مقدمة:
تعتبر إشكالية التوفيق بين حفظ أمن الدولة وصيانة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من أهم النقاط التي أثارت وجهات نظر مختلفة، ناتجة عن منطلقات فكرية وحقائق ميدانية، اختلفت باختلاف الحقبة التاريخية، بمتغيراتها الأساسية (سياسية، عسكرية، اقتصادية، اجتماعية،...)، وفواعلها الرئيسية (دولة، منظمات دولية، شركات،...) وقيمها التأسيسية (الحرية، العدالة الاجتماعية، القوة،...).
وتوضح هذه الدراسة طبيعة العلاقة بين حقوق الإنسان والأمن الوطني من خلال تبني الخطة التالية:
إطار منهجي ومفهومي ونظري.
الفصل الأول: أولوية أمن الدولة على حقوق الإنسان
المبحث الأول: الأمن الوطني ومنطق سيادة الدولة
المبحث الثاني: حقوق الإنسان وحدود السياسة الوطنية
الفصل الثاني: أولوية حقوق الإنسان على أمن الدولة
المبحث الأول: عولمة حقوق الإنسان
المبحث الثاني: الأمن بين البعد الوطني والبعد الإنساني
الفصل الثالث: مستقبل العلاقة بين حقوق الإنسان والأمن الوطني
المبحث الأول: سيناريو أسبقية حق الإنسان على أمن الدولة
المبحث الثاني: سيناريو عودة المنظار التقليدي للأمن الوطني
الاستنتاجات
الإطار المنهجي والمفهومي والنظري:
أ/ الإطار المنهجي: تحاول الدراسة الإجابة عن المشكلة البحثية التالية:
كيف نفسر طبيعة العلاقة بين حقوق الإنسان والأمن الوطني؟
وللإجابة عن هذه المشكلة تتبنى الدراسة الفرضيات التالية:
الفرضية الأولى: كلما زاد تهديد الأمن الوطني كلما نقص احترام حقوق الإنسان والعكس صحيح.
الفرضية الثانية: كلما زاد خرق حقوق الإنسان زاد تهديد الأمن الوطني.
الفرضية الثالثة: كلما أعطيت الأسبقية لأمن الإنسان على أمن الدولة كلما زاد تنميط العالم وفق الأطر المعيارية الغربية ونمذجة أنظمته المجتمعية.
وسيتم في هذه الدراسة الاستعانة بتركيبة منهجية تربط بين المستوى الوصفي والمستوى التحليلي، باستعمال المنهج التاريخي لتبيان التطور الحاصل على مفهومي الأمن الوطني، وحقوق الإنسان، واستعمال المنهج المقارن من خلال إبراز المتغيرات المؤثرة في المفهومين.
ب-الإطار المفهومي: سيتم فيه تحديد المفاهيم الأساسية في الموضوع باعتبارها حاويات معرفية. وهي:
1. حقوق الإنسان: هي الحقوق المكرسة في النسق الحقوقي العالمي كمرجعية عالمية.
2. الأمن الوطني: ارتبط المفهوم أولا بأمن الدولة وسياستها العليا ثم توسع ليصبح مفهوم محيطي يضم بين دفتيه عددا من القضايا الضخمة المتشابكة والمعقدة (أمن اقتصادي، إنساني،...).
ج-الإطار النظري: في الإطار النظري سيتم استعمال كل من النظرية الواقعية، والنظرية الليبرالية والنيوليبرالية في تفسيراتهم لمفهوم الأمن الوطني، والاستعانة بالمقاربة المعيارية والمؤسساتية لتبيان طبيعة حقوق الإنسان كقيم إنسانية، والأطر المؤسسية المناطة بحمايتها.
المبحث الأول: الأمن الوطني ومنطق سيادة الدولة
وفي إطار هذا المبحث يمكن دراسة الأمن الوطني من خلال منظارين:
1.المنظار التقليدي للأمن الوطني: وينطلق أنصار هذا المنظار في تعريفهم للأمن الوطني من افتراضين أساسيين:
أ-التهديدات المتجهة لزعزعة امن الدولة تأتي من خارج حدودها. أي من الفاعلين الدوليين المتمثلين في الدول الأخرى باعتبارها الوحدات الأساسية في العلاقات الدولية وفقا للمنظار الواقعي.
فالأمن هو مرادف لحماية المصالح الحيوية للدولة وقيمها الأساسية من التهديدات الخارجية، ويلخص "والتر ليبمان" Walter Lippman ذلك بقوله: "تعد الأمة آمنة إلى حد ما إذا لم تكن في خطر، أو مهددة بالتضحية بقيمها الأساسية إذا رغبت في تجنب الحرب، وبمقدورها إذا واجهت التحدي أن تصون قيمها من خلال الانتصار في تلك الحرب".(1)
ويعرفه "فرانك تراجر" Frank Trager بقوله: "إن سياسة الأمن الوطني هي ذلك الجزء من سياسة الحكومة التي تستهدف من ورائها إيجاد ظروف محلية ودولية مناسبة لحماية قيم الدولة الحيوية، ونشرها في مواجهة تهديدات الخصوم الفعليين والمحتملين".(2)
ويعرفه "أرنولد ولفرز" Arnorld Wolfers الأمن بكونه: "حماية للقيم المكتسبة سابقا...أو هو غياب الخوف الذي يجعل تلك القيم معرضة للهجوم".(3)
كما نجد تعريف عبد الوهاب الكيالي للأمن الوطني في موسوعته السياسية بقوله: "الأمن القومي هو تأمين سلامة الدولة من أخطار داخلية وخارجية قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي".(4)
فوفقا لهذا المنظور الأمن هو امن الدولة State Security أي أنه ينصرف إلى الوحدة الترابية والتماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي للدولة، وهو بذلك يجب أمن الفرد والجماعة ويحتويه. أما الأمن الدولي فهو علاقات الأمن فيما بين الدول Inter-State Security، إذ يختفي فيه مفهوم الأمن الكوكبي، ويتوارى مفهوم الأمن التقليدي.
وفي حالة تهديد امن الدولة يجب تسخير كل الإمكانات لحماية القيم العليا للوطن. وهذه النظرة نجدها في طرح "نيكولو ماكيافيلي" Niccolo Machavelli (1469-1527) في أشهر أعماله "الأمير" The prince "المقالات" Discours و"فن الحرب" The Art of War. إذ حين تتعرض سلامة الوطن للخطر فلا مجال للتفكير فيما إذا كان شيء ما عادلا أو غير عادل، إنسانيا أو قاسيا، جديرا بالثناء أو بالعار، فيجب على المرء صرف النظر عن أي اعتبار وإتباع السبيل الذي يضمن حياة البلد وحريته. (5)
والاستعانة بفكر ماكيافيلي في التحليل لا يعني أن مصطلح الأمن القومي يرجع لتلك الفترة الزمنية. وإنما يعود انتشار استعماله إلى سنة 1947. تاريخ إنشاء مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية National Security Council. (6)
2.الأمن الوطني في المنظار المعاصر: إذا كان الأمن الوطني في المنظار التقليدي تتحدد تسمياته باعتباره تقليديا أو استراتيجيا أو دفاعيا، فإن تسميات هذا المنظار تتعدد فهناك من يطلق عليه المنظار المعاصر وهناك من يطلق عليه المنظار المعاصر وهناك من يطلق عليه المنظار التنموي وغيرهما يطلق عليه المنظار الشامل، فهو يشمل العديد من القضايا إذ لا يقتصر على المسائل العسكرية أو الدفاعية.
ويعتبر "روبرت ماكنامارا" Mc Namara في كتابه "جوهر الأمن" الذي أصدره سنة 1964 بأن الأمن هو التنمية. وأشار إلى أن الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن يترجم بصورة أولوية في القوة العسكرية فقط، ولكن يكمن في تنمية النماذج المستقرة من النمو السياسي والاقتصادي في الداخل وفي الدول على مستوى العالم أجمع.(7)
ويعرف "أولمان" Ulman الأمن الوطني على أنه: أية محاولة للحماية من الأحداث التي تهدد بتحطيم نوعية الحياة لسكان الدولة، ومن بين هذه التهديدات هو عدم القدرة على إشباع الحاجات الأساسية، وتقويض البيئة بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية.
والمستخلص مما سبق أن الأمن الوطني يقتضي تأمين كيان الدولة بحماية وحدة أراضيها من التهديدات الداخلية والخارجية، القائمة والمحتملة، وتحقيق الأهداف العامة للإستقرار السياسي والاندماج الاجتماعي والتنمية الوطنية الشاملة.
المبحث الثاني: حقوق الإنسان وحدود السياسية الوطنية
تعد قضايا حقوق الإنسان من أبرز القضايا المعاصرة التي أعادت تكييف المفهوم التقليدي للسيادة، ليستجيب للتطورات التي شهدتها الإنسانية في هذا المجال الحيوي، والتي كرست المفهوم النسبي للسيادة، فإلى حدود نهاية الحرب العالمية الثانية كانت قضية حقوق الإنسان "مجالا محظوظا" للدولة، إذ لم تكن هذه القضية مبدئيا منظمة من قبل القانون الدولي، لكن بعد سنة 1945 أصبحت الحرية المطلقة أو الواسعة التي كانت تتصرف بها الدولة –في الماضي- فيما يتصل بحقوق الإنسان، مقيدة في كثير من المستويات بمعايير دولية وجهوية، قانونية وعرفية، وأصبحت السيادة مشروعة بمعايير إنسانية واسعة تعطي لفكرة السيادة مفهوم السيادة المسؤولة، ذلك أن الشرعية الحكومية التي تسمح بممارسة السيادة تلتزم الانسجام مع المعايير الإنسانية والقدرة على التصرف بفعالية لحماية المواطنين من التهديدات الخطيرة التي تتعرض لأمنهم وعيشهم الكريم.
ويرى H.Bull انه يوجد توتر جوهري بين المبادئ التي تدعم النظام الدولي المطالب بعدالة الإنسان المجسدة في معايير حقوق الإنسان، والاتفاق الأساسي على التعايش بين الدول، المتمثل في تبادل الاعتراف بالقضاء السيادي، فهو يتضمن مؤامرة صمت داخل الحكومات حول حقوق وواجبات مواطينها".(
مما يجعل مبدأ السيادة الوطنية من الدولة سلطة عليا داخل حدودها الترابية ولا تقبل وجود أي سلطة خارج هذه الحدود، في المقابل فإن حقوق الإنسان تضع أسس لكيفية التعامل مع المواطنين معرضة السيادة والأمن الوطني للخطر باسم المعايير الدولية لإدارة الدولة الشرعية.
ويعتبر "روز سميث" C.Reus.Smit، بناء على رؤيته البنيوية للسيادة-أن كلا من السيادة وحقوق الإنسان، كنظامين منفصلين يقومان على علاقة صفرية، إما أن يكون الأقوى هو مبدأ السيادة، والأضعف هو مبادئ حقوق الإنسان، أو العكس بالعكس.
ذلك أن بروز النظام السيادي وتطور النظام الدولي لحقوق الإنسان كانا يعتبران دائما مترابطين فقط عبر تناقضهما المتبادل. فالمتشائمون يعتبرون النظام السيادي يقف سدا منيعا ضد التحدي الكوني لنظام حقوق الإنسان بينما يتصور المتفائلون أن النظام السيادي معرض للخطر من قبل نظام حقوق الإنسان. ويصطف "ستانلي هوفمان" S.hof Fmann إلى جانب التيار الأول حيث يرى أنه على الرغم من أن التطور الذي حصل ما بعد 1945 في مجال حقوق الإنسان قد وضع محط تساؤل عنصرين مقدسين للسيادة: الحق في الدخول في الحرب، وحق التصرف داخل إقليم الدولة بحرية، ومبادئ حقوق الإنسان لها تأثير ضعيف في وقائع وديناميات السياسات الدولية.(9)
هوامش الفصل الأول:
(1)-Mohamed Ayoub, « The security problématic of the third world, » world politics, vol.43, n°2, January 1991, pp.83-257.
(2)-Hussein Toga, The national security administration of the Hasnimite, King dom of Jordan. (University of south. Carolina 1983). P.18.
(3)-Abdoul-Moumen. Al. Mashat, National security in the third world. (Colorado: west view, replica edition 1985), pp.20.21.
(4)-عبد الوهاب الكيالي وآخرون، الموسوعة السياسية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979)، ص.131.
(5)-Graham Evans. And Jeffrey New Nhamer, the penguin dictionnary of international relations. W.w.w.elebrery.gr.c.to./ar/. Penguin.
(6)-عبد المنعم المشاط، "الإطار النظري للأمن القومي العربي" في "الأمن القومي العربي: أبعاده ومتطلباته (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1993)، ص ص.13-44.
(7)-روبرت ماكنامارا، جوهر الأمن، تر:يوسف شاهين (القاهرة: الدار القومية، 1980) ص ص.119-120.
(
-سعيد الصديقي، "حقوق الإنسان والسيادة" في: السيادة والسلطة الآفاق الوطنية والحدود العالمية(بيروت: مركز الدراسات الوحدة العربية 2006) ص ص.103-116.
الفصل الثاني: أولوية حقوق الإنسان على امن الدولة
المبحث الأول: عولمة حقوق الإنسان
أفرزت نهاية الحرب الباردة واقعا عالميا جديدا، قائما على هيمنة الإيديولوجية النيوليبرالية لمبادئ الديمقراطية المشاركاتية، إقتصاد السوق الحر، ومبدأ عالمية حقوق الإنسان كهيكلة مرجعية مؤسسة لسلوكات الإنسان داخليا في إطار الدولة الواحدة وخارجيا بين الفواعل الدولية المختلفة.
ومن هنا جاءت محاولة لإعادة قراءة الصكوك الأساسية والمرجعية. المكونة للنسق الحقوقي العالمي (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948) العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، وكل الأطر التكميلية والتفصيلية لهذه المرجعيات التعاقدية. (1)
وهذا ما تجسد في برنامج عمل فينا، الذي انبثق عن أشغال المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان (جوان 1993) الذي أكد على عالمية حقوق الإنسان والتكامل بين هذه الحقوق، وضرورة تحقيق الأمن الإنساني من خلال إلزامية حقوق الإنسان كقواعد عرفية في القانون الدولي (Rule of Jus Cogers)، وقد أدت العولمة إلى خلق أطر معيارية تهدف لتنميط عالمي لطبيعة الأطر المرجعية، السلوكية أو التأسيسية للدول بصفة تخلق الظروف الملائمة لنمذجة الأنظمة المجتمعية، المنظمة للمجالات الجيو-ديمغرافية.
ولتحقيق هذين الهدفين حول التركيز المعياري، التحليل من الدولة إلى الإنسان فمن هنا جاءت فكرة أسبقية أمن الإنسان Human Securities على أمن الدولة State Securities. (2)
مما خلق مجالا لإعادة صياغة مفهوم المسؤولية من مسؤولية مجزأة (مستويات وطنية وإقليمية) إلى مسؤولية موحدة (المجموعة الإنسانية في المجتمع الكوني) تخلق شرط إفراغ السيادة من محتوياتها الصلبة (Rigid Norms) لتمكين الآليات الكونية من فرص حتمية الأطر المرجعية الموحدة.
المبحث الثاني: الأمن بين البعد الوطني والبعد الإنساني
يعد التحول في مفهوم الأمن نتيجة منطقية لتغير المشهد الدولي بشكل نوعي، وهو ما أدى لإعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية.
فمن ناحية لم يعد الفعل والتأثير في العلاقات الدولية حكرا على الدولة، إذ أصبح هناك فواعل عالمية أخرى كالمنظمات الدولية غير الحكومية، من ناحية أخرى حدث تطور في طبيعة مصادر التهديد للدولة، إذ لم يصبح التهديد العسكري الخارجي هو مصدر التهديد الوحيد لأمن الدولة وسيادتها.
فالدولة أصبحت الآن تواجه أنماط عديدة من التهديد منها: تجارة المخدرات، الجريمة المنظمة، الإرهاب الدولي، الأمراض والأوبئة، انتشار الفقر والتلوث البيئي، والجرائم ضد الإنسانية، وإبادة الجنس البشري...
إن عجز المنظور التقليدي في التعامل مع هذه القضايا، إن التهديد في معظم الأحيان غير مرئي أو واضح، هذا ما أدى بالباحثين للإنتقال بمستوى التحليل من الدولة إلى الإنسان الفرد.
كما أن القوة العسكرية لا تصلح كأداة لمواجهة مثل هذه الأنماط من التهديد الذي قد تفوق آثاره المدمرة آثار التهديد العسكري المباشر. وكان لزاما أن يؤدي ذلك إلى تغيير أجندة العلاقات الدولية بالتركيز على التهديدات الجديدة إذ لم يعد بمقدور الدولة أن تعالج هذه المشاكل لوحدها وبالتالي تراجع المنظور الواقعي للأمن الذي ساد منذ صلح Wastfalia. (3)
لذلك حظي مفهوم الأمن بالمزيد من التمحيص من قبل دارسي العلاقات الدولية خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، وهو أدى إلى أولويات جديدة هادفة لإشباع حاجات الأمن الأساسية للفرد، هذه المقاربة زعزعت الكثير من المسلمات القديمة لأمن الدولة. وأتت بمتغيرات جديدة معتبرة في الممارسة الدولية. (4)
ومن خلال هذا التصور أصبح الحق الإنساني يشكل خطرا على أمن الدولة خاصة في ظل الثورة المعلوإتصالية Compu-Nication، فاضطهاد الدولة للأفراد يؤدي إلى تكتلهم في إطار جماعات إرهابية (الجزائر) واستغلالهم من طرف المافيا الدولية في الجريمة المنظمة...ويشكل تهديدا للدول المتقدمة نتيجة ارتفاع مستوى مستويات الهجرة غير الشرعية.
كما أن اختراق حقوق الإنسان يفتح المجال للتدخل في شؤون الدول وزعزعة أمنها واستقرارها، باعتبار أن هذا التدخل وإن كان منصوص عليه في الشرعية الدولية من خلال قرار الجمعية العامة رقم 131/43 لسنة 1988، والممارسة الأمريكية في هايتي إلا أنه تدخل انتقائي، فالتدخل في هايتي وكوسوفو، ليس كالتدخل في التبت والشيشان. (5)
هوامش الفصل الثاني:
(1)أمحند وسالم برقوق، "عولمة حقوق الإنسان وإعادة البناء الإبستيمولوجي للسيادة"، المجلة الجزائرية للعلوم السياسية والإعلامية، ع.3 (شتاء 2003-2004)، ص ص.77-88.
(2)-المكان نفسه.
(3)-w.w.w.islam on line.net/arabic/mesfaten/2003/09 article01.html.79k.
(4)-سعد حقي توفيق، مبادئ العلاقات الدولية، (الأردن، عمان: دار وائل للطباعة والنشر، 2000) ص.387.
(5)-محمد بوبوش، "أثر التحولات التحولات الدولية الراهنة على مفهوم السيادة الوطنية" في: السيادة والسلطة الآفاق الوطنية والحدود العالمية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 2006) ص ص.119-132.
الفصل الثالث: مستقبل العلاقة بين حقوق الإنسان والأمن الوطني
المبحث الأول: سيناريو أسبقية حق الإنسان على أمن الدولة
من خلال وضعية حقوق الإنسان والقواعد الدولية المستحدثة يمكن القول ان تكريس أسبقية أمن الإنسان على أمن الدولة سيتجسد من خلال:
1. الربط بين المساعدات المالية والإصلاحات الاقتصادية، والسياسة الديمقراطية النيوليبرالية، أي محاولة فرض نوع الخيارات الأساسية للدول.
2. استخدام "مبدأ عالمية" حقوق الإنسان كقاعدة أمر (Jus.Cogers) لفرض أنظمة سياسية تحترم هذه الحقوق.
3. تطوير قواعد التدخل الإنساني.
4. حماية الأقليات عن طريق إقرار مبدأ التركيز الذاتي وترقية خصوصية المكونات البشرية للمجالات الجيوسياسية (القرار الصادر عن مجلس الأمن فيما يخص إنشاء المحميات في كردستان).
5. ترقية الفلسفة الحقوقية عن طريق تدعيم الأمانة العامة للأمم المتحدة للجمعيات الوطنية النشطة في مجال حقوق الإنسان.
6. نشر المعلومات على التحديات السافرة على حقوق الإنسان بتكثيف نشاط المنظمات الدولية غير الحكومية النشطة في مجال ترقية حقوق الإنسان.
7. إنشاء المحافظة السامية لحقوق الإنسان (1994) للمساعدة على فرض مبدأ الامتثال العالمي لحقوق الإنسان وتكريس مبدأ أولوية الأمن الإنساني على الأمن الوطني.
8. تطوير أطر تجريمية لمنتهكي حقوق الإنسان عن طريق إنشاء المحاكم الخاصة لرواندا ويوغسلافيا، وكذا تأسيس المجلس الجنائي العالمي (2002). لمتابعة مرتكبي جرائم التصفية العرقية (Genocide)، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
9. مبدأ المتابعة القضائية لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية على مستوى المحاكم الوطنية للدول (محاكمة الديكتاتور الشيلي الأسبق بينوشي Pinochet. (1)
ولكن نظرا للأسلوب الانتقائي المصلحي في التعامل مع القضايا الإنسانية بالإضافة إلى التهديدات التي تمس الرموز السيادية للدول (أحداث 11 سبتمبر) فإن هذا السيناريو مستبعد التحقيق وإن كان محتملا.
المبحث الثاني: سيناريو عودة المنظار التقليدي للأمن الوطني
ومن خلال الكثير من الكتابات التي تشير إلى استمرارية سيادة الدولة وفق أطرها الصلبة وأولويات أمنها الوطني وعلى سبيل المثال نذكر:
(Globalisation in question 1995) في كتابهما (P.Hirst and G.Thompson) و(Robert Keolhane and Helen Miller) في كتابهما (International and domestic politics 1996). (2)
ويدلل الباحث الانجليزي مايكل مان Michael Man على هذه النظرة باستعراضه لثلاث ظواهر رافقت العولمة لكنها لم تضعف الدولة الوطنية، بل على العكس عززت من قوتها على الرغم من بعض التغيير الذي أصاب بعض وظائفها في مجال تفاعلها مع بيئتها الخارجية. (3) فيشير:
1- إلى حقيقة انه منذ عام 1950 لم تختف من النظام الدولي دولة واحدة (باستثناء فيتنام الجنوبية واليمن الجنوبية) اللتان تعرضتا لعملية دمج وتوحيد، وكذا الألمانيتين) فالإحصائيات تشير إلى أن عدد الدول الجديدة التي ظهرت منذ عام 1900 بلغ حوالي 100 دولة، وأن هناك 41 من هذه الدول ظهر في الفترة 1985-2000 التي تعتبر فترة انتعاش العولمة وصعودها.
2- أن واقع التفاعلات الدولية يشير لغلبة المشاعر القومية والسيادة الوطنية ما تزال تحمل معان خاصة خصوصا في دول العالم الثالث.
وقد أبرزت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية عودة أسس المفهوم التقليدي للأمن الوطني وتراجع حقوق الإنسان نتيجة تهديد أمن الدولة. فالقوانين الأمريكية الصادرة تصب كلها في بوتقة الحد من هذه الحقوق خاصة حقوق الأقليات المسلمة باعتبارها مصدر الخطر الإرهابي.
ففي المجال الداخلي تم إنشاء مكتب المن الداخلي تحت إدارة توم ريدج الأمريكي وإصدار قانون(Us.Patriot Act) الذي يعطي الحق للمدعي العام الأمريكي في احتجاز الأجانب المشكوك في قيامهم بأنشطة إرهابية لمدة 07 أيام دون توجيه أي تهمة. وإعطاء السلطات الفدرالية الحق في التنصت على الهواتف والحصول على تسجيلات الاتصالات عن طريق البريد الالكتروني من الشركات التي تقدم خدمات الانترنت. وأصبح أمن المطارات مهمة عسكرية، كما تمت إقامة المحاكم العسكرية، لمحاكمة غير المواطنين المتهمين بالإرهاب أما فيما يخص البعد الخارجي فقد تم مراجعة سياسات الاستخبارات والدفاع.
هوامش الفصل الثالث:
(1)-أمحند وسالم برقوق، "عولمة حقوق الإنسان وإعادة البناء الإبستيمولوجي للسيادة" المجلة الجزائرية للعلوم السياسية والإعلامية، ع.3 (شتاء 2003-2004)، ص ص.77-88.
(2)-مازن غرايبة،"العولمة وسيادة الدولة الوطنية"، في:الدولة الوطنية والتحولات الدولية الراهنة، منشورات كلية العلوم السياسية والإعلام، دار هومة، 2004، ص ص.19-34.
(3)-وليد عبد الحي، "تأثير العولمة على الدولة القومية"، في: محمد الأرناؤوط (محرر) العرب والتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية للعولمة (الأردن: منشورات آل البيت، 2000) ص.98.
الاستنتاجات:
من خلال ما تم عرضه تخلص الدراسة إلى الاستنتاجات التالية:
1-هناك علاقة وطيدة بين حقوق الإنسان والأمن القومي، هذه العلاقة تختلف من بلد لآخر وفقا لطبيعة نظامه السياسي والقدرة والإمكانات المتاحة لضمان هذه الحقوق.
2-لعبت ظاهرة العولمة دورا بارزا في محاولة تعميم حقوق الإنسان وفق المنظور الغربي الأمريكي باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية كقوة مهيمنة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
3-خرق الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية... خاصة في بلدان العالم الثالث أدى إلى بروز تهديدات أمنية داخل هذه الدول (نزاعات داخلية) وتهديدات عابرة للحدود موجهة خصوصا للدول المتقدمة (الهجرة غير الشرعية، الإرهاب الدولي) مع ترتب لمسؤولية على هذه الدول التي تدعم الأنظمة التسلطية التي تحافظ على مصالحها الإستراتيجية.
4-هناك انتقائية دولية في التعامل مع حقوق الإنسان وفقا للأطر المصلحية للقوى المهيمنة على الساحة الدولية.
5-يمكن الرجوع إلى الأسس البنائية للأمن الوطني التقليدي، لكن لا يمكن الرجوع إليه بصورته السائدة في مرحلة الحرب الباردة، نتيجة التطور الحاصل على المستوى المعلوماتي والمعرفي الذي اختصر الجغرافيا واختزل التاريخ.
قائمة المراجع:
I/ المراجع باللغة العربية:
أ/الكتب:
(1)-سعيد الصديقي، "حقوق الإنسان والسيادة" في: السيادة والسلطة الآفاق الوطنية والحدود العالمية(بيروت: مركز الدراسات الوحدة العربية 2006).
(2)-عبد المنعم المشاط، "الإطار النظري للأمن القومي العربي" في "الأمن القومي العربي: أبعاده ومتطلباته (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1993).
(3)-سعد حقي توفيق، مبادئ العلاقات الدولية، (الأردن، عمان: دار وائل للطباعة والنشر، 2000).
(4)-روبرت ماكنامارا، جوهر الأمن، تر:يوسف شاهين (القاهرة: الدار القومية، 1980).
(5)-وليد عبد الحي، "تأثير العولمة على الدولة القومية"، في: محمد الأرناءوط (محرر) العرب والتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية للعولمة (الأردن: منشورات آل البيت، 2000).
ب/-الدوريات:
(6)-أمحند وسالم برقوق، "عولمة حقوق الإنسان وإعادة البناء الإبستيمولوجي للسيادة" المجلة الجزائرية للعلوم السياسية والإعلامية، ع.3 (شتاء 2003-2004).
(7)-مازن غرايبة،"العولمة وسيادة الدولة الوطنية"، في:الدولة الوطنية والتحولات الدولية الراهنة، منشورات كلية العلوم السياسية والإعلام، دار هومة، 2004
ج/الموسوعات:
(
-عبد الوهاب الكيالي وآخرون، الموسوعة السياسية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979).
II/ المراجع باللغة الأجنبية:
(9)-Mohamed Ayoub, « The security problématic of the third world, » world politics, vol.43, n°2, January 1991(.
(10)-Hussein Toga, The national security administration of the Hasnimite, King dom of Jordan. (University of south. Carolina 1983).
(11)-Abdoul-Moumen. Al. Mashat, National security in the third world. (Colorado: west view, replica edition 1985(.
مواقع الانترنت:
(12)-w.w.w.islam on line.net/arabic/mesfaten/2003/09 article01.html.79k.
(13)-Graham Evans. And Jeffrey New Nhamer, the penguin dictionnary of international relations. W.w.w.elebrery.gr.c.to./ar/. Penguin.