الأمن النفطي:دور الطاقة في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد
عرض:ماجدة مجدي
باحثة في العلوم السياسية
Daniel Yergin ,THE QUEST: Energy, Security, and the Remaking of the Modern World,
(New York: The Penguin Press, 2011)
تنبع أهمية هذا الكتاب من ثلاثة اعتبارات رئيسية. يتمثل الاعتبار الأول في خبرة الكاتب، كونه باحثا اقتصاديا، وعضوا مؤسسا ومشاركا في شركة كامبردج الاستشارية في أبحاث الطاقة. والاعتبار الثاني يكمن في أن هذا الكتاب يعد استكمالا لمجهود بحثي سابق للكاتب متمثل في كتاب "الجائزة: في ملحمة السعي من أجل النفط والمال والسلطة" الصادر عام 1991، والذي تناول فيه تطور مصادر الطاقة، خاصة النفط منذ اكتشافه في أواخر القرن التاسع عشر، وحتي عام 1990 قبيل الغزو العراقي للكويت، بحيث يعرض الكتاب الجديد للتغيرات التي لحقت بسياسات الطاقة، نتيجة للأحداث المهمة التي شهدها واقع الطاقة خلال الأعوام العشرين التالية 1991-2011، خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، مثل الانهيارات التي تعرض لها مفاعل فوكوشيما الياباني، وتأثير ثورات الربيع العربي في إمدادات النفط.
ويتعلق الاعتبار الثالث بأسلوب الكتاب لتناول قضية الطاقة، حيث يتسم بالطابع الموسوعي الذي يقدم رؤية شاملة لاحتياجات وأزمات الطاقة العالمية بمختلف جوانبها الفنية والاقتصادية وأيضا السياسية، فلا يقتصر على النفط فقط، وإنما يتناول مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، وقضية التغير المناخي، وعلاقة ذلك بأمن الطاقة وندرتها بطريقة ناقدة للسياسات القائمة، دون أن يطرح على القارئ موقفا محددا، بل يمده بالمعايير الأساسية اللازمة لتكوين رؤيته حول واقع الطاقة العالمي.
الواقع النفطي في العالم:
يتناول الكاتب في الجزء الأول من كتابه أهم الدول المنتجة للنفط مثل العراق وإيران، وأهم الدول المستهلكة مثل الصين والهند اللتين تتزايد احتياجاتهما للطاقة بصورة مطردة، حيث تضاعف استهلاك الأولي للكهرباء بين عامي 2006 و.2010 ومن المتوقع أن يزيد استهلاك الثانية للوقود خمس مرات بحلول عام 2030، وهو الأمر الذي يدحض الكاتب من خلاله نظرية ذروة النفط القائلة بوصول إنتاج النفط إلى قمته بصورة تدفع نحو الانخفاض والتراجع في استهلاكه بشكل حاد. ويشير الكتاب إلى أن إنتاج الوقود الحفري تضاعف خمس مرات منذ عام 1957، حين ظهر أول التقديرات باحتمالات نضوب النفط بحلول عام 2000. ويرجع التزايد في الاستهلاك إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة في التنقيب عن النفط، وازدياد الاحتياطيات المتوقعة سنويا.
ويضيف "يرجين" في كتابه أن الوقود الحفري يمول 80 % من استخدام الطاقة العالمي، مع توقع ازدياد الطلب في المستقبل، نتيجة صعود العديد من القوي الجديدة التي ستؤدي إلى زيادة الاستهلاك بنسبة تصل إلى 40 % خلال العقدين القادمين، بالنظر إلى الارتفاع المتوقع في الناتج الإجمالي العالمي من 65 تريليون دولار إلى 130 تريليونا في الفترة ذاتها، فضلا عن تعرض العالم للعديد من الأزمات النفطية التي لم توقف الإنتاج، كما حدث في الحربين العالميتين، وفي سبعينيات القرن العشرين، وكذلك عام 2008، حين ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة، ولكن سرعان ما كانت تعاود الانخفاض.
ولذا، يري أن الوقود الحفري سيبقي المصدر الأساسي للطاقة لعقود قادمة، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن استخدام الوقود الحفري تحيطه العديد من المحاذير من جهة، وعدم قدرة مصادر الطاقة الأخري على سد احتياجات الطاقة العالمية من جهة أخري، في حال تم التوجه نحو الاستغناء عن الوقود الحفري.
الاحتباس الحراري مشكلة متفاقمة:
على الرغم من أن الكاتب ينتقد نظرية ذروة النفط، ويستبعد إمكانية الاستغناء عن الوقود الحفري، فإنه يشير في الوقت ذاته إلى العواقب المترتبة على التوسع في الاعتماد عليه، والتي تتمثل بشكل أساسي في الاحتباس الحراري وما يؤدي إليه من تغيرات مناخية تؤثر سلبا في حياة البشر، بحيث بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مستويات خطرة، وصلت إلى 30 مليار طن.
ويذكر الكتاب أن التوجهات السياسية تلعب دورا محوريا يتجلي في اعتبار الجمهوريين الأمريكيين أنها مجرد احتمال غير مؤكد. ولذا، رفض الرئيس "جورج دبليو بوش" توقيع بروتوكول كيوتو، وكذلك عدد من القوي الصاعدة مثل الصين الرافضة لتحديد حجم الانبعاثات الكربونية من أراضيها. وبالتالي، فإنه حتي مع وجود بعض التوجه نحو تقليل الانبعاثات لدي الدول المتقدمة، ستقف الدول الصاعدة حائلا دون إتمامه.
يتطلب الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة، والعواقب البيئية المترتبة على استخدام الوقود الحفري، البحث عن مصادر طاقة بديلة نظيفة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية. إلا أن هذا البحث لم يفض إلى القول بإمكان الاستغناء عن الوقود الحفري، نظرا لأن تلك المصادر البديلة لا تتمتع بالوفرة وانخفاض التكلفة اللذين يتميز بهما الوقود الحفري.
القرار السياسي في قضية الطاقة:
يطرح الكتاب للعلاقة الوثيقة بين السعي للحصول على الطاقة وتأمينها، وتشكيل النظام الدولي، وطريقة التفاعلات بين وحداته. فقد كان تأمين مصادر الطاقة واستقلالية الطاقة محور اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وأحد محددات سياستها الخارجية. وفي هذا الصدد، يتهم الكاتب واضعي سياسات الطاقة في الدول المتقدمة والنامية، على حد سواء، بعدم الدقة ومجافاة الأسس العلمية عند صياغة تلك السياسات. ويضرب مثالا على ذلك بحرب العراق، التي قامت من أجل تأمين النفط. إلا أن سياسات ما بعد الحرب خلفت عواقب كارثية على العراق، وكذا الولايات المتحدة. ويضرب مثالا آخر بقرار الحكومة الأمريكية تقديم الدعم لإنتاج وقود الإيثانول الحيوي، الذي أدي إلى أضرار فاقت الفوائد المرجوة منه، فإنتاجه كان أحد أسباب أزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية عام 2007.
لذا، يقترح يرجين مجموعة من السياسات تؤلف بين الرؤي السابقة. وقوام تلك السياسات هو أخذ مختلف مصادر الطاقة في الحسبان، بحيث يكون الأمان في استخدام النفط معتمدا على التنوع والتكامل مع مصادر الطاقة الأخري. داعيا في هذا السياق لتوجيه جانب كبير من الاستثمارات البحثية إلى مصادر الطاقة البديلة كالمياه، والرياح، والطاقة الشمسية، وكيفية تقليل المخاطر البيئية للوقود الحيوي، والمعروفة بالتكنولوجيا الخضراء، مع الاهتمام بتطوير وسائل التنقيب عن النفط على أعماق كبيرة، والتوسع في تقنيات الغاز الصخري، وضرورة فرض ضرائب مرتفعة على الانبعاثات الكربونية، معتبرا أن الفعالية في استغلال مصادر الطاقة هي العامل الأهم.