العرب وتحولات الصورة الإدراكية عن أفريقيا
المصدر: ملف الأهرام الإستراتيجى
بقلم:
خالد حنفى علي كلما دار الإنسان حول الحقيقة وجد صورا لم يرها من قبل. تلك المقولة لا تجد لها صدى عند الحديث عن الصورة الادراكية التي يختزنها العقل العربي عن القارة الأفريقية، حيث وقعت هذه الأخيرة أسيرة لأفكار ومدركات اختزالية نمطية، فالكثيرون في منطقتنا العربية يلخصون تلك القارة الفتية التي يزيد سكانها على 800 مليون نسمة، في الفقر والمرض والجوع والصراعات وعدم الاستقرار وانهيار حكم القانون، كما ينظرون للأفريقي على أنه كسول يرفض التقدم وهجمي محب للصراع ومتخلف رافض للحداثة.
ولأن مدركات أي شعب تجاه الأخر تتحكم بشكل غير مباشر في كثافة التدفقات المتبادلة بين الجانبين، لذا فكلما حملت هذه المدركات معانٍ وقيماً وتصورات سلبية، أدى ذلك إلى خلق بيئة تتعثر فيها العلاقات بين الجانبين والعكس صحيح، ومن هنا فالدور العربي في أفريقيا بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية لا يمكن فصله عن الرؤية السلبية للمجتمع العربي ومثقفيه لصورة أفريقيا التي شابتها تحولات عديدة في العقود المنصرمة تحتم كسر النمط السائد عن شخصية الأفريقى.
- الصورة السلبية
وثمة عوامل تكالبت مع بعضها البعض لتكرس صورة سلبية لدى العربي بشكل عام عن القارة الأفريقية ومن يقطنون فيها خاصة جنوب الصحراء، ولعل أبرزها المغذيات الثقافية والإعلامية التي وضعت حاجزا بين العربي والأفريقى، وصورت للأول أن الثاني هو أدني منه، بسبب لونه الأسود، فالثقافة العربية تربط بين التشاؤم واللون الأسود وتصف كل شئ حسن بأنه أبيض، كما عمقت الروايات الأدبية الصورة السلبية عن الأفريقي الذي يظهر فيها على أنه ناقص جسدا وعقلا، ومنحرف عاطفيا.
كما تظهر الأفلام السينمائية خاصة المصرية، أصحاب البشرة السوداء تارة على أنهم الأدنى في السلم الاجتماعي ويحتلون وظائف دنيا ، وتارة أخرى على أنهم متخلفون يهيمون في الغابات حفاة عراة، ولا يعرفون شيئا عن الحياة الحديثة، وتلك المدركات عن الأفريقي تحولت إلى تابو في برامج إعلامية هي أصلا نادرة عن القارة ولا تلتقط سوى صور البائسين وفقراء المجاعات في القنوات العربية.
وتتعمق الصورة السلبية من خلال الاتجاه الغالب لدى الباحثين العرب لاستعمال مفردتى العربي والأفريقي وكأنهما منفصلتان وفقا لمعيار اللغة والثقافة واللون مع أن ثلثي العالم العربي يوجدون في أفريقيا ، غير أن هذا الاستخدام تم تكريسه عبر تقسيمات الكتابات الغربية مثل أفريقيا السوداء وأفريقيا البيضاء وأفريقيا العربية أو أفريقيا والعرب.
والمشكل هنا - كما تشير بعض الدراسات - إلى أن الخطوط المتعددة ليست فاصلة أو قاطعة بين العرب في الشمال والزنوج في الجنوب، بل هي في كثير من الأحيان أقاليم اختلاط بين السلالتين، فبعض الجماعات الزنجية متأثرة بالصفات الحامية على طول الحافة الجنوبية للصحراء مثل عناصر التكرور والهوسا في غرب أفريقيا. في الوقت نفسه، لم تسلم الأقاليم الواقعة شمال هذا الخط من أن يصل إليها بعض الدم الزنجي، وحتى اللغة، لا يمكن الاعتماد عليها ،فجامعة الدول العربية تضم دولا مثل الصومال والسودان وموريتانيا بها لغات غير اللغة العربية، فى حين أننا نجد أن لغة التواصل بين بعض قبائل تشاد هي اللغة العربية العامية.
- الدور الغربى
وحتى إذا سلمنا بهذه التفرقة التي تعتريها الكثير من الإشكالات، فإن القضية الأهم، هي المنهجية الغربية التي رسمت الحدود الذهنية للنخبة العربية في التعامل مع أفريقيا، حيث انطلقت من مقاييس التقدم في الحضارة الغربية لتسقطه على الواقع الأفريقي دون صياغة نموذج تقدم ملائماً لخصائص القارة، فقد اعتبرت هذه المنهجية الحداثة مرادفا لكل ما هو ايجابي في إطار مفاهيم الديموقراطية والعلمانية والليبرالية والعلم.
وقيست الأوضاع الأفريقية بهذا المنظور، فكانت النتيجة أننا أمام بيئة تبدو متخلفة حيث تم التركيز فى إطار المنظور الحداثى الغربى على مفهوم القبلية باعتبارها منافية للحداثة وأن الحل لأفريقيا هو الدولة "القومية" التي تعتبر المواطنة هي أساسها، وذلك دون النظر في السياقات التاريخية الأفريقية التي وجدت فيها أشكال سياسية استطاعت احتواء صراعات الأفارقة مثل تجربة مملكة "غانا" و"مالي" في القرن العاشر، وتجربة إمارة "الهوسا" في القرن الثاني عشر. وذات الأمر إذا انتقلنا لمفهوم التقدم الاقتصادي الذي يقاس بحركة التصنيع والتراكم المالي الرأسمالي، وكانت النتيجة أيضا أننا أمام بيئة اقتصادية لا تلبي متطلبات الحداثة الاقتصادية.
إن هذه المنهجية السائدة في جامعتنا بالمنطقة جعلت مقولة "أفريقيا هي مقبرة التقدم الإنساني" هي السائدة لدى النخبة العربية حتى لو لم يذكر أو يعلن ذلك بشكل مباشر، وانعكس ذلك في حجم الانسياب السياسي والاقتصادي والشعبي بين الجانبين العرب وأفريقيا، الذي يعتبر محدودا مقارنة بحجم المصالح والتاريخ المشترك بين الجانبين، فلا يزيد نصيب كافة الدول العربية من إجمالي الصادرات الأفريقية في عقد التسعينيات عن 1.1% كمتوسط عام لهذه الفترة، ووصلت الواردات الأفريقية من العرب إلى 2.5% من إجمالي واردات 45 دولة أفريقية غير عربية بحسب تقدير بعض الدراسات.
وسياسيا يتم التعامل عربيا مع أفريقيا، بمنطق سد الأخطار أو تأمين المصالح القومية سواء من ناحية حوض النيل أو البحر الأحمر دون امتداد ذلك لتفعيل الأطر الثقافية والتواصلات المجتمعية الشعبية لتصحيح الصور المتبادلة، فالقليل من العرب يسافرون إلى أفريقيا ومعرفتهم؟ بها محدودة باستثناء ممثلي البعثات الدبلوماسية وبعض المبعوثين لجمعيات الدعوة الخيرية.
وفي هذا الإطار، لا يمكن إنكار أن القارة الأفريقية ساهمت في تعميق هذه الصورة السلبية من خلال ازدياد الصراعات بين أبنائها وفشل النماذج التي تبنتها نظم الحكم في لجم الإثنية المسيسة والفساد والتدهور الاقتصادي، كما أنها بادلت العربي صورة سلبية مقابلة ترسخت تاريخيا عبر النظر له على انه تاجر رقيق؟، فضلاً عن توجه القيادات الأفريقية إلى إقامة علاقات وثيقة مع مستعمرها السابق في أوروبا.
إلا أن المشهد الأفريقي خلال العقد الأخير طرح بعضا من المشاهد التي من خلالها يمكن تحويل الصورة السلبية إلى صورة ايجابية عن أفريقيا ولو جزئيا، ويمكن إيراد أبرزها؟على النحو التالى:-
- القدرة على الانخراط في السلام: حيث نجحت دول عديدة في الدخول في معترك السلام، فقبل أكثر من عقد كانت هناك 16 حربا تدور بالقارة، أما الآن فقد تقلص العدد إلى ستة حروب، كما استطاع الأفارقة إيجاد نموذج في تقسيم السلطة والثروة كنهج للتسوية بين الفرقاء الذين يرفعون السلاح، ففي رواندا وبوروندي تكللت العملية الانتقالية بخاتمة سلمية وديمقراطية، وهو ما انعكس على مجمل الأوضاع بمنطقة البحيرات الكبرى، وهنالك معارضات مثل حركة يونيتا ألقت السلاح وتتوافق مع النظام الانجولي القائم على صيغة مشاركة في الحكم، وهو ما تكرر في موزمبيق عام 1992، كما تم توقيع اتفاق السلام الشامل في السودان لينهي أطول الصراعات في.
- تداول السلطة في أفريقيا: ضربت القارة نموذجا مهما في هذا الصدد، حيث ترك الحكام مناصبهم بعد خسارتهم في انتخابات ديمقراطية، كما أجريت انتخابات ديمقراطية فيها قدر من النزاهة، مثلما حدث في كينيا مع دانيال أراب موي عام 2002 الذي خسر السلطة بعد انتخابات ديمقراطية، وكذا في تنزانيا التي حدث فيها انتقال سلمي ديمقراطي نصب بموجبه جاكايا كيكويتي، مرشح "حزب الثورة" الحاكم، رئيساً للبلاد؟، كما تسلمت إيلين سيرليف مقاليد السلطة في ليبريا بعد حرب أهلية دامت 14 عاما، كأول امرأة تتولى الرئاسة في أفريقيا، أيضا جرت أول انتخابات ديمقراطية منذ أكثر من 40 عاما في جمهورية الكونغو الديمقراطية في نوفمبر 2006، فاز فيها جوزيف كابيلا، وسبقت جنوب أفريقيا هذه المشاهد بإنهاء التفرقة العنصرية على يد نيلسون مانديلا.
- القدرة على التوحد وإيجاد تكاملات، حيث شهدت القارة الأفريقية اتجاهًا متزايدًا نحو إنشاء تجمعات إقليمية أو تفعيل القائم منها، لمواجهة التحديات الجديدة التي تفرضها حالة تهميش القارة من قبل القوى الكبرى، وكذلك التداعيات السلبية للعولمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وفي هذا السياق تأسست تجمعات إقليمية مثل: السادك والكوميسا والايكواس والساحل والصحراء كما تم تطوير منظمة الوحدة الأفريقية لتصبح أكثر فعالية من خلال الاتحاد الأفريقي الذي أعلن قيامه في قمة "سرت الثانية" مارس 2001، ورغم العوائق التي تواجه هذه التجمعات في تحقيق أهدافها، فثمة أمال انعقدت عليها لتقوية اقتصاديات القارة الأفريقية ومركزها التساومي في ظل نظام عالمي تتمحور اقتصادياته حول التكتلات.
- ظهور نجاحات اقتصادية افريقية: فبعض الدول أحرزت تقدماً اقتصادياً جزئياً، فالبنك الدولي يشير إلى أن هناك نحو 15 دولة إفريقية حققت خلال السنوات العشر الماضية نموا إيجابيا مستمرا بمعدلات نمو تدور حول 4% أو تزيد، ومن ضمن هذه الدول موزمبيق التي حققت نموا اقتصاديا بلغ 9%، وتواكب معه تضاعف معدل دخل الفرد الذي تضاعف ثلاث مرات منذ أن كان 90 دولارا في أوائل التسعينات حتى بلغ في عام 2005 إلى 1300 دولار.
وبالرغم من أن أكثر من 38% من السكان البالغين أصيبوا بفيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز في بوتسوانا، إلا أن ذلك ما هو إلا أحد أوجه الحياة فى هذا البلد، الذي يوجد به تنمية اقتصادية متطورة استفادت من الماس، خاصة بعد هزيمة الفساد باعتراف مؤسسة الشفافية الدولية، حيث لا تتلقى بوتسوانا مساعدات مالية من الخارج، كما يقارب معدل دخل الفرد في الوقت الحالي عشرة آلاف دولار، بحسب تقرير البنك الدولي في عام 2005.
- القدرة على الإبداع الثقافي والمجتمعي: حيث شهد العقد الأخير تواجدا إفريقيا في جوائز نوبل العالمية، فقد حصلت؟ وانغاري ماثاي، على الجائزة هو في عام 2004 لتفانيها في المحافظة على البيئة بغرسها الأشجار في عموم القارة وسبقها لجائزة نوبل للآداب، جون ماكسويل كويتزي، ونادين جورديمير وغيرهم.
فثقافة السلام في أفريقيا متجذرة عكس ما قد يعتقد البعض ولعل الأمثال الشعبية لدى قبائل "الولوف" التي تنتشر في السنغال وجامبيا تقول إن "السلام يحمل وعودا لا حصر لها"، كما أن المؤرخ السنغـالي الشيخ أنتاديوب جذر لفكر التسامح والديمقراطية، معتبرا أن الديمقراطية التلقائية عرفتها أفريقيا قبل مجيء الاستعمار حيث يتم اختيار رئيس القبيله عبر مجلس استشاري؟.
إن تلك المشاهد الجديدة تكسر جزئيا الصورة النمطية تجاه أفريقيا عند العرب، ولكن بالطبع لا تعني أننا أمام صورة وردية، فهناك مشكلات طاحنة.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=708871&eid=4846