4) موقف منظمات البعث تجاه النظام الأردني، ومعارك أيلول 1970 تأثرت علاقة ومواقف منظمات البعث تجاه حكومة الأردن بالموقف الذي يتبناه حزب البعث والعلاقات التي اتسمت بالمعارضة والعداء طيلة الخمسينيات والستينيات، كما أنها تأثرت بالموقف والعلاقة التي وقفها حكم الملك حسين تجاه حركة المقاومة ورغم أن الحكم الأردني أبدى قبولا للنشاط الفدائي وغض الطرف عنه بعد حرب حزيران، إلا أن التناقضات بين الطرفين تفجرت في مجموعة من الأزمات والتوترات انتهت بأحداث أيلول/ سبتمبر 1970 بعد حرب 1967 زادت وتيرة العمليات المسلحة من الأراضي الأردنية والسورية وكانت الأنظمة العربية بحاجة لامتصاص النقمة الشعبية التي ولدتها الهزيمة، وقد تشكلت فصائل ثورية فلسطينية عديدة، مستفيدة من الأجواء التي أسقطت برامج الأنظمة والأحزاب السياسية المهزومة ومثلت ردة فعل إيجابيـة على هزيمة حركة التحرير العربي، وردا إيجابيا على الأوضاع اليائسة([1]). شهدت الثورة الفلسطينية اتساعا في رقعة الأرض التي تنطلق منها في ضرب العدو وتأييد الجماهير والتفافها، مستفيدة من تعميق التناقضات بين إسرائيل والأقطار العربية التي احتلت أراضيها، ومن وجود ( قوات التحرير الشعبية ) في قطاع غزة والجماهير المؤطرة في الضفة الغربية، وكان تخطيط إسرائيل لقصم ظهر الثورة الفلسطينية بتوجيه ضربة نهائية وتصفية قواعدها في الخارج، وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام الكنيست في تهديد واضح قائلا : "إن الأردن لا يفعل شيئا لوضع حد لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أراضيه وسنضطر نحن لحماية أمننا "([2]). وفي السياق نفسه استغلت إسرائيل هجوم الفدائيين الفلسطينيين على باص إسرائيلي وإيقاعهم أضرارا بالغة فيه، وشنت هجوما في صباح 21آذار / مارس 1968 مستخدمة صنوفا مختلفة من الأسلحة، وقد جابهته الثورة الفلسطينية بأعمال ثورية انتحارية، وكان في الموقع 422 مقاتلا من قوات العاصفة و33 مقاتلا من قوات التحرير الشعبية([3]). وقد دارت معارك في بلدة الكرامة الأردنية بالسلاح الأبيض، والأحزمة الناسفة ضد القوات الإسرائيلية المهاجمة، وقد تضامن الجيش الأردني مع الفدائيين، وأنزل خسائر واسعة في المهاجمين*، وأعاق تقدمهم وأفشل خططهم . مثلت المعركة نقطة تحول في تاريخ الثورة الفلسطينية، إذ أعطتها دفعة للأمام ومقدرة على النمو وتفجرت روح العطاء، وتسابق القادمون للتطوع في الثورة([4]). أسهمت المعركة في تحويل حركة المقاومة إلى حركة شعبية ثورية، وتوكيد شعارات المنظمات الراديكالية التي تحارب الرجعية العربية وحليفتها الإمبريالية وإسرائيل، وقوى موقف حركة فتح ومحاولاتها السيطرة على(م.ت.ف)، وهو ما نجحت في تحقيقه في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي عقد في تموز / يوليو عام 1968، وتمثل التغيير في بنية( م.ت.ف) وهيكليتها، و تحويل نشاطها من منظمة تعتمد النضال الجماهيري إلى الكفاح المسلح، واعتباره الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين، وكانت المتغيرات الجديدة تتويجاً للالتفاف الجماهيري حول المنظمة، وقوبلت من طرف الحكومة الأردنية بمحاولة التفاف واحتواء ؛ تمثلت في إجراءات تهدف" ضبط الأمور، ومنع الفوضى "، وأبرزها الإجراءات التي تمنع الفدائيين من دخول عمان بالأسلحة وتسليم أسلحة ثقيلة بحوزة المنظمة وحدد 15 تشرين أول/ أكتوبر موعداً للإنذار، الذي قابلته منظمة فتح والمنظمات الفدائية الأخرى بالرفض([5]). وقد غذى الأزمات والخلافات بين الطرفين ؛ وجود منظمات فلسطينية من مشارب فكرية مختلفة، وتيار إقليمي يعمل في الأردن، ويبدي امتعاضه من العمل الفدائي، كما أن مجموعة من الممارسات تمت باسم العمل الفدائي، وقد تساءل التيار الإقليمي الأردني لماذا الأردن هو الساحة الوحيدة المفتوحة للعمل الفدائي، وشاب العمل الفدائي حب التظاهر، ولم تكن العمليات موجعة للاحتلال، ثم أن المنظمات امتلأت بالتناقضات، وتعرضت المنظمات الفدائية، وبدون ضوابط لسيادة الدولة الأردنية([6]). اعتبرت بعض المصادر أن منظمة ( كتائب النصر) التي يقودها طاهر ذبلان* واحدة من أبرز الفصائل التي اتهمت بأن لها ضلعا في الإساءة للعمل الفلسطيني الثوري المسلح، وقد اتهمت بأن لها صلة بتحريض الجماهيرعلى التظاهرفي يوم 2تشرين الثاني / نوفمبر1968 ، وقيام أفرادها بحرق مبنى السفارة الأميركية في عمان وتمزيق العلم الأميركي، و وجهت لرئيس الفصيل تهمة العمالة للمخابرات الأردنية من قبل فصائل المقاومة، واعتقل ومعه اثني عشر شخصا من عناصر منظمته، وتبع اعتقاله حدوث اشتباكات أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من رجال الأمن والجيش، وانتقلت المظاهرات إلى الزرقاء، وهوجم مغفر للشرطة فيها، واتصلت المنظمات الفلسطينية بعد ثلاثة أيام من اشتعال الحوادث مع الحكومة الأردنية لوقف الاشتباكات، وهدد الملك حسين بسحق الخارجين عن القانون والنظام بالقوة . قررت محكمة أمن الدولة الأردنية بالحكم على طاهر ذبلان ومعه رفاقه بالإعدام يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر1969 ووجهت له تهمة اســتغلال أعمال الفداء لمصالـح خاصة والتسبب في ترويع المواطنين وسلب ممتلكاتهم([7]). علقت منظمة الصاعقة بأنها لا يوجد لها أي علاقة معه، واتهمته، بالعمل لحساب جهات مشبوهة، وان لا علاقة لجبهة التحرير الشعبية الفلسطينية التي فصلت طاهر ذبلان وانضمت للصاعقة في شهر حزيران . وقالت في بيانها يوم 2 تشرين الثاني1968 أن هناك جهوداً تجري من جهات مشبوهة تقوم بأعمال تخريبية، وتتصيد في المياه العكرة، وإحياء النعرات الإقليمية بين فلسـطيني وأردني أو بين ضفة شرقية وغربية للوصول إلى هدفها للإيقاع بين الجماهير العربية([8]). ظلت التوترات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، إلى أن شهدت البلاد في 10 شباط / فبراير 1970 أزمة جديدة جاءت بعد أن ألقى رئيس الوزراء بهجت التلهوني بيانا وبنودا* تقيد حركة العمل الفدائي، وتحركه من الأراضي الأردنية التي تهدف إلى الحد من تنامي الحركة الجماهيرية وأشكال الوعي السياسي الجماهيري وفرض قوانين صارمة . ردت الفصائل الفلسطينية بأن شكلت قيادة موحدة سياسية وعسكرية عرفت باسم" القيادة الموحدة"، وتطورت إلى اللجنة المركزية وأعلنت أنها لن تتخلى عن البندقية، واتهمت النظام بأنه يقود الأوضاع إلى حرب أهلية([9]). دلت سلسلة التطورات اللاحقة على محاولة نظام الحكم الأردني، وتحينه الفرص للقضاء على الوجود الفدائي، مستغلاً الأخطاء التي وقعت بها منظمة كتائب الأنصار وغيرها، كما أن أزمة سيادة الدولة الأردنية، وقيام سلطة الفدائيين في عمان ظلت تدفع باتجاه تفجير الأحداث والاشتباكات المتكررة. وكان رد حركة المقاومة الفلسطينية على هذه الإجراءات والمضايقات بالرفض والمعارضة الشديدة من قبل المنظمات الفدائية، وحدثت اشتباكات واسعة، وقتل مالا يقل عن 30 شخصا من القوات الأردنية([10]). ردت جبهة التحرير العربية بالدعوة لتحقيق ما يلي : 1 ـ توحيد المقاتلين بالوحدة الحقيقية لا وحدة شكلية، والإيمان بأن التحرير لا تحققه فئة دون أخرى و يتحقق بالعمل المشترك . 2 ـ ضرورة تدعيم العمل الشعبي، وتوثيق علاقة الثورة بالجماهير . 3 ـ توجيه الضربات للعدو لأنها تنعكس على القوى الرجعية في الداخل . 4 ـ توسيع إسهام الفكر القومي و فرز العدو من الصديق، وحيّت الجبهة الشهيد يوسف الأسمر عضو التنظيم الشعبي المسلح الذي سقط في أحداث مخيم الوحدات([11]). انتهت أحداث شباط بعد ثلاثة أيام، ودون حسم المشكلة بين الطرفين بين الطرفين إلا أن الحكم استمر في تعبئة جنوده البدو، والمعروفين بوفائهم الشديد للحكم الأردني، واستمر في نشر الشائعات عن فظائع ومجازر، و تذرعت السلطة أن صبرها قد نفذ، وان صراعها مع" منظمات ملحدة " هذا ناهيك عن ترويج الشائعات عن سرقات وهتك أعراض، وفي 25حزيران/ يونيو 1970 وزعت السلطة منشورا قيل فيه "أخي الجندي أنت تقدم روحك ودمك من أجل الوطن والمواطنين جميعا ...أنت تقدم حياتك لتحافظ على حياة كل رجل وامرأة وكل طفل من أبناء شعبك. .."([12]). بعد هذه الأحداث عقدت مؤتمرات شعبية أردنية وفلسطينية عبّرت عن محاولات استقطاب وتأييد للطرفين، وظهر اتجاهان في شرق الأردن، أحدهما موال للملك وآخر مؤيد للفدائيين وعقد مؤتمر أم رمانة إلى الجنوب من عمان في أوائل شباط/ فبراير 1970 م في إطار التوجه القائل بعدم تـدخل الفدائيين في الحياة العامـة وليقاتل الفدائيون غربي النهر ورفض تدخلهم في الحياة العامة([13]). عقد مؤتمر في قاعة نقابة المحامين في مدينة عمان في ربيع عام 1970، وضم حوالي 300 شخص، وحضره ممثلو الاتجاهات السياسية والمنظمات الفدائية في الأردن وترأس المؤتمر سليمان النابلسي، والدكتور منيف الرزاز، والدكتور جمال الشاعر، وتشكلت عن المؤتمر لجنة متابعة برئاسة سليمان النابلسي وضمت 15 شخصا، تم تكليفها بعقد مؤتمر شعبي في غضون 6 شهور، و يجمع عرفات والملك حسين، ونظراً لوجود ارتباطات مختلفة للجنة المتابعة، فقد فشلت بالقيام بعمل مثمر، كما أن مجلة الشرارة الأسبوعية التي تصدرها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صدرت موشحه بعنوان بارز " لا مؤتمر مع العملاء " ولقد بدا أن الصدام المسلح قادم، وتوجهت اللجنة إلى سوريا وقابلوا حافظ الأسد في جلسة خاصة والذي نصح سليمان النابلسي بأن لا يشكل الحكومة إذا ما دعي لذلك، وإذا ما حدث صدام مسلح فسيكون إلى جانب الفدائيين، وتطورت الأحداث باتجاه الصدام المسلح([14]). أيد المؤتمر الوطني الأردني حركة المقاومة الفلسطينية، وربط بين المقررات الصادرة عن مجلس الوزراء الأردني، ونشاط الإمبريالية، وعلى رأسها أميركا، واتهمت الحكم الأردني بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني لفرض الاستسلام على الأمة العربية و تصفية العمل الفدائي الفلسطيني والقضاء على الحركة الوطنية الأردنية . وفي السياق نفسه تلقى عرفات برقيات التأييد من سوريا والعراق والجزائر([15]). أيدت جبهة التحرير العربية قيام (القيادة الموحدة للعمل الثوري)، و اعتبر زيد حيدر * الأمين العام للجبهة أن تأسيس القيادة الموحدة ليس مجر د مؤسسة تضاف إلى باقي المنظمات، بل تعبير عن الشرعية الثورية وطالب بتفعيل دورها الذي يجب أن يتجاوز دور المؤسسة في إطار جغرافي بل ينبثق عنها مكاتب وهيئات ثورية تنفيذية منها :ـ 1 ـ قيادة أركان ثورية 2ـ مكتب مالي موحد 3ـ مكتب إعلامي 4ـ هيئة صحية 5ـ مؤسسة اجتماعية 6ـمكتب تمثيل وعلاقات خارجية، ووصف النظام الأردني بأنه نظام يعتمد سياسة النفس الطويل([16]) . تم تسوية الأزمة بعد سلسلة لقاءات مشتركة عقدت في عمان بين مسؤولين في الحكومة الأردنية، وممثلين عن القيادة الموحدة للمنظمات الفدائية، وصدر بيان مشترك يعلن تسوية الخلافات وتهدئة الأجواء عادت وتوترت الأجواء بين الطرفين في حزيران، وطرحت أزمة الوجود الفدائي وسلطة حركة المقاومة من جديد، وبات الصدام متوقعا بينهما، وأخذت القوات الخاصة الأردنية تتحرش بالفدائيين، في حوادث صدام جديدة، جرت في 6 حزيران/ يونيو 1970، وقد أصدر الكفاح الفلسطيني المسلح بيانا في اليوم التالي أعلن فيه وقوع اشتباكات بالأمس بين قوات من الفدائيين وقوات من الجيش الأردني في مخيم الزرقاء قرب عمان في ضاحية يافا، أسفرت عن استشهاد وجرح 72 شخصا([17]) . وكثرت الاتهامات للمنظمات الفدائية بأنها مسؤولة عن عدد من المتاريس والتي يتم فيها التدقيق في هوية المسافرين، ووجهت اتهام للمنظمات بأنها أقامت حواجز ونصبت كمائن منها نصب كمين يوم 9 حزيران/ يونيو قرب صويلح لموكب الملك حسين، وجاء في بيان رسمي أن الملك نجا من الرصاص، بينما صـرحت المنظمات أن هدفهـا قطع التعزيزات حتى لا تصل إلى عمان([18]). أحدثت الأزمة الجديدة انفجاراً، وقام الحكم الأردني بمحاصرة المخيمات الفلسطينية في عمان وطوقت دباباته المخيمات وقصفتها . و فوضت المنظمات ياسر عرفات تحريك قوات المنظمات الفلسطينية، وقسمت الأردن لقطاعات عسكرية . أيد التجمع الوطني الأردني قرارات منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى أثر استمرار القصف الأردني للمخيمات ردت الجبهة الشعبية باحتلال فندق فيلادلفيا في عمان في 10حزيران / يونيو 1970 واحتجزت العديد من الأجانب، وأكدت أن الإفراج عنهم منوط بوقف قصف المخيمات ولما كانت الحركة الوطنية الأردنية، والمقاومة حريصة على منع حدوث حرب أهلية وترفض تمكين السلطة الأردنية من تنفيذ مخططاتها في سحب الجيش من الجبهة لضرب المواطنين، لهذا فقد بذلت أقصى جهودها لوقف القتال والذي كان بتاريخ 11 حزيران 1967 . استمرت الحوادث كعمليات الخطف والقتل والقنص، وأسهمت بعض الشخصيات الأردنية والمخابرات دورا في إذكاء الخلاف، ومنهم الشريف ناصر، وزيد بن شاكر، وكان نايف حواتمه المتحدث باسم الجبهة الديمقراطية قد أكد في 17حزيران / يونيو 1970 بأنه يتوقع أزمة أخرى بين السلطة والمقاومة لأن الصراع الذي يفرضه النظام على المقاومة يهدف إلى فرض الحلول الاستسلامية وللمقاومة الحق المشروع في الدفاع عن نفسها .([19]) وعلقت (ج.ت.ع) على بيان الاتفاق الصادر عن اللجنة الرباعية بتاريخ 10تموز/ يوليو 1970 حول اتفاق المقاومة مع النظام الأردني ما يلي : " لم يتوفر فيه الحد الأدنى من الشروط التي تجعل منه اتفاقا مقبولا بنظر جبهة التحرير العربية، بل جاء في العديد من نصوصه ظفرا للمناورات التي أحاط بها النظام الأردني المفاوضات مستفيدا من الروح السلبية تجاه حركة المقاومة "([20]) بعد هدوء استمر أسبوعين، جاء ما هو جديد، والذي تمثل في مشروع روجرز في 25 حزيران/ يونيو 1970، وهي مبادرة سياسية أميركية لحل قضية الشرق الأوسط، والذي أسهم في إذكاء الصراع والتنافر من جديد، وقد ارتكزت على تطبيق قرار 242، وهو مشروع قابلته حركة فتح بالرفض، ومثلها سوريا، ووصفت صحيفة البعث أنه يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتماثل الرد العراقي والجزائري مع الموقف السوري بينما عقدت( م . ت. ف ) دورة استثنائية للمجلس الوطني في عمان في 27 آب / أغسطس 1970، وفي جو من التوتر نظرا للاشتباكات المسلحة على خلفية تأييد الموقف الأردني والمصري له.([21]) لقد عكس مشروع روجرز الخلاف بين المقاومة وعبد الناصر، وساءت علاقة المنظمات الفلسطينية مع عبدا لناصر، ووضعت العلاقات بين الجانبين في صدارة البحث وتحديد العلاقات المستقبلية . ذكر صلاح خلف أن المجلس المركزي الفلسطيني كان منقسما بشأن الموقف تجاه عبد الناصر وعما يجب اتخاذه وهل يتصادم معه ؟ لم تكن منظمتي فتح و الصاعقة، وبعض المستقلين يرغبون بقطع جسور العلاقة مع مصر وقد أرسلت وفداًُ إلى مصر، وضم الوفد ياسر عرفات، وفاروق القدومي، وهايل عبد الحميد، وصلاح خلف عن فتح، وضافي جمعاني عن (الصاعقة )، وإبراهيم بكر (مستقل)، و قابلهم ناصر بفتور وكان غاضبا من مناشير فتح وبين أن على رجال المقاومة أن يعرفوا سبب قبوله الموافقة على مشروع روجرز، وبين أنه موقف تكتيكي يهدف إلى كسب الوقت ليستعد الجيش المصري للحرب، بعد أن حصل على صواريخ سام 7 من السوفييت وليتمكن من نصبها على طول قناة السويس . أوضح عبد الناصر انه لن يقبل بضرب الفدائيين، وأنه حذر الحسين خلال زيارته للقاهرة من اتخاذه إجراءات من هذا القبيل([22]). أيدت (ج.ت.ع) في بيان لها سياسة عبد الناصر، و رفضت زرع الشقاق والخلاف بين المنظمات الفدائية، ومؤيديها من جهة، ومؤيدي عبد الناصر من جهة أخرى وذكرت أن عبد الناصر لم يصرح أنه ضد العمل الفدائي، وأن البعض يتهمه بما لم يقله، وهو تصرف إجرامي يقصد به تفتيت الجبهة العربية واستخدام رصيد ه في سبيل هذه الغاية([23]). وفي مناخ وأجواء متوترة ومريبة، كان لابد من انقسام الرأي العام بين مؤيد للفدائيين وآخر مؤيد للملك حسين، وكانت الأوضاع المتأزمة مهيأة للانفجار القادم . قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بخطف ثلاث طائرات ركاب مدنية وحولت الثالثة إلى مطار القاهرة، وهناك أنزل ركابها، وتم تفجيرها.وأوضح الفدائيون الخاطفون أنهم يهدفون إلى الإفراج عن معتقلين فلسطينيين في سجون سـويسرا وآخرين في ألمانيا الغربية، وفي بريطانيا([24]). تفاعلت قضية خطف الطائرات على المستوى الدولي، وقد طالب الفدائيون بإطلاق سراح ليلى خالد، ورفاقها المسجونين في بريطانيا وثلاثة فدائيين في ألمانيا وهددت بنسف الطائرات إذا اقترب الجنود منهم، وفي تلك الأثناء كانت تجري ضجة عالمية للقضية تلك واتخذ "مجلس الأمن" قراراً يطلب فيه إطلاق سراح جميع الركاب والملاحين والخاطفين فورا، ودون استثناء،بعدأن قادت طائرتان إلى مطار " قيعان خنه" إلى الشمال الشرقي من الأردن، و أعلن الرئيس الأمريكي أنه "يجب مواجهة خطر القرصنة الجوية في الحال، وبصورة فعالة "، ووجهت حكومة العراق في العاشر من أيلول نداء إلى الجبهة الشعبية واللجنة المركزية تدعوها للعمل على إطلاق سراح الرهائن" لأسباب إنسانية، وحتى لا يكون هناك تدخل أجنبي "([25]). قرر الملك حسين في 15 أيلول / سبتمبر1970 القضاء على م.ت.ف، وفي الصباح شكلت حكومة عسكرية برئاسة محمد داود، وباتت الأوضاع بانتظار بالانفجار، ومن طرفها أخذت حركة المقاومة الفلسطينية تصدر البيانات المعبرة عن رفضها إ قامة علاقات مع الحكومة العسكرية وأصدرت قرارها في اليوم اللاحق بإلغاء تجميد عضوية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي صدر قبل أربعة أيام، ثم أصدرت أوامرها بتوحيد فوري لقواتها النظامية والفدائية والميليشيا وتولى العميد الركن عبد الرزاق اليحيى قائد جيش التحرير الفلسطيني قيادة هيئة الأركان للجنة العسكرية العليا، وأعلن الإضراب العام([26]). أرسل عرفات رسائل إلى ملوك ورؤساء الدول العربية يحذر من الكارثة، ولم يحول قرار مجلس الجامعة العربية في جلسته الاستثنائية في القاهرة مساء يوم الخميس 17 أيلول/ سبتمبر1970 من وقف الصدام وحقن الدماء العربية، ولا استنكارات الدول العربية([27]). اختير عرفات قائداً عاماً لجميع قوات الفدائيين، وقسمت عمان إلى ثماني مناطق عسكرية وعهد إلى فصائل: فتح، الشعبية، الصاعقة، جبهة التحرير العربية الجبهة الديمقراطية جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، منظمة فلسطين العربية الجبهة الشعبية" القيادة العامة " قوات جيش التحرير الفلسطيني، وقوات التحرير الشعبية بالدفاع عنها([28]). كان الملك حسين يواصل حربه بضراوة مستفيدا من التأييد والدعم الإسرائيلي والأمريكي وقد تحركت القوات الإسرائيلية على طول الحدود الإسرائيلية الأردنية السورية مهددة بالتدخل إذا كان هناك خطر على النظام الأردني، وكان اللقاء المشترك بين الأردن وإسرائيل يهدف إلى القضاء على (م.ت . ف) والتقاسم الوظيفي بينهما([29]). ثم أن الولايات المتحدة أخذت تلوح باستخدام القوة والتدخل في الأحداث، وتساءل العالم عن سر جر الولايات المتحدة الأميركية لأسطولها في البحر المتوسط، وإذا كان الهدف التهديد، وبث الرعب في قلوب السوريين أو العراقيين أو الروس، وربما التدخل لإنقاذ الرهائن .كان في سوريا وقتئذ تياران متخاصمان في الحكم أحدهما يبدي ميلا نحو المنظمات الفلسطينية وحرب التحرير الشعبية، والآخر يخشى التدخل الأمريكي في الأحداث ويضم التيار الأول صلاح جديد، ونور الدين الأتاسي، بينما يعارضه حافظ الأسد، وزيد الرفاعي وقد أصدر صلاح جديد أوامره لسلاح المدرعات بالتدخل رغم معارضة حافظ الأسد تقديم غطاء جوي للمنظمات الفلسطينية([30]). حدثت المجابهة الأولى في الرمثا بين القوات السورية والأردنية في 20 أيلول/ سبتمبر وكانت مواجهة مكشوفة بين الطرفين، وكان السوريون قد قادوا الهجوم في بداية المعركة وبدورهم نقل الأردنيون مجموعات من دباباتهم من جنوب البلاد إلى الرمثا، وقد نجح الأردنيون في تدمير عدد من الدبابات السورية بما يفوق مقابل خسائر الأردن منها([31]). كان حافظ الأسد يدير العمليات من موقع في درعا على الحدود بين سوريا والأردن ولم يكن راغبا في إسقاط الحكم الأردني، وكان تدخله محدودا. أمـر الملك حسين اللواء المدرع الأربعين المعزز بالسلاح الجوي بالهجوم على القوات السورية وحصل اشتباك بينهما وبعد ظهر يوم 22 أيلول عادت القوات السورية أدراجها([32]). تحركت الجهود الرسمية العربية نحو الوساطة بين الطرفين المتصارعين ففي الرابع والعشرين من أيلول 1970جاءت بعثة عربية مكونة من رؤساء وزارات أربع دول وهي : تونس السودان، مصر، الكويت في محاولة لإقناع الطرفين في التوصل إلى تسوية، وبحثت مع الملك حسين والرئيس ياسر عرفات في وقف إطلاق النار. وتوجه كلاهما إلى القاهرة في 27أيلول / سبتمبر1970 لحضور اجتماع لرؤساء وملوك العرب لبحث الأوضاع المتدهورة في عمان . واتفق في المؤتمر على إنهاء الأعمال العسكرية، ونقل القوات الفدائية خارج عمان في أماكن ملائمة للعمل الفدائي، وتقرر إطلاق سراح المعتقلين، وأن يكون حفظ الأمن من مسؤولية القوات الأردنية، ولكن إجراءات الملك للقضاء على وجود المقاومة تواصلت ؛ فقد عين وصفي التل رئيسا للوزراء واسـتمرت الاشتباكات، وجاء موت جمال عبد الناصر ليغيب قوة مؤثرة على الملك حسين ([33]) . لم يتوقف الحكم الأردني عن توجيه ضربات متلاحقة وسريعة لحركة المقاومة؛ برغم توقيعه الاتفاقات المتكررة معها، ولجأ لممارسة الاستنزاف التدريجي للمنظمات الفدائية كما أن الجناح الجذري في م.ت.ف، والمتمثل بالجبهتين الشعبية والديمقراطية عارض هذه التسويات ووصفها بأنها لصالح النظام، وهكذا تجددت الاشتباكات في تشرين الثاني / نوفمبر 1970 وكانون الثاني/ يناير 1971([34]). وقفت منظمة الصاعقة ضد تصفية الوجود الفدائي في الأردن، وقد سقط 93 شهيدا في عمان لوحدها، وكان هؤلاء من العاملين فيها، ومن مليشيا الحزب([35]) . كان موقف الأمين العام لحزب البعث ميشيل عفلق تجاه أحداث أيلول مؤيداً للمقاومة الفلسطينية، فقد وجه نداء إلى البعثيين للالتحاق بالثورة الفلسطينية، ووجه تعميماً سريعاً، طلب فيه التحاقهم بالمقاومة للقتال في صفوفها والدفاع عن الثورة الفلسطينية معتبراً ذلك دفاعا عن الوجود العربي في وجه الهجمة الاستعمارية والصهيونية([36]). قوبلت هذه الدعوة بتلبية 1500 بعثي التحقوا بالثورة من أقطار عربية، مثل :العراق، وسوريا ولبنان، والمغرب العربي، وأقطار الخليج العربي حتى وقف إطلاق النار كما، وشملت الاستجابة منظمات الحزب في يوغســلافيا، وفرنســا التي وجهت بدورها تعميمـات لأعضائها للالتحاق بالثورة([37]). تعرضت قواعد الجبهة العربية للتنكيل والبطش في شمال الأردن، وقد هاجمتها قوات الجيش الأردني بالدبابات والسيارات المجنزرة، ومنها : قاعدتي حاتم أبو شقرة، وعبد الكريم الشيخلي وقصفتها بقنابل الدبابات والمدافع الرشاشة، وقد استشهد* خمسة أفراد، وجرح ستة أشخاص وفقد آخرون([38]). مع تواصل الأيام أصبحت منظمة التحرير معزولة عن الجماهير، ونجح النظام الأردني في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، و فقدت التأييد من قبل الأقطار العربية المجاورة، أو على الأقل لم تقدم لها غير الاستنكار وهبت صيحات الإغاثة دون مجيب . ويذكر صلاح خلف "أبو إياد" في السياق نفسه، كيف قوبل في القاهرة حينما تكلم في قصر القبة بحضور رؤساء الدول العربية عن مجازر أيلول "وقد صدمت وأنا أتكلم، من قلة التحسس لدى غالبية المستمعين إلي . كانت وجوههم ساكنة باردة ونظراتهم غائبة أو لا مبالية "([39]). تم توقيع اتفاق مصالحة بين الفدائيين والحكم الأردني قبل وفاة عبد الناصر، لكن طارئا جديدا دفع في اتجاه التأزم، وتمثل في تعيين وصفي التل رئيسا للوزراء وحاكما عسكريا في 13 تشرين الأول / أكتوبر 1970. عرفت هذه الشخصية بالدهاء والمكر السياسي ويؤخذ عليه أنه كان يحتك بالجهات القومية ويخدعها أحيانا واظهر انه يريد مساعدة منظمة التحرير إلا انه وضع في شهري تشر ين الثاني /نوفمبر وكانون الأول /ديسمبر 1970 مراكز درك قرب مواقع الفدائيين، وفي كانون الثاني/ يناير 1971 اندلعت الحوادث والمصادمات بين الطرفين، وأخيرا أعلن أنه لا يسمح بهذا الوضع الفوضوي الذي يسببه وجود حركة عاجزة عن فرض الانضباط في صفوفها وطالب بمغادرة الفدائيين مدن المملكة كافة، ونزع سلاح الفدائيين، وأصر على تجميعهم في جرش وعجلون حيث يستطيعون مقاتلة العدو بصورة أفضل([40]). عقدت المنظمات الفلسطينية في 28 شباط/ فبراير 1971 دورة للمجلس الوطني الفلسطيني وقد حضرها ممثل ا لجبهة العربية إلى جانب المنظمات الأخرى، وطرح أهمية ربط الضال العسكري، بالنضال السياسي، ونضال الثورة القطري بالنضال القومي، والتأكيد على استراتيجية رفض الحل السلمي ووحدة أداة الثورة، وليس فقط وحدة التصور، وتحديد أعداء وأصدقاء الثورة وطالبت باشراك الجماهير العربية في معركة التحرير ووجوب تطبيق هذا التصور في الأردن، وطرحت بأن تقوم هذه الصيغة من خلال" جبهة تحرير فلسطين " لتعبر عن وحدة الثورة الفلسطينية ووحدة الثورة مع الجماهير الأردنية من جهة أخرى، و هي جبهة مفتوحة لجميع المنظمات الفدائية والسياسية والنقابية العربية و تلتزم أسلوب الكفاح الشعبي كخيار استراتيجي وحيد لتحرير الأرض العربية، ومستعدة للتصدي والوقوف في وجه أعداء التحرير والثورة المسلحة، ومستعدة للتصدي في وجه الأنظمة والأوضاع والمؤسـسـات التي تقف في وجه التحرير([41]). وعلقت الجبهة العربية مع اقتراب 5 شباط / فبراير 1971، وهو موعد انتهاء وقف إطلاق النار من المحاولات الجارية لتكريس الحل السلمي، والتي يقوم بها من وصفتهم بعملاء الصهيونية والاستعمار بعد فشلهم في القضاء على العمل الفدائي في أيلول الماضي، والذين يعاودون الكرة لتصفية العمل الفدائي، وبينت (ج.ت.ع) أنه كان واضحا منذ البداية أن نظام الحكم الأردني يبغي حصر الوجود الفدائي في مناطق معزولة حتى يتمكن من الحصول على فرصة زمنية كافية؛ حتى يتسنى له القضاء على الوجود الفدائي، كما أن الاتفاقات التي عقدتها الحركة الفدائية والنظام الأردني بحضور اللجنة العربية سمحت بتأجيج الصراعات القطرية، وأظهرت المتطوعين العرب كغرباء، مما يحصر أفق الثورة الفلسطينية في إطار قطري([42]) . تمت في ظل مساعي اللجنة العربية التي يرأسها الباهي الأدغم حملة جديدة من الإبادة والتصفية، وقد حقق الحكم الأردني مكاسب من اتفاق القاهرة تمثلت بنجاحه بشن حملة كثيفة على المرتفعات التي تقع بين عمان واربد ولاسيما ثغرة عصفورة . تعرضت قواعد الجبهة العربية قرب السلط لهجمات قوات الجيش الأردني، وقد دخل الجنود إلى قاعدة (سعيد البياتي) في أم جوزه بجوار السلط بحجة أنهم فلاحون قدموا لحراث الأرض، لكنه تبين لاحقا أنهم كانوا جنودا، و أطلقوا نيرانهم على الفدائيين، وقد أنجدهم الجنود من مكان قريب، وتمكن مناضلون في الجبهة العربية من تكبيدهم خسائر دون أن يسقط أحدهم، وقد حضر للمكان هيئة الرقابة العسكرية التي أمرت بإخلاء القاعدة وتجنب الاشتباكات([43]). قامت القوات الأردنية بحرق الأشجار الموجودة هناك بقنابل الفسفور، وتمكن الفدائيون من الإفلات إلى مخيم البقعة، وحاصرتهم القوات الأردنية، وهددت بقصف أكواخ المخيم، وقامت بالسيطرة على الطريق المؤدي إلى جرش، وقصفت قواعد الفدائيين في الرميمين وأم جوزه، وأم العمد، ووادي الحرامية، وعملت السلطة على تسليط قذائف مدفعيتها على المساكن المصنوعة من صفائح "الزينكو"، وبعد وساطة اللجنة العربية ووجهاء المخيم، قرروا الخروج منه، وأخذتهم سيارات إلى سوريا، ثم جرى تسفير عدد من الفصائل الفلسطينية مثل :الجبهة العربية،ومنظمة فلسطين العربية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقوات الأنصار([44]) . واصلت القوات الأردنية تضييق الخناق على الفدائيين في آخرمعاقلهم في أحراج جرش وعجلون، وفي 13 تموز/يوليو 1971عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني جلساته، وقد اهتم المؤتمر بعدم التنسيق مع النظام الأردني، وانتهت مجازر الأردن بطردهم نهائيا، وقدر عدد الذين راحوا ضحية المجازر 18 ألف شهيد، والبعض منهم سلم نفسه للقوات الإسرائيلية وفي مؤتمر صحفي علني صرح الحسين : " بأن السـكوت الكامـل يخيم على الأردن، والآن لا توجد مشكلة "([45]). كان من نتائج الأحداث اغتيال وصفي التل رئيس وزراء الأردن، يوم الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني / نوفمبر 1971 توجه إلى القاهرة، وبعد أن ارتقى بخطوات مع أصحابه إلى الفندق، تقدم منه شابان، ثم دوت رصاصتان وتهاوى وصفي التل، وأعلنت المسؤولية منظمة أطلقت على نفسها اسم منظمة أيلول الأسود([46]). كان رد الصاعقة أن أدانت أسلوب الاغتيال لأنها ترى أن على المنظمات أن تنسق جهودها عند اغتيال أي مسؤول، وربما كان ذلك خوفا من عدم اختلاط الأوراق([47]).
5) موقف منظمات البعث من النظام اللبناني والحرب الأهلية عام 1976 بعد دخول المنظمات الفدائية إلى لبنان تشابكت الأحداث في ساحة هذا البلد، ونظرا لتعدد التيارات المختلفة فيه من سياسية ودينية فإن أوضاعه لم تكن أفضل للمنظمات الفدائية من الأردن ولذا كانت الأوضاع مرشحة للخلافات و الاشتباكات والدعايات ضد منظمات المقاومة. في إطار من التحولات الاجتماعية اللبنانية تداخل العامل القومي بالإقليمي تداخلا من الصعب الفصل بينهما لتبيين حدود هذا الموقع وذاك، وتمثل القومي بدخول حركة الثورة الفلسطينية، إلى لبنان وتحوله إلى مركز وحيد بعد ضرب الثورة الفلسطينية وإخراج الفدائيين من الأردن وتلاقى العاملان:ـ عامل الثورة التي تفتش عن قاعدة آمنة، وعامل القوى الاجتماعية التي تريد التغيير لصالحها في لبنان([48]). وقد عزز وجود الفلسطينيين التيار القومي العربي داخل لبنان([49]). التقى وتعاطف مع الثورة الفلسطينية أبناء المخيمات الفلسطينية الذين يعانون من الاضطهاد والتعسف، و الطائفة السنية، و المسلمين بصفة عامة، والذين مثلوا فئات مضطهدة في لبنان من قبل السلطة اللبنانية، والمخابرات اللبنانية، وقد أضعفت الطائفية السياسية سيطرة الدولة اللبنانية، ولم تنجح التنظيمات الأيديولوجية العقائدية في تجاوز نسيج العلاقات الطائفية، التي صبغت المجتمع اللبناني قياداته وعناصره، بلون طائفي واحد أثر في تركيبتها، ومجال امتدادها فالحزب القومي السوري الاجتماعي اتسم بطابع مسيحي أرثوذكسي بشكل عام، والتنظيمات الناصرية استقطبت القطاع المسلم، وانتشر الحزب التقدمي الاشتراكي بين الدروز، وحركة أمل يغلب عليها المذهب الشيعي وينطبق هذا الحال على مختلف التنظيمات والنوادي اللبنانية من مختلف أشكال الطيف السياسي والثقافي([50]). في هذا الخضم والمعترك السياسي المتشابك المعقد، الذي يشبه فسيفساء سياسية كانت السلطة اللبنانية تقوم بممارسات شرسة ضد الفدائيين الفلسطينيين، ففي عام 1966 توفي أحد أعضاء حركة فتح، وهو جلال كعوش تحت التعذيب، والقي بجثته من بناية عالية من مكتب المخابرات حتى يبدو كأنه حادث انتحار([51]). بدأ في شباط / فبراير 1968 دخول الفدائيين إلى جنوب لبنان وإقامة قواعد عسكرية فيه قرب الحدود السورية ـ اللبنانية، ومن جنوب لبنان هوجمت المستعمرات الإسرائيلية، وقد شكل هذا الموقع، وإهمال أوضاع الشيعة فيه، تربة خصبة، ومناسبة لنمو العمل الفدائي([52]). كذلك أصبح لبنان محط آمال القوى الثورية العربية بين عامي 1968 و1974، واعتقد الثوريون العرب أن ثورة عربية ستنفجر من لبنان، وفي هذا العام دب الحماس والتوق الشديد للحرية في لدى القوى القومية العربية، ومنها : البعث والناصرية والقوميين العرب، وكانت حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية 1968ـ1969 وحرب 1973، والتي اعتبرها الرأي العام العربي انتصارا على الهزيمة العربية حافزا هي الأخرى([53]). شهد الفدائيون الفلسطينيون عام 1969 تحرشات من قبل السلطة اللبنانية، حيث تعرضت لهم بعد أن قاموا بعمليات ضد الاحتلال الصهيوني، وحاولت وضع العراقيل في طريقهم، وهو ما دفع لحدوث توترات بين اللاجئين الفلسطينيين والسلطة اللبنانية . بادرت الحكومة اللبنانية في نيسان /أبريل 1969 بأن ضربت حصارا على بلدة بنت جبيل لإلقاء القبض على مجموعة فدائيين بُعيد عودتهم من إحدى المهمات ورفض أبناء البلدة تسليم الفدائيين للجيش، وبعد مرور ثلاثة أيام من الحصار والتهديد بالقصف سلم الفدائيون أنفسهم تجنبا لسفك الدماء، وتسربت أنباء احتجازهم في ثكنات صور وانتشرت المظاهرات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، وقتل أربعة طلاب، وجرح عشرين، ووجه تجمع القوى الوطنية والتقدمية في لبنان بالتحالف مع المنظمات الفلسطينية نداء في بيروت، للقيام بمسيرة شعبية ظهر يوم 23 نيسان / أبر |