أثر الشركات متعددة الجنسية على اقتصاد البلد المضيف
د. محسن حسن علوان كلية القانون / جامعة ديالى
العدد السادس والثلاثون . مجلة الفتح تشرين الاول لسنة 2008 ص ص 227-243
بسم الله الرحمن الرحيم
1- مقدمـــــــــة:
في معظم الاوقات يتبادر إلى ذهن العديد من الاقتصاديين لماذا هذه الفوارق الاقتصادية بين دول العالم ؟ هل هي بسبب كثرة الموارد الاقتصادية الإنتاجية لإنتاج السلع والخدمات لدولة ما مثلا دون الدول الأخرى. أو بسبب سيطرة بعض الشركات على منتجات تلك الدولة .وحتى على أسلوب تسويق تلك المنتجات .
وفي إطار العولمة، تتنافس الدول والسلطات المحلية (عن طريق الدعم المالي أو التسهيلات الضريبية) لاجتذاب الشركات المتعددة الجنسية. في الوقت الذي تبقى فيه المحصلة، خاضعة للجدل إذا أخذنا في الاعتبار التوظيف والتوازنات الاجتماعية والبنيان الصناعي والزراعي والميزان التجاري. الحجة التي تعمل لصالح الشركات، هي فكرة نقل التكنولوجيا، اي إدخال طرائق إنتاج وتنظيم وإدارة أكثر فعالية إلى البلدان المضيفة مع تحسن في مواصفات العمل .
ويلاحظ أن الشركات متعددة الجنسية تتميز بمزايا احتكارية عديدة جعلتها تسيطر سيطرة تامة على الأسواق خارج حدودها القومية, حيث تتمتع هذه الشركات بمراكز ما لية قوية في بلد المنشأ، ومقارنة بالشركات المحلية في بلد الاستثمار. تعد الشركات متعددة الجنسية ذات مراكز مالية متفوقة ومتعاظمة،وتعتبر مزايا التسويق أحد أهم الصفات الاحتكارية التي تتميز بها الشركات متعددة الجنسية مقارنة بالشركات الوطنية التي تكون في وضع ضعيف للغاية، فالشركات الدولية متعددة الجنسية لها قدرة على القيام بأبحاث التسويق للتعرف على ظروف السوق وأذواق المستهلكين والتنبؤ بالتغيرات المحتملة على المستوى الإنتاجي والاستهلاكي والتوزيعي .
إن هذا البحث سيتضمن : نظرة تاريخية على الشركات متعددة الجنسية ، و صفات أو سمات هذه الشركات ،و تأثير هذه الشركات في العولمة ، ظهور تكتلات عالمية ، و المظاهر السلبية لتلك الشركات على صعيد الدول العربية ( ومنها العراق ) .
2- الهدف من البحث :
التعرف على أساليب الشركات متعددة الجنسية ، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي في البلد المضيف .
3- منهجية البحث :
الاعتماد على الأسلوب الاستقرائي و الإحصائي وعلى أساس الأرقام المتوفرة عن نشاطات تلك الشركات .
4- فرضية البحث :
اعتماد الشركات متعددة الجنسية على ضخامة رؤوس الأموال ، والشبكات التسويقية الخاصة بها في البلدان المضيفة . فضلا عن نقل التكنولوجيا الحديثة .
5- الشركات متعددة الجنسية (نظرة تاريخية ):
إن مفهوم (الشركات المتعددة الجنسيات) تغير وتطور بمرور الوقت ، حيث كان يطلق عليها في بداية ظهورها الشركات متعد د ة الجنسيات Multinational Company ، حيث كانت ملكيتها تخضع لسيطرة جنسيات متعددة ، كما يتولى إدارتها أشخاص من جنسيات متعددة وتمارس نشاطها في بلاد أجنبية متعددة على الرغم من أن إستراتيجياتها وسياساتها وخطط عملها تصمم في مركزها الرئيسي الذي يوجد في دولة معينة تسمى الدولة الأم Home Country . إلا أن نشاطها يتجاوز الحدود الوطنية والإقليمية لهذه الدولة وتتوسع في نشاطها إلى دول أخرى تسمى الدول المضيفة Host Countries . وفي مرحلة لاحقة رأت لجنة العشرين ، والتي شكلتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة في تقريرها الخاص بنشاط هذا النوع من الشركات إن يتم استخدام كلمة Transnational بدلا ًمن كلمة Multinational وكلمة Corporation بدلاً من كلمة Enterprise ، واتضح بأن هذه الشركات تعتمد في أنشطتها على سوق متعدد الدول ، كما أن استراتيجياتها وقراراتها ذات طابع دولي وعالمي ، ولهذا فهي تكون شركات متعددة الجنسيات ، حيث تتعدى القوميات ، ذلك لأنها تتمتع بقدر كبير من حرية تحريك ونقل الموارد ومن ثم عناصر الإنتاج من رأس المال والعمل فضلاً عن المزايا التقنية أي نقل التكنولوجيا بين الدول المختلفة وهي مستقلة في هذا المجال عن القوميات أو فوق القوميات Supra National .
وبالتالي تساهم تلك الشركات ومن خلال تأثيرها في بلورة خصائص وآليات النظام الاقتصادي العالمي الجديد والتأكيد على عالميته ، و تعد من العوامل الأساسية في ظهور العولمة، ومن أهم سماتها تعدد الأنشطة التي تشتغل فيها دون أدنى رابط بين المنتجات المختلفة.
ويرجع السبب الرئيسي الذي دعاها إلى تنويع نشاطها ، كونها تستند إلى اعتبار اقتصادي مهم ، وهو تعويض الخسارة المحتملة في نشاط معين بأرباح تتحقق من أنشطة أخرى ، وأيضاً تعمل هذه الأسواق للسبب ذاته ، وتعدد أساليب إنتاجها بحيث إذا ارتفعت قيم أحد عناصر الإنتاج التي يعتمد عليها أسلوب إنتاجي ما يمكن الانتقال إلى أسلوب إنتاجي آخر يعتمد على عنصر إنتاجي ذات ثمن منخفض نسبياً ، ومن هنا جاءت تسمية هذه الشركات باسم متعددة الجنسيات .(1)
يتسم النظام الاقتصادي العالمي الجديد بتعميق عالمية الاقتصاد Globalization وتزداد فيه دور المؤسسات الاقتصادية الدولية ، وتبرز فيه عدد من الملامح الهيكلية.
تتمتع الشركات المتعددة الجنسيات والتي تعد من أهم ملامح ظاهرة العولمة أو النظام الاقتصادي المعاصر بالعديد من الصفات والسمات التي تميزها وتحدد دورها وتأثيرها على النظام الاقتصادي العالمي، ومن أهم هذه الصفات :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): جريدة النداء في 25/شباط/ 2008 .
5-1ضخامة الحجم :
تتميز هذه الشركات بضخامة حجمها وتمثل كيانات اقتصادية عملاقة ، ومن المؤشرات التي تدل على هذا ، حجم رأس المال وحجم استثماراتها وتنوع إنتاجها وأرقام المبيعات والإيرادات التي تحققها ، والشبكات التسويقية التي تملكها ، وحجم إنفاقها على البحث والتطوير . فضلا عن هياكلها التنظيمية وكفاءة أدارتها . ولكن أهم مقياس متبع للتعبير عن سمة الضخامة لهذه الكيانات الاقتصادية العملاقة، يتركز في المقياس الخاص برقم المبيعات Sales Figure.
كما يستخدم حجم الإيرادات لنفس الهدف ، ووفقاً لهذا المقياس احتلت شركة(ميتسوبيشي )، بإجمالي إيراداتها الذي بلغ( 184,4) مليار دولار ، المرتبة الأولى بين أكبر خمسمائة شركة متعددة الجنسيات في عام 1995 م ، والتي يصل أجمالي إيراداتها إلى نحو 44% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كذلك تستحوذ هذه الشركات على نحو 80% من حجم المبيعات على المستوى العالمي.
أن نشاط الشركات المتعددة الجنسيات حقق معدلات نمو مرتفعة تجاوزت 10% سنوياً أي نحو ضعف معدل النمو في الاقتصاد العالمي ومعدل نمو التجارة العالمية . (1)
5-2- ازدياد درجة تنوع الأنشطة :
تشير الكثير من الدراسات والبحوث، إلى إن الشركات المتعددة الجنسيات تتميز بالتنوع الكبير في أنشطتها ، فسياستها الإنتاجية تقوم على وجود منتجات متنوعة متعددة ، ويرجع هذا التنوع إلى رغبة الإدارة العليا في تقليل احتمالات الخسارة ، من حيث أنها إذا خسرت في نشاط يمكن أن تربح من أنشطة أخرى . وقد قامت هذه الشركات بإحلال وفورات مجال النشاط economies of Scope محل وفورات الحجم economies of Scale والتي انتهجتها الشركات الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية.
ونتيجة لذلك تتشعب الأنشطة التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات قطاعياً وجغرافياً وهذا يؤدي إلى تحقيق التكامل الأفقي والرأسي . (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1): د. محمد عبد الكريم ألعقيدي ، آفاق الاستثمار الأجنبي في العراق 2005-2007،
2) .د. محمد عبد الكريم ألعقيدي ، آفاق الاستثمار الأجنبي في العراق 2005-2007
5-3الانتشار الجغرافي – الأسواق :
من المميزات التي تتميز بها الشركات المتعددة الجنسيات هي كبر مساحة السوق التي تغطيها وامتدادها الجغرافي، خارج الدولة الأم، بما لها من إمكانيات هائلة في التسويق، وفروع وشركات تابعة في أنحاء العالم. لقد ساعدها على هذا الانتشار التقدم التكنولوجي الهائل، ولاسيما في مجال المعلومات والاتصالات. وتكفي الإشارة إلى أن شركة ABB السويسرية، تسيطر حالياً على أكثر من 1300 شركة تابعة منتشرة في معظم أنحاء العالم، مع العلم أن السوق السويسرية لا تستوعب إلا نسبة بسيطة للغاية من إجمالي مبيعات الشركة. وقد ساعدت على ذلك كله إبداعات الثورة العلمية والتكنولوجية في مجالي المعلومات والاتصالات ، حيث أصبح ما يسمى الإنتاج عن بعد Teleportation حيث توجد الإدارة العليا وأقسام البحث والتطوير وإدارة التسويق في بلد معين ، وتصدر أوامر بالإنتاج في بلاد أخرى . (1)
5-4اندماج الشركات والمصارف:
وهي تأخذ شكل ابتلاع وامتلاك الشركات والمصارف الأضعف نسبياً وهي تعبير عملي لتمركز رأس المال والإنتاج , وقد شهد القطاع المصرفي في العقد الأخير من القرن الماضي سلسلة كاملة من حالات الاندماج والابتلاع أبرزها (بوينغ) (ماكدونالد دوغلاس) وكذلك (لوكهيد , مارنين ¯ مريتنا في صناعة الطائرات)و(تشيز مانهاتين وكيمي كال بنك) في القطاع المصرفي , وهناك أكثر من(2500) عملية اندماج وابتلاع تمت عبر الحدود خلال النصف الأول من عام 1999 قدرت قيمتها ب¯ )411( مليار دولار وكانت مصارف وشركات ألمانيا رائدة في هذا المجال في أوروبا الغربية وعلى رأسها العملاق )الألماني ¯ الأمريكي) دايملر ¯ كرايزلر) وهي شركة صناعية متشعبة في صناعة السيارات والطيران والفضاء , في شهر آب1999، أعلنت الشركة الكندية (آلكن) والفرنسية (بتشيناي) والسويسرية (الو سويس) عن رغبتها في إنشاء أكبر مجموعة للألمنيوم في العالم من شأنها تخطي شركة (الكوا الأمير كية) في الشهر نفسه ردت الكوا بتقديم عرض لشراء شركة (رينولدز) الأمير كية فتم لها ذلك وعادت لتحتل المرتبة الأولى , وكذلك ابتلعت شركة (فوكس فاكن) شركات أودي وسيارات سكودا , واشترت(ب أم دبليو) شركة رو فر التي هي أكبر منتج للسيارات في بريطانيا , استولت فورد على شركة مازدا اليابانية واشترت شركة (رولز رويس) البريطانية (فيكرز) أيضاً ارتفعت بشكل حاد قيمة عمليات اندماج الشركات عبر الحدود في دول منطقة شرق آسيا من 3 مليارات دولار عام 1996
إلى (22)مليار دولار في عام 1999 وذلك قبل أن تتراجع قليلاً إلى (18) مليار دولار عام 2000 . (2)
الأمر الذي يوضح بان هذه الاندماجات هي قوة اقتصادية فاعلة في التأثير على طبيعة اقتصاديات الدول المضيفة بالسلب أو الإيجاب وحسب طبيعة قوة اقتصاد ذلك البلد ومدى استفادته من إمكانية الشركات متعددة الجنسية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جريدة (الزمان) --- العدد 2223 --- التاريخ 26 / 9 /2005
(2) جريدة (الزمان) --- العدد 2223 --- التاريخ 26 / 9 /2005
6- ظهور شركات جديدة عملاقة :
منذ أن قدمت "الاونكتاد" تحليلها الأول في مطلع السبعينيات كان هناك قلق بخصوص القوة التي اكتسبتها شركات الدول الغنية في الدول الفقيرة. وعانت الدول المتقدمة بدورها من نوبات قلق، إذ شعرت فرنسا في الستينيات بالغضب من انتشار الشركات الاميركية في أوروبا مثل( آي بي أم، فورد، جنرال موت ورز، دو كيميكال، آي تي تي)، وفي الثمانينيات كان الدور على أميركا في الارتباك مع استحواذ الشركات اليابانية على هوليوود ومانهاتن.
بحلول عام 2006، وصل حجم الاستثمار الأجنبي المباشر للدول النامية (ويشمل الاندماجات وعمليات الاستحواذ) إلى 174 مليار دولار، أي ما يعادل 14% من المجموع العالمي، ليعطي هذه الدول نسبة 13% (تعادل 1.6 تريليون دولار) من أسهم الاستثمار المباشر العالمي، وفي عام 1990 كانت الدول النامية تعادل فقط 5% من التدفق و8% من الأسهم، وتوسعت حصة الدول النامية من عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية، لتصل إلى 14% من حيث القيمة في عام 2006، وأنفقت هذه الدول في تلك السنة 123 مليار دولار في أكثر من ألف صفقة عابرة للحدود. (1)
وهناك شركات أخرى تراقب حاليا من قبل المحللين الغربيين، منها شركة "شيري" للسيارات وهي اكبر مصدر للسيارات في الصين والتي تهدف إلى بناء مصانع في شرق أوروبا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية. وتحتكر شركة "جونسون الكتريك" من هونغ كونغ نصف السوق العالمية للمحركات الكهربائية. وهناك شركة "سيميكس" المكسيكية لصناعة الإسمنت والتي استولت على مجموعة بريطانية كبيرة هي "أر أم سي".
وهناك شركة "إيمبراير" البرازيلية التي أصبحت ثالث شركة في العالم لصناعة الطائرات وتتخصص في مجال الطائرات النفاثة الإقليمية. وهناك شركتان برازيليتان للصناعات الغذائية وهما "ساديا" و "بيرديغاو" تصل قيمة مبيعاتهما ( ستة مليارات دولار) وتصدر نصفها. وتعتبر الشركة الهندية "بهارات للحدادة" ثاني اكبر شركة في العالم وهي مجهز رئيسي لصناعة المحركات حول العالم، وارتبطت مؤخرا بشركة فرنسية مقربة من شركة السيارات "بيجو ستروين". وتصب مجموعات الاستثمار الخاصة الهندية أنظارها على هذا الأسلوب وتسعى للاستيلاء على شركات أوروبية صغيرة في مجال صناعة أجزاء السيارات. ولا يعود دافعهم إلى حيازة أصول في فرنسا أو ألمانيا، ولكن اكتساب علاقات مع المنتجين.
والاستراتيجية الثانية هو تحويل التمييز الهندسي المحلي إلى ابتكار على المستوى العالمي، كما فعلت "شركة ايمبراير". بعد تلقيها دعما من الحكومة البرازيلية ومن ثم خصخصتها إلى حد كبير، استولت امبراير على شركة "بومبارديير" الكندية لتصبح اكبر منتج في العالم للطائرات الإقليمية. وفي عام 2006، توجه أكثر من 95% من مبيعاتها المقدرة بـ(3.8 مليار دولار) خارج البرازيل، وهي إحدى اكبر المصدرين في البرازيل، وتجمع بين التصنيع واطئ التكلفة وتطور الأبحاث والتطوير. إضافة إلى ذلك، عقدت الشركة شراكة مع مؤسسة صناعة الطيران الصينية. وتفوقت في ذلك على شركتي بوينغ وايرباص اللتين تتصارعان حاليا لتحويل نفسيهما من مصدرين للعالم الغني إلى منتجين عالميين . (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): د. علي حبيش، العولمة والبحث العلمي، ملحق الأهرام الاقتصادي، العدد الصادر بتاريخ 1 ديسمبر 1998 ص18.
(2): د. على عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب، دمشق. أنظر الأسبوع الأدبي العدد رقم 602 الصادر بتاريخ 14/3/1998، ص19.
6-1 طبيعة تواجد الشركات :
6 -1-1 الشكل الأول: شركات أفقية التواجد horizontal integrated companies
بمعنى أن الشركة تكون قائمة لإنتاج السلعة أو الخدمة بشكل متكامل (مثال ذلك ًشركة ماكدونلدز).
6-1-2 الشكل الثاني : شركات رأسية التواجد vertical integrated companies
بمعنى أن الشركة تكون قائمة لإنتاج بفرع فقط المنتج النهائي لاستخدامه فرع أخر للشركة في مكان آخر في العالم (مثال ذلك شركة اديداس).
6-1-3 الشكل الثالث: شركات تجمع ما بين الاثنين hori./ vert. integrated companies بمعنى أن الشركة تكون قائمة لإنتاج السلعة أو الخدمة بشكل كامل أو بشكل جزئي أي أنها تجمع بين النوعين (مثال ذلك شركة ميكروسوفت). ... (1)
7- تأثير الشركات متعددة الجنسية:
تم تعريف العولمة على أنها تعميق عالمية الاقتصاد ، وجعل نطاقه وتطبيقه عالمياً، وأضحت ظاهرة العولمة الهاجس الطاغي في المجتمعات المعاصرة، فهي تستقطب اهتمام الحكومات والمؤسسات ومراكز البحث ووسائل الإعلام. وتعاظم دور العولمة وتأثيرها على أوضاع الدول والحكومات وأسواقها وبورصاتها ومختلف الأنشطة الاقتصادية فيها.و يتلازم معنى (العولمة) في مضمار الإنتاج والتبادل( المادي والرمزي) مع معنى الانتقال من المجال الوطني، أو القومي، إلى المجال الكوني في جوف مفهوم تعيين مكاني جغرافي (الفضاء العالمي برمته)، غير انه ينطوي على تعيين زماني أيضاً، حقبة ما بعد الدولة القومية، الدولة التي أنجبها العـــصر الحديث إطارا كيانياً لصناعة أهم وقائع التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وقد يستفاد من ذلك أن التأثير الراهن نحو أنفاذ أحكام العولمة، إذ يضع حداً لتلك الحقبة، يدشن لأخرى قد لا تكون حقائق العصر الحديث ـ السائدة منذ قرابة خمس قرون ـ من مكونات مشهدها، وبالتالي يرسي معالم ثورة جديدة في التاريخ، ستكون قوتها ـ هذه المرة ـ المجموعة الإنسانية بدل الجماعة الوطنية والقومية.
إن أهم البصمات بروزاً في الاقتصاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة هو التدويل المطرد الذي أصبح يتسم به الاقتصاد العالمي، ويظهر التدويل في نظرة أولية كبروز متعاظم لدور العلاقات الاقتصادية الدولية. بالمقارنة مع النشاط الاقتصادي على الصعيد المحلي أو الوطني. وهذا واضح من خلال الدور المتعاظم الذي تقوم به وتقوده الشركات متعددة الجنسية العملاقة التي تمتد نشاطاتها وفروعها إلى مختلف أنحاء العالم، وتسيطر على شطر كبير ومتنام في عمليات إنتاج وتمويل وتوزيع الدخل العالمي مع العلم أن هذا الدور يكون أحيانا غير مباشر وغير ظاهر، فأصبح من الممكن الآن الحديث عن مستوى اقتصادي عالمي متميز بآلياته ومشكلاته وآفاق تطوره على المستويات الوطنية، وتصبح النظرة للعالم باعتباره الوحدة الاقتصادية الأساسية.
والعولمة الاقتصادية أخذت أبعادها في المرحلة الراهنة بانتصار القوى الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وانهيار الاتحاد السوفيتي والأنظمة الاشتراكية في دول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. على عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب، دمشق. أنظر الأسبوع الأدبي العدد رقم 602 الصادر بتاريخ 14/3/1998، ص19.
أوروبا الشرقية، فاستعاد النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي هيمنته وانتشاره بدينامكية جديدة مؤسسة على اقتصاد السوق والموجة الثالثة (ثورة المعلوماتية) وإدماج القسم الأعظم من الاقتصاديات الوطنية بالسوق الرأسمالية العالمية، بحيث أصبحت هذه الاقتصاديات أسيرة لمفاهيم السوق والمنافسة الاحتكارية التي تتحكم فيها القمم الاقتصادية العملاقة، متخطية الحدود والقيود، مستندة إلى قوى السوق وبأشراف مؤسسات العولمة الاقتصادية الثلاث، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمنظمة العالمية للتجارة خليفة منظمة (الجات).
تجد (العولمة) جوانبها التطبيقية في كافة المجالات باستثناء ما يتعلق بانتقال قوة العمل، ففي الوقت الذي تمارس فيه المراكز الرأسمالية والمؤسسات المالية الدولية التابعة لها مختلف أنواع الضغوط لتأمين حرية انتقال السلع والخدمات والرساميل، فإننا نجدها تضع مختلف القيود والعراقيل لمنع انتقال أو هجرة قوة العمل وبخاصة من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. في حين اتصف القرنان الثامن عشر والتاسع عشر بدرجة أكبر بكثير من حرية الهجرة، فمن المعلوم أن هجرة الأوروبيين إلى الأمريكيتين والى نيوزيلندا واستراليا وجنوب أفريقيا والى الكثير من أقطار العالم الثالث المستعمرة آنذاك مثلت صمام أمان للرأسمالية الأوروبية وساهمت في الحيلولة دون حدوث تغييرات اجتماعية كبيرة فيها بسبب البطالة المتفشية وانتشار الفقر والبؤس في تلك المرحلة .
مع ذلك فان موقع الولايات المتحدة القوى في الاقتصاد العالمي ليس مطلقاً لأن الاقتصاد العالمي متعدد الأقطاب فمجمل اقتصاد أوروبا الغربية أضخم من الاقتصاد الأمريكي، وكذلك اقتصاد منطقة شرق وجنوب شرق آسيا بوجه عام. كما أن الاقتصاد الأمريكي ما زال يواجه مشاكل جدية قد تهدد نموه في المستقبل ومن هذه المشاكل العجز في الميزان التجاري، وعلى الأخص مع شرق آسيا البالغ قرابة (160 مليار دولار) في السنة وديون دولية متراكمة تربو على (الألف مليار دولار) وكانت الولايات المتحدة قد اعتمدت التسامح تجاه العجز التجاري على انه جزء من استراتيجيتها الرامية إلى تقوية حلفائها الرأسماليين عقب الحرب العالمية الثانية ولكن حجم العجز وثباته ابقيا الضغط على الدولار الأمريكي وبقي الخطر ينطوي على التسبب في انخفاض مفرط في قيمة الدولار لقد استطاع الدولار الحفاظ على مركز قوي نظرا إلى ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأمريكي والى غياب عملة بديلة قادرة على الاستمرار ولان اقتصاديات شرق آسيا يهمها بقاء الدولار قويا لتنشيط صادراتها إلا أن استمرار العجز مشفوعا
بنمو الاقتصاد الصيني نموا سريعاً علماً بان الصين تصدر سلعا كثيرة إلى الولايات المتحدة. لقد أدى العجز في الميزان التجاري إلى توسع الاستثمارات الأجنبية وخصوصاً اليابانية منها في الولايات المتحدة وكذلك إلى شراء قطاعات كبيرة من الاقتصاد الأمريكي ومنها العقارات والمؤسسات الصناعية والخدماتية كما أن الدين الخارجي البالغ ألف مليار دولار والموجب في أكثره لليابان يفرض نزفا مستمرا على الميزانية العامة ويحول دون توظيف موارد مهمة في الاقتصاد وفي الأنشطة الإنتاجية ولئن كان بالإمكان تحمل هذا الدين نظرا إلى الناتج القومي الأمريكي الذي يربو على (السبعة آلاف مليون دولار) فان هذا الدين يبقي معيقا للنمو السريع.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): تقرير حول الاستمارات في العالم عام 2000 ، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية – جنيف-
بناءا عليه تعد الشركات متعددة الجنسية صاحبة أقوى تأثير في موجة العولمة للأسباب التالية:
7-1الانتشار الواسع والسريع للشركات متعددة الجنسية، حيث وصل عددها إلى حوالي 40 ألف شركة يمتد نشاطها في كافة القطاعات ويغطي القارات الخمس .
7-2أدى الدور الأساسي الذي لعبته الشركات متعددة الجنسية في تدويل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة إلى سيادة أنماط عالمية في الإنتاج ـ من حيث علاقات الإنتاج وشكـــل ملكية وسائل الإنتاج ـ والتسويق والاستهلاك والاستثمار والإعلان والدعاية.
7-3يواكب العولمة أحياناً كثيرة تزايد دخول مالكي وسائل الإنتاج وارتفاع قيمة أسهم الشركات متعددة الجنسية وكذلك تزايد عدد المسرحين من الخدمة في هذه الشركات وهذا يؤكد أن لا مكان للمشاعر والمواقف الإنسانية في النظام الرأسمالي العالمي. وإذا كان هناك خيار بين الإنسانية وحيوية الاقتصاد فليس للرأسمالية سوى الخيار الثاني، الذي أدى إلى فصل 43 مليون عامل من العمل في المؤسسات الأمريكية خلال عشرين عاماً.
وأصبحت الشركات متعددة الجنسية تتحكم بالاقتصاد العالمي، و تتحكم بالإنتاج وتبادله وتوزيعه وتسعيره وتيسير الحصول عليه أو منع وصوله،كذلك تتحكم باستقرار مراكز صناعته في هذا المجال الجغرافي أو ذلك، وتتحكم بانتقال رأس المال وبخلق الأزمات أو حلها إنها تتحكم بعصب السياسة واعني الاقتصاد.
6- ظهور التكتلات الاقتصادية العالمية (الدفاع أم الموائمة) :
يعتبر الاتجاه إلى تكوين التكتلات الاقتصادية العملاقة بين مجموعة من الدول التي تتوافر فيها عدد من المقومات المتجانسة اقتصادياً ، وثقافياً وحضارياً وتاريخياً والتي تربطها مصالح اقتصادية مشتركة ، هي من أهم الخصائص المميزة للنظام الاقتصادي العالمي الجديد. لقد شهدت نهايات القرن العشرين تزايداً كبيراً نحو التكتل والاندماج بين الدول التي يتوافر لديها حد أدنى من مقومات التجانس الاقتصادي ، ويدفع الىهذا التكتل ما يتضمنه العديد من المكاسب والمزايا ، والتي يأتي في مقدمتها التمتع بوفورات الحجم ، والتخصص الإنتاجي والرغبة في فتح أسواق جديدة أمام منتجات الدول الأعضاء ، مما يؤدي إلى تحسين شروط التبادل التجاري لدول التكتل ومن ثم زيادة صادراتها وارتفاع قدراتها التنافسية. ويكفي للدلالة على تأكيد خاصية تزايد التكتلات الاقتصادية والترتيبات الإقليمية الجديدة وتعميق ظاهرة العولمة ، أن أحدى الدراسات التي أجراها صندوق النقد الدولي سنة 1995م ، تشير إلى أنه توجد على مستوى العالم حوالي 45 من أنظمة التكامل الاقتصادي في مختلف صورها ومراحلها ، تشمل 75% من دول العالم ، وحوالي 80% من سكان العالم وتسيطر على 85% من التجارة العالمية. (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): Baldwin. Richard, 1989.”On the Growth Effect of 1992 .” Economic Policy
ومن أهم التكتلات الاقتصادية العملاقة ، والتي تعد من الأركان الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي الجديد هي :
8-1الاتحاد الأوروبي ، الذي بدأ خطواته في عام 1957 ، والذي يكون قد اكتمل مع بداية 1994 م ، ليكون أحد الكيانات الاقتصادية العالمية والعملاقة ، والتي لها تأثيرها الفعال على التجارة الدولية وحركة رؤوس الأموال والاستثمارات. لقد تعدى هذا التكتل الاقتصادي مرحلة التجارة الحرة ، والاتحاد الكمركي والسوق المشتركة إلى أن وصل إلى مرحلة الاتحاد الاقتصادي ، والتي تعتبر المرحلة المتقدمة لهذا التكتل. وصل عدد دول الاتحاد الأوروبي حتى أول كانون أول/ عام 2004 م إلى 25 دولة أوروبية ، بعد أن كانت (6) دول فقط في بداية الإعلان عن قيام السوق الأوروبية المشتركة ، طبقاً لمعاهدة روما في ( 25 آذار ) سنة 1957 .
8-2منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ( نافتا) ، ويضم هذا التكتل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك. وهو يختلف عن الاتحاد الأوروبي حيث يقف عند مرحلة إقامة منطقة تجارة حرة دون أن يتعداه إلى إقامة اتحاد جمركي أو سوق مشتركة مثل الاتحاد الأوروبي .
8- 3رابطة دول جنوب شرق آسيا ( الآسيان ) ، التي تأسست عام 1967 م ، كنوع من الحلف السياسي أصلاً ولغرض مواجهة الشيوعية في شرق آسيا ، وخاصة في فيتنام وكمبوديا ولاوس وبورما آنذاك. ويضم هذا التكتل في عضويته عشر دول فضلا عن منتدى ( أبيك ) الذي يضم 21 دولة. ... (11)
وهو يمثل أكبر تجمع اقتصادي إقليمي في العالم حيث يتوزع أعضاءه بين أريع قارات هي آسيا واستراليا وأمريكا الشمالية والجنوبية ، كما يضم أكبر تكتلين اقتصاديين ( النافتا والآسيان ). لقد ركزت الرابطة في البداية على التنسيق السياسي ، ومن ثم بدأت تركز على التعاون الاقتصادي فيما بين الدول الأعضاء.
أنه من الملاحظ أن الدول في هذه الرابطة الآسيوية تتجه إلى تعميق مجالات التعاون الاقتصادي فيما بينها وزيادة التبادل التجاري . ومن جانب آخر نلاحظ أيضاً ، أن هذا التكتل يتزايد دوره في التجارة العالمية ، بدليل زيادة الصادرات في العالم وكمعدل إجمالي من صادرات الدول النامية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11): عمر صقر.العولمة و قضايا اقتصاديه معاصره.الدار الجامعية.القاهرة. .2003 .
9- المظاهر السلبية للشركات متعددة الجنسية في الوطن العربي :
في دراسة اقتصادية للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والذي مقره دمشق ، نشرت عام 2006 ، حذرت تلك الدراسة من تعاظم دور ونفوذ الشركات متعددة الجنسية في العالم العربي وهو الأمر الذي سينعكس سلبيا على العمالة العربية ومستقبل الشركات العربية التي تخوض منافسة غير متكافئة مع هذه الشركات، وقالت إن وجود هذه الشركات يكرس البطالة في الكثير من الدول العربية . وأشارت الدراسة إلى أن الشركات متعددة الجنسية تتميز بمجموعة من السمات أبرزها توسع هيمنتها التي كانت منحصرة على احتكارات النفط والطاقة وصناعة السيارات فامتد نفوذها ليشمل الاحتكارات المرتبطة بالإنتاج العلمي الكثيف والتكنولوجيات وتعدد الأنشطة التي تشتغل فيها دون أدنى رابط فني بين المنتجات المختلفة فعلى سبيل المثال :
(الشركة الدولية للتلغراف والتليفون) تمتلك مثلا فنادق شيراتون وعدداً كبيراً من شركات النشر والإعلام والملاهي بالإضافة إلى التشتت الجغرافي للنشاط حيث تنتشر في عشرات الدول بقصد الحصول على أي ميزة نسبية في أي دولة دون أفضلية لبلد المقر القانوني كما أنها تنتقي مواردها على أساس الكفاءة والأداء بغض النظر عن جنسية أي منهم . وأضافت الدراسة أن الشركات متعددة الجنسية تتبع مجموعة من السلوكيات للتأثير سلبا في اقتصاديات الدولة النامية ومنها (الدول العربية) ومنها تقليص سيادة الدولة وإضعافها في القيام بدورها الاجتماعي والاقتصادي وجرها إلى سن قوانين وتشريعات لا تخدم مصالح القاعدة العريضة من المواطنين ، واستعمال طرق ووسائل معادية للقوانين الوطنية والدولية وإفساد المجتمع بالرشاوى والتحايل والغش والخداع وخلق شريحة اجتماعية طفيلية لا تخدم المجتمع ولكنها تخدم مصالح هذه الشركات . وتستفيد من الدخل المرتفع الذي تقدمه هذه الشركات بخلاف انتهاك الحقوق المكتسبة للعمال والطبقات الاجتماعية الوسط والعداء للعمل النقابي والمنظمات النقابية واتهامها بأنها تعيق التنمية وتعرقل نشاط هذه الشركات وتعويم أسعار الصرف وإغراق الأسواق بالسلع الاستهلاكية التي يعجز الإنتاج المحلي عن منافستها .
ونوهت الدراسة إلى مساعي الشركات متعددة الجنسية الرامية إلى إزالة القيود والضوابط المفروضة على القطاع المصرفي وإنهاء جميع أنواع التدخل الحكومي في الحياة الاقتصادية والعمل على خصخصة مشروعات الحكومة والقطاع العام والعمل على إضعاف سلطة الدولة بالضغط لمنح رأس المال الأجنبي مختلف التسهيلات والمزايا .و تقوم الشركات متعددة الجنسية بإدخال أساليب تكنولوجيا مصممة أصلا للسوق الرأسمالية وهذا يحرم البلدان المضيفة من اختيار التكنولوجيات الملائمة لها بسبب افتقارها لتصنيع أدوات الإنتاج ، كما أن سياسات الخصخصة وإعادة الهيكلة التي عادة ما ترافق دخول هذه الشركات للدولة المضيفة مما يؤدي لتحطيم صناعات قائمة وضياع فرص عمل بقدر أكبر مما هو متاح وتهديد القطاع العام وتحريض القطاع الخاص ، ومنافسة الشركات المحلية عن طريق منح العاملين فيها مستوى عالياً من الأجور يؤدي في النهاية إلى لجوء القطاعات المحلية لتطبيق مثل هذا الإجراء داخلها على الرغم من أن ذلك يتعدى إمكانياتها مما يؤدي لرفع أسعار منتجاتها وإضعاف قدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية ويضاف إلى ذلك تغيير التركيبية الاجتماعية للسكان .
ولمعالجة ذلك، يمكن وضع استراتيجية عربية واضحة لمجابهة التحدي الذي يمثله خطر الشركات متعددة الجنسية مؤكدا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال بذل الجهود الواسعة لتحقيق تنمية شاملة ومستمرة في كل أقطار الوطن العربي وعلى المستوى القومي كما أنه لا يمكن لهذه التنمية أن تتم إلا بالاعتماد على الموارد الوطنية بصورة رئيسية وتنمية هذه الموارد بصفة مستمرة ، والنظر إلى أي موارد أجنبية كمكمل أو إضافة إلى الموارد التي يجري تعبئتها داخليا بما يتيح للبلد أكبر قدر ممكن من حرية الاختيار واتخاذ القرار ولتحقيق استثمار مباشر يزيد من القدرات الإنتاجية في مجال الإنتاج والخدمات المختلفة بما يتيح توظيفاً فعالاً للعنصر البشري ، حيث يتطلب ذلك تدريب وتأهيل وتعليم واكتساب المهارات التقنية للإنسان العربي وبناء قاعدة وطنية وقومية للعلم لكي تتمكن الأقطار العربية من المشاركة في تحقيق التقدم العلمي .
10- طبيعة عمل الشركات متعددة الجنسية في العراق :
إن طبيعة الاقتصاد العراقي اعتمدت منذ عصور خلت على الموارد النفطية في عملية التنمية الاقتصادية ، وكانت هنالك خطط تنموية شاملة للنهوض بالاقتصاد العراقي .
أما خلال الفترة الحالية ( أي ما بعد عام 2003 ) وهي فترة الاحتلال فيمكن تميز ما يلي :
10-1- إن قانون الاستثمار رقم (39) لسنة 2003 (يدرس حالياً) والخاص بالاستثمار الأجنبي في العراق شُرّع لتحسين الظروف المعيشية لجميع العراقيين وتحسين مهاراتهم التقنية وزيادة الفرص المتاحة لهم ومكافحة البطالة وبالتالي الوصول لعراق يتمتع بالأمن والرفاه الاقتصادي.
10-2- هناك أربعة مجاميع تشترك في عملية إعادة أعمار العراق: وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، صندوق إعادة أعمار العراق، الدول المانحة، والوزارات العراقية المستفيدة. ولغرض تعبئة الموارد الخارجية والداخلية وتوزيع هذه الموارد بالشكل الأمثل وبما يتفق والأسبقيات الاقتصادية والاجتماعية ولغرض تسريع تنفيذ مشاريع إعادة الأعمار لابد أن يتحسن التنسيق بين هذه المجاميع الأربعة ويكون أكثر شفافية .
10-3- تم في ضوء المناقشات خلال مؤتمر مدريد للمانحين المنعقد خلال الفترة من24-23 تشرين الأول 2003حيث تم تأسيس الصندوق الدولي لإعادة أعمار العراق ليكون قناة لتمويل مشاريع إعادة الأعمار. ويتكون الصندوق من صندوق إعادة أعمار العراق التابع لإدارة البنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة .
10-4 -ضعف القدرة الاستيعابية للاقتصاد العراقي ، حيث إن العراق يمتاز عموماً بأنه ذو قدرة استيعابية ضعيفة، وهذه تشكل أحد الكوابح بوجه دخول الشركات والاستثمارات إلى السوق العراقية. إن القيام بالمشاريع لا يتطلب فقط توفر الأموال الاستثمارية وإنما يتطلب وجود عوامل أخري يمكن تسميتها بالعوامل المساندة والتي تتضمن (مواد البناء والمكائن والمقاولين والإداريين والمهندسين والعمال الماهرين فضلاً عن البُني التحتية )، وفي علاقة طردية نقول إن زيادة المشاريع تنطوي علي طلب متزايد للعوامل المساندة، وإن شحه أو قلة تلك العوامل تؤدي إلي رفع مستوى أسعارها وبالتالي زيادة كلفة المشروع والتي تعني هبوط العائد والذي يجعل المشروع قليل الجدوى ومن ثم التوقف عن تنفيذه.
10-5 إن التضخم يعد من المشاكل الاقتصاديــــــة البارزة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، إذ أن التضخم يعطل آلية الأسعار ويفقدها ميزتها في التعبير عن الندرة النسبية للسلع والخدمات كما يلغي وظيفة العملة المحلية كأداة للتـــــداول والادخار، ويتبع تلك الاختلالات في الأسعار صعوبات كبيرة فيما يتعلق بإمكانية تلك الشركات في تنبؤ تكاليف الإنتاج والأرباح
المتوقعة وعليه فإن التضخم يؤدي إلي تراجع الرغبة في دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخاصة في المشاريع الطويلة الأجل. .... (1).
10-6 إن السوق المالية هي ممول رئيسي لشركات قطاع الأعمال، وهي السبيل المفضل الذي يلجأ إليه المستثمرون والشركات لتمويل أنشطتهم الاستثمارية، والافتقار إلي الأسواق المالية أو ضعفها وعدم استقرارها تشكل عامل طرد للمستثمر الأجنبي الأمر الذي يفتقر السوق العراقي إليه .
10-7 إن البيئة الاقتصادية العراقية تفتقر إلي الشفافية التي لها أهمية كبيرة في القرار الاستثماري للشركات المتعددة الجنسية وأصحاب رأس المال، والشفافية هنا هي المعلومات التي تعين الشركات والمستثمرين علي إمكانية التنبؤ المستقبلي بظروف البيئة الاقتصادية الداخلية التي يمكن علي ضوئها صياغة وتوجيه خطط الاستثمار.
10-8 إن وجود مؤسسات فاعلة وقوية والتي من الممكن أن تكون عاملاً مساعداً في تطوير اقتصاد السوق والتي تعكس قوة وكفاءة الدولة. وهذه المؤسسات تشكل عاملاً من عوامل الجذب للشركات والاستثمار الأجنبي المباشر، لذا فإن افتقار العراق إلي تلك المؤسسات يتناقض مع إمكانية جذب الاستثمارات الأجنبية والشركات المتعددة إلي العراق . لقد انخفضت مساهمة القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي إلى (1- 2)% عام 2007 ، رغم توزيع وزارة الصناعة العراقية قروضا صغيرة بقيمة إجمالية قدرها (20 مليار دينار) على 1600 معمل لتوفير 17000 فرصة عمل!،وتستهدف وزارة الصناعة العراقية عبر مشروع القروض الصغيرة إقامة ( 100000 ) مشروع لامتصاص أعداد العاطلين . وعلى صعيد القطاع الزراعي . تناقصت مساهمة الزراعة في إجمالي الناتج المحلي عام 2005 وتدهور القطاع الصناعي وكذلك قطاع الكهرباء بسبب التدهور الأمني .لقد أحالت وزارة الصناعة العراقية 19 مشروعا لصناعة الاسمنت و58 مشروعا لصناعة الطابوق ومشروعين لصناعة الجص إلى القطاع الخاص ، ومن المزمع أن تطرح الوزارة للاستثمار قريبا مصانع حيوية هامة منها الشركة العامة للزجاج والسيراميك في الانبار وشركة (البتر وكيمياويات ) في البصرة والشركة العامة للحديد والصلب في البصرة ومعمل الورق في ميسان.. وتتراوح مدد الاستثمارات بين 10 و 20 عاما. .... (2)
10-10 أحدثت العزلة التي عاني منها القطر خلال فترة الحصار فجوة تكنولوجية كبيرة بين العراق وبقية بلدان العالم . فبدون التكنولوجيا ووسائل الإنتاج المتطورة والحديثة سيعاني العراق من إنتاجية متدنية وكفاءة واطئة تقلل من قدراته التنافسية. إن عدم توفر الموارد الحكومية وضعف القطاع الخاص ساهمت هي الأخرى في تدهور مراكز البحث العلمي في العراق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): أ.د كريم نعمة النوري – دور الاستثمارات الأجنبية في البلدان النامية - مجلة علوم إنسانية : العدد 8 ابريل 2004
(2): أ.د كريم نعمة ألنوري – دور الاستثمارات الأجنبية في البلدان النامية - مجلة علوم إنسانية : العدد 8 ابريل 2004 .
10-9 ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والأمني: إن من أهم المعوقات التي تواجه دخول الشركات والاستثمارات الأجنبية المباشرة في أية دولة متقدمة كانت أم نامية هي ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والأمني، إذ أن ( انعدام الأمن هو العائق الأول للاستثمار الأجنبي الخاص )
10-11 . إن هيئة الشفافية الدولية قد حذرت في تقريرها الصادر يوم 16/3/2005 من أن عملية إعادة أعمار العراق يمكن أن تتحول إلى اكبر فضيحة فساد في التاريخ الحديث.
لقد بلغت كلفة الحرب حتى أواسط تموز 2007 (444) مليار دولار ، وكلفة الفساد المالي والإداري زادت على (80 ) مليار دولار..حيث تمثل الوزارات الأمنية المرتبة الأولى في ممارسة الفساد تليها الوزارات الخدمية ، وحيث توجه اتهامات بتورط مسئولين كبار في فضائح الفساد ، وتوجه تهديدات إلى كاشفي الفضائح!. شكل (البيت الأبيض) لجنة خاصة للتحقيق مع (ستيوارت بوين) ، المفتش الاميركي الخاص بمشاريع إعادة الأعمار ،الذي أكدت لجنته إن قسما كبيرا من مشاريع إعادة الأعمار التي تفوق قيمتها (37) مليار دولار. مهدد بالفشل بسبب انعدام الصيانة وضعف الإنشاءات واستخدام التصاميم ومواد البناء غير المناسبة.أحال مكتب مراجعة حسابات إعادة البناء في العراق والذي بدأ أعماله في آذار 2004 (25)قضية جنائية إلى وزارة (العمل الاميركية) ومنهن 4 تم توجيه الاتهامات فيها، ومن ضمن ما وجده المكتب فقدان 14000 قطعة سلاح كانت مخصصة لاستعمالات الجيش العراقي.ضرب الفساد أكثر الميادين الاقتصادية في العراق وهو قطاع النفط وتقدر مجمل الخسائر التي تسبب فيها بنحو( 18) مليار دولار.إن كثيرا من المشاكل التي تواجه مشاريع إعادة الأعمار غير مرتبطة بعمليات التخريب التي يقوم بها الإرهابيون.لقد تحولت عملية إعادة الأعمار إلى سلسلة من الأخطاء المتعاقبة الفادحة فضلا عما نحن مقبلون عليه من عمليات نهب أجنبي كبرى في مجالات النفط والاستثمار ، مترافقة مع ضغوطات صندوق النقد الدولي.
11 . التمويل والتضخم في الاقتصاد العراقي :
11-1 بلغ العجز في ميزانية العراق لعام 2007 بحدود (6) مليارات دولار لأن العراق لم يستطع تصدير أكثر من( مليون برميل يوميا) خلال النصف الأول من العام المذكور أي بنسبة 60% من الكمية المقررة ، بسبب التوقف عن تصدير النفط عبر كركوك
أكد البنك المركزي العراقي إن سياسة الإنفاق التي تعتمدها الحكومة تواجهها العثرات الكبيرة ، وان العراق يمتلك احتياطي نقدي من العملة الصعبة بلغ 21 مليار دولار مما أسهم في استقرار العملة المحلية ، وتم إلغاء ما يعادل 60% من حجم الديون وفوائدها المترتبة على العراق حتى أواسط عام 2007 ، كما أفلحت جهود الحكومة العراقية في تحويل أكثر من 60 مليون دولار من الأموال التي كانت في حساب الانموفيك ( لجنة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل) إلى صندوق تنمية العراق . لوحظ من خلال استعراض الموازنة العامة لسنة 2007 الإخفاق في أداء تنفيذ المشاريع الاستثمارية ، ولم ينفذ منها إلا 10% بحكم فقدان الأمن والاستقرار والفساد الإداري والمالي.يذكر أن الميزانية العامة للدولة لعام 2007 كانت أضخم ميزانية في تاريخ العراق الحديث رغم العجز البالغ 9000 مليار دينار (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): اقتصاديات العراق والتنمية المستدامة- سلام إبراهيم عطوف كبة - F:\§.htm من موقع الانترنت عام.2007.
11-2 فاقت الميزانية العامة للدولة لعام 2008 سابقتها بمليار دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط ، والحصول على مبلغ ثلاثة مليارات و750 مليون دولار من شركات الهاتف النقال.
إلا أن الموازنتين تعكسان الطبيعة الريعية للاقتصاد العراقي لان كل مصادر الدخل العراقي كثروة وطنية جاهزة يجري تبادلها بعملة صعبة ، واستراتيجية الموازنتين تركزان على اقتصاد السوق بدلا من الإدارة المركزية ، وكون الموازنتين انفجاريتين حسب وصف الحكومة العراقية لا يعني سوى المزيد من الفساد، وتخصص الموازنتان 75% منهما للإنفاق التشغيلي أي مزيدا من الارتفاع في معدلات التضخم و25% منهما فقط للإنفاق الاستثماري.
إن العديد من المشاريع التي رصدت لها المبالغ في ميزانية 2007 لا زالت معطلة نتيجة لتردى الوضع الامنى وتفشى الفساد الادارى في مفاصل الدولة. (1)
11-3 لقد شهد المركز المالي الدولي للعراق انهيارا كاملا في العقدين الماضيين، وتحول العراق من دولة ذات فائض احتياط من النقد الأجنبي والذهب يُقدر بحدود(40 مليار دولار)عام 1980، إلى دولة مدينة بمقدار( 130 مليار دولار) وطلبات تعويضات عن أضرار ناجمة عن حرب الخليج الثانية مقدارها 320 مليار دولار، منها 50 مليار دولار تمت الموافقة عليها من قبل لجنة التعويضات. ... (2)
وتفرض مؤسسات التمويل الدولية شروطها في الحد من نفوذ القطاع العام وتأمين الخصخصة بينما تسرع الوصاية المالية من تدويل الوظيفة الاقتصادية الخدماتية للدولة العراقية وترحلها إلى مؤسسات خارجية .
12- الخلاصــــــــــــة :
الشركات متعددة الجنسية تعتمد في أنشطتها على سوق متعدد الدول ، كما أن استراتيجياتها وقراراتها ذات طابع دولي وعالمي ، ولهذا فهي تكون شركات متعددة الجنسيات ، حيث تتعدى القوميات ، ذلك لأنها تتمتع بقدر كبير من حرية تحريك ونقل الموارد ومن ثم عناصر الإنتاج من رأس المال والعمل فضلاً عن المزايا التقنية أي نقل التكنولوجيات بين الدول المختلفة وهي مستقلة في هذا المجال عن القوميات أو فوق القوميات Supra National. يتسم النظام الاقتصادي العالمي الجديد بتعميق عالمية الاقتصاد Globalization وتزداد فيه دور المؤسسات الاقتصادية الدولية ، وتبرز فيه عدد من الملامح الهيكلية. وتتمتع الشركات المتعددة الجنسيات والتي تعد من أهم ملامح ظاهرة العولمة أو النظام الاقتصادي المعاصر بالعديد من الصفات والسمات التي تميزها وتحدد دورها وتأثيرها على النظام الاقتصادي العالمي. ومن هذه الصفات ( ضخامة الحجم ، وازدياد درجة تنوع الأنشطة ، و الانتشار الجغرافي أي تعدد الأسواق .)
أدى الدور الأساسي الذي لعبته الشركات متعددة الجنسية في تدويل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة إلى سيادة أنماط عالمية في الإنتاج ـ من حيث علاقات الإنتاج وشكـــل ملكية وسائل الإنتاج ـ والتسويق والاستهلاك والاستثمار والإعلان والدعاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): اقتصاديات العراق والتنمية المستدامة- سلام إبراهيم عطوف كبة - F:\§.htm من موقع الانترنت.2007.
(2): نفس المصدر السابق .
يواكب العولمة أحياناً كثيرة تزايد دخول مالكي وسائل الإنتاج وارتفاع قيمة أسهم الشركات متعددة الجنسية وكذلك تزايد عدد المسرحين من الخدمة في هذه الشركات وهذا يؤكد أن لا مكان للمشاعر والمواقف الإنسانية في النظام الرأسمالي العالمي. وإذا كان هناك خيار بين الإنسانية وحيوية الاقتصاد فليس للرأسمالية سوى الخيار الثاني، الذي أدى إلى فصل( 43 ) مليون عامل من العمل في المؤسسات الأمريكية خلال عشرين عاماً. وأصبحت الشركات متعددة الجنسية تتحكم بالاقتصاد العالمي، و تتحكم بالإنتاج وتبادله وتوزيعه وتسعيره وتيسير الحصول عليه أو منع وصوله،كذلك تتحكم باستقرار مراكز صناعته في هذا المجال الجغرافي
أو ذلك، وتتحكم بانتقال رأس المال وبخلق الأزمات أو حلها إنها تتحكم بعصب السياسة الاقتصادية .