هـ- ارتفاع مناسيب البحار ومظاهر الطقس المتطرفة
سيكون ارتفاع مناسيب البحار أحد اقوى المحدّدات لأمن المياه بالنسبة إلى قطاع عريض من سكان العالم في القرن الحادي والعشرين. فمستويات منسوب البحار ستواصل ارتفاعها في القرن الحالي بفعل استمرار التغيّر المناخي الناتج بشكل أساسي عن الاحترار العالمي. وسيؤدي التفكك المتسارع للغلاف الجليدي للقطاع الغربي من القطب الجنوبي إلى مضاعفة الارتفاع في منسوب سطح البحار بمقدار خمسة أضعاف أعلى من السقف الذي حدَّده الفريق الحكومي الدولي المعني بتأثير المناخ(45). وهذا ما سيحدث تاثيرات عديدة على ما يقرب من مليار نسمة من سكان البلدان النامية وبأشكال مختلفة ومنها: إغراق بعض السواحل بمياه البحر، تسرُّب المياه المالحة إلى الأراضي الزراعية الساحلية ما يؤدي إلى زيادة ملوحة التربة، نقص شديد في المياه العذبة، نقص في كميات الأمطار وانحصارها في فترة زمنية اقصر، ازدياد سرعة تبخير المياه من اليابسة وهذا ما يؤدي إلى وصول كميات أقل من مياه الأمطار إلى الأنهار(46)، إعادة توطين سكان السواحل المهدَّدة بالغرق، غرق بعض الجزر في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي (جزر المالديف .... وغيرها).
من ناحية أخرى، من المرجَّح أن تصبح الأعاصير المدارية والرعدية أكثر حدة مع زيادة حرارة المحيطات التي امتصت أكثر من 80% من الحرارة المتزايدة المتولّدة من جرَّاء الاحترار العالمي وسوف تكثر أحداث القحط والفيضانات والعواصف القويّة التي تنتشر عبر أجزاء واسعة من العالم. ومع زيادة الحرارة بأكثر من درجتين مئويتين ستكون البحار الأكثر حرارة مصدرًا لعواصف استوائيّة أكثر عنفًا.
و- تراجع الانتاجية الزراعيّة
خلافًا للمتوقَّع بالنسبة إلى البلدان المتقدمة الواقعة بأكثريتها في الجزء الشمالي من اليابسة والتي ستنال مقادير أكبر من مياه الأمطار، ومن محاصيل الحبوب، فإن انعدام الأمن المائي في البلدان النامية سيؤدي في الغالب إلى نقص كميات المياه واضطراب توقيت التدفقات المائية إلى تراجع كبير في مناسيب المياه الجوفية ما يعرّض الانتاج الزراعي والانتاجية الزراعية إلى أضرار بالغة. وهذا ما يزيد من اعتماد البلدان النامية على واردات الأغذية من الحبوب من الدول المتقدمة.
ز- انهيار الانظمة الايكولوجية
مع تزايد معدلات درجات الحرارة فوق طاقة 2 درجة مئوية ستصبح أعداد أكبر من الكائنات معرّضة للانقراض. وستعاني أنظمة الشعاب المرجانية التي تتدهور بالفعل انكماشًا واسعًا يؤدي إلى تغيّر الإيكولوجيات البحرية مع خسائر كبيرة في نظام التنوع الحيوي. وهذا ما سيؤثر على مئات الملايين من البشر الذين يعتمدون على الأسماك في معيشتهم وتغذيتهم.
ح- تزايد المخاطر الصحيّة
سيؤثر تغيّر المناخ على صحة البشر في عدة مستويات، إلاّ أن حجم التأثير في البلدان النامية وخصوصًا الأكثر فقرًا سيكون أكبر حيث من المتوقَّع تفشي بعض الأمراض التي ستنجم عن نقص المياه وسوء التغذية. وتقدّر أوساط الأمم المتحدة أن عددًا إضافيًا من الناس يبلغ بين 220 و400 مليون سيكون معرضًا لخطر الإصابة بمرض الملاريا.
خامسًا: إمكانات التخفيف من إختلال الأمن المائي في البلدان النامية
على االرغم من الصورة غير المتفائلة التي قدّمها البحث إلاّ أننا نرى أنه ما زال بالإمكان عمل الكثير للحوؤل دون تفاقم الاختلال المائي في البلدان النامية وتجنب المخاطر الهائلة التي يمكن أن تواجه الأجيال القادمة. فالعالم لا يُعاني حتى الآن نفاذ المياه كما سبق وبيّنا، إلاّ أن هناك العديد من البلدان التي أصبحت تُعاني نفاذ الوقت لحل مشاكلها، فبعضها يُعاني نقص المياه وبعض آخر يشكو من الإجهاد المائي، وثالث وصل إلى مرحلة ندرة المياه.
إختلال الأمن المائي هو أحد التهديدات التي شاركنا كبشر في صنعها، وفي وسعنا أن نختار بين مواجهة هذا التهديد ومحوه من الوجود أو تخفيفه والحدّ منه على الأقل، أو أن ندعه على حاله فيتزايد ويتحوّل إلى انعدام للأمن المائي يُحدِث دمارًا واسعًا لمقومّات حياة البشر والكائنات الحية الأخرى ووجودهم.
مواجهة هذا التهديد متعددّة الأشكال والمستويات والأساليب، منها ما هو شخصي يمكن أن نقوم به كأفراد كأن نغيّر نظرتنا إلى المياه فنعتبرها موردًا قابلاً للنضوب فنحافظ على استدامتها من خلال تغيّر أنماط استهلاكنا لها. ومنها ما هو وطني يتمثل بالخطط الوطنية التي تعتمدها المجتمعات وحكومات البلدان. ومنها ما هو دولي يتطلَّب تعاونًا دوليًا صادقًا وفعالاً وملزمًا كالتعاون من أجل الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة كوكبنا الأرضي.
على المستوى الوطني
تتمثل نقطة البدء في محاولة الوصول إلى معالجات في ضرورة التعامل مع المياه باعتبارها موردًا نادرًا أي بافتراض أسوأ الاحتمالات والعمل على أساسه. كما أنّ اعتماد مفهوم الإدارة السليمة المتكاملة للمياه التي تنظّم استهلاك موارد المياه في إطار الحدود البيئية لتوافرها مع تأمين وصولها إلى الجميع بأكبر قدر ممكن من المساواة في الفرص يشكل المدخل العملي لنجاح هذه المعالجات.
إنّ أي خطة وطنية يتم اعتمادها لمعالجة مشكلة اختلال الأمن المائي في بلدٍ نامٍ، على الرغم من التباين في ظروف البلدان المائية، يجب أن تنطلق من إعتماد السياسات الآتية:
أ- إعتماد إستراتيجية وطنية تنظم استخدام المياه بما يتناسب مع مدى توافرها ومع حاجات الاستدامة البيئية
ويتطلّب تحقيق هذا الهدف قدرًا كبيرًا من المعلومات حول مصادر الموارد المائية المتاحة والكامنة. كما يتطلّب إعتماد سياسات في التوزيع تأخذ بعين الإعتبار أن العنصر البيئي هو عنصر مستخدم للمياه أيضًا.
ب- خفض الإعانات العكسية وإعادة النظر في سياسات تسعير المياه
لقد ثُبت عُقم بعض سياسات الدعم التي تمّ اعتمادها في بعض البلدان والتي لا تتناسب مع مبادئ الجدوى الاقتصادية الوطنية، لذا لا بد من إلغاء كل أشكال الدعم التي تقدِّمها الدولة للأفراد لاستخراج المياه عبر تخفيض أسعار الكهرباء أو غير ذلك، كما لا يُمكن استمرار التعامل مع المياه باعتبارها سلعة مجانية. لذا لا بد من اعتماد استراتيجية للتسعير تعكس القيمة الحقيقية للمياه في الدولة على ضوء درجة توافرها.
ج- الحد من سوء إستخدام المياه وتلوّثها
إنطلاقًا من اعتبار أن ما يصيب المياه من استنفاذ وتلوّث وتدهور هو إهلاك لهذا المورد الطبيعي الذي يجب تسجيله في خانة الخصوم في نظام المحاسبة الوطنية للدولة، لذا يجب إجبار الصناعات الملوّثة على إزالة ما أحدثته في البيئة من تلوث وتغريم من يقوم بتلويثها. ومن شأن اعتماد سياسة حكومية صارمة في هذا الشأن الحد من استهلاك المياه ودفع الشركات إلى البحث عن تكنولوجيات تحدّ من تلويث المصادر المائية.
د- تنظيم إستخراج المياه الجوفية
تعتبر المياه الجوفية موردًا بيئيًا استراتيجيًا احتياطيًا يفترض استعماله عند تدهور مصادر المياه الأخرى، لذا وجب الحفاظ على هذا المصدر المائي لاستخدامه في الظروف القاهرة وتنظيم استخدامه من خلال عملية مراجعة وطنية على معدلات إعادة تغذية مستودعات المياه الجوفية واستخراج كميات منها.
هـ- زيادة الوعي البيئي
تشكّل المياه والأراضي الرطبة والنظم الأخرى القائمة على المياه بيئة مثالية لنمو الخيرات الاقتصادية والتنّوع الإحيائي الضروري لاستمرار الحياة البشرية. ويشكّل الحفاظ على الغابات الموجودة والقيام بعمليات تشجير جديدة مدخلاً لإحياء البيئة وتجدّدها وللحفاظ على مصادر الثروة المائية. لذا لا بد من انتهاج سياسة بيئية توجيهية تهدف إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها.
سوف يكون على بعض البلدان النامية، أو التي قطعت شوطًا مهمًا من النمو وأصبحت تدعى اقتصادات ناشئة، والتي بنت صناعات وطنية خاصة بها أو استقبلت صناعات ثقيلة ملوّثة صدّرتها إليها الدول المتقدمة في إطار نزع الصناعات غير النظيفة التي اعتمدتها هذه الأخيرة ... سيكون عليها بذل جهود أكبر للحفاظ على البيئة فيها. وما تجربة كل من الصين والهند إلاّ خير دليل على ذلك حيث باتت عشرات الأنهار ملوّثة تمامًا وأخرى قد جفّت ولم تعد تصل إلى البحر.
و- تعزيز عرض المياه
سيكون على بعض البلدان النامية تعزيز جانب العرض من إمدادات المياه بغية كسر حدة اختلال المعادلة حاليًا لجانب الطلب سواء بأساليب تقليدية مثل تحويل بعض الأنهار واستحداث بعض الأقنية ... وغير ذلك، أو باعتماد أساليب غير تقليدية مثل تحلية مياه البحار وإعادة تدوير المياه المستعملة ومنها مياه الصرف.
وقد يجد بعض البلدان أنّ الأفضل لها استيراد بعض السلع الزراعية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه. فتكون بذلك قد استوردت المياه مع السلع التي تتضمنها من بلدان أخرى قد تكون مصادر المياه فيها أكثر وفرة.
ز- خفض الطلب على المياه
يعتبر خفض الطلب على المياه أحد الأساليب الضرورية لكسر حدة اختلال الأمن المائي، ويكون ذلك عبر استبعاد بعض الصناعات المستنزفة لطاقة المياه والتخفيف من استعمال الأسمدة الكيمياوية في الزراعة إذ أنها تتطلب كميات كبيرة من المياه واعتماد أساليب حديثة في الري (مثل الري بالتنقيط) والاتجاه نحو الزراعات العضوية كون حاجتها إلى المياه أقل، مع الإقرار بأن مردودها هو أقل نسبيًا من حيث كميات الانتاج إلاّ أنه لا بد من التوقف عند ملاحظتين إثنتين:
الأولى هي أنّ قيمة المدخلات التي تستخدم في الزراعة العضوية أقل بينما يعتبر مردودها المالي على صعيد الوحدة المنتجة أعلى. والثانية أنّ كميات من المنتجات الزراعية المنتجة وفق الأساليب التقليدية في البلدان النامية تتعرض إلى الكساد ويتم إتلافها أحيانًا بسبب عدم وجود أسواق تصريف. ومع إتلاف هذه المنتجات يتم إتلاف كميات المياه التي استخدمت في إنتاجها.
ح – تطوير الهياكل الأساسية
تعتبر عملية تنمية الهياكل الأساسية لتخزين المياه وللحد من الفيضانات ركيزة حيوية للتحكّم بالمياه، مع الإشارة إلى أنّ لوجود هياكل تخزين صغيرة أهمية كبيرة بسبب قربها من المواطنين.
ط- تنظيم نمو السكان
مع العلم أنّ بعض البلدان النامية ما يزال منخفض الكثافة السكانية نسبيًا إلاّ أنه بات من الضروري الحد من الزيادة السكانية التي باتت تضغط على الموارد المائية والموارد الاقتصادية بشكل كبير.
ي- الحد من النزوح الريفي
يأخذ النزوح من الأرياف في البلدان النامية منحى شديد الخطورة في العقود الأخيرة. فهو بالإضافة إلى مساهمته في تكوّن مدن الصفيح في ضواحي المدن يسهم في زيادة الطلب على المياه في المدن التي تعاني أصلاً شح المياه وتلوث بعضها.
ك- الإبقاء على دور رئيس للدولة في معالجة اختلال أمن المياه
مع تأكيدنا أهمية الدور الذي يمكن أن يضطلع به القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية بشكل عام وقطاع المياه بشكل خاص، إلا أن مستوى الحدة التي بلغها اختلال الأمن المائي من جهة وضعف الهياكل التجهيزية المطلوبة لحصر المياه وتزايد أخطار الفيضانات وغيرها من الكوارث تتطلّب إعطاء الدولة دورًا أساسيًا في المعالجات.
ل- التكيّف مع التغيّرات المناخية والتعامل مع عدم التأكد
يتمثل التكيّف في إدراك حقيقة التغيرات المناخية والتعامل معها بقدرٍ كبير من المرونة والمسؤولية لتخفيف تأثيراتها السلبية. وقد قطعت الدول المتقدمة شوطًا كبيرًا في هذا المضمار إن لجهة التعرّف المُبكر بطبيعة التغيّرات المتوقعة وحجمها، أو لجهة الاستعداد لمواجهتها والتخلّص من أخطارها. وتشكل تجربة هولندا في تشييد منازل سكنية تتصل قعورها المجوّفة بقنوات تصريف المياه التي يمكن أن تنتج عن الفيضانات مثالاً عن مستوى التقدم الذي بلغته الدول المتقدمة على هذا الصعيد.
أما في البلدان النامية وهي الأكثر تعرضًا للأخطار التي يمكن أن تنتج عن المتغيرات المناخية فإنّ الخطوات التي أعتمدت للتكيّف مع هذه المتغيرات ما تزال خجولة وقليلة الفاعلية. بل يمكن القول أن الناس في هذه البلدان راحوا يتكيّفون مع تغيّر المناخ بالفطرة وبمعارفهم المحدودة عنه.
وانطلاقًا من القناعة أنّ التكيف هو أولاً وآخرًا تدريب يستهدف تحجيم نطاق الخسائر والأضرار فإنّ الجهود الفردية المبعثرة تبقى غير كافية إن لم تقترن بإهتمام رسمي ومساندة واحتضان من الجهات الرسمية والحكومات ومساندتها من قبل المجتمع الدولي.
م- البحث عن مصادر بديلة للطاقة
أصبح من الضروري أن تنتهج االدول النامية سياسة جدية للبحث عن مصادر بديلة للطاقة المعتمدة حاليًا. فمصادر الطاقة الأحفورية مثل البترول والفحم وغيرها تصدر إنبعاثات كثيرة. ويمكن تبديل النمط الانبعاثي لثاني أكسيد الكربون من خلال استخدام قدر أقل من البترول وقدر أكبر من الأيثانول، أو باعتماد مصادر للطاقة أخرى كالوقود الإحيائي وتجربة البرازيل تشكل أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
2- على الصعيد الدولي
إن مشكلة اختلال الأمن المائي في البلدان النامية ليست مشكلة وطنية لبلدٍ ما أو إقليمية تخص مجموعة من البلدان المتجاورة بل هي مشكلة عالمية وكونية بامتياز تطال نتائجها أكثر من ثلاثة أرباع سكان المعمورة. وليست آثار هذه المشكلة عالمية فحسب بل إنّ أسبابها عالمية في الغالب. فعلى الرغم من وجود بعض الأسباب المحلية لهذه المشكلة في بلدٍ ما إلاّ أنّ الأسباب والعوامل العالمية هي الأكثر تحديدًا وفاعلية. كما أنه قد لا يكون لبعض البلدان النامية دورٌ في نشأة هذه المشكلة وأسبابها أو قد يكون دورها ضعيف للغاية.
فالإحتباس الحراري الذي يشهده العالم وتنعكس معظم آثاره على البلدان النامية مصدره الأساسي الانبعاثات الصادرة عن البلدان المتقدمة. والقضاء على الغابات المطيرة في الأمازون وغيرها والتي هي بمنزلة رئة العالم تنفّذه الشركات المتعددة الجنسية للدول الصناعية الغربية. حتى أن الأمطار الحمضية التي تسقط في بلد آسيوي أو إفريقي نامٍ مصدرها الجزء الشمالي للكرة الأرضية الصناعي المتقدم.
ومن المؤكد أن الدول الصناعية الغربية التي تتحمّل القدر الأكبر من المسؤولية في اختلال الأمن المائي في البلدان النامية لن تكون بمنأى عن النتائج الكارثية التي يمكن أن تنتج عن الاستمرار في ارتفاع درجة حرارة الكون. لذا وبغض النظر عن حجم المسؤولية ودور كل طرف فيها، فإن معالجة مشكلة اختلال الأمن المائي في البلدان النامية تتطلّب تضافر جهود الأمم والشعوب كافة.
لقد كانت الاستجابة الدولية لمواجهة الأخطار الناتجة عن تغيّر المناخ ضعيفة وغير كافية. وبروتوكول "كيوتو" الذي دخل حيّز التنفيذ العام 2005 بهدف وضع حدود تقيّد انبعاثات الغازات هو خطوة مهمة ولكنها غير كافية. وارتفاع صرخة الدول النامية التي شاركت في قمة كوبنهاغن في كانون أول/ديسمبر 2009 لم تستطع تغيير الصورة كثيرًا لأن دول الاتحاد الأوروبي جاملت كثيرًا موقف الدولتين الأكثر إطلاقًا للغازات وهما الولايات المتحدة الأميركية والصين الأمر الذي حال دون إتخاذ موقف عالمي فاعل.
كما أن بروتوكول كيوتو يشكو من نواقص أساسية مثل غياب دول متقدمة أساسية وعدم مشاركة الدول النامية واقتصار نطاقه على جزء صغير ومتقلّص من الكربون وانبعاثات أخرى من غازات البيوت الزجاجية التي تزيد من الاحترار العالمي.
وتتطلب مرحلة ما بعد 2012 (عام انتهاء العمل بمفاعيل بروتوكول كيوتو) التأكيد على تحقيق الأهداف الطموحة التي تمّ التصديق عليها وأبرزها إبقاء سقف الزيادة في درجة الحرارة دون 2 درجة مئوية في 2010/2012 عمّا كانت عليه العام 1990. ولتحقيق هذا الهدف يجب تثبيت غازات البيوت الزجاجية عند معادل 450 جزءًا من المليون وأن تكون الإنبعاثات العام 2050 أقل ممّا كانت عليه العام 1990 وأدنى بـ 13% من مستواها العام 2006. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف إجراء إصلاحات جوهرية في سياسات الطاقة العالمية ومنها:
أ- فرض ضريبة على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
ب- تقديم حوافز لتطوير تكنولوجيات تعتمد على مصادر نظيفة للطاقة ووضع إستراتيجيات لنقل هذه التكنولوجيا إلى البلدان النامية.
ج- تأمين مساعدات مالية للدول النامية لتمكينها من مواجهة مشاكل الإجهاد المائي التي ستأتي مصاحبة لتغيّر المناخ.
د- تحقيق التعاون الدولي لإبطاء وتيرة قطع الغابات. فغابات العالم مستودعات هائلة للكربون وقد تسبّب التوسع في قطع الأشجار خلال العقود الثلاثة الأخيرة بزيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدل 20%. لذا فمن شأن منع قطع الغابات التخفيف من آثار تغيّر المناخ.
هـ- مساعدة الدول النامية في إعادة تأهيل الأراضي المهملة. فمادة الكربون يتم اختزانها أيضًا في التربة والكتلة الإحيائية. وبإمكان إعادة تأهيل الأراضي المعشبة المعرّضة للتآكل والأراضي الزراعية المتآكلة وتحويلها إلى غابات وبيئات زراعية غنية بمادة الكربون أن تسهم في تلطيف المناخ والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.
خاتمة
أصبح مفهوم الأمن المائي يتمّثل بالقدرة على الحصول على المياه من أجل الاستهلاك والانتاج وفي الحدّ من الطاقات التدميرية للمياه وفي حفظ حق الأجيال القادمة منها.
ولقد عانى بعض البلدان النامية، التي تنتشر على امتداد قارات آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، شحًا في المياه منذ القدم بينما كان بعضٌ آخر ينعم بوفرة كبيرة من هذا المورد الحيوي.
أمّا اليوم فغالبية البلدان النامية تشكو من قلة المياه وإن بدرجات متفاوتة. فبعض هذه البلدان يشكو من نقص المياه، بينما تفاقم هذا النقص عند بعض آخر ليتحوّل إلى إجهاد مائي. في حين زادت المعاناة عند بعض ثالث إلى درجة الندرة الحادة في المياه. كما أن غالبية هذه البلدان باتت تتعرّض لضغوط أكبر من حركات المياه الناتجة عن ظروف التغير المناخي. وهذا ما أدىّ إلى اختلال الأمن المائي في عددٍ كبير من هذه البلدان.
ولاختلال الأمن المائي في البلدان النامية أسباب عديدة: منها ما هو داخلي كتسارع الزيادة السكانية، نمو سكان المدن، إرتفاع مستوى المعيشة، التوجه نحو الزراعة الكثيفة، ضعف سياسات إدارة المياه، الهدر، التلوث ... وغيره، ومنها ما هو موضوعي مثل تغيّر المناخ الناتج بصورة أساسية عن الاحتباس الحراري الذي لعبت إنبعاثات غازات الدفيئة دورًا أساسيًا في تشكّله.
وتنبئ الزيادة المتواصلة والمتسارعة في الاحتباس الحراري بمزيد من الاختلال للأمن المائي في البلدان النامية إن لم يُصَر إلى اعتماد بعض السياسات ومنها: إعتماد مفهوم الإدارة المتكاملة للمياه، خفض الإعانات العكسية وإعادة النظر في سياسات تسعير المياه، تنظيم استخراج المياه الجوفية والحدّ من تلوّثها، تعزيز إمدادات عرض المياه وخفض الطلب عليها، تطوير الهياكل الأساسية للتخزين ... وغير ذلك.
كما تتطلّب المعالجة تعاونًا دوليًا صادقًا ومُلزمًا بين الأمم والشعوب كافة يفرض بعض السياسات ومنها: فرض ضريبة على مصادر انبعاث غازات الدفيئة وخصوصًا غاز ثاني أكسيد الكربون، تأمين حوافز لتطوير تكنولوجيا نظيفة والمساعدة في نقلها إلى البلدان النامية مع تقديم مساعدات مالية لهذه الأخيرة، الحد من قطع الغابات والمساعدة في إعادة تأهيل الأراضي المتآكلة ... وغير ذلك.
الهوامش والمراجع
(1) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، ص3
(2) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 4، (مقطع مأخوذ من كلمة للأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي أنان).
(3) – في الواقع كان تقدّم البشرية منذ أقدم العصور وحتى اليوم يتحدّد على ضوء نجاح المجتمعات أو فشلها في تطويع مصادر المياه مع الحد من طاقاتها التدميرية (إشارة من الباحث).
(4) – التقرير الأهلي اللبناني حول التنمية المستدامة تحضيرًا لقمة الأرض الثانية في جوهانسبرغ – ص9 – بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ومنظمة اليونيسف آب 2002.
(5) – سامر مخيمر وخالد حجازي، أزمة المياه في المنطقة العربية، كتاب عالم المعرفة، العدد 209، أيار 1996، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب، الكويت، ص 7.
(6) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 137.
(7) - محمد رضوان الخولي، التصحُّر في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1990، ص 21 و29
(
– تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص6.
(9) – د. محمد عبد الفتاح القصاص، التصحّر، كتاب عالم المعرفة، العدد 242، شباط 1999، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب الكويت، ص 68
(10) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 134
(11) – المصدر نفسه، ص 135
(12) - تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 137.
(13) – إيان. ج سيمونز، البيئة والإنسان عبر العصور، ترجمة السيد محمد عثمان، عالم المعرفة، العدد 222، حزيران 1997، ص 199، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت.
(14) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 157 – 158
(15) – د. نجيب عيسى، الأبعاد التنموية لمسالة المياه في الشرق الأوسط، ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر مشكلة المياه في الشرق الأوسط، الجزء الثاني، 1994، ص 14، منشورات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
(16) – الإقتصاد العربي، التطورات والإتجاهات والمرامي، التقرير السنوي العام للإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية لعام 1998، ص 68 – 69
(17) – تقرير التنمية البشرية للعام 1998، ص 68، منشور لصالح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP
(18) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 40.
(19) – يجدر بالإشارة أن الشركات الخاصة كانت أكبر الجهات المزِّودة المياه في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية على امتداد القرن التاسع عشر الذي شهد سيطرة واسعة لفكر الليبرالية الإقتصادية. إلاّ أنه منذ بدايات القرن العشرين حلّت الهيئات البلدية والمؤسسات العامة محل الجهات الخاصة في تأمين خدمة المياه (إشارة من الباحث).
(20) – في الواقع إعتمدت دول متقدمة عديدة كفرنسا – التي كان لها تاريخ طويل مع الإدارة الخاصة للمياه – والمملكة المتحدة وغيرها هذا الشكل التام للخصخصة (إشارة من الباحث).
(21) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 94.
(22) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 10 و89
(23) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 19
(24) – تقرير التنمية البشرية للعامين 2007-2008، منشور لمصلحة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، ص 26
(25) – تقرير التنمية البشرية للعامين 2007/2008، مصدر سابق، ص 26
(26) - المصدر نفسه، ص 26.
(27) تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 137.
(28) صبحي عبد الحكيم من مقدمة كتاب سيرروي كالن، عالم يفيض بسكانه، ترجمة ليلى جبالي، كتاب عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، العدد 213، 1996، ص 24
(29) محمد السيد عبد السلام، الأمن الغذائي للوطن العربي، كتاب عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، العدد 230، شباط 1998، ص 30
(30) نشير هنا إلى أنه على الرغم من تزايد أعداد السكان في الولايات المتحدة الأميركية بحوالى 40 مليون نسمة خلال العقود الثلاثة الأخيرة فإن نسبة استخدام المياه قد انخفضت عما كانت عليه في بداية الفترة المذكورة (إشارة من الباحث).
(31) د. وهيب عيسى الناصر، الدفء العالمي ارتفاع حرارة الأرض، مجلة عالم الفكر، العدد 32، الربع الأول من العام 2004، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، ص 165- 166.
(32) تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 136.
(33) تقرير التنمية البشرية للعامين 2007/2008، مصدر سابق، ص 8.
(34) – تقرير التنمية البشرية للعامين 2007 / 2008، مصدر سابق، ص 44
(35) – تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 158 – 159
(36) – جريدة الحياة، 23 نيسان/أبريل 2010
(37) – في التفاصيل وحسب التقرير نفسه أن درجة حرارة سطح مياه المحيطات وحدها ارتفعت بمقدار 0,56 درجة عن معدل القرن الماضي الذي كان 15,9 درجة. بينما إرتفعت درجة حرارة الأرض اليابسة 1,36 درجة فوق المعدل (5 درجات). (إشارة من الباحث)
(38) – جريدة الحياة، العدد 17179، 17 نيسان/أبريل 2010
(39) – تقرير الننمية البشرية للعامين 2007 -2008، مصدر سابق، ص 65
(40) – جريدة الحياة، 5 أيلول/سبتمبر 2009
(41) – جريدة الحياة، العدد 17182، 20 نيسان/أبريل 2010
(42) – تقرير التنمية البشرية للعامين 2007/2008، مصدر سابق، ص 92 و93
(43) – تقرير التنمية البشرية للعامين 2007/2008، مصدر سابق، ص 85
(44) – المصدر نفسه، ص 86.
(45) – تقرير التنمية البشرية للعامين 2007/2008، مصدر سابق، ص 88.
(46) – بالمقابل سيؤدي ارتفاع درجة حرارة الجو إلى زيادة تبخير مياه المحيطات في العالم الأمر الذي يسبب زيادة كثافة دورة المياه وزيادة المتساقطات في الأجزاء الشمالية من اليابسة (إشارة من الباحث).
*****************************************************************************
Security of Water resources in developing countries in the 21st century
By Dr Kleb Kleb
At the beginning of the nineties in the 20th century, the human development report that was issued by the United Nations in 1990 put fort the notion of human security as a framework extending the classical perspective of the national security notion which was limited to security and military sides.
Later on, a subsequent issue of the same report defined human security as ensuring security against unpredictable events which can lead to chaos with regard to the livelihood of humans. The same report considered the security of water resources as an indivisible part of this new and comprehensive concept of human security to the point that the non-availability of favorable circumstances aimed at guaranteeing the security of water resources prevents from guaranteeing human security.
And then, how can we define the security of water resources? Why is it tat this concept of security was neglected until recently? What are the causes and factors which are keeping from guaranteeing the security of water resources in developing countries? What could be the effects of the aggravation of disorder in water resources security during the 21st century? W3hat can be done to diminish the intensity of this problem?
*****************************************************************************
Sécurité des ressources hydrauliques dans les pays en développement au 21e siècle
par Le Dr Kleb Kleb
Au début des années nonante du 20e siècle, le rapport de développement humain qui a été publié par l'Organisation des Nations Unies en 1990 a mis en relief la notion de sécurité humaine comme un cadre dépassant la perspective classique de la notion de sécurité nationale qui a été limité à la sécurité du point de vue militaire.
Plus tard, un numéro ultérieur du même rapport définit la sécurité humaine en assurant la sécurité contre les événements imprévisibles qui peuvent conduire au chaos en ce qui concerne les moyens de subsistance des personnes.
Le même rapport a examiné la sécurité des ressources en eau comme une partie indivisible de ce nouveau concept global de sécurité des gens, au point que la non-disponibilité de circonstances favorables visant à garantir la sécurité des ressources hydrauliques empêche de garantir la sécurité des gens.
Comment peut-on définir la sécurité des ressources en eau? Pourquoi est-ce que ce concept de sécurité a été négligé jusqu'à récemment? Quels sont les causes et les facteurs qui permettent de garantir et de maintenir la sécurité des ressources hydrauliques dans les pays en développement? Quels pourraient être les effets de l'aggravation des troubles dans la sécurité des ressources hydrauliques au cours du 21e siècle? Que peut-on faire pour diminuer l'intensité de ce problème?
http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?ln=ar&id=25487