المصالحة الوطنية كالية لتحقيق السلم المدني و بعث مشاريع الاصلاح السياسي في الجزائر
تعرضت الجزائر الى فتنة كبرى كادت ان تعصف بوجود كيان المحتمع الجزائري و تقوض اركام دولته، حيث افرزت ظاهرة الارهاب عقب توقيف المسار الانتخابي سنة 1994م، فحاولت السلطة مواجهة هذا التدهور الامني بالمراوحة بين الحل الامني و السياسي، و تحلل هذه الفترة صعود و هبوط لمستوى العنف انتهى باستقرار الوضع الامني في نهاية التسعينات بامتهاج سياسة المصالحة الوطنية فالى اي صدى يمكن اعتبار المصالحة الوطنية كالية لتحقيق السلم المدني؟ و بعث مشاريع الاصلاح السياسي في الجزائر؟
اولا_ تعريف المصالحة: تعني المصالحة لغة و استنادا لاصلها الاتيني الرجوع معا الى المجلس، و العمل في انسجام جماعي، وهي تعني" استعادة حلة العلاقة السلمية التي لا يسبب فيها اي طرف الضرر للاخر، و حالة يامن فيها الكل عدم حصوله من جديد، و حيث يكفي من قتئمة الخيارات المتاحة "
و يعرفها كل من اسمال و ا ل بانها :" مواجهة الحقيقة غير المرغوب فيها بهدف دعم الانسجام بين وجهات النظر المتصارعة و الخلافات في بيئة تفاهم "، و بالنسبة لمارو تعني المصالحة " اعادة توطيد العلاقة الودية لدرجة تكفي لتحقيق الثقة رغم الانقسام المبدئي "، بينما يركز ليدارش على المصالحة داخل المختمع و يضع لها اربع عناصر: الحقيقة و تعني التعبير المفتوح حول الماضي، الرحمة و تعني العفو لبناء علاقة جديدة،العدالة وتعني اعادة البناء الاجتماعي و التعويض، السلام و يعني المستقبل المشرك و الحياة للكريمة و الامن لكل طرف
اما فيما يخص انواع المصالحة فهي(2) :
1_المصالحة داخل الطبقة السياسي:المجزاة الى احزاب و منظمات و شخصيات متنافسة عبر مؤسسات مهمتها ليست صياغة برنامج حكم،ودائما صياغة مسودة دستور النظام المقبل، اي ابرام عقد تاريخي حول الظمانات المتبادلة لعدم تجدد الكارثة
2_المصالحة التاريخية :بين مشروعين متنافسين لوراثة النظام القديم اي بين الاسلام السياسي و الديمقراطي، اما صيغتها فوفاق بين الديمقراطيين المعتدلين و الاسلاميين المعتدلين
3_المصالحة بين المجتمع المدني و المجتمع ككل:فالاول غالبا ما يكون مشغول اما بالعقيدة اذا كان اسلامي التوجه، أو بالحريات اذا كانت الديمقراطية هاجسه
ثانيا _خلفيات المصالحة السياسية في الجزائر (السياق التاريخي للمصالحة الوطنية في الجزائر)
ا/ اسباب الحوار:بعد توقيف المسار الانتخابي في الجزائر لم يكن النظام يتصور تطور الاوضاع الى درجة اسنخدام العنف، و ارتاى امكانية احتواء الاسلاميين مثلما كان يفعل كل مرة، لذا لم يكن الحوار الوسيلة الاولى التي لجا اليها النظام الحاكم لتجاوز النزاع، بل فضل الحل الامني و ذلك بتسخير كل اجهزته الاكراهية ضد الجبهة الاسلامية للانقاذ
1/ عزل النظام بالداخل: لم يكن حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ أول خطوة ينتهجها النظام لأجل تصفيتها، إذ بإعلان حالة الطوارئ أسندت لقوات الامن ابتداءا من 22 جانفي 1992 في شن حملة واسعة لاسترجاع المساجد و أبعادها عن كل الممارسة الحزبية، كما شنت حملة واسعة ضد أئمة المساجد بيوم واحد بعد حضر الخبهة الاسلامية للانقاد،و اعتقال جل القادة السياسيين للحزب(3) و منحت صلاحيات استثنائية لقوات الأمن من طرف المجلس الاعلى للدولة في 08فيفري1992 بغية تضييق الخناق على الجبهة الإسلامية ، فتزايد عدد المراكز الأمنية في كل المناطق التي عرفت في السابق على انها مقرات لنشاط الاسلاميين، و بهذه الأساليب نجح النظام تقريبا في تجريد الجبهة الإسلامية للإنقاذ من كل قياداتها من خلال حملات الاعتقال الواسعة ضد مؤيديها، بما لا يمكن للجبهة من بلورة أي إستراتيجية مضادة، أو إمكانية إعادة تنظيم نفسها من جديد(4) .
و للنظر في مدى مشروعية هذه الإجراءات، و إذا ما كان النظام-المجلس الأعلى للدولة – يحضى بدعم داخلي من طرف الأحزاب
_تصور المجلس الأعلى للدولة لكيفية إعادة بناء الحياة السياسية :ارتبط تصور إعادة بناء الحياة السياسية مباشرة بعد توقيف المسار الانتخابي بالرئيس محمد بوضياف الذي تميز موقفه بالتصلب تجاه الاسلامين، فالأزمة السياسية حسب منظوره لا تحل بفتح الحوار مع التشكيلات الحزبية الشرعية القائمة، لأنها حسبه تسعى فقط لاقتسام السلطة، و مع ذلك فقد مد يده لها حسب ما جاء في خطابه، اثر توليه عضوية المجلس الأعلى للدولة "...هذه يدي أمدها للجميع بدون استثناء، أمدها بثقة و أمل للتحية و تجديد العهد من اجل المصالحة و التعاون لبناء الجزائر(5)" و لقد أدرك بوضياف الحاجة إلى إنشاء إطار سياسي بديل يمكنه من كسب التأييد و الشرعية التي نجحت الجبهة في كسبها، و لتحقيق هذه الغاية انشأ عام 1992 التجمع الوطني القومي، و الذي اعتبره بمثابة إطار الحوار من اجل صياغة مشروع اجتماعي.
_موقف الأحزاب السياسية من التجمع الوطني القومي:لقد أنتجت السياسة المتبعة من طرف الرئيس عزلة داخلية كبيرة، وهو ما يتضح من مواقف الأحزاب السياسية من التجمع الجديد، إذ رفضت الأحزاب السياسية الفاعلة كجبهة التحرير الوطني و جبهة القوى الاشتراكية الانضمام الى التجمع و طالبت بضرورة فتح الحوار مع جميع التشكيلات السياسية بما فيها التيار الإسلامي من اجل العودة للمسار الانتخابي الذي يمثل في نظرها اول خطوة لاسترجاع الأمن، كما أن الدعوة للحوار جاءت أيضا من طرف الجبهة الإسلامية للإنقاذ، حيث طالبت في 19 مارس بفتح حوار مع جميع الأحزاب السياسية التي فازت في الانتخابات (6) .
و لم يلجا النظام إلى فتح الحوار السياسي مع الأحزاب السياسية الشرعية –ماعدا الجبهة الإسلامية – في 14 جويلية بسبب عدم فاعلية الأسلوب "الحل الأمني "، بل اثبت هذا الحل فعالية كبرى في تفكيك قاعدة الاسلامين و لو مؤقتا، و إنما بسبب عزلة النظام الداخلية، فكان الحوار مع الأحزاب السياسية من منظور النظام وسيلة من وسائل إعادة احتواء الطبقة السياسية التي رفضت سياسة التجمع الوطني بما يقدم له دعما داخليا و مشروعية لإستراتيجيته الأمنية.
2/اتحاد الجماعات الإسلامية و إقدام موجة العنف: إن الفشل الذي منيت به الإستراتيجية الشرعية للجبهة الإسلامية، الذي أعقب انقلاب جافني، عزز اعتقاد الاسلامين المتطرفين الذين ظلوا خارج الجبهة بان قوة السلاح هي وحدها التي تستطيع ان تحقق الدولة الإسلامية، وهو ما اظهر محاولات التنسيق بين العناصر الأكثر تطرفا أي الحركة الإسلامية المسلحة و جماعة الهجرة و التكفير في جافني، و عقد اجتماع ثان في سبتمبر، غير أن جميع اللقاءات لم تحقق الهدف المنشود في تنسيق الجهود و تشكيل جبهة موحدة للعمل المسلح، و يعود ذلك إلى عدم رغبة العديد من الجماعات الخضوع إلى سلطة مركزية، إذ عن الاجتماع الاول تعيين عبد القادر شبوطي رئيسا لهذه الجماعات، غير أن ملياني رفض العمل تحت لوائه، مفضلا الحفاظ على استقلالية نشاطه، بالإضافة لفعالية العمليات التي قامت بها قوى الأمن في 1992 الأمر الذي أعاق الاتصال بين المجموعات المختلفة(7)
و استمرت هذه الجماعات طيلة عام 1992 تعمل بصورة مستقلة عن بعضها، في الوقت الذي بقيت فيه الجبهة الإسلامية محافظة على خط سيرها السياسي الشرعي الذي مثله أنور هدام و رابح كبير، و بحلول عام 1993 صدر بيان من علي بن حاج أعلن فيه قائلا :"لو كنت خارج جدران هذا السجن لكنت مقاتلا في صفوف شبوطي(
و يمثل هذا البيان تأييدا واضحا للنضال المسلح، كما انه يشير إلى اعتراف الجبهة بالحركة الإسلامية المسلحة، و قد انتهى هذا الاعتراف إلى عقد اتفاق بين الجبهة و الحركة الإسلامية و جماعة الهجرة و التكفير في مارس 1993 أنتج قيادة عسكرية مشتركة يترأسها شبوطي، و عين محمد العيد مثل التيار السياسي كرئيس للقيادة السياسية الداخلية، و بعد 6 أشهر شكلت السلطة التنفيذية للجبهة الإسلامية للإنقاذ كبنية سياسية موحدة للتيارات المسلحة الثلاث(9) . وبقيت الجماعات الإسلامية المسلحة GIA خارج نطاق هذه الهيئات، و بقيت الجماعات الإسلامية السابقة محافظة على إستراتيجيتها في الدمج بين العمل السياسي و العمل المسلح، عملت الجماعات الإسلامية المسلحة على ترجمة إستراتيجيتها المتطرفة إلى سياسة واقعية إذ شهدت هذه السنة موجة عنف مست جميع الشرائح الاجتماعية
_دعوات الحوار و العقد الديمقراطي
1/ندوة الوفاق الوطني: مع اغتيال الرئيس محمد بوضياف أعلن خليفته علي كافي على انه لن يوفر جهدا لاشتراك جميع القوى المتواجدة على الساحة بهدف إيجاد مخرج للازمة، بدأت أولى الاتصالات بين المجلس الأعلى للدولة و الأحزاب السياسية الشرعية في 21 ديسمبر 1992 لتتواصل إلى غاية نوفمبر 1993 تاريخ بدا الاتصالات الرسمية مع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ و قد تزامن فتح الحوار الوطني مع مضاعفة السلطة للأعمال القمعية ضد الإسلاميين، و تشديد القيود على الأحزاب في مزاولاتها لحرياتها السياسية، حملات واسعة ضد الصحافة الوطنية، و فرض حظر التجوال ثلاثة ايام قبل بدء جولات الحوار الوطني(10) لقد كانت مسالة التحاور مع السلطة خلافية بين الأحزاب، ففي الوقت الذي قبلته الأحزاب الرافضة لتوقيف المسار الانتخابي و ذات الوزن السياسي كجبهة التحرير الوطني و جبهة القوى الاشتراكية، حماس و النهضة، و عارضته حركتي التحرر و التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية انطلاقا من رفضها مشاركة الاسلامين حتى و إن كانوا من المعتدلين كحماس و النهضة، ووضعت الأحزاب المشاركة في الحوار شروط و ضرورة التزام النظام الحاكم بها كأساس لنجاح الحوار، كغلق مراكز الاعتقال و تهدئة الوضع الأمني و اشتراك الجبهة الإسلامية في الحوار، و العودة للمسار الانتخابي كأساس للشرعية، وهي الأمور التي رفضها النظام الحاكم,
و لم يمض وقت طويل حتى اتضحت نوايا النظام الحاكم من الحوار عبر قرار تحديد الفترة الانتقالية لثلاث سنوات في الوقت الذي كان من المفروض أن تنتهي عهدته بالفترة الرئاسية للرئيس المقال مع نهاية 1993 (11) وبداية عام 1994 تم تنظيم ندوة وطنية للخروج بأرضية وفاق وطني كان هدفها تحديد معالم المؤسسات السياسية و الإدارية الكفيلة بتنظيم المرحلة الانتقالية، و أمام هذا الحوار الأصم الذي يتمسك فيه كل طرف بمواقفه و تصوراته للحل في ظل جنوح النظام لمضاعفة أساليب الإكراه دون بلورة خطة سياسية بديلة للخروج من الأزمة و هو الخيار الذي أكده التيار الاستئصالي داخل النظام (خصوصا الجيش) على حساب تيار المصالحة و الحوار، و بعد تعيين اليامين زروال وزيرا للدفاع، و إقالة رئيس الحكومة بلعيد عبد السلام و تعويضه بأكبر معارضي المصالحة رضا مالك(12) و عليه كانت الرغبة في الحوار منعدمة تماما لدى نظام الحكم، و أمام فشل نظام المجلس الأعلى للدولة في استقطاب القوى السياسية، اجتمع المجلس الأعلى للأمن بداية أكتوبر، حيث قرر الجيش بصورة مباشرة استئناف الحوار مع الأحزاب السياسية، و لهذا تم تشكيل لجنة الحوار الوطني في 14 أكتوبر(13) التي اتجهت للحوار مع جميع الأحزاب الفاعلة و المعترف بها قانونا و مع ممثلي المجتمع المدني من جهة أخرى، على أن يقتصر الحوار على إقامة مؤسسات المرحلة الانتقالية و مراجعة القوانين لتمكين الدولة من استعادة هيبتها و مكانتها، و كانت هناك صعوبة كبيرة في إقناع جميع التيارات السياسية بالجلوس على طاولة الحوار، فكان النظام ينوي لإثارة الانشقاق داخل الحركة الإسلامية بما يمكنه من احتواء الإسلاميين منهم،(14) و هو ما تحقق و أدى في النهاية بالنظام إلى تحميل الأحزاب الشرعية و الحركة الإسلامية مسؤولية فشل الحوار في التوصل إلى اتفاق، و بالتالي تأكد اللاوفاق قبل انعقاد الندوة و خلالها بسبب غياب الثقة بين الأحزاب التمثيلية و المجلس الأعلى للدولة. فبدأت الأحزاب في الانسحاب تواليا، و رغم فتح الحوار مع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المسجونين و إطلاق سراحهم إلا أن الحوار مع الحزب المنحل توقف نهائيا بعد رفض قادته توجيه نداء وقف العنف .فانطلقت الندوة في غياب الأحزاب المنسحبة من جهة، و في ظل غياب أي اتفاق مع ممثلي جبهة الإنقاذ، و انصب الاهتمام حول من سيكون رئيس الدولة في المرحلة الانتقالية الني ستدوم ثلاث سنوات، قد أكدت أرضية الوفاق الوطني على أهم مطلب من مطالب الأحزاب السياسية و المتمثل في ضمنية الرجوع للمسار الانتخابي، إلا أن ذلك كان مرهونا ببلوغ أهداف ذات طابع سياسي امني، اقتصادي و اجتماعي، ففيما يتعلق بالأهداف السياسية ربطت الندوة ضمنيا العودة إلى الانتخابات بضرورة استرجاع السلم المدني، أما فبما يخص الجانب الأمني، فقد نصب الأرضية على ضرورة مكافحة الإرهاب
_مبادرات النظام الحوارية مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ : يمكن تقسيم الجولات الحوارية إلى مراحل هي:
1_ جولات الحوار الوطني 13 مارس 1993:
لقد عمل الرئيس زروال مباشرة بعد تعيينه رئيسا للدولة على تجسيد مبدأ الحوار من دون استثناء، و في هذا الإطار قام بتقديم ضمانات للجبهة قصد جلبها للحوار، فأطلق سراح مئات الإسلاميين المحتجزين، مما نتج عنه معارضة كبيرة من قبل الاستئصاليين المعارضين للمصالحة داخل النظام نفسه، و رأوا فيها خيانة لمن حاربوا المجموعات المسلحة، و أمام هذه الحملة لجا زروال مقداد سيفي على رأس الحكومة بعد استقالة رضا مالك في 11 مارس 1994 ، و إعادة تشكيل قوى الجيش و الأمن، و استمرت الاتصالات بين قادة الجبهة الإسلامية و الرئيس من خلال رسائل بعث بها القادة، غير أن نقطة الخلاف و التي أفشلت المبادرات كانت تتمحور حول مبدأ نبد العنف أولا، فضلا عن فحوى الرسالة المنسوبة إلى علي بلحاج فأجهضت المبادرات و أعلن الرئيس فمثل المحادثات بصفة نهائية.
2_لقاء سانت ايجيديو 1994: بعد إغلاق النظام لكل منافذ الحوار سواء مع الأحزاب السياسية الشرعية أو مع الحزب المحظور، بتحميله مسؤولية فشل الحوار، لجأت مجموعة من الأحزاب للعمل خارج الإطار الرسمي، و هو ما أصبح يعرف بمبادرة "سانت ايجيديو" ، وكان أول اجتماع لها 21/11/1994، و الثاني من 03 إلى 13/01/1995 و لم تستجب كل الأحزاب للدعوة فقد رفضتها حركة التحدي و التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية بحكم رفضها التحاور مع الإسلاميين في حين شاركت جبهة التحرير الوطني، حزب العمال، ممثلين عن الحزب المنحل في الخارج، جبهة القوى الاشتراكية، الحركة من اجل الديمقراطية، الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، أما حماس و حزب التجديد، فقد شاركا في اللقاء الاول فقط، ولكن السلطات رفضت الحضور بصورة قطعية، و اعتبرت هذا التصرف تدويلا للازمة الجزائرية(16)
و أفرزت "سانت ايجيديو" ما سمي بالعقد الوطني و الذي شخص خلفيات الأزمة و اعتبر المبادرات السابقة أحادية الجانب و إن الحل السياسي لا يكون ألا بمشاركة جبهة الإنقاذ و ضرورة وجودها السياسي و على الرغم من وزن السياسي للأحزاب المتعاقدة، فان المبادرة فشلت على المستويين الداخلي و الخارجي.
3_ندوة الوفاق الوطني 14_15 سبتمبر 1996 : لقد حسمت موازين القوى كل جولات الحوار الوطني منذ سنة 1992 إذ أصبحت الساحة السياسية تتمحور حول قطبين: قطب النظام و تمثله المؤسسة العسكرية و يهيمن عليها التيار الاستئصالي، و قطب تدعمه الأطراف المشاركة في ندوة روما بما فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، و من شان هذه التطورات السياسية منذ 1994 أن واصل النظام تنفيذ إستراتيجيته الاستئصالية ضد الجماعات المسلحة، و أعلن الرئيس في 16 نوفمبر 1995 عن تنظيم انتخابات رئاسية و هو ما عارضته بشدة الأحزاب الموقعة على عقد روما على خلفية اتفاق سلام قبل الانتخابات(17) ، لكن الرئيس مضى فيها فأعادت الانتخابات الرئاسية تشكيل الحياة السياسية من خلال التحولات في مواقف المعارضة السياسية إذ تمكن النظام الحاكم من احتواء البعض منها من حلال منح بعض الحقائق الوزارية، و ابتداء من 30 مارس 1996 باشرت الرئاسة بتنظيم جولات جديدة من الحوار الوطني بهدنة بإيجاد أفضل السبل و الوسائل لتكريس الديمقراطية و التعددية و استكمال مسار البناء الديمقراطي للمؤسسات الوطنية، و قد أكد الرئيس أن اللقاءات التي تمت مع الأحزاب، تمحورت حول ضرورة تعديل دستور 1989، بحيث اجعل من الهوية الوطنية، بأبعادها الثلاث غنى عن كل استغلال حزبي أو سياسي و استحدث غرفة ثانية للبرلمان، أما قانون الجمعيات ذات الطابع السياسي فقد استثنى من مجال المنافسة السياسية و الصراعات الحزبية، عناصر التراث المشترك(الإسلام، العربية، الامازيغية)، و بعد جولات حوارية بين السلطة و الأحزاب مررت التعديلات و تمكن النظام الحاكم من تعبئة الأحزاب السياسية من جديد في إطار التعددية المستقطبة(18) ،و انعقدت ندوة الوفاق الوطني الثانية في 14_15 سبتمبر، ووجه الرئيس خلالها دعوة للجماعات المسلحة للاستفادة من يد الرحمة.
ثالثا_شروط تحقيق المصالحة الوطنية
ا/أطراف الحوار السياسي:
1_دور المؤسسة العسكرية في الحوار: لقد فرضت عملية التحول السياسي لعام 1989 و تبني التعددية الحزبية،وضعا جديدا على مكانة الجيش في الحياة السياسية، فبعد ما كان ضمن دستور 1976 يستأثر بفضل كامل(الفصل السادس)، نجد دستور 1989 يقتصر على تحديد مهمته بموجب مادة واحدة (م 24)، حيث انيطت له المهمة التقليدية المتمثلة في الدفاع و المحافظة على الاستقلال الوطني، و لتأكيد هذا المسعى الدستوري،طلب وفد العسكريين في 04 مارس 1989، من الرئيس الشاذلي بن جديد، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، و أمين حزب جبهة التحرير الوطني، إعفائهم من عضوية اللجنة المركزية(19) مثبتا رغبته في الابتعاد عن الصراعات السياسية التي فرضتها ظروف الانفتاح السياسي مما للعودة للعمل الديمقراطي .
إن احد الأسباب التي قد تدفع بالجيش إلى التدخل في الشؤون السياسية هي تدخلات القادة السياسيين، بالشكل الذي يحسس بالجيش و مصالح أعضائه ووحدته (20) وقد ظهر بوادر المساس بسلطة الجيش بعد الفوز بالجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الاول من وتشريعات 1991، و عدم ممانعة الرئيس التعايش مع حكومة وجمعية وطنية تسيطر عليها الجبهة.
لقد تخوف الجيش من تطور الأحداث إلى هذا الحد، ففوز الجبهة سيدفع بها حتما إلى تصفية كل القادة العسكريين، بحكم العلاقة العدائية القديمة بينهما، و لتفادي ذلك كان على الجيش التدخل قبل إجراء الدور الثاني من الانتخابات، فكانت الوسيلة المثلى لمنع حكومة تكونها الجبهة، تتمثل في إجبار الرئيس على الاستقالة، غير أن المشكلة كانت في الشغور الرئاسي، وصدر الانشغال أن رئيس المجلس الشعبي عبد العزيز بلخادم كان متعاطفا مع الجبهة الإسلامية، لذا فرض على الشاذلي حل البرلمان قبل استقالته، و تسليم السلطة إلى المجلس الأعلى للأمن، على أن يتولى هذا الأخير تنصيب جهاز التسيير تمثل في المجلس الأعلى للدولة في 16 جانفي 1992 ، و لإحكام الجيش سيطرته على جميع دواليب الحياة السياسية، تم إعلان حالة الطوارئ لتتولى السلطة العسكرية مهمة تسيير الشؤون العامة.
2_وزن المعارضة السياسية: لقد عمل النظام الحاكم على إخضاع و ترويض هذه الأحزاب السياسية من خلال اسم جمعيات ذات طابع سياسي بدل تسمية الأحزاب السياسية وفقا للمادة 4 من دستور 1989 (نمط تعبيري للمشاركة)، كما أن اعتماد الجبهة الإسلامية للإنقاذ مؤشر على نوايا النظام الحاكم من الانفتاح السياسي على الرغم من حظر قانون الأحزاب السياسية تكوين الأحزاب على أساس ديني.
من جهة أخرى نقذ عمد النظام الحاكم من تعبئة جزء من الأحزاب السياسية إذ تحركت كل من الصحافة و أحزاب سياسية لتنظيم حملة دعائية مناوئة للجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد فوزها في التشريعات، حيث طالب كل من التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية، وحزب الطليعة الاشتراكية بعدم مواصلة المسار الانتحابي، في الوقت الذي انضوت فيه العديد من التنظيمات إلى المجلس الوطني لإنقاذ الجزائر الذي أسسه الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد الحق بن حمودة في 31 ديسمبر بهدف قطع الطريق على الإسلاميين، من خلال المطالبة هو الآخر بضرورة توقيف المسار الانتخابي(21) و في المقابل لجأت الجبهة الإسلامية للإنقاذ لاستخدام أكثر تطرفا للعنف المسلح، و استخدام النظام الحاكم الإكراه باعتباره الوسيلة الأنجع كما أثبته التاريخ السياسي للجزائر، مثلما حدث مع الحركة الإسلامية المسلحة لبويعلي سنة 1987.
و عليه لم تكن أدنى شروط فتح الحوار متوفرة ، فلجوء المؤسسة العسكرية إلى المناورة السياسية تجاه فئة من المعارضة بهدف إضعافها، ثم إعلان حالة الطوارئ لتقييد كل نشاط سياسي من جهة و اللجوء إلى الأساليب الإكراهية تجاه عدد آخر من الأحزاب، بمعنى نفي كلي لوجود الطرف الآخر و لتوجهاته، في الوقت الذي يقوم فيه الحوار على أساس الاختلاف، و هو الأمر ذاته نجده عند الحركة الإسلامية التي ترفض مواقف الطرف الآخر و بالأخص النظام الحاكم.
_اثر البعد الخارجي على الحوار في الجزائر:أبدى الاتحاد الأوروبي اهتمام ملحوظا بالجزائر لم تمله الاعتبارات السياسية الظرفية، و إنما أتى في إطار نظرية إستراتيجية تاخد في اعتباراتها التطورات داخل الساحة الجزائرية، و مدى تأثيراته على دول الجوار، و انعكاسات ذلك على المصالح الأوروبية و الأمن و الاستقرار في حوض البحر المتوسط(22) على الرغم من الصعوبات الكبرى التي تعترض الاتحاد الأوروبي في تحديد سياسة خارجية موحدة، و ملف الجزائر لا يخرج عن هذه القاعدة(23)، وراء فرنسا تاركا لها المجال لصياغة سياسة للتعامل مع الملف الجزائري.
لقد تميز الموقف الفرنسي بالحياد في بداية الأمر من فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الاول للانتخابات التشريعية، اذ عبر رئيس الجمهورية الفرنسية في جانفي 1992 بان فرنسا ستكون لها دون شك علاقات مع من سيحكمون الجزائر، و عقب إلغاء الانتخابات اكتفى ميتران بتصريح عبر من خلاله أن وقف المسار الانتخابي إجراءا غير طبيعي.