الأمن الإنساني و مفارقات العولمة
20/05/2011
(*): أستاذ محاضر في العلوم السياسية (جامعة الجزائر) و المعهد الديبلوماسي و العلاقات الدولية (وزارة الخارجية) مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية -الجزائر- (*): أستاذ محاضر في العلوم السياسية (جامعة الجزائر) و المعهد الديبلوماسي و العلاقات الدولية (وزارة الخارجية) مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية -الجزائر-
لقد تنامي و تزايد استخدام مفهوم الأمن الإنساني سواء على مستوى الأمم المتحدة بلجنتها للأمن الإنساني Human Security Commission أو عالميا عن طريق شبكة الأمن الإنساني Human Security Network التي تحتوي على 13 دولة بقيادة كندا – النرويج و اليابان، أو أكاديميا بالنظر لتنامي عدد المراكز المتخصصة في دراسات الأمن الإنساني عبر الجامعات العالمية. كما أدرج المفهوم بكثرة في دائرة الحوارات النظرية النقدية .
لقد أصبح مفهوم الأمن الإنساني إطارا موسعا للأمن الوطني ( امن الدولة + امن المجتمع + امن الإنسان ) إذ أصبح هذا الأخير يحتوي بالإضافة لحماية الحدود و الوحدة الترابية و سيادة الدولة و مصالحها الوطنية و الحيوية على أبعاد وظيفية أخرى مرتبطة: بحماية حقوق الإنسان و حرياتهم و ترقيتهم بشكل يمكن ضمان كينونتهم و كرامتهم و مستقبل الأجيال القادمة.
و لقد أصبح هذا المفهوم موسعا بتهديدات أكثر أخلاقية –إنسانية – حياتية إلى انه أصبح من واجب صانعي السياسات الأمنية الموازنة التكاملية بين امن الدولة و امن الإنسان .. .وذلك على الرغم من صعوبة التحقيق العملي لمثل هذا التصور لميوعة المفهوم و ضبابية الحدود بين ما هو دولتي و ما هو إنساني.
*- الأمن الإنساني: مقاربة اصطلاحية
التعريف الحدي للأمن الإنساني هو امن الإنسان من الخوف ( من القهر و العنف و التهميش ) و الحاجة ( الحرمان ...و عدم التمكين الاجتماعي) ، أي محاولة خلق ديناميكية تدمج الإنسان في الأولويات التنموية و السياسية بدل من التركيز على استقرار النظام السياسي و بيئتة .
فعلى الرغم من الإجماع الواسع على هذا التعريف الإجرائي إلا انه مع ذلك توجد تعاريف كثير ة ضعيفة التوافق الوظيفي. فلجنة الأمن الإنساني قد عرفته على انه " حماية أساسيات البقاء بطريقة ترقي من حقوق و حريات الإنسان " (1). و ذهب كل من Sadako Ogata و Johan Cels إلى أعمق من ذلك بتعريفهم للظاهرة كأنها مجموعة عمليات حماية الحريات الأساسية –الضرورية لبقاء الإنسان و التنمية، أي حماية الإنسان من التهديدات الخطيرة و المستديمة سواء أكانت طبيعية أم مجتمعية مع تمكين الأفراد و المجتمع من إمكانية تطوير قدراتهم لتحقيق خيراتهم بذاتهم ( المبادرة الذاتية و المستقلة ) بشكل يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (2) .
أما التقرير الثاني لبرنامج الأمم المتحدة لسنة 1994 فقد عرف الأمن الإنساني كمنظور جديد للتنمية. و الأمن متمحور حول الإنسان وحاجاته و كذلك حماية الإنسان من المخاطر المستعصية chronic threats مثل المجاعة و المرض و القهر السياسي و " احتمالات الإنقطاع المفاجئ و الضار لحاجات الإنسان اليومية ..." (3) فمن هنا حدد محرري التقرير ( محبوب الحق و (Amartiya Sen 7 أبعاد للأمن الإنسان حسب فلسفة الحاجات الإنسانية .
1- الأمن الاقتصادي أي ضمان الحد الأدنى من المدخول لكل فرد .
2- الأمن الغذائي أي ضمان الحد الأدنى من الغذاء لكل فرد
3- الأمن الصحي أي ضمان الحد الأدنى من الحماية و الرعاية الصحية من الأمراض و الوقاية منها
4- الأمن البيئي و التي يقصد بها حماية الإنسان من الكوارث الطبيعية و الحفاظ على البيئة من استدمار الإنسان .
5- الأمن الفردي و الذي يعني حماية الإنسان من العنف المادي من طرف الدولة، الدول ، الفواعل عبر الدولية ...الخ.
6- الأمن المجتمعي الذي يقوم على ضمان الاستمرار في العلاقات الاجتماعية التقليدية و القيم من العنف العرقي و الطائفي .
7- الأمن السياسي الذي يضمن للبشر العيش في كنف مجتمع تضمن و ترقي حقوق الإنسان.
و لقد مكن هذا المنظور الاممي من تطوير مجموعة من المبادرات مثل المبادرات اليابانية و الكندية و النرويجية الهادفة لتحقيق الأمن و السلم العالميين بالتنمية و تمكين البشر من حقوقهم (5). و كانت لهذه المبادرة الدور الفاعل في إنشاء " شبكة الأمن الإنساني " و التي على أساس نجاحاتها أسس كوفي عنان " لجنة الأمن الإنساني " و حرر الأوربيون تقرير برشلونة (2004) A Human Security Doctrine for Europe .
فمن هنا يظهر مدى التفاعل الأكاديمي و العملي في تطوير منظور حركي لأمن الإنسان في ظل عولمة للحقوق و المخاطر (مفارقات العولمة ) .
• الأمن الإنساني و مفارقات العولمة
تعد العولمة مجموعة من الحركات التأسيسية المتشابكة و المرتبطة بتعريفات و محتويات متوافقة و طبيعية للقيم و المعايير التي يحددها التوزيع الدولي للقوة و تحددها القيم الممثلة للغرب الحضاري الذي تدافع عنه الولايات المتحدة و الغرب الأوربي الذي بعمل منذ عقود على هيكلة و بناء عالم قائم تصوراته المنمطة لحقوق الإنسان و الديمقراطية واقتصاد السوق. كما يريد أن يجعل العالم متفاعلا أكثر بفتح الحدود و إلغاء الحدود الجمر كية باسم حرية انتقال السلع و المال و الخدمات (حسب منطق منظمة التجارة العالمية ) و تماشيا مع فكرة الاعتماد المتبادل الذي تحدث عنه Keohane & Nye (منذ أكثر من 30سنة) و الذي أنتج صراعات بنيوية ( بالمعنى الذي قدمه Krasner) .
فالعولمة بهذا المنظور يحاذي (ولا يساوي ) الأمركة بمعنى خلق الأرضية القيمية –المعيارية و المادية المساعدة على تحقيق منطق الهيمنة الأمريكية على العالم ( بالمعنى الذي قدمه Robert Cox) . فالعولمة وان كانت قيميا تقدم على أنها تهدف لتحقيق السلم العالمي و حقوق الإنسان فإنها فعليا غير ذلك كما يظهر في المفارقات الدلالية Illustrative Paradoxes التالية:
1- على الرغم من الإعلان على ميلاد جديد لحقوق الإنسان العالمية بعد مؤتمر فيينا 1993، إلا أن البشاعة الإجرامية ضد حقوق الإنسان و الحياة قد تزايدت عن طريق التصفية العرقية ( فلسطين، البوسنة و الهرسك، رواندا ‘بوروندي، الكونغو... و النيجر الذي طرد أكثر من 150 ألف ساكن ذو أصول عربية إلى التشاد سنة 2007)
2- تزايد التعديات السافرة ضد حقوق الإنسان باسم " التدخل الديمقراطي " في هايتي و العراق(...)
3- تزايد المعاناة الإنسانية بسبب الانفرادية الأمريكيةفي العراق، كوسوفو، أفغانستان، الصومال ...الخ
4- تزايد الجرائم ضد الإنسانية بفعل الأزمات الداخلية في البحيرات الكبرى، السودان ليبريا، سيراليون، باكستان ...الخ
5- أدت العولمة الاقتصادية غير المتكافئة إلى توسيع الهوة التنموية بين الشمال و الجنوب مما زاد من رقعة الفقر (أكثر من 2.8 مليار ساكن يعيشون بأقل من 02 دولار في اليوم )
6- انتشار الأمراض و الأوبئة مثل SARS أنفلونزا الطيور، AIDS السل، المالاريا... و عودة أمراض الفقراء مثل الطاعون و غيره
7- انتشار الأمراض المتنقلة بالماء أكثر من 1.2 مليار ساكن ليس لهم الحق الدائم في استهلاك ماء صحي و نظيف
8- تنامي ظاهرة الإرهاب و ما تسببه من دمار و فقدان للحياة
9- انتشار الكوارث البيئية و الكوارث الطبيعية و الصناعية
10- تصاعد ظاهرة الهجرة السرية آو هجرة الموت و ما تؤديه إلى فقدان الأرواح في البحار وعلى الحدود .
فبالنظر لغياب العدالة التوزيعية عالميا و تنامي التهديدات اللاتماثلية فانه من الصعب الحديث في عالم لا زالت فيه الغلبة للقوة Might is always Right الحديث عن امننة بالمنطق الإنساني ... فنحن في عالم المكانة الأولى فيه للقوة و بعدها بمسافة بعيدة يأتي الإنسان ... و لكن بفرص حياتية غير متساوية.
الهوامش:
1- S.Ogata and Johan Cels : "Humain security:Protecting and empowering the people », Global governance , 9(3), 2003, p.274.
2- ibid .
3- UNDP: “Human Development Report”, New York: UNDP, 1994, pp.22-44.
4- Ibid pp.24-33
5- Department of Foreign Affairs and International trade (Canada): “Human Security: Safety for people in a changing world”, Ottawa: Department of Foreign Affairs, 1999, p.5.