منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Empty
مُساهمةموضوع: سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث   سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyالخميس نوفمبر 15, 2012 11:28 am

سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث - مصطفى محسن
1- تمهيد أولي: في طرح الإشكال
تقدم الأدبيات السوسيولوجية حول مجتمعات العالم الثالث، ومن ضمنه العالم العربي، مادة خصبة من الطروحات والنماذج التحليلية الطامحة إلى تأسيس رؤية نظرية ومنهجية ملائمة لدراسة واقع هذه المجتمعات، والتعرف على الآليات والمركبات المختلفة التي تتحكم في هيكلتها وتطورها. غير أن الكثير من هذه المحاولات لم يسلم من الوقوع في شرك تصورات اختزالية لواقع هذه المجتمعات موضوع الدراسة. وذلك حينما ترجع ما تعانيه هذه الأخيرة من تخلف اقتصادي، وسياسي، وثقافي… وما يطرأ عليها من تحولات وتغيرات إلى جانب واحد من جملة الجوانب المتحكمة في سير هذه المجتمعات، الأمر الذي يقتضي من الباحث التزام الحذر النظري والمنهجي الضروري أمام مثل هذه الطروحات. وذلك باعتبار أن النظرة الشمولية للواقع المجتمعي المتعدد المبحوث هي الكفيلة بتشريح بنياته، ومجالاته، وأبعاده، دون الاعتماد الكلي على جانب واحد: (اقتصادي، سياسي، ثقافي…)، كما لو كان هو الوحيد الذي يحدد أهم معالم هذا الواقع المجتمعي، دون غيره من الجوانب أو الأبعاد الاجتماعية الأخرى. وعلى أي فإن هناك نموذجا تحليليا ثلاثي المكونات (Modèle d'analyse) يسير الاتفاق حول نجاعته في اتجاه متصاعد. ويتكون هذا النموذج التحليلي من المجالات الاجتماعية الآتية: المجال السياسي، المجال الاقتصادي-الاجتماعي، أي: مجال التراتبات الاجتماعية، المجال الرمزي-القيمي: (الثقافة والإيديولوجيا)(1).
ولا يعني هذا النموذج، بأي حال، اختزالا لا علميا للنسق المجتمعي في أحد الأبعاد أو المجالات الاجتماعية المذكورة. بل كل ما في الأمر أن كلا من السلطة السياسية، والطبقية، والثقافة ليس إلا منظارا، أو زاوية معينة من عدة زوايا أخرى ممكنة يفترض أن نطل منها على جل مكونات التعدد المجتمع. كما أن النموذج الآنف لا يفترض أسبقية، أو أهمية أحد مكوناته على الآخر إلا عند تناول الباحث لنسق مجتمعي معين.
فقد يمكن أن يكون موضوع الدراسة نسقا اجتماعيا متسما بطابع التراتبات الاجتماعية، أو بهيمنة الأجهزة السياسية، أو بتصدر العامل الثقافي، بحيث يبدو أحد هذه الأبعاد متحكما، بشكل بارز، في مختلف الأبعاد والمكونات الاجتماعية الأخرى. غير أن هذا التحكم لا يعني، بأي حال، إهمال أو تجاهل هذه المكونات. بل المقصود فقط هو الاعتراف بالأهمية النسبية التي يحتلها كل جانب في أوضاع اجتماعية وزمكانية محددة في إطار تفاعله مع غيره من الجوانب والمجالات. إن هذا المنظور التكاملي لجدلية التعدد والاختلاف في المجتمع هو الكفيل بالإحاطة شموليا بالواقع موضوع الدراسة(2).
2 ـ نموذج تحليلي مقترح لمقاربة أوضاع المجتمعات الثالثية:
وفيما يتعلق بأوضاع العالم العربي، بشكل خاص، يذهب عدد لا بأس به من الباحثين في السوسيولوجيا والاقتصاد، بل وفي غيرهما من التخصصات العلمية والمجالات الفكرية الأخرى، إلى إعطاء الأسبقية للآلية السياسية (بالمفهوم السوسيولوجي الواسع للسياسة) على الآلية الاقتصادية والآلية الثقافية في تفسير أوضاع المجتمعات العربية كجزء من منظومة مجتمعات العالم الثالث. ويبرر هذا التصور بكون ما تعانيه هذه المجتمعات من تخلف مضاعف لا يرجع إلى التمايزات الاجتماعية-الطبقية، ولا إلى العامل الثقافي-الإيديولوجي، بل يعود بالدرجة الأولى، إلى كيفيات وأشكال توزيع السلطة والنفوذ الاجتماعي، التي تشرط بدورها أشكال توزيع المراتب الاجتماعية وقنوات الاستفادة المادية: (الجانب الاقتصادي)، وكذلك المعرفة والقيم والرموز: (الجانب الثقافي-الإيديولوجي). وذلك على اعتبار الجانبين الأخيرين تابعين، في التحليل النهائي، للكيفيات التي تشتغل وفقها الآلية السياسية في المجتمع المعني.
3 – حول الجذور النظرية للنموذج التحليلي المقترح:
ويبدو أن هذا الطرح يعود، في جذوره النظرية، إلى طروحات ماكس فيبر (Max Weber) الذي كان "أول من اعتبر الظواهر السياسية كوقائع خاصة لها منطقها الخاص، وتمر بتاريخ خاص بها أيضا. لا يفسر السياسي بعلاقات الإنتاج أو بتقسيم العمل، كما هي الحال في النماذج العامة عند ماركس أو دوركايم: إنه يجد، من الآن فصاعدا، محدداته الخاصة في ذاته. وانطلاقا من فيبر صار مطلوبا من علم الاجتماع التاريخي عرض حقيقة الظواهر السياسية بالاستناد إلى "مادية" سياسية أو عسكرية تبين أنها قوية قوة المادية الاقتصادية. ليست وسائل الإنتاج هي التي تؤثر لوحدها في تغير الأنظمة الاجتماعية، بل إن وسائل الإدارة تؤثر بالقوة ذاتها أيضا. [ و هكذا] اهتم فيبر، قبل كل شيء، بطبيعة وقائع السيطرة والخضوع والسيادة والقدرة أو السلطة. وصاغ تاريخ المجتمعات من خلال إبراز تغير نمط الحكم؛ تفسر الإقطاعية مثلا بنوع معين من ضبط الوسائل المادية للسيطرة، بالملكية الخاصة لأدوات العنف وتفشي تملك وسائل الإدارة"(3).
وواضح أن هذا التصور الفيبري يختلف –كما تمت الإشارة إلى ذلك في النص الآنف- عن التصور الماركسي، وخاصة في شكله الأورثوذوكسي، ويطرح إمكانية أخرى لتحليل وتفسير الميكانيزمات المتحكمة في الدينامية الاجتماعية.
4 – الدولة الثالثية وأزمة غياب المشروع المجتمعي:
إن الاستنادات التي يرتكز عليها أنصار هذا الطرح في تفسير واقع مجتمعات العالم الثالث عامة، والعالم العربي بشكل خاص، تعود إلى أن هذه المجتمعات لم تتمكن بعد من إفراز هيمنة طبقية واضحة المشروع والمعالم، وقادرة، بالتالي، على هيكلة مكونات واختلافات المجتمع، وتطويره، كما حدث بالنسبة للبورجوازية الغربية. وهكذا فليست هناك إمكانية علمية للحديث بالدقة الكافية، مثلا، عن بروليتاريا بدون بروليتاريين… وذلك على اعتبار أن هؤلاء هم نتاج سياق اجتماعي تاريخي خاص ومحدد يحيل، للتَّوِّ، إلى واقع المجتمعات الغربية، أساسا، ثقافة وحضارة وبنيات اجتماعية.
وفي غياب هذا المشروع الطبقي المهيمن –بالمعنى الماركسي لمفهوم الطبقة الاجتماعية- ستصبح الدولة في المجتمعات الثالثية هي البديل الوظيفي لمختلف الفعاليات الطبقية-الاجتماعية، بل عائقا دون تبلورها تكوينا، ووعيا، وممارسة. وإذا كانت الحركات الوطنية في هذه المجتمعات قد شكلت ما يشبه "حلفا وطنيا" حارب الاستعمار الأجنبي، ودافع عن الذاتية الوطنية والقومية في فترات الحماية أو الاحتلال، التي كان المستعمر فيها يشكل التناقض المرحلي الأساسي، فإن التناقضات الاجتماعية الثانوية بين مختلف الفئات والشرائح لم تلبث أن انفجرت بعد استلام الاستقلال الشكلي. ولما كانت بعض فصائل النخبة الوطنية هي التي تملك تأهيلات اقتصادية وثقافية وسياسية لخوض مرحلة ما بعد الاستقلال، فإنها، ونظرا لظروف نشأتها وتكونها في أحضان المستعمر، ولارتباط بعض مصالحها مع بعض مصالحه، لم تكن قادرة على دفع مد الصراع الاجتماعي إلى مداه البعيد، ولذلك كان تركيزها على السلطة، بل التسلط لكبح أي صراع، وإبعاد أي عنصر مناوئ، مختلف، أو مخالف لتوجهاتها.
ولما كان المستعمر/الاستعمار يشكل لدى هذه النخبة النموذج المثالي، في شكله السيطري التنظيمي، إداريا وعسكريا، فقد أخذت منه شكله القمعي العنفي المتمثل في مؤسسة الدولة، التي ستحتل في هذه المجتمعات الثالثية محور الارتكاز الأساسي المستقطب لكل الفعاليات والاختلافات الاجتماعية… وستبرز الدولة في هذا الوضع كجهاز مركزي محتكر وحده للتاريخ، ومهيمن على كل الفئات والشرائح والطبقات الاجتماعية المتباينة، ومحدد لمآلها ومصيرها. هكذا، إذن، تصبح الدولة بمثابة القطب الجاذب في المجتمع رمته، وتغدو السلطة السياسية، ممثلة في أجهزة الدولة، بمثابة النقد La Monnaie كوسيط كوني Universel بين الفرد ومختلف القيم الاقتصادية والثقافية. إن الاقتراب أو الابتعاد من السلطة هذه سيكون، في هذا الحال، هو المحدد الرئيسي للوضعية المراتبية للشرائح والفئات المختلفة، ولمواقفها ومواقعها وأدوارها الاجتماعية.
"وبقدر ما تصبح المكانة التي تحتلها طبقة أو فئة اجتماعية معينة في الدولة هي التي تحدد وضعيتها الاجتماعية، وغالبا أيضا وضعيتها الاقتصادية، فإن الصراع على السلطة يصبح العامل الذي يشرط ويتحكم بكل فعالية اجتماعية فكرية كانت أم مادية. وتبدو الدولة عندئذ كمجرد رافعة للطبقات وللنخب المتجددة. وهذا ما يفسر الهشاشة الكبيرة للحياة السياسية في البلاد النامية من جهة، وسيطرة هذه الحياة المفرطة على كل نواحي النشاط الفردي والاجتماعي. وليست الأحزاب السياسية هنا إلا طفرات سياسية تعيش على هامش الحزب الرئيسي والأساسي الذي هو الدولة ذاتها. وليس لهذه الأحزاب، خارج إطار تعايشها أو تنافسها مع الدولة، أي حياة ثقافية أو اجتماعية مستقلة وخاصة. إن الجدل الاجتماعي يظل هنا، بالدرجة الأولى، جدلا سياسيا. مما يفقر المجتمع من الإبداعات النظرية والعلمية والتقنية، ويعطي لصراع الطبقات والبرامج شكل الصراع بين الدولة والشعب. وهذا يمنع الوصول إلى أي تركيب أو تسوية"(4)، أو توازن بين مجمل الاختلافات والتوجهات والمصالح…
وفي إطار هذا الخواء الاجتماعي، الذي تتحرك فيه الدولة في المجتمعات الثالثية، لم يبق لها من دور اجتماعي غير انتهاج استراتيجية الاستبعاد والقهر والاستعباد للأغلبية الاجتماعية، وغير إدارة العنف وتقنينه(5). فتعجز بذلك عن تشكيل أي إجماع وطني، أو وفاق اجتماعي توحده قيم وغايات وأهداف ومطامح مشتركة. إن هذه الدولة الثالثية "وعندما تتحول… إلى أداة تخدم مصالح فئة اجتماعية محددة، أو تصبح هي ذاتها إطارا لتنظيم هذه المصالح وتوسيعها حسب منطق دورة رأس المال الدولي، فإنها تبدو، بحق، من أعظم ما أنتجه التاريخ من الدول التعسفية، فتجمع القهر الفكري إلى القهر السياسي، وتدمر السلطات الخاصة والمستقلة، وتجعل من سلطتها الذاتية ومصالحها سلطة/وطنية/ومصالح/عامة/. فيصبح على الشعب أن يخدم هذه المصالح، ويدافع عنها، ويخضع لها، ويكرس نفسه وإمكاناته لتطويرها"(6).
ويترافق هذا التصدر الدولوي مع بروز "بورجوازية متوسطة أو صغرى" إلى جوار الكومبرادور المرتبط عضويا بالمتروبول الأجنبي. هذه البورجوازية المتكونة أساسا من أرباب المشاريع والأعمال الصغرى والمتوسطة، ومن بعض الموظفين والمثقفين…الخ، ونظرا لما تفتقده من سند اجتماعي-اقتصادي قوي، فإنها لا تجد ما يعزز مواقعها وأوضاعها غير الارتباط المصلحي بالدولة والتعلق بها. ومن هنا نفسر العديد من حالات سقوط الكثير من الرموز السياسية والفكرية، وارتمائهم في أحضان الدولة، وتحولهم من معارضتها إلى سدنة وخدام مخلصين لها إلى حد العبادة والتقديس، ضمانا لمصالحهم الاقتصادية والسياسية، على حساب المصالح الوطنية العامة. وهكذا يفقد النضال السياسي والثقافي أي إجماع شعبي وطني في العديد من الحالات والأوضاع، ويصبح ضربا من الهراء، والابتذال، وجعجعة بلا طحين. ويتضح للكثير أنه لا يوجد أي بديل قادر على تجاوز وتخطي مشروع الدولة المتصدر، فلا يبقى، إذن، غير التسبيح بحمدها، ومهادنتها، وإعلان الولاء لها وللسائرين في ركابها.
5 – التخلف الاجتماعي والإخفاق السياسي: أي تمفصل علائقي؟
من هذا المنطلق يرى أغلب المهتمين بقضايا التنمية والتخلف أن ما تعانيه المجتمعات الثالثية من تخلف مركب ومستفحل يرجع، بالأساس، إلى الإخفاق السياسي للدولة القائمة في هذه المجتمعات، وارتباطاتها بفعاليات وممارسات اجتماعية تخدم، بالأساس، توجهات ومطامح لا تمت إلى مصالح وحاجات ومطامح الأغلبية الساحقة من الشعب بأي صلة، بل ترتبط أساسا بالدولة وزبانتها ومجمل السائرين وفق خطها الرئيسي في قمع ونهب المجتمع، وإحكام الخناق عليه، وإدارته عبر تسخيرها لأعوانها وعملائها من مختلف الشرائح والفئات بأقل كلفة ممكنة.
وفي الأوضاع الاجتماعية المتردية التي تخلقها دولة المصالح الخاصة هذه، يفتح الباب واسعا وعلى مصراعيه لكافة أساليب الانتهازية والوصولية، وللعديد من العلاقات القرابية والزبونية وعلاقات الولاءات السياسية والشخصية لتحقيق الأغراض والمصالح الفردية والفئوية الخاصة والمحدودة.
ويقع تكريس هذه الأنماط من السلوكات بقيم ومعايير هي، في عمقها، ضرب لقيم العمل، والإنتاج، والإيثار، والتسامح، واحترام الاختلاف، والنضال من أجل المصالح العامة المشتركة. وهكذا تنتشر قيم الأنانية، والتحفظ، والحذر من الآخر، وتربص المبادأة، والتكتم على المشاريع والمصالح والحاجات الشخصية…
وغير خاف "أن الضغوط الاقتصادية الشديدة التي يتعرض لها الناس [ في مجتمعات العالم الثالث ] بفعل استغلال الطبقة البورجوازية الطفيلية للشعب، تجعل من العسير جدا على الناس الاستمرار في التمسك بالقيم الإيجابية، وتخلق بيئة مناسبة لانتشار الفساد الخلقي مما يؤثر تأثيرا بالغا على إنتاجية الفرد في المجتمع"(7).
ومن مظاهر هذا الفساد الاجتماعي والخلقي انتشار الرشوة والاختلاس والسمسرة بأشكالها المتعددة، وفي مختلف المجالات، بدءا من مجال التعاملات الحياتية اليومية العادية حتى المستويات العليا إدارية وسياسية، بل وحتى ثقافية أحيانا. ويقع، بفعل هذا كله، تدعيم كافة أنماط الممارسات الشاذة واللامسؤولة خلقيا واجتماعيا، ونبذ واحتقار كل سلوك عقلاني خلقي أو نضالي مسؤول، سواء في المجال العلمي والمعرفي، أو في المجال الاقتصادي، أو السياسي أو الاجتماعي.
"إن التواجد وسط مناخ عام فاسد يتطلب من أي مواطن شريف قدرة خارقة على مقاومة الفساد، بل إن المقاومة قد تعرضه لأخطار التآمر عليه، علاوة على المعاناة الشديدة من الضغوط الاقتصادية التي يرى غيره يتغلبون عليها، أو يخففون من حدتها بالفساد"(Cool.
ولعل فيما قدمناه أعلاه ما يدعم الأطروحة التي سقناها آنفا والتي مفادها أن تخلف المجتمعات الثالثية (ومن ضمنها المجتمعات العربية بالطبع)، في جميع مظاهره ومناحيه، يرجع، بالدرجة الأولى، إلى الإخفاق السياسي للدولة الثالثية، وعجزها التام عن تطوير المجتمع وتحويل هياكله وبنياته باتجاه إنماء حقيقي شمولي. وأنها لم تعمل سوى على نشر وتعزيز كل ما من شأنه أن يضرب عملية التنمية في الصميم: من قيم ومعايير ونماذج سلوكية تشكل في مضمونها إلغاء لكل عقلانية ولكل التزام إنساني أو خلقي لا يستغني عنه أي مشروع تنموي.
غير أن هذه الدولة،في الوقت الذي استطاعت فيه تحقيق سيطرتها (Sa domination) بفعل قوتها المادية وأساليبها القمعية، وبما تكرسه من قيم وممارسات وسلوكات اجتماعية مثل التي أشرنا إليها فيما سبق، في الوقت الذي تعجز فيه عن تحقيق هيمنة: (Hégémonie)(9) قادرة على منحها شرعية (Légitimité) اجتماعية وسياسية على مستوى الاقتناع بمشروعها وإيديولوجيتها. إن ما حدث في المجتمعات الثالثية من تدويل للحياة الاجتماعية (Etatisation) وتسييس (Politisation) للعلاقات، في إطار الدولة القائمة، لا يعني الاقتناع بشرعية هذه الدولة ومشروعها(10)، بل يعكس فقط، تعاملا حذرا ومصلحيا معها تحقيقا للهدنة وللأغراض الخاصة، واتقاء لشر المروق عنها، وما ينجم عن ذلك، بالنسبة لبعض الأفراد والهيئات من عزلة وتهميش على مستوى توزيع المواقع والوظائف والأدوار والاستفادة المادية والمعنوية.
هكذا، إذن، تظل الدولة الثالثية بدون تجذر اجتماعي فعال، الأمر الذي يجعل منها، في الواقع، دولة خواء اجتماعي على حد تعبير أحد المفكرين العرب(11). وسبب هذا الخواء الاجتماعي "هو أن هذه الدولة لم تنشأ عن صراع داخلي قسم المجتمع وكتله، وأتاح بالتالي لأحد أطرافه المتصارعة أن يرسي سيطرته عبر "مسيرة طويلة" هي، فعلا، سياق تكثيف التناقضات داخل المجتمع، وسياق صوغ تاريخية جديدة بعناصرها المتعددة: أسس انقسام المجتمع، والمؤسسات التي تنظم الانقسام والتكامل، والثقافة التي تقرأ تاريخا لم تسبق كتابته. أي أن دولة مجتمعاتنا لم تشكل جهاز سيطرة انبثق من المجتمع ولو باتجاه الانفصال عنه وامتصاص "مادته". لذا ولدت هذه الدولة، بنمط سلطتها الخارجية وطاقمها وأجهزتها ومثقفيها، هامشية بالمعنى الحرفي. ولم تنجح في كسر هامشيتها حتى في أوج سطوتها، عندما بدا أنها أمسكت في قبضتها مقاليد الحكم والتنظيم السياسي ووسائل الإنتاج الرئيسية والإيديولوجية الرسمية"(12).
6 – الدولة الثالثية بين خلفية التكون ومآزق المآل:
وبالعودة إلى الشروط السوسيوتاريخية التي تشكلت في إطارها الدولة في المجتمعات النامية، تتكشف بعض أهم معالم انفصال هذه الدولة عن المجتمع، وابتعادها عن أن تكون دولة قومية أو وطنية: (Etat-Nation – Etat Nationale) متجذرة في المجتمع، معبرة عن تناقضاته، وصراعاته، وحاجاته، واختلافاته، ومكوناته المتمايزة…
لقد كانت مجتمعات العالم الثالث، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أمام مشروعين كبيرين متناقضين(13):
*مشروع الدولة التقليدية المحلية بزعاماتها وقياداتها ومثقفيها وتحالفاتها المحلية والخارجية. أي، بتعبير آخر، بكل ما يشكل امتداداتها ومرتكزاتها. ولم يكن هذا المشروع متماثلا في كل المجتمعات النامية المتميزة –كما هو معروف عبر أدبيات سوسيولوجية واقتصادية وتاريخية متعددة- باللاتجانس والاختلاف الجغرافي والتاريخي والحضاري والاقتصادي، وعلى مستوى البنيات والهياكل الاجتماعية والسياسية والثقافية(14).
*المشروع الكولونيالي بشتى أشكال تواجده في المجتمعات المعنية، والذي يحمل، في عمق توجهاته واستراتيجياته، مشروعا رأسماليا احتكاريا، بالأساس.
وقد أدت هشاشة البنيات التقليدية في المجتمعات المستعمرة، وعدم قدرتها على المواجهة لتكون بديلا للاستعمار الأجنبي إلى تمكن المشروع الاستعماري من احتواء المشروع التقليدي بجميع فعالياته ليجعله منضويا تحت توجهاته الفكرية والسياسية والاقتصادية، وليعيقه عن التطور الذاتي المستقل وفق شروطه المحلية الخاصة.
وما أن حلت مرحلة الاستقلال –الشكلي في عمقه بناء على الكيفية التي تم بها في أغلب مجتمعات العالم الثالث- حتى كانت النخب والقيادات السياسية والاجتماعية المحلية –وهي التي كان عليها مهمة بناء دولة وطنية حديثة- قد ربطت عضويا مصالحها مع المستعمر الذي خرج من الباب ليعود من النافذة عبر تلك المصالح والارتباطات.
وقد نتج عن هذا المآل التاريخي لتشكل الدول في البلدان النامية لا قيام رأسمالية حقيقية بفلسفتها وقيمها وممارساتها… ولا قيام رأسمالية دولة: (Capitalisme d'Etat)، بالمعنى الدقيق للمصطلح، بالرغم من كثرة الحديث، في بعض مراحل تطور مجتمعاتنا، عن هذه الدولة(15). إن كل ما حدث لا يتعدى، في واقع الأمر، نشوء دولة تابعة لمصادر القرار في المركز/الغرب، متخارجة في ارتباطاتها وعلائقها بمصادر القرار تلك. دولة هي، في العمق، إفراز لتسوية مزدوجة أكثر مما هي إفراز لصراع اجتماعي: تسوية بين المستعمر وبين النخب والقيادات المحلية بهدف إقرار الاستقلال السياسي الموهوم، وتسوية داخلية بين الفئات والشرائح الاجتماعية المناوئة والمختلفة قائمة على لجم الصراعات وإيقافها، وطمس التناقضات، تحقيقا "للوحدة" ودرءا للفوضى والتشتت والانقسام في "الأمة الواحدة".
ونظرا لكل هذه المواصفات والخصائص التي تتميز بها الدولة في البلدان النامية فقد ظلت صدارتها، على مستوى التحكم في هيكلة المجتمع وتحديد مآله وتطوراته، صدارة قائمة –كما سبق أن أوضحنا- على منطق عنفي قامع بلا شرعية مقنعة، وبالتالي بلا مشروع مجتمعي واضح المعالم والرؤى والأهداف والغايات، مؤطرا لمصالح المجموع، ومنبن على الوفاق والإجماع الأغلبي، ومشكل لمرجعية ناظمة لتعدده واختلافاته الطبقية والإثنية والسياسية…
وعلى النقيض من ذلك تماما، فإن الدولة في المجتمعات الغربية قد حققت نوعا من التكامل والانسجام في إطار مشروع مجتمعي وحضاري(16) يوحد ويوائم ما بين المجتمع بكل فئاته وطبقاته وفعالياته المختلفة، وبين الأمة كوعي مشترك بالهوية الحضارية والتاريخية، وبين الدولة كإطار تنظيم عقلاني قانوني لمشروعها المجتمعي، بكل مكوناته واختلافاته. وبذلك أصبحت هذه الدولة دولة شرعية إجماعية ودولة قانون(17). في حين بقيت الدولة الثالثية دولة نُخَبٍ سائدة متسلطة، دولة عنف واستبعاد للمجتمع/الشعب، وبالتالي دولة خواء اجتماعي.
وبذلك ظلت المكونات الثلاثة الآنفة: المجتمع: La société، والأمة: La nation، والدولة: L’Etat، في العالم الثالث، لا تجد وحدتها وتكاملها إلا على مستوى إيديولوجيا شعارية خادعة ومخدوعة في نفس الآن(18)، إيديولوجيا تتوسل، أحيانا، إلى القيم الماضوية والتراثية لدعم مقومات وجودها، وتتمظهر، أحيانا أخرى، ببعض مظاهر العصرنة والحداثة، فتعتقد بذلك، واهمة، أنها قد حققت توفيقية مثالية ما بين الأصالة والمعاصرة، في الوقت الذي تبدو فيه متخلفة عن الماضي والحاضر في آن(19). ولعل المجتمعات العربية تقدم، في أوضاعها الراهنة المتخلفة، مثالا حيا لمراوحة يائسة مهتزة ما بين التقليد والتعاصر. لا في بنياتها وهياكلها السياسية وحسب، بل في جل البنيات والمجالات والمؤسسات التربوية، والأسرية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية بشكل عام(20).
7 – حوار حول الصلاحية المنهجية للنموذج التحليلي المقترح:
هكذا، إذن، نصل –من خلال ما سبق عرضه- إلى دعم النموذج التحليلي المقترح، والذي يفترض أسبقية الآلية السياسية على الآلية الاقتصادية والثقافية في تحديد الأنساق المجتمعية في العالم الثالث، وبالتالي في تفسير وتحليل أوضاعها الراهنة. الأمر الذي يولي، بالاستتباع، أهمية شارطة للطرح السياسي لإشكالية التخلف والتنمية والتحديث في البلدان النامية، مع مراعاة اختلافاتها وتمايزاتها المتعددة.
غير أننا، وإن كنا نقر بنجاعة النموذج التحليلي الآنف، نظرا للحيثيات التي سبق أن قدمناها، فإن التشابك العلائقي المعقد لمجالات وأبعاد واختلافات المجتمع، أي مجتمع، يجعلنا نؤكد على ضرورة عدم الإغفال التام لتلك المجالات والأبعاد: البعد السياسي، البعد الاقتصادي-الاجتماعي، البعد الثقافي والإيديولوجي.
وإذا كنا مع الموقف الذي يرى أن مجتمعات العالم الثالث تتسم، بشكل أساسي، بهيمنة العلاقات السياسية، في المناخ الذي تقيمه الدولة الوطنية راهنا، على العلاقات الطبقية-الاجتماعية، والثقافية-الإيديولوجية؛ فإن هذا لا يعني، أبدا، أننا نرتكن إلى تفسير أحادي البعد، بل إن كل ما نرمي إليه هو، بالذات، التأكيد على أولوية نموذج تحليلي معين، وعلى نجاعته النظرية والمنهجية في إبراز محددات النسق ومكونات النسق الاجتماعي المبحوث. ونعتقد أن العديد من الأبحاث، والطروحات، والمقترحات النظرية لا تتنافى مع هذا الموقف، بل هناك تقارب متصاعد حول دعمه وتكريسه.
إن مشكل التخلف، بناء على النموذج الآنف، هو، في التحليل النهائي، مشكل سياسي يرجع إلى طبيعة الدولة الحالية في المجتمعات الثالثية، وهشاشة بنياتها المادية والرمزية، وما تكرسه من قيم وممارسات مهترئة وعاجزة عن القيام بأي إقلاع تنموي فعلي. إلا أن مشكل التخلف هذا لا ينحل، فقط، إلى علاقات سياسية موسومة باللاعقلانية في تدبير اختلافات الشأن المجتمعي العام، وبالاستغلال الطبقي، وضيق الأفق الإيديولوجي، وفقدان المشروعية وإعاقة أي مشروع طبقي-اجتماعي ومنعه من التبلور والانطلاق… أي إلى علاقات بنيوية داخلية وخاصة؛ بل يعود، أيضا، إلى عوامل خارجية مرتبطة، أساسا، بالاستعمار، بكل أشكاله ومستوياته ومستتبعاته.
وإذا كانت بعض المجتمعات النامية، مثل المجتمعات العربية، قد عرفت، منذ زمن طويل، مفهوما معينا وخاصا جدا لما يدعى بـ الدولة/الأمة التي شكلت حلفا وطنيا دافع ضد الأجنبي حفاظا على الهوية الذاتية المتميزة (كحالة المغرب ومصر فيما قبل عهود الاستعمار)؛ فإننا نرى، حاليا، أن اندماج التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية الثالثية في إطار علاقات التبعية، أو ما يسميه البعض: نمط الإنتاج الكولونيالي(21)، أو: التشكيلات الاجتماعية المحيطية(22) هذا الاندماج لم يتح لهذه المجتمعات فرصة التطور بالاتجاه الطبيعي نحو مآلات تاريخية يبدو من الصعب إمكان التنبؤ العلمي بمحدداتها مادمنا لا نتوفر على الشروط الكافية والموضوعية لمثل هذا التنبؤ.
بعيدا، إذن، عن اختزال مشكل التخلف والتنمية والتحديث في نمط الدولة الثالثية المعاقة، فإننا نتفق مع ما يدعى بـ: الاتجاه البنائي-التاريخي: L’orientation structuro-historique، والذي يرى "أن ظاهرة تخلف دول العالم الثالث تعود إلى نوعين من العوامل (أو الأسباب)، لا يزالان بحاجة إلى فهم عميق. العامل الأول خارجي مرتبط بالنظام العالمي الإمبريالي الذي يضمن للدول الراسمالية الصناعية المتقدمة مضاعفة احتكاراتها عن طريق استغلال الدول النامية والإبقاء على أوضاعها الراهنة… أما العامل الثاني فهو داخلي ومرتبط بطبيعة دول العالم الثالث وبناءاتها واستراتيجياتها، أي مرتبط بقدراتها على تحقيق الاستقلال الاقتصادي وإلغاء التبعية"(23).
وتأسيسا على ما سبق تتضح الأهمية المنهجية للمنظور الشمولي البنائي-التاريخي في تفسير واقع التخلف، كما تتضح أهمية الطرح السياسي لهذا الواقع في نفس الوقت. فالمشروع التنموي التحديثي هو، في العمق، قرار سياسي، واختيار اجتماعي ينبني على رؤية واضحة الأهداف مكرسة لجميع الفعاليات والإمكانات الاقتصادية والبشرية والتنظيمية لمحاربة التخلف والتبعية، وإحداث التغيرات التنموية والتحديثية المنشودة، في مختلف مجالات الإنتاج وتدبير الشأن المجتمعي العام.
"وهنا يبدو لنا الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الكادر السياسي في تحديد أهداف وأولويات النضال ضد التخلف، وتلك حقيقة إيديولوجية خالصة، ذلك أن النضال ضد التخلف مرتبط بتفاني الكادر السياسي في خدمة المصلحة القومية. وقد تفسر لنا هذه الحقيقة الركود الاقتصادي الذي تعاني منه كثير من الدول المتخلفة الغنية بالمواد الطبيعية. ولا يستطيع هذا الكادر السياسي أن يؤدي مهامه بنجاح دون مشاركة جماهيرية حقيقية، على أن يتم الارتفاع بمستوى وعي الجماهير إلى أقصى حد ممكن"(24).
ومن البديهي أن دولة ثالثية بكوادرها المتخلفة، ومرتكزاتها وامتداداتها، وبما ترسخه في المجتمع من قيم وإيديولوجيا وسلوك سياسي… لا تستطيع، بحكم ما توسم به مما قدمنا من سمات وخصائص، أن تسمو بالوعي الجماهيري إلى المستوى الذي تصبح معه قادرة على تكثيف هذا الوعي لصالح مسيرة تنموية تحديثية مدعومة بإيمان واقتناع الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة بأنها تخدم، في هذه المسيرة، قيما وممارسات ومصالح مشتركة. وبدل ذلك، تعمل دولة السلطات المطلقة هذه على إقبار كل المبادرات القاعدية المخالفة المتحفزة، وعلى إنهاك وإضعاف المجتمع المدني: Société civile بالعنف إلى حد التآمر ضده ضمانا لتأييد سيطرتها وإدامتها عوض أن تعمل على تقويته، وأن تكون سنده في تحقيق توازنه، وفض نزاعاته، وتوجيه طاقاته واختلافاته نحو الخلق والإبداع والمبادرة، وتكريسها لخوض الصراع ضد التبعية والتخلف بدل الصراع الذي تخلقه بين دولة استبعادية من جهة، ومجتمع متفكك متحلل، من جهة ثانية(25). وهكذا تفشل هذه الدولة في إيصال المجتمع إلى تحقيق أي توافق حقيقي بين مختلف شرائحه وتوجهاته الفكرية والسياسية والاقتصادية… الأمر الذي يبرز، على المستوى العملي، إخفاقها أيضا في بلورة أي صيغة عقلانية لتدبير عصري متحضر لدواليب ومكونات واختلافات ومصالح ومشكلات… المجتمع، وقضايا شأنه العام، كما يبرز ذلك، على المستوى الفكري، عجز هذه الدولة عن تأسيس أي ثقافة ديمقراطية معممة اجتماعيا، مكرسة لقيم الاختلاف والحوار والتبادل… ومتبناة من طرف مختلف المكونات والقوى الفاعلة في المجتمع.
وفي غمار أوضاع الانحلال الاجتماعي والخلقي هذه، وفي شرط غياب تلك الثقافة المجتمعية الآنفة الذكر، "تفقد كل القيم التقليدية والحديثة تماسكها وفعاليتها. وبفقدان هذه القيم، تفقد النشاطات جميعها معناها والفعاليات الاجتماعية والفردية بريقها. وعندما تفقد الحياة كل معنى، والنشاطات كل قيمة لا يرى الأفراد وسيلة لتحقيق ذواتهم لا في هذه المهنة ولا في هذا النشاط، لكن فقط في التوحد والتماهي مع السلطة، وفي طلب السلطة، وفي الصراع للوصول إلى أعلى قمة فيها. تصبح السلطة والتسلط هما القيم الوحيدة الممكنة، ويولد لدى كل فرد وفي روحه متسلط صغير. وفي هذه السلطوية المشتركة بين الأفراد والحكم يتحقق التماثل والتمثيل، وتجد ديكتاتورية الحاكم المطلق معناها"(26).
قد نؤاخذ من طرف البعض على هذه الصورة المأساوية –ولكنها الواقعية- التي قدمناها عن الدولة الثالثية. كما قد تنعت هذه الصورة بأنها تشاؤمية وتيئيسية في الوقت ذاته. غير أنه تجدر الإشارة إلى أن مجتمعات العالم الثالث –ومن ضمنها المجتمعات العربية بالطبع- لا تشكل كلا متجانسا ومتماثلا في تجاربه السياسية وأنماط الدول القومية/الوطنية القائمة.
ومع ذلك تبقى القواسم المشتركة التي ركزنا عليها حاضرة بكل ثقلها وتأثيراتها، منتظمة لأغلب دول العالم النامي، دون أن يمنع ذلك من وجود نماذج تنموية ثالثية رائدة لها مكانتها بالرغم من العوائق والكوابح الذاتية والموضوعية التي تعترض سبيلها(*).
ولعل الأوضاع الاجتماعية المهزوزة والمنحلة هي وقود الفكر النضالي الذي لا يعرف التشاؤم ولا اليأس أو التيئيس. ولعل في استعظام فداحة هذه الأوضاع ما يجعل النضال السياسي والثقافي والاجتماعي ممكنا، بل مشروعا وإلزاميا لبلورة إجماع وطني سياسي وثقافي عقلاني، وصياغة رؤية مجتمعية موحدة وهادفة للتغيير الذي يخدم المصلحة العامة المشتركة، ويحارب التفكك والانحلال. وبغير هذا النضال الواعي، الذي يبنغي أن يتحمل الجميع مسؤولية الانخراط فيه، سوف لن يتحقق لبلدان العالم الثالث أي إقلاع أو تنمية أو تحديث. أما كيفية تشكل هذا الوعي النضالي في ظروف الإحباط والتثبيط هذه، وما هي الشروط الضرورية لإنضاجه والدفع به إلى مداه البعيد؟ فتلك مسألة لم يكرس لها هذا البحث المجتزأ المحدود(27).
8 – تذكير ختامي
نلح من جديد، بتحفظ شديد، وبحذر نظري ومنهجي مضاعف، على أنه إذا كانت هناك أهمية ما للنموذج التحليلي المقترح، والذي يعتمد الآلية السياسية كمحدد ومفسر للنسق المجتمعي العام، أي لأشكال وقنوات توزيع الاستفادة والمراتب: (المستوى الاقتصادي-الاجتماعي)، وتوزيع المعرفة والقيم والرموزSadالمستوى الثقافي-الإيديولوجي) أقول: إذا كانت هناك أهمية ما لهذا النموذج، فإنه يجب، مع ذلك، إبعاد كل نظرة اختزالية لواقع المجتمعات الثالثية المبحوثة، والأخذ بمنظور تكاملي لكل أبعاد وجوانب المجتمع الأخرى غير الجانب الدولوي-السياسي. ذلك أن هذه الجوانب والأبعاد لا يقع الاختلاف، في تحديدها وتفسيرها للنسق المجتمعي، إلا في أهميتها النسبية، وعند مقاربة واقع اجتماعي عيني مشخص في الزمان والمكان. وإذا أدخلنا في الاعتبار كون مجتمعات العالم الثالث تتسم، كما سبق الذكر، بغياب مشروع مجتمعي واضح المقاصد والرؤيا، وبتنضيدات اجتماعية-طبقية غير بينة المعالم… اتضح لنا كم يكون مفيدا الأخذ بذلك المنظور التكاملي لشتى جوانب ومجالات المجتمع. وذلك حتى في إطار إعطاء الأولوية في التحليل والتفسير لجانب أو مجال دون آخر. إن هذا الهاجس النظري والمنهجي هو الذي كان يوجه –على مستوى الخلفية المنهجية- هذه الدراسة المتواضعة، والتي لم نكن نهدف من ورائها سوى إلى فتح حوار علمي حول قضية تعتبر، راهنا، من أبرز القضايا الشائكة في الفكر السوسيولوجي المعاصرn
المراجع:
أولا – المراجع العربية والمترجمة:
1 – إبراهيم سعد الدين (بإشراف): المجتمع والدولة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988.
2 – أحمد سمير (نعيم): (أثر التغيرات البنائية في المجتمع المصري خلال حقبة السبعينات على أنساق القيم الاجتماعية ومستقبل التنمية)، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، العدد الأول، السنة الحادية عشرة، مارس، 1983.
3 – الأزرق (مغنية): نشوء الطبقات في الجزائر…، ترجمة سمير كرم، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1980.
4 – أمين (سمير): المغرب العربي الحديث، دار الحداثة، بيروت، 1980.
5 – أمين (سمير): التطور اللامتكافـئ، دراسة في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية المحيطية، ترجمة برهان غليون، دار الطليعة، بيروت، طبعة ثالثة، 1980.
6 – بادي (بيرتراند) – بيرنبوم (بيار): سوسيولوجيا الدولة، ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، طبعة أولى.
7 – بالاندييه (جورج): الأنثروبولوجيا السياسية، ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، طبعة أولى، 1986.
8 – بركات (حليم): المجتمع العربي المعاصر، بحث استطلاعي اجتماعي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة ثالثة، 1986.
9 – بيوتي (جان مارك): فكر غرامشي السياسي، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1975.
10 – تورين (ألان): إنتاج المجتمع، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1976.
11 – جماعة مؤلفين: السلطة والأساطير والإيديولوجيات، ترجمة كمال خوري، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1980.
12 – جسوس (محمد): الدرس السنوي بالسلك الثالث، شعبة علم الاجتماع، تخصص النظريات الاجتماعية، الموسم الجامعي 1980-1981، (درس غير منشور، مع الاستئذان بالإشارة إليه).
13 – الحسيني (السيد): دراسات في التنمية الاجتماعية، دار المعارف بمصر، القاهرة، طبعة ثالثة، 1977.
14 – عامل (مهدي): أزمة الحضارة، أم أزمة البورجوازيات العربية، دار الفارابي، بيروت، طبعة ثالثة، 1981.
15 – العروبي (عبد الله): مفهوم الدولة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1981.
16 – غليون (برهان): (ملاحظات حول الدولة في المجتمعات النامية: آليات السيطرة والعنف)، مجلة الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي، بيروت، عدد 14-15، آب-آيلول، 1981.
17 – غليون (برهان): بيان من أجل الديمقراطية، دار ابن رشد، بيروت، طبعة ثانية، 1980.
18 – غليون (برهان)، الوعي الذاتي، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، طبعة أولى، 1987.
19 – غليون (برهان): مجتمع النخبة، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1986.
20 – غليون (برهان): اغتيال العقل…، دار التنوير، بيروت، طبعة ثانية، 1987.
21 – شرابي (هشام): البنية البطركية، بحث في المجتمع العربي المعاصر، دار الطليعة، بيروت، طبعة أولى، 1987.
22 – شرارة، (وضاح): حول بعض مشكلات الدولة في الثقافة والمجتمع العربيين، دار الحداثة، بيروت، طبعة أولى، 1980.
ثانيا – المراجع الموضوعة باللغة الفرنسية:
1 - Bachrouch, T. : Les élites tunisiennes du pouvoir et la dévotion, Contribution à l’étude des groupes dominants : 1781-1881, Paris, 1972.
2 – Balandier, G. : Sens et puissances…, Ed. PUF, Paris, 1981.
3 – Balandier, G. : Sociologie actuelle de l’Afrique Noire, 3ème Edition, Paris, 1979.
4 – Balandier, G. : (Sous la direction…) : Sociologie des mutations, 3ème Edition, Paris, 1970.
5 – Berque, J. : Le Maghreb entre deux guerres, 3ème Edition, Seuil, Paris, 1962.
6 – Hermassi, B. : Etat et société au Maghreb…, Ed. Anthropos, Paris, 1975.
7 – Laroui, A. : Les origines sociales et culturelles du Nationalisme Marocain, Ed. Maspero, Paris, 1977.
8 – El Malki, H. : (Capitalisme d’Etat, développement de la bourgeoisie et problématique de la transition : le cas du Maroc), Revue juridique, politique et économique du Maroc. N°8 (Spécial), 1980.
9 – Miaille, M. : L’Etat de droit, Ed. Maspéro, Paris, 1976.
10 – Touraine, A. : Production de la société, Ed. Seuil, Paris, 1973.
11 – Touraine, A. : Les classes sociales dans une société dépendante, la société latino-américaine, Tiers-Monde, n°82 – 1975.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Empty
مُساهمةموضوع: سوسيولوجيا الهجرات   سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث Emptyالخميس نوفمبر 15, 2012 11:30 am

سوسيولوجيا الهجرات هو فرع من فروع السوسولوجيا يهتم بدراسة كل أنواع الهجرات وأسبابها وانعكاساتها .وباعتبار الهجرة زحف أفراد أو جماعات تاركة موطنها الأصلي نحو موطن آخر تجعله مكانا جديدا للإقامة لسبب من الأسباب؛ أو باعتبارها حضور أجانب في الفضاء الوطني وغيابهم عن الفضاء الوطني الأم. هذا ( الحضور والغياب ) شكل أرضية لنشؤ قطبين سوسيولوجيين مستقلين في مجال دراسة الهجرات .
القطب الأول : يدرس سوسيولوجيا الهجرة الوافدة أي » الحضور «
القطب الثاني : يدرس الهجرة النازحة أي « الغياب «
Sociologie de l’immigration. سوسيولوجيا الهجرة الوافدة
من فروع السوسيولوجيا المعاصرة ظهر مطلع القرن الماضي مع مدرسة شيكاغو تطورا في أوربا خلال فترة السبعينيات . وهو يدرس اثر وفود المهاجرين وانعكاسات ذلك على المجتمع المضيف كما يدرس مجموعة من المشاكل التي يخلقها عدم الاندماج . بناء على براديغمات وانساق إيديولوجية لدول المستفيدة والمستهلكة للهجرات و لهذه المجموعات البشرية11.
ولقد حقق هذا العلم تراكما بفضل القلق الذي يخلقه الوجود المزعج للأجانب في بلد ما و ترجم هذا على شكل كتابات عرفت بأدبيات الهجرة خصوصا في مجال الإعلام و الصحافة و أيضا في الكتابات التطوعية و النصوص القانونية و الروائية و السينمائية .
كما تبرز قوة هذه الكتابات في مجال العلوم الاجتماعية ( القانون, علم السياسة, التاريخ,الجغرافيا الديموغرافيا ، الاقتصاد ،علم الاجتماع,علم النفس، الاثنولوجيا و الانثروبولوجيا و علم اللسانيات ،والبيداغوجيا...الخ).
كل هذه المناهل حاولت وصف و تفسير الظاهرة من جوانبها و تحقيق التراكم المعرفي الذي يسمح ببناء نظرية تفسيرية أو قوانين عامة أو نماذج تفسيرية وهنا لابد من التطرق إلى حقلين شهيرين في دراسة سوسيولوجيا الوفود باعتبارها من الفضاءات الدولية المستقطبة للهجرات .سنبدأ بالمدرسة الأمريكية باعتبارها أول من اهتم بدراسة هذا المجال.
التقليد الانكلوسكسوني
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية بلد الهجرة الوافدة بامتياز إذ اغلب سكانه من المهاجرين "حيث أن الاختلافات الاثنية و الثقافية والعرقية 1 لدى المهاجرين/المواطنين أفرزت مجموعة من المشاكل و الأزمات و الاختلال في البنية الاجتماعية خصوصا بين " الإثنيات و العرقيات" و بناء على ذلك ظهرت مجموعة من الدراسات التي تناولت الموضوع بشكل سوسيولوجي أهمها الدراسة التي قام بها Myrdal & Tocville لمشاكل السود في الولايات المتحدة الأمريكية 1
التقليد الفرنكوفوني
هو اتجاه نظري و امبريقي مهتم بدراسة و وصف وضعية الهشاشة التي يعيشها الشباب المهاجر الوافد إليها . وأمام عمق الظاهرة و تجلياتها كفسيفساء اجتماعية لا متجانسة تتخذ الفرو قات والتباينات مظاهر أفقية وعمودية : فبداية بالتعدد الثقافي إلى الثقافة الطبقات مرورا بالثقافة ألجهوية و سلطة الأديان و تأثير ذلك على ثقافة الأسرة إلى أن نصل إلى ثقافة الفرد الخاصة ثم عامل العرق واللون.....الخ.
ومن هذا المنطلق تم اعتماد بعض المقاربات السوسيولوجية و السيكولوجية لتعامل مع هؤلاء درء للمشاكل المحتلة .
فتم اللجوء إلى عملية التكيف 2 كحل لبعض المشاكل, أي تكيف المهاجر ذو
الخصائص المختلفة و التقليدية في المجتمع الفرنسي بعد الاضطلاع على منطقته الأصلية. وسبب هجرته تم وظيفته الاجتماعية الممكنة أي ( فيما سيفيد المجتمع الفرنسي ) يتم إكسابه مجموعة من الخصائص المميزات للحياة في المجتمعات الصناعية كالالتزام بالوقت و المرونة في التعامل الحرفي مع الآلات المرتبطة بالمصانع تبعا للمنهج التيلوري.
وأمام تزايد حدة التباينات الاجتماعية والتنوعات في المورفولوجية الاجتماعية و ما أفرزته و بقوة من مشاكل كالتهميش و الإقصاء و العنصرية لأفراد يعون واقعهم بشكل جيد .
و يمكن اعتبار ظهور أحياء الغيتو والممارسات المتطرفة كالإرهاب والعنف أشكال جديدة للرد على هذا التهميش وشكلا من أشكال إثبات الذات وهذا يزيد من تعميق الاختلالات و التباينات .
هذه الوضعية حدت بالمهتمين بمجال الهجرة والجاليات الوافدة إلى مطالبة ذوي القرار بالتراجع عن سياسة التكيف و نهج مقاربة إدماجية تختزل التباينات و تدمجها في الثقافة الفرنسية .
و انطلاقا من التماننيات القرن الماضي تطور استعمال مفهوم الاندماج وأصبح عنصرا أساسيا في الخطاب السوسيوسياسي عوض التكيف1
مقاربة الاندماج هذه شملت قطاعات لها تأثيرات مباشرة على المهجر كالسكن, الدراسة, التكوين المهني, المساواة في الحقوق,.. وبشكل عام تم نهج منطق جديد للفعل و التعامل.2
لم تنجو هذه المقاربة من الانتقاد لما تسببه من تضيق على المواطنين الأصلين خصوصا في مجال الدعم و الرعاية الاجتماعية3
و في مجال الشغل لما تسببه هذه الوضعية من نقاش بحيث يختلف البعض إزاء اعتبار المهاجر مواطن داخل {الدولة /الأمة الفرنسية} بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
و كما لاحظنا إن كلا المدرستين الانجلو سكسونية والفرنكوفونية حاولت إيجاد حلول علمية لمشاكل الهجرة الوافدة تبعا للخصوصية الظرفية التي تعيشها مكونة بذلك ارث كمي و كيفي حدا بالبعض إلى استخدامه كأنساق مكونة لنظرية تفسيرية شاملة كمحاولة عرفت مجموعة من الانتقادات و القبول في الأوساط الأخرى .
يعتبر RAVENSTEIN رفنستاين أول من حاول بالقيام بتحليل علمي للمعطيات الإحصائية المتعلقة بالهجرات .انطلاقا من حالة انجلترا وانتهى في أبحاثه سنة 1885 إلى صياغة مجموعة من النماذج اعتبرها أنذاك " قوانين " مفسرة لظاهرة الهجرات1 واهم ما جاء بيه رفنستاين هو مجموعة من المفاهيم التي لازالت تؤثر اليوم في السوسولوجيا وخصوصا مفهوم "الجذب "و " الطرد " أما باقي الأفكار والآراء الأخرى فلم يعد لها اليوم سوى قيمتها التاريخية التي لا تنكر .
ومع تعقد ظاهرة الهجرة.أصبح الحديث عن نظرية تفسيرية في هذا المجال مطلبا اكديميا ملحا مع العلم أنه ثم ادراك –ومند البدية – إشكالية إرساء إطار نظري مفسر و شامل لمجال دينا مي كالهجرة .
فخصوصية الظواهر الاجتماعية وتميزها يمنع القيام بنظريات ثابتة وشاملة على غرار نظريات العلوم الطبيعية وبصدد هذه المسألة يقول René Duchac في خاتمة كتابه ( سوسيولوجيا الهجرات في الولايات المتحدة الأمريكية)." إذا كنا نقصد بكلمة نظرية بناء مفهوم نسقيا بحيث يمكننا أن ندرج فيه كل حركة هجرية يمكن ملاحظتها وان نضبط في نفس الوقت كل محددات ودوافع ومراحل هذه الحركة و التنبؤ بنتائجها , فمن الواضح إن نظرية مثل هذه غير موجودة بعد في هذا الفرع من السوسولوجيا 2
كذلك في دراسة كل من ذ.كوبات ونوفمان ونووتني D.Kubat et Noffman Nowottny عنوانها " سوسيولوجيا الهجرات : من اجل نموذج تفسيري جديد " وبعد جرد لبعض النظريات السوسيولوجيا السائدة في هذا المجال يلاحظ الكاتبان ( انه رغم الجهود المبذولة لاقتراح نظريات تفسيرية فان الحصيلة المتوصل إليها لازالت هزيلة ولم توصلنا إلى نتائج تقريبية ).2
La sociologie du migration سوسيولوجيا الهجرة النازحة
فرع من فروع سوسيولوجيا الهجرات يهتم بدراسة فعل الهجرة من زاوية منطقة الانطلاق. مبدئيا بدرس هذا العلم فعل الهجرة أسبابها و مظاهرها.
ويعتبر استحالة قيام نظرية كلية مفسرة للهجرة النازحة في كل المجتمعات مبدأ يقتنع به اغلب علماء الاجتماع يتجلى هذا : في قول René Duchac 3" ليس هناك نظرية منسجمة الانسجام التام عن المجتمع ,وفي غياب مثل هذه النظرية المنسجمة والشاملة ،هل سيظل محكوما على سوسيولوجيا الهجرات بالسير دون أمل في الوصول إلى تراكيب ولو جزئية ؟ ". إن غياب إمكانية قيام نظرية في هذا المجال لا يلغي اللجوء إلى أنماط تصنيفية أنماذج تفسيرية أو ما اسماه (ميرتون ) النظريات المتوسطية .و قد ألح Duchacعلى أهمية استخدام النماذج التفسيرية عوض النظريات الكلية بقوله
" إن ما يعطي لنظرية العامة الكلاسيكية مظهر البساطة والقيمة الكشفية هو صياغتها غير الرياضية ، وهذا ما يدعو أحيانا إلى إعطاءها قيمة اكبر من تلك التي تعطى لنموذج ...والواقع أن النظرية هي أكثر ابتعادا عن معالجة الحالات الخاصة .
إنها لا تستطيع معالجة الحالات الخاصة لأنها أقل تلاءما معها ، ولأنها من الصعب إخضاع نظرية عامة للمراقبة الميدانية .بينما النموذج باعتباره أداة للمعرفة لا يكون قابلا للاستعمال إلا بقدر ما يكون قابلا للخضوع لتلك المراقبة "1 إن الهدف من عرض أراء روني ديشاك هو إبراز مدى صعوبة تطبيق نظرية شاملة في مجال له خصوصيات تتحول بفعل عامل الزمن و المكان , أيضا لتبرير الاختيار التالي و هو النماذج التفسيرية أو الأنماط التصنيفية لمعالجة الظاهرة نظريا . انطلاقا من قولة كارل منهايم "لكل حقيقة اجتماعية وظيفة مكانية وزمنية" 2 وهكذا يجد الباحث نفسه أمام معضلة أخرى هي كثرة النماذج التي تحاول قراءة فعل الهجرة في سياقه .غير أن ما يميز هدا الزخم الكمي الهائل قابليته للاختزال في ما عبر عنه بير بورديو ب " مشكلة السوسيولوجيا الأزلية "2 التي يمكن تلخيصها في "هل الفعل الاجتماعي مصدره الفرد أم الجماعة؟ "3.
إن محاولة تقديم إجابة عن هذا التساؤل سيغني بدون شك البحث السوسيولوجي في مجال الهجرة و ذلك في محاولتنا تقديم نماذج تفسيرية التي يمكن تلخيصها في ثلاث اتجاهات
1 - الاتجاه الوضعي
إن الأفراد في هذا التصور يستجيبون لمتطلبات مجتمعهم ويجدون مكانهم في إطار النظام الاجتماعي العام وهم يتجهون إلى الارتباط بذلك الوضع الذي يحدده المجتمع لهم ،إنهم يستطيعون التغير لكن هذا التغير لابد أن يتم بالطريقة التي يرسمها المجتمع لهم ومن تم فان المجتمع هو العنصر الفاعل والنشط في التاريخ بينما دور الأفراد يتسم بالتبعية والسلبية ، إن الأفراد خاضعون إلى حد بعيد إلى الضغوط التي تفرضها مجتمعاتهم عليهم حتى يتمكنوا من الامتثال للتوقعات الاجتماعية ويعتبر دور كايم إن ظواهر الاجتماعية لها من السلطة ما يجعلها قاهرة وملزمة للأفراد حيث وصفها بقوله " إنها عبارة عن نماذج من العمل والتفكير والشعور التي تسود مجتمع من المجتمعات والتي يجد الأفراد أنفسهم مجبرين على إتباعها في عملهم وتفكيرهم ".1
هذه الخاصية تجبرنا –في مجال الهجرات –على اعتبار الهجرة كفعل امتثالا له الأفراد ويعكسونه في تصرفاتهم امتثلا لمجتمع وقد وضح دوركايم هذه العملية معطيا مثلا عن الهجرة القروية حيث إن هناك تيار لرأي (Courant d’opinion )2 أو قوة جماعية دافعة ( (Poussée collective هي تفرض على الأفراد هذه الهجرة يقول :
( إننا لا نملك اختيار شكل منازلنا، كما لا نملك اختيار ملابسنا، إن كلاهما مفروض علينا بنفس الشكل ؛ إن طرق التنقل تحدد بشكل إجباري الاتجاه الذي تسير فيها لهجرات الداخلية والمبادلات ، وحتى حجم هذه المبادلات والهجرات..)
( وفي نفس السياق يقدم لنا هال بفاكس ((Halbwachs 3 وهو احد تلاميذ دوركايم تصوره الفيزيائي لظاهرة إذ يعتبرها مثل " تدفق المياه من حوض لآخر .من منبع النهر إلى اللحظة التي يرتمي فيها في واد آخر أو في البحر. "
إن الموقف الوظيفي يجعل من الهجرة فعل اجتماعي لا يفعله الفرد انطلاقا من اختياراته وأفكاره بل هو فعل امتثالي لا يسع الفاعل الا القيام به . إن تيار الرأي في المجتمع يمارس سلطانه على اختيارات الأفراد وبطريقة وبأخرى يجرفهم إلى نقطة دون أخرى .
وما يلاحظ على هذا الاتجاه هو اقترابه الشديد مع بعض المواقف الماركسية كإعطاء الأولوية للجماعة على الفرد وخير دليل على ذلك الجملة الشهيرة التي يستهل بها مركس مقدمة كتابه " مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ": " إن الناس أتناء الإنتاج الاجتماعي لوجودهم يدخلون في علاقات محددة ، ضرورية ومستقلة عن إرادتهم (...)فليس وعي الناس هو الذي يحدد الواقع بل على العكس من ذلك الواقع الاجتماعي هو ا لذي يحدد وعيهم".1
2- الموقف المادي التاريخي
- ينطلق هذا الموقف في تفسير عملية الهجرة من خلال مقاربة التوزيع ألا متكافئ لعوامل الإنتاج " بحيث أن هناك مناطق تعتبر أكثر غنى من مناطق أخرى، ولذلك تنطلق اليد العاملة تطلعا للحصول على اجر أحسن.
لقد وجه ماركس اهتمام بارزا للمجتمع يتساءل كيف يوجد قهر وظلم وفقر يجبر الأفراد على ترك مجتمعاتهم والانتقال إلى مجتمعات أخرى ؟
إن الطبيعة الإنسانية هي في الأساس طبيعة خيرة ، فالناس ليسوا أشرارا بطبعتهم لكن ظروف الحياة السيئة هي التي تجعل منهم أشرارا 2،خير دليل على ذلك الحضارة
الغربية الصناعية الرأسمالية هذه الحضارة تمثل تناقضا مروعا مع الطبيعة الإنسانية فهي سبب تفشي الفقر وألا توازن في توزع الخيرات بين الدول و تصعيد عمليات الهجرة خارج الوطن مما يؤدي لا محالة إلى هدر في الموارد
البشرية بالنسبة لمجتمعات الانطلاقة واستفادة الدول المستقبلة من سواعد عضلية تزيد من قوة الإنتاج وتكسرا لوعي الطبقي الذي تكونه الطبقة العاملة المنتمية للمجتمع الصناعي . وهنا نعود إلى المفاهيم المهمة في الفكر الماركسي التي تتحدث عن " المستغل و المستغل " والذي درج ماركس على تقديمه في تحليلاته التي تنهض على التميز بين نظم فعالة :و مسيطرة وأخرى مترتبة ومستجيبة في البنية الاجتماعية في مرحلة تاريخية معينة و منه تمثل الهجرة نوعا من الاستغلال الذي تمارسه الدول الصناعية عبر عملية التحفيز و تشجيع الأفراد على الهجرة من اجل تحريك عملية الإنتاج و أيضا إشكال القهر الني تسببها للبلدان الغير صناعية من اجل ضمان تبعيتها .إن فعل الهجرة لما يتحول إلى ظاهرة اجتماعية بالمعنى السوسيولوجي , أي عندما تصبح فعلا شاملا ممتدا في الزمان والمكان فان من غير المفيد دراسته على مستوى الوحدات المكونة له أي الأفراد. بل ينبغي البحث عن تلك التنظيمات التي تمارس سحرها على الأفراد وتقنعهم بالهجرة ,وهنا نعود إلى سلطان "تيار الرأي" لدوركايم لان الدوافع الاجتماعية و حسب هدا الاتجاه هي أسيرة و تابعة و" مستقلة عن إرادتها " .مع العلم انه الآن أصبح سائدا في دراسات حول الهجرة البدء بالبحث عن الدوافع الذاتية باعتبارها نقطة انطلاق تلك الدراسات ."1 غالبا ما يتم اللجوء لمعرفة تلك الدوافع الاعتماد على الاستمارات و المقابلات هذا المنهج يعتبره علماء الاجتماع ملائما غير انه موضوع انتقاد من الجانب الماركسي لان الدوافع الذاتية تبعد الباحث عن الوقوف على الوقائع الأساسية التي تفسر بشكل أفقي هذه الدوافع " . يقول سمير أمين في هدا الصدد " إن الدافعية الاقتصادية و الدافعية الغير الاقتصادية لا جدوى منها في الحقيقة لان السبب الاقتصادي واقع في جميع الحالات "1 .
واعتمادا على الآراء و الملاحظات السالفة يمكن أن نقول انه بدل اللجوء إلى تفسير الهجرات انطلاقا من الفرد ينبغي التركيز أكثر على الأنساق و البنيات الاجتماعية لان الأفراد يتحركون وفق مقتضيات علاقات الإنتاج السائدة .
-3الهجرة كرد فعل فردي
يعتبر الانتقال من الهجرة الجماعية إلى الهجرة الفردية من الخصائص المعاصرة لظاهرة , هذا التحول البنيوي يستدعي إعادة النظر في طرق التعامل مع الظاهرة على المستوى النظري والكشفي . لأن هجرة مجموعات بشرية من نقطة إلى نقطة تسمح لنا باستنباط مجموعة من العوامل المشتركة التي تنعكس في تنقلهم . لكن عندما نتحدث عن هجرة فرد إلى مكان ما فنحن أمام منطق مغير لتعامل والتفسير .كيف ذلك ؟
يقترح كل من (كوبات )و(نوفمان - نووتني) نموذجا في إطار الاتجاه الذاتي من اجل تفسير سوسيولوجي لظاهرة الهجرة ؛ بحيث يعتبران أن حياة الأفراد داخل الجماعة تكسبهم مجموعة من القيم والخصائص التي تحتم عليهم الامتثال لضوابطها وذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية باعتبارها تطبيع للخامة البشرية لخصائص وثقافة الجماعة –بمعناها الأنثروبولوجي – يجد الأفراد نفسهم غير قادرين على نغير مكان إقامتهم والخروج من دائرة المجتمع لارتباطهم عاطفيا واجتماعيا واقتصاديا وبالتالي هل يمكن اعتبار فعل الهجرة عرض من أعراض وتلاشي وفشل التنشئة الاجتماعية
؟ هل الفاعل الذي يهاجر هل يقوم بفعل تحريري أم تدميري ؟ وهل المهاجر منحرف اجتماعي ؟ يقول الكاتبان " إن الهجرة هي عرض من أعراض تلاشي أو ضعف الضغط الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع على أعضائه ". أيضا هي عملية مقاومة لجميع أنواع الضبط الاجتماعي لأنها تهم فئات اجتماعية من خصائصها المقاومة والمغامرة نعني هنا فئة الشباب، الأصحاء والمحبي للمغامرة والاستطلاع.
ويقول الكاتبان في هذا الصدد " إن المهاجر يهاجر من اجل الخروج مجتمع من محلي يعتبره في نظره غير ملائم له إلى مجتمع محلي يعد بضغوط اجتماعية اخف ".
يتضح مما سبق أن الأفراد ميالون إلى الاستقرار بحكم التنشئة الاجتماعية
لكن يميل بعض الأفراد ذو خصائص معينة إلى ترك هذا المجتمع إلى مجتمع آخر وقد تم تفسير هذا على أنه ضعف أو فشل في التنشئة الاجتماعية وربما انحراف وخيانة المجتمع.ومن هنا تظهر بعض مظاهر القصور في هذا الاتجاه نظرا لاهتمام بالجانب الاجتماعي وتأثيره على الأفراد وتغيب رأي الأفراد باعتبارهم فاعل في هذه العملية.وكغيرها من الاتجاهات السابقة سقطت ضحية النظرة الأحادية الجانب بحيث تقتضي المحاولة الكشفية Heuristique -لظاهرة الإلمام بجميع الأبعاد .ولذلك يمكن اعتبار المعاناة الفردية داخل هذا المجتمع تؤدي إلى تلاشي الضغط الاجتماعية وتجاوز كل العوامل التي تجبر الفرد على الثبات والاستقرار .
كذلك لا تمثل الهجرة قطيعة مع المجتمع الأصلي على غرار ما أشار إليه الكاتبان وهذا يؤكد أن الهجرة ليست فعلا إنحرافيا أو تنكري للجماعة الأصل .ولفهم جيد لهذه العملية سنلجأ إلى السوسيولوجيا التفهمية لما لها من مرونة في فهم الفعل الاجتماعي الذاتي للأفراد .
إن هذا الفعل وفي نظري هو الذرة الأولى لظاهرة الاجتماعية ومنه ينبغي الانطلاق في كل تحليل يريد أن يكون سوسيولوجيا, و الفعل الاجتماعي كما عرفه ماكس فيبر هو كل فعل بفضل المعنى المقصود منه طرف فاعله أو فاعليه يكون ذا علاقة بسلوك الآخرين ويكون موجها بذلك أثناء انجازه ". وكما يبدو فان وحدة التحليل عند ماكس فيبر هي الشخص الفاعل وهذا يدعو إلى اختزال كل المفهومات الأخرى مثل الدولة والمجتمع أو النظام الاقتصادي ...الخ إلى فعل يمكن فهمه. أي إلى أفعال الأفراد المشتركين في هذا النشاط .وبالتالي على السوسيولوجي أن يضع نفسه في مقام الشخص المهاجر لفهم سلوكه الذاتي والدوافع والغايات التي تفسر هذا السلوك .ويقول ماكس فيبر في هذا الصدد " إن الفهم التفسيري هو الخطوة الأساسية نحو التواصل إلى علاقات سببية بين الأشياء، وفهم المعنى الذاتي لنشاط الذي يأتي به الفرد يصبح سهلا إذ تعاطف مع الباحث ووضع نفسه مكانه "1.
وقد استخدم ماكس فيبر النموذج المثالي من اجل فهم و تفسير محفزات و علل الفعل الاجتماعي ويقتضي استخدام هذا المنهج التجرد من كل القيم . الذاتية للباحث من اجل فهم أعماق العناصر الدالة في الظواهر المدروسة. لأن الفاعل لا يكون دائما على وعي كامل بمحفزات فعله وعلى الباحث استخراج تلك العلل . إجرائيا يتم بناء النموذج المثالي عبر المقارنة بين حالتين أو أكثر.
السلوكات حسب النموذج المثالي هي كالتالي: هناك الفعل التقليدي، الفعل الوجداني أو العاطفي والفعل الذي يرتبط بقيمة ما ثم الفعل العقلاني المبني على حساب الوسائل ودراسة إمكانية الوصول إلى الغاية.
وبالتالي يمكن دراسة الهجرة كفعل وفق النموذج المثالي ومكوناته ، لأن المهاجر يهاجر إلى منطقة جديدة لا كنه يبقى على الارتباط بمنطقة انطلاقه أحيانا ينقطع هذا الارتباط وأحيانا بتعزز بالصورة النهائية أو المؤقتة .فتختلف إزاء ذلك تفسيرات الفعل حيث يعتبر المهاجر فاعلا عقلانيا "حاسبا" عند تركه لمجال لا يوفر الإمكانيات إلى مجال محفز ومحقق لذاته . وأيضا تعتبر علاقة المهاجر بمواطنه الأصلي فعلا عاطفيا يتجلى ذلك في الزيارات المتكررة . أيضا يعتبر فعله عقلاني مرتبط بقيمة يتجلى ذلك في أنواع الخدمات التي تفيد مجتمعه الأصلي والتي كان غيابها أو ندرتها سببا في تركه لهذا المجال.
ربما يستطيع المنهج التفسيري التفهمي عند فيبر الإحاطة بما لم تستطع المناهج و الاتجاهات الأخرى دراسته وهو فعل الهجرة في نسقه الممتد والذي أصبح ميزة وخصوصية في مجتمعنا المعاصر .لأن دينامية الهجرة لا تستقر عند نقطة الوصول بل تأخذ أشكال أخرى من التفاعلات "البينمجالية" وفي نظري على سوسيولوجيا الهجرة النازحة الاهتمام بهذا الجانب أكثر من أي وقت مضى لأنه مجال ملح ويفرض نفسه للدراسة على المستوى الدولي بشكل عام وعلى المستوى المحلي بشكل خاص.
ويعتبر المغرب تجسيدا واضحا لهذه الظاهرة فهو من جهة منطقة أو بؤرة انطلاق ومن جهة أخرى بؤرة استقطاب للافراد المقيمين في المهجر فيعرف بشكل موسمي زيارات أو عودة نهائية لبعضهم و هذا يدل على مدى ارتباط الأفراد بمجتمعاتهم الأصلية و هذا يعيدنا إلى المقاربة التي انطلقنا منها في دراستنا لسوسيولوجيا الهجرات وهي "الحضور"و "الغياب".
و بشكل أدق "الحضور في الغياب" الذي يميز المهاجرين المغاربة. خصوصا أنواع التفاعلات التي تنشأ مع موطنهم الأصلي و انعكاسات ذلك على البنية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية . لهذا نحن بحاجة إلى علم مستقل يدرس فعل الحضور للمهاجر مع انه غائب عن الفضاء الوطني و باعتبارها حقيقة واقعية مستقلة عن كل أنواع الهجرات اقصد هنا الهجرة الوافدة وجهها الأخر
وعلى غرار المدرستين الانكلوسكسونية و الفرانكفونية في دراستها للهجرة الوافدة لكونها استثناء و خاصية تميز مجتمعاتها , نحن أيضا في حاجة إلى إرساء دعائم مدرسة لدارسة سوسيولوجيا الهجرة المغربية باعتبارها خاصية.
ولملء الفراغ في الشاسع في هذا المجال حيث نجد أن معظم الكتابات الأكاديمية المهتمة تناولت الهجرة الوافدة لأجل تدبير احتياجات دول الاستقبال اقتصاديا و رمزيا .
وبالتالي نحن أمام لا تكافؤ والا توازن أمام علم الهجرة النازحة و علم الهجرة الوافدة و تظهر صور هذا التوازن في التفرقة بين عالم مولد و خالق للهجرة و بين عالم مستهلك للهجرة ومستعمل لها.
و هذا يجعلنا نتساءل لماذا الأولى مقصية عن الدراسة ألا تساهم في إنعاش الثانية التي هي من إنتاجها؟؟؟!!!


*Andrea Rea, Maryse Tripier « sociologie de l’immigration » la Découvert 2003(introduction) pps 1-3
* Annie phizacklea « a sociologie of migration or (race relation) ? » a View from. britain current sociologie .opcIt pps 6-218
* Mohamed boudoudou « pour une sociologie de la science de l’émigration /immigration marocain a l’étranger » in les science humaines et sociales au Maroc étude et argument université Mohamed V souissi institut universitaire de la recherche scientifique Rabat 1998 p64
Pierre Bourdieu « le sens pratique » EDi de minutie paris 1980.p 43*
Gino germani « migration et intégration culturelle » in Manuel de la recherche social dans les zones urbaines . UNESCO. Paris 1965 p
*معن خليل عمر "البناء الاجتماعي نظمه وأنساقه " دار النهضة , بيروت , الصفحة 973
محمد عودة " أسس علم الاجتماع " دار النهضة لطباعة والنشر بيروت 1
*عبد الرحمن ألمالكي " سوسيولوجية مسألة النظرية التفسيرية ".منشورات كلية الاداب والعلوم لانسانية فاس
*نبيل السمالوطي "علم اجتماع التنمية : دراسة في اجتماعيات العال م الثلث . دار النهضة -1981 بيروت ص .86 1
* محمود عود ه أسس علم الاجتماع "دار النهضة بيروت ص :1032
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سوسيولوجيا الدولة في مجتمعات العالم الثالث
» الدولة الوطنية في العالم الثالث
» من العالم الثالث الى العالم الأول دراسة في مضامين النهوض الأسيوي
» العولمة في مجتمعات العالم العربي
» الأحزاب السياسية في العالم الثالث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثانية علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1