مساعي أوروبا لحماية البيئة تصطدم بعقبات كبرى

مساعي أوروبا لحماية البيئة تصطدم بعقبات كبرى
د. طلال العازمي
لم تنشأ مساعي حماية البيئة في المقارة الأوروبية من فراغ لكنها لم تفلح بعد مضي أكثر من ثلاثين سنة علي تبلورها في تحقيق شعاراتها الكبري فقد ظهرت فينهاية السبعينيات الحركات المدافعة عن البيئة في أنحاء أوروبا الغربية ثم بدأت أحزاب الخضر بالتبلور في الساحة السياسية واضطرت الأحزاب التقليدية الكبري إلي إدراج حماية البيئة في سلم اهتماماتها.

ومع تطور الوعي بأهمية هذا الملف أبدت الحكومات الأوروبية مزيدا من الاهتمام بالشؤون البيئية ولم يأت الأمر من فراغ إذا أن 82 في المائة من المواطنين في الاتحاد الاوروبي ينظرون إلي حماية البيئة علي أنها قضية الساعة المهمة ويطالب 72 في المائة منهم بضمان النمو الاقتصادي إلي جانب الحفاظ علي لابيئة حسب البينات المسجلة في العام 1995.

ولم يكن من السهل التهوين من مشاعر القلق التي تنبع من مخاطر التسربات المحتملة من المفاعلات النووية علي غرار انفجار المفاعل السوفياتي السابق تشر نوبل فضلا عن انعكاسات تأكل طبقة الأوزون ولذا فقد برز الاهتمام بالبيئة ضمن اولويات مشروع الوحدة الاوروبية.

فمنذ سنة 1970 تم التوجه نحو تقليل حجم الاضرار اليت تصيب البيئة وصدر منذ تلك أوروبي يسعي إلي تحسين جودة الهواء والماء والتحكم في معالجة النفايات ومراقبة الصناعات الضارة بالبيئة علاوة علي حماية الطبيعة بيد أن الأوروببين اكتشفوا القصور الذي يعلو معالجتهم للهموم للبيئية لِأنهم انيروا لمعالجة النتائج دون مكافحة الأساباب ما دفعهم إلي أن يعمدوا فيما بعد غلي بحث الجوانب الاقتصادية التي ترهق البيئة.

ود عكس البرنامج البيئي الخامس للاتحاد الاوروبي الذي تم التوصل إليه في العام 1992 تحت عنوان من أجل تنمية دائمة ومنسجمة مع البيئة 1992 – 2000 تطورا مهما في مسيرة حماية البيئة في القارة العجوز فقد سعي هذا البرنامج الذي بقي نافذ المفعول حتى العام 2000 إلي تغيير لاسلوك الإنتاجي والاستهلاكي في الاتجاه الذي يجعل الحياة ممكنة لمدجة طويلاة علي كوكبنا حسب البرنامج.

وتمثلت الخطوط العريضة للبرنامج البيئي الخامس للأتحاد الاوروبي في الحفاظ علي الموارد القديمة والمستعملة ومعالجحة النفايات بطريقة آمنة والتوسع في الاعتماد علي مصادر الطاقة التي لا تضر بالبيئة.

وتم التشديد في هذا البرنامج علي ضمان تفاعل الاتحاد والدول الاعضاء فيه للالتزام بالضوابط البيئة المحددة بالإضافة إل تعاون القطاعات الصناعية وشرائح المستهلكين لحماية البيئة.

لقد أدركت أوروبا في غضون ذلك خطورة العبث الفادح بالطبيعة الذي تسببت فيه حركتها الصناعية الطامحة إلي مزيد من الإنتاج والارباح وما يلحق بذلك من نهم استهلاكي جامح يضر بالبيئة والموارد.

وكانت المفوضية الأوروبية قد أصدت في العام 1996 تقريرا يتضمن كيفية تطبيق البرنامج البيئي الاوروبي الصادر في العام 1992 وذلك في القطاعات الخمسة الأساسية وهي المواصلات والصناعة والطاقة والاقتصاد الزراعي والسايحة كمات أصدرت المفوضية الأوروبية في شباط (قبراير) 1996 ورقة استرتيجية عن التجارة والبيئة تؤكد إمكانية تحقيق العلاقة التكاملية غير المتناقضة بين حرية التجارة والتدابير البيئية.

أما مع حلول العام 2001 فقد دخل البرنامج البيئي السادس للاتحاد الاوروبي حيز التطبيق ويركز البرنامج الذي يتتغرق عشر سنوات ويحمل عنوان بيئة 2010 مستقبليا خيارنا علي مجالات التغيرات المناخية والبدائل الطبيعية والحيوية والبيئة والصحة والمواد المناخية والبدائل الطبيعية والحيوية والبيئة والصحة والموارد الطبيعية.

ويقوم البرنامج علي خمسة أركان هي ضمان تطبيق التشريعات البيئية القائمة وتفعيل النشاط الاقتصادي البيئي في جميع المجالات وإشراك الاقتصاد والمستهلكين في التوصل إلي حلول بيئية وتوفير المعلومات الكاملة والدقيقة للمواطنين الاوروبيين عن الواقع البيئي وإمكانات حمايته وإشاعة وعي عام أكثر باتحاه استغلال الأراضي.

وتخصص المفوضية الاوروبية حقيبة خاص بالبيئة تشغلها المفوضة السويدية مارغوت والستروم منذ العام 1999 بينما يتولي البرلمان الاوروبي تشريع القوانيني واستحداث جملة من التدابير المتلاحقة التي تندرج في نطاق حماية البيئة وتسهر علي هذا الملف هيئة برلمانية دائمة هي لجنة شؤون البيئة والصحة الشعبية وحماية المستهلك.

أما تأسيس وكالة البيئة الاوروبية التي تتخذ من كوبنهاغن مقر لها فقد تم في أواسط التسعينيات ليمثل خطوة مهمة من جانب الاتحاد الاوروبي علي طريق توفير المعلومات الدقيقة والموضوعية والمقارنة بشأن حالة البيئة الاوروبية وتتميز هذه الوكالة بأنها ىتضم في عضويتها عددا من الدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد.

ولم تكن هذه السياسات لتسير بمعزل عن الجدل الدولي بخصوص حماية البيئة كما تجسد في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية يونكيد في ريو دي جانيرو والبرازيل في العام 1992 وفي التوصل إلي اتفاق كيوتو اليابان للتقليل من العوادم الضارة المنبعثة إلي الغلاف الجوي وما تبع ذلك من تجاذبات شديدة.

ورغم هذه الجهود فلا يبدو خافيا أن السياسات البيئية الاوروبية تعاني من التعثر في ميدان التطبيق في الوقت الذي تتحدث فيه المؤشرات عن تضخم متزايد ومثير للقلق في الأعباء الضارة بالبيئة خلال السنوات القليلة المقبلة.

إذ أن أحد المفاصل الشائكة في هذه السياسات يمس جانب تمويل البرامج البيئية فالقطاع الصناعي الأوروبي الحريص علي المنافسة في السوق العالمية يقاوم بشدة التدابير لابيئية باهظة الكلفة ويمارس الضغوط المتواصلة علي الحكومات الوطنية في هذا المجال.

وأما إرهاق كاهل دافعي الضرائب بالمزيد من الرسوم المفروضة علي بعض السلع والخدمات لأغراض حماية البيئة فله تبعاته أيضا إذ أن ما يعرف بضرائب البيئة تؤدي إلي انحسار شعبية أحزاب الخضر المدافعة عن البيئة أو من يحذو حذوها بالشكل الذي يجعلها غير قادر علي تثبيت هذه السياسات البيئية أو حتى الوصول إلي السلطات التنفيذية وكانت الإشارة الأولي لمقترح ضرائبل البيئة علي المستوي الأوروبي قد ظهرت مع صدور الكتاب الأبيض للنمو والقدرة التنافسية والتشغيل في العام 1993 عن المفوضية الأوروبية لتأخذ الفكرة مجراها بالتدريج في السنوات اللاحقة رغم التحفظات التي يبديها إزاءها المواطنون الراغبون بالتحرر من الالتزامات المالية الإضافة.

وفي ظل هذه التداعيات يسهل اتشاف الهامش الكبير الذي يفضل بين الشعار والتطبيق علي صعيد حماية البيئة في أوروبا فمن السهل أن يتم سن التشريعات وبلورة البرامج بيد ان إنقاذا علي الأرض لا يبدو بالمهمة اليسيرة علي كل حال.



المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 45