الفصل الاول
النظم البيئية
Ecosystem
المبحث الاول _ البيئة: مفهومها، نظامها، مشاكلها
اولا: مفهوم البيئة:
لم يتوحد العلماء في تحديد مفهوم البيئة، بل تعددت معانيها، و تباينت مفاهيمها حسب تخصص الباحث في كل فرع من فروع العلوم الاجتماعية المختلفة، حيث يعرفها كل مهنم في ضوء رؤيته و تخصصه، ولا شك في ان البيئة تعني حالة الاستقرار والتوازن. فقد جاء في لسان او معاجم اللغة العربية ان البيئة مشتقة من (بوأ). وهي المكان اوالمحيط او المنزل المستقر فيه، والذي يعيش فيه الكائن الحي. وقد جاء في لسان العرب: بوأتك بيتا أي اتخذت لك بيتا، و قيل تبوأه: أ و تبوأ: أي نزل و اقام، و تبوأ فلان منزلا، أي جعله ذا منزل. قال الله تعالى في كتابه الكريم ﴿وكذلك قلنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع اجر المحسنين﴾ سورة يوسف (56). وفي مكان اخر يقول الله تعالى ﴿والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم من هاجر اليهم...﴾.
وفي اللغة الفرنسية تعرف كلمة البيئة (Environment) بانها مجموعة الظروف الطبيعية للمكان من هواء و ماء وارض والكائنات الحية المحيطة بالانسان. والتي تشمل الكائنات الحية و ما يحتويه من مواد كالهواء والماء والتربة و ما يقيمه الانسان من مشنات.
وعلى ضوء ذلك فالبيئة بمفهومها العام هي: الوسط اوالمجال المكاني او الاطار الذي يعيش فيه الانسان، ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء و كساء و مأوى، و يتأثر به ويؤثر فيه. وتعرف البيئة في دائرة المعارف الجغرافية الطبيعية بانها (المحيط الذي يعيش فيه الانسان ويقوم فيه بعملية الانتاج، و يحتوي على مواد حية و غير حية وتتحكم فيه العوامل الاجتماعية، والاقتصادية... وهو يتكون من المحيط الطبيعي والمحيط الاجتماعي. او هي كل ما يحيط بالانسان او الحيوان او النبات من مظاهر و عوامل تؤثر فيه نشاته و تطوره و مختلف مظاهر حياته).
وفي ضوء ذلك فالبيئة كما جاء في اعلان مؤتمر ستوكهولم للبيئة البشرية عام 1972 هي: كل شيء يحيط بالانسان (Every Thing Around The man)(1) اما العالم الالماني المتخصص في علم الحياة ارنست هيكل Ernest Haeckel فقد وضع كلمة (Ecologic) المتكون من جزاين (Oikos) المنزل او مكان الوجود و (Logos) معناها العلم، وعرفها بانها العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي يعيش فيه، وترجمت حديثا الى اللغة العربية بعبارة (علم البيئة). و كانت هذه الكلمة قد ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر في اللغة الانكليزية (Environment) ويتطابق اللفظ في اللغة الفرنسية مع اللغة النكليزية للدلالة على جميع الظروف الخارجية المحيطة والمؤثرة في نمو و تنمية حياة الكائنات الحية.
لذلك اذا اردنا تعريف البيئة نستطيع القول انه ليس هنالك من تعريف واحد، جامع و شامل للبيئة، فهناك تعريف (الان بومبارد Alan Mombard) الذي عرف علم البيئة بانه دراسة التوازن بين جميع انواع الكائنات الحية، ولكنه في الوقت ذاته يؤكد على التناقض داخل هذا العلم و ذلك لكونه علما جديدا. ثم يشير في مكان اخر على ان هذه التناقضات ليست اساسية ويمكن التوصل والاتفاق عليها مع مرور الزمن. اما الدكتور ريكاردوس الهبر استاذ العلوم البيولوجية فقد خص تعريف البيئة في كتابه (بيئة الانسان) انها مجموعة العوامل الطبيعية المحيطة التي تؤثر على جميع الكائنات الحية وهي وحدة ايكولوجية مترابطة(2).
وقد ورد هذا الفهم الشامل للبيئة على لسان السيد (يوثانت) الامين العالم السابق للامم المتحدة حيث قال (اننا جمعيا شئنا ام ابينا نسافر سوية على ظهر كوكب مشترك. وليس لنا بديل معقول سوى ان نعمل جميعا لنجعل منه بيئة نستطيع نحن واطفالنا ان نعيش فهيا حياة كاملة وامنة). البيئة بمكوناتها هي نعمة الله للانسان وعليه ان يحصل على رزقه و يمارس علاقاته دون اتلاف وافساد. مصداقا لقوله تعالى (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين).(3)
الشكل رقم _1_حلقات عمل النظام البيئي الطبيعي
ويمكن تعريف البيئة ايضاحسب مؤتمر ستوكهولم (بانه كل ما تخبرنا به حاسة السمع والبصر والشم واللمس والذوق سواء كان هذا من صنع البشر اومن صنع الطبيعة)(3أ)
ثانياً: النظام البيئي مفهومه ومكوناته:
ـ مفهوم النظام البيئي:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى كل شيءفي هذا الكون بالحق وبقدر معلوم وفي أتزان حيث قال تعالى ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ ويقول في مكان آخر ﴿والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون﴾ يعد البريطاني أرثرجورج تانسلي أول من وضع مفهوم النظام البيئي في عام 1995. وقد عرفه بأنه (نظام يتألف من مجموعة مترابطة ومتباينة نوعا وحجما من الكائنات العضوية والعناصر غير العضوية في توازن مستقر نسبيا). يعد النظام البيئي بأنه (أية مساحة من الطبيعة وماتحوي من كائنات حية نباتية او حيوانية مواد حية وغير حية وكل هذه الكائنات الحية وغيرالحية تكون في تفاعل مستمر مع بعضهما البعض، وكل العلاقات المتبادلة بين مكونات النظام البيئي مبنية على التبادل والطاقة. ويعرف أيضا النظام البيئي بأنه (مجموعة من العناصر التي تتفاعل وضيفيا مع بعضهما البعض، داخل بيئة او مكان معين)(4) ويمكن القول أيضا (ان النظام البيئي الطبيعي يتكون من مكونات حية وغير حية مختلفة، يكونان معا نظاما ديناميكيا متوازنا، وله صفه الحفاظ على التوازن بين جميع عناصره، بحيث تكون هذه المكونات مترابطة فيما بينها ويعتمد كل منها على الأخر أعتمادا وثيقا ويؤثر كل منهما في خواص الأخر أيضا.
(نظام بيئي =مجتمع حيوي +مسكن حيوي)(5)
ويلاحظ من ذلك ان مفهوم النظام البيئي هو مفهوم عام ومتسع وان أهميته الرئيسية في التفكير البيئي تتجلى في أنه يركز على أيضاع العلاقة المتبادلة الاجبارية بين الكائنات الحية فيما بينها من جهة وبين هذه الكائنات والمواد الغير الحية من جهة أخرى. أو بتعبير أخر (ان الكائنات الحية المكونة للنظام البيئي هي في تفاعل مع بعضها البعض بحيث يرتبط وجود بعضهما الأخر، كماتكون أيضا في تفاعل مع المواد غير الحية ومع العوامل البيئية بحيث يشكل المجموع وحدة أو كلاً نظاما ديناميكيا متوازنا ومستقرا). ويمكن لنا أن نتصور النظام البيئي الطبيعي على شكل مجموعة حلقات متسلسلة ومتصلة مع بعضهما البعض كما هو مبين في الشكل رقم (1).
ويمكن تعريفه أيضا بالشكل التالي (كيان متكامل ومتوازن، يتالف من كائنات حية ومكونات غير حية وطاقة شمسية، ومن التفاعلات المتبادلة فيه).(6)
او بعبارة أخرى:
هو عبارة عن وحدة من مكونات حية وغير حية تتفاعل فيما بينها، وتتبادل فيه أحياء غير حية مع الاحياءالحية تأثرا وتأثيرا وفق نظام متوازن مرن، لتستمر في أداء دورها في الحياة أوبالتالي يمكن القول أيضا (أن النظام البيئي يخضع للقوانين الأساسية في الفيزياء والكيمياء والبيولوجياء).(7)
ويمكن تقسيم النظام البيئي الى مجموعتين:
أ_ مكونات غير حية (العوامل الطبيعية) Abiotic components
وهي عبارة عن مجموعة من العوامل الغير الحية التي تؤثر في حياة الكائنات الحية، وتحدد نوعيتها وأماكن وجودها، كما تحدد نوعية العلاقات بين الكائنات الحية. ويمكن تقسيم العوامل الطبيعية الى ثلاثة انواع.
1. العوامل الحيوية: ومنها (الضوء، الحرارة، الرطوبة، الرياح، الضغط، الغازات.
العوامل الفيزياوية: والعناصر الكيمياوية مثل (O2، CO2) والملوثات.
2. عوامل التربة:
وتشمل تركيب التربة وموقعها ونسبة الرطوبة، والمواد العضوية وغير العضوية فيها وتلعب هذه العوامل دورا في تحديد نوعية الكائنات الحية التي تعيش فيها أو عليها.
3.العوامل المائية:
وتشمل الماء العذب والماء المالح في البيئات المائية، والمحتوى المائي للوسط اليابس.
ب_ مكونات الحية: Biotic components
وتقسم الى ثلاثة أقسام وهي:
1. المنتجات: Producers
وتشمل جميع الأنواع التي لها القدرة على صناعة غذائها بنفسها عن طريق عمليتي التركيب الضوئي والبناء الكيميائي، حيث تصنع مواد عضوية من موادغير عضوية ومنها نباتات باختلاف أنواعها والطحالب وبعض البكتريا.
2. المستهلكات: Concumers
وتشمل هذا المستوى جميع الأنواع التي لاتستطيع صنع غذائها بنفسها بل تأخذه جاهزا من المحيط، وهذه الأنواع قد تتغذى مباشرة على النباتات تسمى به (آكلات الأعشاب) اوتتغذى على اللحوم تسمى بـ(اللواحم) وهناك أنواع أخرى تتغذى على الأعشاب واللحوم تسمى بـ(القوارض) omnivores.
3. المحللات: Decomposers
وتضم هذه الكثير من أنواع الكائنات الحية التي تعيش في التربة مثل الفطريات والبكتريا، وهذه الكائنات تقوم بتحليل المواد العضوية وتحويلها الى مواد بسيطة. اي تعيدها الى عناصرها الأولية كالنتروجين، والفسفور، وكالسيوم، والمغنسيوم، وغيرها مما يسهل أمتصاصها من قبل النبات (المنتجات) لتعيد تصنيعها الى مواد عضوية معقدة وبذلك تديم عملية التدوير الغذائي.(
ج_ البيئة ومشاكلها:
مفهوم المشكلة البيئية ومنشأها:
تعني المشكلة البيئية بحدوث أختلال في توازن النظام البيئي، ويحدث أختلال توازن النظام البيئي عندما يتم التأثير على أحد مكوناته أو أكثر، فتتأثر بقية المكونات وتتبدل العلاقات القائمة بينها فيصبح غير قادر على الحفاظ على توازنه السابق. ويمكن القول ايضا ان المشاكل البيئية مثل حرائق الغابات، حرائق المراعى، اشتعال الغاز والنفط، ضوضاء، اشعاعات ضارة، زيادة كبيرة جدا في عدد سكان العالم، عمران، تصحر، استنزاف الاوزون، تلوث الهواء والماء والتربة، استنزاف الموارد الطبيعية، نفايات كثيرة يضاف الى ذلك الكثير من الملوثات كل ذلك دون الاخذ بعين الاعتبار للبيئة من حولنا وكل ادى الى نشوء مشكلات بيئية يمكن اجمالها بالنقاط التالية: (9)
1- مشكلة الأنفجار السكاني.
2- مشكلة أستنزاف مصادر الطاقة او الموارد الطبيعية.
3- مشكلة النفايات.
4- مشكلة تلوث كل من الماء والهواء والتربة.
5- مشكلة التلوث الضوضائي.
6- مشكلة التلوث الأشعاعي.
7- مشكلة التصحر.
ان منشأ المشكلات البيئية اما يكون طبيعية او بشرية:
1. الاسباب الطبيعية:
فقد ينشأ الاختلال في توازن النظم البيئية نتيجة لتغيير بعض الظروف الطبيعية كالحرارة او الامطار او الجفاف مما يؤدي الى تبدل المناخ كما ان الفيضانات المدمرة او حرائق الغابات تؤدي الى هجرة العديد من الكائنات الحية او انقراضها او قد ينشأ اختلال توازن النظم البيئية بسبب انشاء مصنع كيمياويات او بسبب الحروب.
2. المشكلات البيئية الناتجة عن النشاطات البشرية:
الانسان كائن متميز في البيئة، وهو اكثرالكائنات تاثيرا فيها، وقد كان للتطور العلمي والتقني والنمو الاجتماعي والاقتصادي اثره على النظم البيئية حيث ادت انشطة الانسان، الواعيةاو غير الواعية في شتى المجالات الى الاخلال بتوازن الكثير من النظم البيئية، فالتوازن البيئي يرتبط بشكل كبير بسلوك الانسان الصحيح نحو مكونات البيئة وان التقنية لا خوف منها على توازن البيئة اذا احسن استخدامها، وقد تسهم اعادة تدوير المواد باستخدام التقنية في تخفيف ازمات البيئة.
مثلا: تحدث مشكلة الأنفجار السكاني عندما يؤدي تضخم عدد السكان الى حالة عدم التوازن بين حاجاتهم المتزايدة للاستهلاك وبين المواد المتوافرة. او مشكلة أستنزاف المواد عند تزايد الطلب على المواد مثل المعادن والفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي نتيجة النمو السكان المتزايد والمتسارع وتزايد معدل الأستهلاك بشكل مستمر يؤدي الى نقصان الموادالطبيعية الغير متجددة. او التصحر مثلا: هو تحول الأراضي التي كانت تستثمر زراعيا او رعويا الى أراضي غير صالحة للاستثمار الزراعي. اوالرعوي. او مشكلة التلوث وهي تعني القاء النفايات بما يفسد مجال البيئة ونظامها. اما المفهوم العلمي الحديث للتلوث فهو كل ما يؤثر في مكونات البيئة الحية وغير الحية او حدوث تغير وخلل في التفاعل الطبيعي بين مكونات النظام البيئي.
بحيث تضعف فاعلية هذا النظام، وتفقده القدرة على أداء دوره الطبيعي في التخلص الذاتي من الملوثات. ويكون بهذاالشكل أيضا بالنسبة لكل من التلوث الضوضائي والتلوث الأشعاعي. مثلا عن التلوث الضوضائي الذي يُِنْقَل عبر الهواء تقاس شدته بوحدة خاصة تسمى بـ(دسيبل) وتعد شدة الضوضاء بحدود (80) دسبل فما فوق مؤذية.(10)
اما بالنسبة التلوث الأشعاعي او النووي يكون أشد خطرا على التربة نظرا لديمومته فترة طويلة من الزمن. وتختلف أثار الأشعاع بأختلاف المصدر المشع وباختلاف شدة الأشعاع وباختلاف طول المدة الزمنية، ويأتي التلوث النووي بشكل أكبر من التجارب النووية ومحطاطات القوى النووية.