسارتهم الأرض والحرية.[/rtl]
[rtl]
لقد كان للحضارة "اليونانية القديمة"، جميع المظاهر المجسدة للحضارة والثقافة،أما الأجانب، فقد تمثلوا "بالبربرية"، إلا أن البربرية لم تكن فقط وصفا للأجانب ، وإنما كانت واقعا معاشا، حيث شهدت الحروب آنذاك أشكالا سيئة من هذه البربرية، ففي مايعرف بحوار أهل ميليا Melian dialogue تبرز صورة من هذه البربرية،ويعتبر هذا الحوار مقطعا كثيراً ما يسشتهد به من مؤلف توشيديد (Thucydides) "الحرب البيلوبونيزية" (الكتاب الخامس، الفصل السابع) وكثيراً ما استخدمه العديد من المعلقين لبيان عدم مبالاة سياسة القوة بالحجة الأخلاقية. فقد تجاهل مبعوثو أثينا مناشدة أهل ميليا البائسة بأنهم يرغبون في البقاء على الحياد في الصراع مع اسبارتا (431 – 404 قبل الميلاد) وأكدوا أن "معيار العدل يعتمد على التساوي في قوة الإكراه وأن الأقوياء يفعلون في الواقع ما عليهم فعله وأن الضعفاء يقبلون ما عليهم قبوله." ثم حاصر الأثينيون ميلوس وأعدموا بعد ذلك جميع الرجال الذين كانوا في سن العسكرية وباعوا النساء والأطفال ليكونوا أرقاء. وفي ملحق يبعث القشعريرة في النفس للفكرة التي مفادها أن العدل هو إلى جانب الأقوى، أضاف الدبلوماسي الأثيني يقول: "هذا ليس قانوناً من صنعنا ولم نكن أول من طبقه بعد صدوره. فقد وجدناه قائماً وسنتركه قائماً إلى الأبد لمن يأتون بعدنا." لقد كانت الفكرة القائلة إن الأقوياء يأخذون ما يريدون وأن الضعفاء يقدمون ما يتوجب عليهم تقديمه شائعة في العلاقات الدولية وكثيراً ما اقتحمت المناقشات المتعلقة بمساواة الدول في النظام الدولي. لقد كان منع هذا القانون "إلى الأبد لمن يأتون بعدنا" من الوجود الغرض الرئيسي للنظريات المعيارية في العلاقات الدولية في الفكر الدولي للقرن العشرين. [/rtl]
[rtl] المحاضرة الثالثة : [/rtl]
[rtl]- نشأة الإمبراطوريات الكبرى وأثرها على تبلور مفهوم العلاقات الدولية[/rtl]
[rtl]
تغيرت الخريطة السياسية للعالم على مرّ التاريخ مرارًا وتكرارًا، ونتجت بعض هذه التغيرات المهمة عن الحروب الرئيسية. وإبان العصور السحيقة غزا العسكريون أمثال الإسكندر الأكبر، ويوليوس قيصر، العديد من المجموعات البشرية المختلفة وكوّنوا إمبراطوريات واسعة مترامية الأطراف. وقد قامت إمبراطوريات عديدة وسقطت إبان الفترات المتأخّرة من التاريخ، كما أنّ الحدود قد تغيّرت مرة تلو الأخرى.[/rtl]
[rtl]
وجد قبل عصرنا طرازان من المجتمعات السياسية بصورة رئيسة: الامبراطوريات القارية التي شملت مناطق واسعة "مصر، الامبراطورية اليزنطية، بلاد ما بين النهرين، ثم أعقبتها الامبراطورية الآشورية، ثم الامبراطورية الفارسية، أخيراً، الامبراطورية الرومانية". كما شكلت بعض الحواضر، امبراطورية بحرية "صور، ثم قرطاجة، ثم أثينا".[/rtl]
[rtl]
1- الإمبراطورية الفارسية[/rtl]
[rtl]
فارس القديمة أرض تشمل أجزاء من كلٍّ من إيران وأفغانستان الحاليتين، وفي ظل حكم قورش الكبير وداريوس الأول وأحشورش وغيرهم من القواد، أصبحت فارس موطنًا لحضارة مزدهرة ومركزًا لإمبراطورية واسعة.[/rtl]
[rtl]
وسع قورش الإمبراطورية حوالي 545ق م، ثم ضم تدريجيًا المستعمرات اليونانية في غربي آسيا الصغرى، وسماها الإمبراطورية الأخمينية على اسم سلفه أخمينيوس. وقد تمكن قورش من هزيمة بابل في 539ق.م. وحرر اليهود الذين سباهم نبوخذ نصر وكانوا في الأسر هناك،كما أنشأ إمبراطورية امتدت من البحر الأبيض المتوسط وغربي آسيا الصغرى إلى أعالي نهر السند، وهو ما يُعرف اليوم بشمال الباكستان، ومن خليج عمان إلى بحر الأورال،كما استطاع قمبيز، ابنه، هزيمة مصر حوالي عام 525ق.م، وأعاد داريوس الأول، أحد أقرباء قمبيز تنظيم الحكومة ، وأقام السلطة المطلقة للشَّاهان شاه، كما طوّر نظامًا مُحكمًا للضرائب، ووسّع داريوس الإمبراطورية الفارسية داخل جنوب شرقي أوروبا وداخل مايسمى الآن جنوب الباكستان.[/rtl]
[rtl]
توسعت الإمبراطورية الفارسية بسرعة، وتمكنت من هزيمة العديد من الدول الإغريقية في آسيا الصغرى خلال القرن السادس قبل الميلاد،وإزاء الخطر الداهم، توحدت بعض الدول الإغريقية تحت قيادة أسبرطة للقتال ضد الغزاة. حيث تمكن الإغريق من تحقيق النصر على الأسطول الفارسي، ثم تصفية القوات الفارسية المتبقية عام 479ق.م.[/rtl]
[rtl]
تدهورت فارس بعد موت أحشورش بن داريوس ، ولكن الإمبراطورية استمرت بالرغم من الانتفاضات حتى حوالي عام 331ق.م،. حيث أصبحت فارس جزءًا من إمبراطورية الإسكندر.[/rtl]
[rtl]
تمكن الفرثيون من حكم فارس بدءًا من 155ق.م، وأنشأوا الإمبراطورية الفرثية، التي استمرت حتى عام 224م. وهي إمبراطورية واسعة بامتداد شرقي آسيا الصغرى وجنوب غربي آسيا، وفي المائتي عام الأخيرة من حكمهم، كان على الفرثيين أن يُحاربوا الرومان في الغرب وفي الكوشان،وقد استمرت الحرب بين الفرس والرومان طوال قرون، وبعد أن اعتنق الرومان النصرانية في القرن الرابع الميلادي، بدأ الصراع يأخذ شكلاً دينيًا بين النصرانية والزرادشتية.[/rtl]
[rtl]
بلغت الحضارة الفارسية أوج قمتها في منتصف القرن السادس الميلادي حيث حقق الفرس عددًا من الانتصارات على الرومان وأعادوا احتلال أراضٍ كانت جزءًا من الإمبراطورية الأخمينية،ولقد تقدمت القوات الفارسية حتى أبواب القسطنطينية (إسطنبول، في تركيا حاليًا) التي كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية (الرومانية الشرقية)، ولكنهم هزموا هنالك وأجبروا على الانسحاب من كل الأراضي التي احتلوها.[/rtl]
[rtl]
إمبراطورية الإسكندر الأكبر Alexander the Great 356-323ق.م [/rtl]
[rtl]
فتح الإسكندر المقدوني كثيرًا من بلاد العالم المتمدن المعروفة في ذلك الوقت، ونقل إليها الأفكار الإغريقية، والطرق التي كان الإغريق يتخذونها لصنع الأشياء. واستطاع هذا الفاتح أن ينشر الثقافة الإغريقية التي عرفت في ذلك الوقت بشكل واسع في البلاد التي فتحها. ووجد الإسكندر نفسه ملكًا على آسيا. وكان أقصى ما وصلت إليه أملاكه من البلاد التي فتحها امتدادها من البحر الأيوني Ionian Sea / أعمق جزء من البحر الأبيض المتوسط. ويفصل إيطاليا وصقلية عن ألبانيا واليونان./ إلى شمالي الهند. وكان يريد أن يجعل من آسيا وأوروبا قطرًا واحدًا، وأن يجمع أحسن مافي الشرق مع مافي الغرب. واختار بابل عاصمة له.[/rtl]
[rtl]
ولكي يحقق أهدافه، فقد كان الإسكندر يشجع رعاياه على الاختلاط بالزواج، وضرب لهم المثل على ذلك بنفسه حين تزوج أميرة فارسية. وعين جنودًا من مختلف الأجناس في جيشه. وصاغ عملة موحَّدة لكي تستعمل في كافة الأراضي الخاضعة له في الإمبراطورية، وساعد على ازدهار التجارة. وكان يشجع انتشار الأفكار والعادات اليونانية في آسيا واستعمال القوانين الإغريقية. وكان إذا رأى أحدًا من حكام الأقاليم لايعدل في حكم رعيته فإنه كان يعزله.[/rtl]
[rtl]
كان الإسكندر ينوي ضم الجزيرة العربية ،ولكنه أصيب بحمى الملاريا في بابل، وانتهى به الأمر إلى أن مات في 13 يونيو سنة 323 ق.م..[/rtl]
[rtl]
واقتسم قواده إمبراطوريته، ولم يستطع أي منهم أن يجعل كل تلك الأراضي تحت حكمه. وكان ذلك في عام 311ق.م.[/rtl]
[rtl]3- الإمبراطورية الرومانية[/rtl]
[rtl]
لا يعرف المؤرخون عن الأيام الأولى لروما القديمة إلا القليل، وطبقًا للأسطورة الرومانية، قام أخوان توأمان، هما رومولوس وريموس، بتأسيس مستوطنة، سنة 753 ق.م، على تل البالاتين وهو أحد تلال روما المطلة على نهر التيبر. [/rtl]
[rtl]
تأسست الجمهورية الرومانية بعد سقوط المَلَكِيّة في سنة 509 ق.م. ولكن مؤسسات الحكومة الجمهورية تطورت تدريجيًا عبر صراع طويل بين الطبقة العليا من ملاك الأراضي، وبين المواطنين الآخرين كافة، أي طبقة العامة. [/rtl]
[rtl]
كانت روما، خلال ذلك الوقت، تحقق شيئًا فشيئًا هيمنة عسكرية على بقية شبه الجزيرة الإيطالية. ودخلت، في نحو سنة 493 ق.م، في تحالف مع العصبة اللاتينية، وهي اتحاد مدن اللاتيوم Latium. وفي نحو 396 ق.م أصبحت روما أكبر مدينة في اللاتيوم، واستخدمت، بعد ذلك، موارد العصبة لخوض الحروب ضد جيرانها. وقدّمت إلى المدن التي فتحتها الحماية وبعض امتيازات المواطنة الرومانية. وبالمقابل زودت تلك المدن المفتوحة الجيش الروماني بالجنود.[/rtl]
[rtl]
وخلال القرن الرابع قبل الميلاد حققت روما انتصارات على الإترسكانيين. كما هزمت الغاليين الذين كانوا قد هاجموا إيطاليا من الشمال، وأحرقوا روما سنة 390 ق.م. وأخضعت روما العصبة اللاتينية وحلتها سنة 338 ق.م. كما أخضع الرومان، في سنة 290 ق.م السمنيين وهم شعب جبلي كان يعيش في جنوبي روما. ونحو سنة 275ق.م حكمت روما معظم شبه الجزيرة الإيطالية، بعد هزيمتها للمستعمرة الإغريقية تارنتوم، الواقعة في جنوبي إيطاليا.[/rtl]
[rtl]
جعل التوسع فيما وراء البحار من روما إمبراطورية قوية خلال القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. فقد دخلت روما أولاً في صراع مع قرطاج التي كانت قوة بحرية ومركزًا تجاريًا على ساحل شمالي إفريقيا. خاضت قرطاج، من أجل السيادة على البحر الأبيض المتوسط، ثلاثة حروب دعيت بالحروب البونية. نجحت روما في الحرب البونية الأولى 264- 241 ق.م في فتح صقلية، وهي جزيرة تقع على مقربة من رأس شبه الجزيرة الإيطالية، وجعلت منها أول ولاية رومانية. واستولت على جزيرتين أخريين من جزر البحر المتوسط وهما: سردينيا وكورسيكا. وفي الحرب البونية الثانية 218 - 201 ق.م قاد القائد القرطاجي هانيبال Hannibal ، جيشه عبر جبال الألب، وهاجم إيطاليا. ومع أن هانيبال كسب معارك أساسية عديدة، إلا أن القوى البشرية الرومانية وصمودها أرهقته في نهاية المطاف. وهزمت القوات الرومانية بقيادة سيبيو، هانيبال سنة 202 ق.م. وفي الحرب البونية الثالثة 149 - 146 ق.م دمرت روما قرطاج. جعلت هذه الانتصارات سواحل البحر المتوسط في أسبانيا وإفريقيا تحت السيطرة الرومانية.[/rtl]
[rtl]
كانت روما، بعد الحرب البونية الثانية، قد بدأت في التوسع نحو الشرق. وعملت، في البداية، على حماية حلفائها على طول الساحل الشرقي لإيطاليا من غارات القراصنة. ولكن سرعان ما أصبحت روما متورطة في المنازعات التي كانت قائمة بين اليونان ومقدونيا. وكانت مقدونيا، التي تقع في شمالي اليونان، قد هزمت الإغريق في سنة 338 ق.م فظهرت بمثابة محرر لهؤلاء. ولكنها، في نحو 140 ق.م سيطرت على كل اليونان ومقدونيا معًا. [/rtl]
[rtl]
هناك سببان يساعدان على تفسير توسع روما وراء البحار. الأول هو إقامتها حلفًا من مدن في إيطاليا، زود الجيش بقوى بشرية ضخمة. أما السبب الثاني فهو أن اعتداد الرومان بقوتهم العسكرية ومؤسساتهم الحكومية ولد في نفوسهم ثقة كبيرة في تفوقهم وفي عدالة قضيتهم.[/rtl]
[rtl]
سببّت الصراعات بين القادة الاضطرابات في الجمهورية الرومانية خلال السنوات المائة الأخيرة من تاريخها، حيث ضعفت الجمهورية نتيجة للثورات التي قام بها حلفاء روما الإيطاليون، والحرب التي اندلعت في آسيا الصغرى، والاضطرابات في روما نفسها. وفي الستينيات من القرن الأول قبل الميلاد بدأت روما بالتوسع ثانية فيما وراء البحار. وفتح القائد الروماني بومبي شرقي تركيا وسوريا وفلسطين.[/rtl]
[rtl]
فتح يوليوس قيصر الغال، ما بين سنتي 58- 51 ق.م. وبذلك أضاف إلى العالم الروماني مناطق شاسعة غربي نهر الراين، وفي سنة 45 ق.م كان قيصر قد أصبح الحاكم الوحيد للعالم الروماني. [/rtl]
[rtl]
اندلعت الحرب الأهلية ثانية بعد موت قيصر. ففي سنة 43 ق.م شكل أوكتافيان ـ وهو ابن قيصر بالتبني ووريثه ـ مع اثنين من ضباط الجيش وهما: مارك أنطوني وماركوس ليبيدوس، الحكم الثلاثي الثاني. ونجح أوكتافيان وأنطوني في هزيمة أعداء قيصر وأزاحا ليبيدوس جانبًا، ومن ثم دارت الحرب بين أوكتافيان وأنطوني للسيطرة على روما. التمس أنطوني الدعم من كليوباترا، ملكة مصر، وفي سنة 31 ق.م هزم أوكتافيان قوات أنطوني وكليوباترا في معركة أكتيوم على مقربة من الساحل الغربي لليونان. وفي السنة التالية (30 ق.م.) فتح الرومان مصر وجعلوا منها ولاية رومانية.[/rtl]
[rtl]
أصبح أوكتافيان ـ بعد هزيمة أنطوني ـ قائد العالم الروماني بلا منازع. وفي سنة 27 ق.م أصبح أوكتافيان أول إمبراطور روماني، واتخذ اسم أوغسطس ويعني المعظم. ولكن 20 سنة من الحرب الأهلية كانت قد أدت إلى دمار الجمهورية. وبدا أن سلطة مركزية قوية هي وحدها فقط القادرة على حكم الإمبراطورية. [/rtl]
[rtl]
خلال الفترة التي عرفت باسم السلام الروماني من عام 72 ق.م إلى عام 180م ، اتسعت الإمبراطورية الرومانية لتغطي أجزاء كبيرة من أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ذلك الوقت، ولم تكن هناك أي دولة لها من القوة ما يمكّنها من مهاجمة الرومان[/rtl]
[rtl]
أسس أوغسطس مراكز دفاعية قوية على طول حدود الإمبراطورية الرومانية، وأبقى الولايات تحت سيطرته. وبدأ في تطوير هيئة الخدمة المدنية بتعيين إداريين أكفاء للمساعدة في حكم الإمبراطورية. ووصل ازدهار التجارة والفن والأدب إلى مستوى رفيع خلال ما يدعى بالعهد الأوغسطي.[/rtl]
[rtl]
إنّ اتساع الإمبراطورية الرومانية الكبير هو الذي عجل بانهيارها، إذ لم يعد باستطاعة السلطة المركزية في روما الإبقاء على وحدة الإمبراطورية. هذا إضافة إلى أن الصراعات من أجل السلطة، بين القادة الرومان، قد أضعفت الدفاعات الإمبراطورية بشكل خطير للغاية. فهاجم القوط، وهم شعب جرماني، الأراضي الرومانية مرات عديدة خلال القرن الثالث الميلادي، كما اجتاح الفرس بلاد الرافدين وسوريا، كما استولى عدد كبير من الأباطرة على السلطة بالقوة، وتقاتل القادة المتنافسون على العرش. فمن سنة 235 إلى سنة 284م تعاقب على العرش 60 إمبراطورًا. وكان معظمهم قادة جيوش وقواتهم هي التى نادت بهم أباطرة،في سنة 284م عينت القوات الرومانية قائدها ديوكليشيان إمبراطورًا، وأدرك ديوكليشيان أنه لم يعد بوسع رجل واحد أن يحكم الإمبراطورية، فقام بتقسيم الولايات الإمبراطورية إلى وحدات أصغر بغية إعادة النظام، بحيث يصبح لكل وحدة حكومتها وجيشها الخاص بها. وعين ديوكليشيان جنديًا يدعى ماكسيميان ليكون إمبراطورًا مشاركًا، كما عين نائبين ليخلفاهما. وقد حكم ماكسيميان القسم الغربي من الإمبراطورية في حين حكم ديوكليشيان القسم الشرقي. وقد أوقفت إصلاحات ديوكليشيان، مؤقتًا انهيار الإمبراطورية. إلا أن ذلك تطلب ضرائب طائلة لتغطية نفقات جيش أكبر وإدارة أوسع.[/rtl]
[rtl]
وعانى النصارى اضطهادًا كبيرًا في بداية القرن الثالث الميلادي، لاتهام الرومان لهم بأنهم أساس كل المصائب الواقعة بهم آنذاك لكفرهم بآلهة الرومان. وفي 303م حظر ديوكليشيان النصرانية.[/rtl]
[rtl]
كان قسطنطين الأول الكبير، قد اختير إمبراطورًا على الولايات الرومانية الغربية في سنة 306م. وكان النظام الذي وضعه ديوكليشيان والذي يقوم على الاشتراك في السلطة والتعاقب قد انهار بسرعة بسبب تنافس عدد كبير من الرجال على العرش. وفي سنة 312م نجح قسطنطين في هزيمة منافسه الرئيسي وقد زعم أنه رأى حلمًا يعده بالنصر، إذا قاتل تحت علامة الصليب. وفي سنة 313م أجاز قسطنطين وليقينيوس، لإمبراطور الولايات الشرقية، حرية العبادة للنصارى وحكم قسطنطين وليقينيوس حتى سنة 324م، حين هزم قسطنطين شريكه الإمبراطور في الحرب. وفي سنة 330م نقل قسطنطين ـ الذي أصبح يعرف فيما بعد باسم الكبير ـ عاصمته إلى بيزنطة، وأعاد تسمية المدينة بالقسطنطينية. بعد موت الإمبراطور ثيودوسيوس الأول، 395م انقسمت الإمبراطورية إلى قسمين: الإمبراطورية الرومانية الشرقية والإمبراطورية الرومانية الغربية.[/rtl]
[rtl]
أخذت الإمبراطورية الرومانية الغربية تضعف بشكل مطرد؛ فقد هاجم الواندال، والقوط الغربيون، وشعوب جرمانية أخرى، كلاً من أسبانيا والغال وشمالي إفريقيا. ونهب القوط الغربيون مدينة روما سنة 410م. ويُؤرخ سقوط الإمبراطورية الرومانية غالبًا بسنة 476م. حيث عَزَل، في تلك السنة الزعيم الجرماني آخر حاكم للإمبراطورية الرومانية الغربية، وهو رومولوس أوغستولوس، عن العرش. وكان الزعماء الجرمان قد بدأوا، قبل ذلك بتقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى ممالك عديدة. وظلت الإمبراطورية الرومانية الشرقية باقية وممثلة للإمبراطورية البيزنطية، حتى استولى الأتراك العثمانيون على القسطنطينية في سنة 1453م.[/rtl]
[rtl]
. سقطت الإمبراطورية الرومانية بوصفها قوة سياسية. ولكن ثقافتها ونظمها استمرت وشكلت الحضارة الغربية والعالم البيزنطي. فلقد أصبح القانون الروماني أساسًا لنظم تشريعية عديدة في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية. كما بقيت اللغة اللاتينية لغة الأوروبيين المتعلمين لمدة تزيد على 1,000 سنة. وانبثقت عنها اللغات الفرنسية والإيطالية والأسبانية ولغات رومانسية أخرى. [/rtl]
[rtl]لقد ساهمت الجيوش الرومانية في توحيد حوض البحر الأبيض المتوسط. وأدى ذلك إلى إقامة عالم أكثر تجانساً، حيث قيس النجاح بإسناد المواطنة الرومانية إلى التابعية للامبراطورية، من القسم الأعظم الأكثر أهمية، فأسندت "للإيطاليين عام 88ق.م" ثم لجميع الأفراد العاملين كأجراء في الامبراطورية من قبل مرسوم أصدره كاراكالا في عام (212)ب.م" وتعهدت روما بعد ذلك بإقامة علاقات مع الخارج، خصوصاً الممالك الشرقية. وأُبرمت معاهدات غير متساوية، مع الشعوب المتحالفة مع روما، التي صانت استقلالها، مقابل مساهمتها بالرجال والمال. كما جرى عقد معاهدات بين المتآلفين من الشعوب البربرية التي أقامت على الحدود من أجل الدفاع عن الامبراطورية مقابل مزايا مالية واقتصادية "التموين بالقمح، السكن لدى أناس خصوصيين". ويتضمن القانون الروماني نفسه، أبعاداً دولية هامة، مثل قانون الـ(فيتيال) (Fetial)- يُعْهَد بتطبيقه إلى متعلقين بالدين، ممن هم سفراء روما. ويجب عليهم أن يقرروا، فيما إذا كانت الحرب عادلة أم غير عادلة- كذلك، يقررون "حقوق الناس" ويقومون بتسوية العلاقات العادية، بين الرومان وغير الرومان، الذين يسمون (بالمهاجرين)، وتتضح حقوق الناس أيضاً "كقانون قابل للتطبيق في مجال العلاقات بين الكائنات البشرية، بمعزل عن انتمائهم إلى جماعة مجموع الشعب المحدد سياسياً" .[/rtl]