الأمن الغذائي
مقدمة
كان هاجس الحصول على الغذاء أبرز المشكلات التي واجهت الإنسان عبر تاريخه، فمن أجل تأمين غذائه امتهن حرفة الصيد والزراعة وعانى من الارتحال وخاض الحروب وتعرض لمجاعات كان لها أثر كبير في مصيره وحضارته ومازالت الأزمة قائمة إلى الآن حيث تشكل عملية تأمين الغذاء أبرز جوانب الوضع الاقتصادي الجديد، وأبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية المتمثلة في تفاقم العجز الغذائي وحصول فجوة غذائية حادة وانتشار ظاهرة الجوع وسوء التغذية في بعض الأقطار, في ظل فشل سياساتها الاقتصادية والتنموية حيث أصبحت أسيرة مجموعة من البلدان المنتجة للغذاء كالولايات المتحدة وغيرها، في حين أن معظم هذه البلدان وخاصة البلدان العربية هي بلدان زراعية بالدرجة الأولى، وقادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي بل وحتى تصدير الغذاء إذا ما استغلت الإمكانات المتوافرة ووضعت الخطط التنموية وتمت متابعة تنفيذها0
ونظرا لخطورة الأزمة لم تعد مشكلة العجز الغذائي مجرد مشكلة اقتصادية زراعية بل تعدت ذلك لتصبح قضية سياسية إستراتيجية ترتبط بالأمن الوطني والإقليمي. وأصبح الغذاء سلاحا إستراتيجيا في يد الدول المنتجة والمصدرة للحبوب تضغط به على الدول المستوردة لتحقيق أهداف سياسية , مما أدى إلى أن يكون هناك اهتماماً عالمياً بهذه المشكلة المتفاقمة تمثل بالأهداف الإنمائية للألفية الجديدة التي كان من أولها القضاء على الفقر المدقع الذي هو احد نتائج ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء مما يفضي إلى ارتفاع نسبة الجائعين وغير الآمنين غذائياً فضلاً عن حالات سوء التغذية ونقص الوزن عند الصغار 0
انطلاقاً من أهمية الموضوع , فإن هذه الورقة تحاول الإجابة على العديد من التساؤلات أهمها ما هو الأمن الغذائي , وما هي مقوماته ومؤشراته , وما هي العوامل المؤثرة فيه , وما هي أبعاد مشكلة الغذاء , وما هي السياسات اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي 0
مفهوم الأمن الغذائي
هناك عددا من المفاهيم التي أطلقت على الأمن الغذائي آخرها التعريف الذي أطلقته قمة الغذاء المنعقدة في عام 1996 والذي انطوى على توسيع المفهوم لكي يتضمن السلامة الغذائية والتوازن في المكونات المغذية ليكون بذلك أكثر تعريفا للأمن الغذائي. ويؤكد هذا المفهوم أن "الأمن الغذائي على المستويات الفردية والأسرية والوطنية والإقليمية والعالمية يتحقق عندما يكون لدى الجميع وفي جميع الأوقات إمكانية الحصول المادي على حاجاتهم و تفضيلاتهم الغذائية لممارسة حياة فاعلة وصحية".
إن تعاريف الأمن الغذائي متعددة نتيجة تباين وجهات النظر لهذا المفهوم، حيث يركز البعض على أن الأمن الغذائي يعنى "قدرة وطن أو إقليم معين على توفير الاحتياجات الغذائية الضرورية في الحالات الحرجة والطارئة الاستثنائية".. معنى أنها تركز على مفهوم التخزين فقط وظرفية الهدف ومن ثم على بعض السياسات الجزئية لهذا المفهوم.. ويرى فريق آخر أن مفهوم الأمن الغذائي يعني " قدرة الحكومة أو الإدارة الإقليمية على توفير أهم السلع الغذائية الإستراتيجية للسكان في وقت الحاجة بالكمية والأسعار المناسبين ويرى فريق ثالث أن هذا المفهوم يعني" توفير الغذاء الكافي لضمان حياة صحية ومنتجة لجميع المواطنين في جميع الأوقات" ويربط البعض بين مفهوم التنمية الزراعية والأمن الغذائي.. حيث يرى أن الأمن الغذائي يمثل الجانب السياسي القومي من التنمية الزراعية وأهدافها وهو يسهم بالسعي نحو تقليص الفجوة بين الطلب على المنتجات (أو الاحتياجات الاستهلاكية) الغذائية ومستلزمات إنتاجها وبين ما ينتج منها فعلا، وذلك بغرض تخفيف الاعتماد على العالم الخارجي في توفير الاحتياجات الغذائية وخاصة الأساسية منها، ومن ثم تجنب التعرض لضغوط التبعية الخارجية 0
ويتضح من تحليل واستعراض هذه التعاريف لمفهوم الأمن الغذائي أنها جزئية حيث إنها تركز على جانب أو أكثر من جوانب هذا المفهوم دون النظرة الشمولية له، وعلى هذا فيمكن اقتراح التعريف التالي لمفهوم الأمن الغذائي والذي يشكل أهدافه ووسائله ونتائجه، ولعل شمول هذا التعريف يكون هو المعيار والفيصل للحكم على مختلف الأهداف والسياسات والبرامج والنتائج المرتبطة به من حيث علاقتها بهذا المفهوم من ناحية وكذلك مستوى النجاح والفشل في تحقيقه من ناحية أخرى حيث إن غياب أو نقص هذا الشمول يؤدي إلى اختلاط وتداخل الأمور.
ويعرف الأمن الغذائي في وطن معين أو إقليم معين بأنه " أحد المكونات الإستراتيجية للتنمية الزراعية، والواردة ضمن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، والذي ينطوي على العديد من السياسات والبرامج والمشروعات التي من شأنها زيادة إنتاجية السلع الغذائية الأساسية من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المحلية المتاحة والقضاء على كل صور الفقد والتلف لكل السلع الغذائية ابتداء من المنتج وانتهاء بالمستهلك وترشيد الاستهلاك في صوره كافة لكل السلع الغذائية وتحسين شروط التبادل التجاري لتلك السلع ومستلزمات إنتاجها، سواء أكانت تصديراً أم استيراداً، مع المحافظة على التوازن البيئي، ومنع التلوث بمختلف صوره وأشكاله، وذلك في ظل تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلالية وتقليص التبعية الخارجية، مستهدفا بذلك توفير هذه السلع الغذائية بكميات ونوعية كافية لمجموع السكان في مختلف مناطق تواجدهم وبأسعار موافقة لمستويات دخولهم بصورة مستمرة ومستديمة 0
ويتضح من هذا التعريف العلاقة" العضوية" بين مفهوم الأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستمرة، وأنه أحد مكوناتها، ومن ثم فإنه لا يمكن تحقيق الأمن الغذائي بلا تنمية زراعية مستدامه 0
كما يعرف الأمن الغذائي بأنه قدرة الدولة على تأمين الأغذية أو الغذاء لمواطنيها سواء كان ذلك بالإنتاج المحلي أو بتأمين الاستيراد الآمن غير المتعرض للتذبذب أو الأخطار من الخارج 0, ويكمن التمييز بين مستويين من الأمن الغذائي هما :-
الأمن الغذائي المطلق: يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي. وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل ويعرف أيضاً بالأمن الغذائي الذاتي 0
ومن الواضح أن مثل هذا التحديد المطلق الواسع للأمن الغذائي توجه له انتقادات كثيرة إضافة إلى أنه غير واقعي، كما أنه يفوت على الدولة أو القطر المعني إمكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على التخصص وتقسيم العمل واستغلال المزايا النسبية 0
الأمن الغذائي النسبي: وهو قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أو جزئيا , ويعرف أيضاً بأنه قدرة قطر ما أو مجموعة أقطار على توفير احتياجات مجتمعهم أو مجتمعاتهم من السلع الغذائية الأساسية كلياً أو جزئياً وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام 0 وبناء على هذا التعريف السابق فإن مفهوم الأمن الغذائي النسبي لا يعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية بل يقصد به أساساً توفير المواد اللازمة لتوفير الاحتياجات من خلال منتجات أخرى يتمتع فيها القطر المعني أو الأقطار المعنية بميزة نسبية على الأقطار الأخرى. وبالتالي فإن المفهوم النسبي للأمن الغذائي ينبغي أن يؤسس على ثلاثة مرتكزات هي وفرة السلع الغذائية وجود السلع الغذائية في السوق بشكل دائم، أن تكون أسعار السلع في متناول المواطنين 0
مقومات الأمن الغذائي
تتمثل أهم مقومات المن الغذائي في الأتي :-
1- الخصائص الجغرافية والمناخية والبيئية
2- المراعي الطبيعية والغابات
3- الأراضي الزراعية
4- الموارد المائية
5- الموارد البشرية
6- الثروة الحيوانية
7- - التكنولوجيا الحديثة والبحوث الزراعية
مؤشرات الأمن الغذائي
1- الرقم القياسي لنصيب الفرد من إنتاج الغذاء، وهو متوسط نصيب الفرد من الكمية المنتجة سنويا من الغذاء في بلد ما منسوبا لسنة الأساس 0
2- إمدادات السعرات الحرارية يوميا، أي صافي الإمدادات الغذائية في بلد ما مقسمة على عدد سكانه يوميا
3- نسبة الاعتماد على استيراد الأغذية، أي نسبة الواردات الغذائية إلى الأغذية المتاحة للتوزيع الداخلي 0
4- المعونة الغذائية من الحبوب، أي كمية الحبوب التي تقدمها البلدان المتبرعة والمنظمات الدولية، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي، والمجلس الدولي للقمح التي يتم الإبلاغ عنها في سنة محصولية 0
العوامل المؤثرة في الأمن الغذائي
1- العوامل الديموغرافيه
يعد التزايد السكاني من المبررات التي تصاغ لمشكلة الغذاء في المنطقة، فإذا شهد حجم السكان تسارعا ملحوظا بمعدل يفوق متوسط معدلات نمو الإنتاج الزراعي في نفس الفترة, فسوف يؤدي هذا إلى اختلالات على مستوى عرض وطلب الغذاء. كما أن هذا التزايد الكمي للسكان قد يرافقه تغيير جوهري في توزيع السكان بين الريف والحضر، حيث تؤدي الهجرة الريفية إلى المدن داخل البلد الواحد أو/ وبين الدول (الطالبة للعمالة), إلى تزايد كبير لسكان المدن وحرمان القطاع الزراعي في المناطق الريفية من اليد العاملة, مما يؤدي إلى تراجع أداء القطاع الزراعي في هذه المناطق.
كما أدى تحسن الوضع الاقتصادي إجمالا في معظم الأقطار في العقد الماضي, إلى ارتفاع مستويات الدخول الفردية وتغيير النمط الغذائي الاستهلاكي تبعا لذلك، وإلى تراجع نسبة السكان الزراعيين إلى مجموع السكان نتيجة استقطابهم من طرف القطاعات الأخرى. ويصاحب النمو الاقتصادي -عادة- تعديل في توزيع السكان بين الريف والحضر, بحيث يتوالى انخفاض سكان الأرياف وازدياد سكان الحضر. ويؤدي هذا التعديل إلى التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية وبالتالي فإن الهجرة الريفية تؤدي إلى تذبذب الإنتاج الزراعي ما لم يقابلها تحسن ملحوظ في إنتاجية المزارعين.
وقد أثبتت الدراسات أن متوسط الاستهلاك الكلي أعلى وأكثر تنوعا في الحضر منه في الريف، فانتشار الحضر وتركز السكان يدفعان إلى زيادة الطلب على السلع الغذائية وتغيير أنماطه بفعل محاكاة النمط الاستهلاكي المستورد, ونتيجة للتحسن في القدرات الشرائية للأفراد الذين أصبحوا يتوقون إلى استهلاك أفضل وأكثر تنوعا
2- العوامل الطبيعية
يعزى قصور الإنتاج الزراعي بشكل عام عن إشباع الحاجيات الغذائية إلى جملة من العوامل أهمها :-
• انخفاض نسبة الأراضي الصالحة للزراعة مقارنة مع المساحة الكلية 0
• اعتماد أغلب الزراعات على العوامل المناخية التي تتميز بالتذبذب والتقلب من عام إلى آخر
• عدم كفاية مصادر المياه وسوء استغلالها والميل نحو الانتقال من الزراعة المطرية إلى الزراعة المروية
• للتصحر والتعرية والتحولات التي يعرفها المناخ ودور الإنسان في الاستنزاف اللاعقلاني للخيرات الطبيعية وتدمير البيئة دورا كبيرا في استفحال أزمة الغذاء
3- الخيارات التنموية الكلية
تنطوي عملية التنمية عادة على تحول الاقتصاد من وضع تهيمن فيه الزراعة إلى اقتصاد يتعاظم فيه دور القطاعات الاقتصادية الأخرى , وفي كثير من الإستراتيجيات التنموية لا تقوم الزراعة إلا بدور ثانوي داعم. وكثيرا ما كانت تغفل أهمية التفاعلات الإيجابية بين الزراعة والقطاعات الأخرى، كما لا يعطى اهتمام كبير لتعزيز البحث والاستثمارات في الزراعة. فكثير من اقتصاديي التنمية لم يعيروا القطاع الزراعي إلا أهمية ضئيلة نسبيا –مع بعض الاستثناءات– رغم قول بعض الاقتصاديين إن أي ثورة صناعية تحدث لابد أن تسبقها بعقود على الأقل ثورة خضراء أو زراعية كما حدث في الصين واليابان
يعتبر إهمال القطاع الزراعي في التوجهات التنموية العامة -وفي المراحل الأولى لظهور بوادر الأزمة الغذائية- أحد أهم العوامل الكامنة وراء تعميق العجز الغذائي ، بالإضافة إلى عدم نجاح السياسات الزراعية المتبعة للحد من التبعية الغذائية للخارج وتحقيق الاكتفاء الذاتي على المستوى القطري أو القومي 0
بالإضافة إلى العوامل الثلاثة السابقة يمكن القول أن من أهم أسباب العجز الغذائي تكمن في التوزيع غير المتوازن بين الأقطار للموارد والطاقات اللازمة للتنمية الزراعية, من موارد طبيعية وبشرية ومالية , كما أن الفقر يعتبر سبب رئيسي لإنعدام الأمن الغذائي 0
أيضاً في الآونة الأخيرة أدى انخفاض سعر الدولار والزيادات المستمرة في أسعار النفط إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وازدادت الأمور حدة عند البحث عن بدائل للطاقة له فكان الوقود الحيوي(الإيثانول) المستخرج من المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة وقصب السكر وإنتاج ليتر منه يكلف حاليا 60 سنتاً والبحث جار لتخفيض كلفته بينما تصل كلفة إنتاج ليتر من البنزين إلى44 سنتاً، ولمزيد من معرفة الأخطار القادمة فـ 12 ليتراً من الإيثانول تحتاج إلى أكثر من 230 كغ من الذرة وهذه الكمية تكفي لإطعام إنسان طيلة عام كامل0
مؤشرات التبعية الغذائية
وتعرف هذه المؤشرات بأنها المؤشرات التي تقيس مدى اعتماد البلد على العالم الخارجي في تدبير احتياجاته الغذائية، وهى في نفس الوقت تقيس مدى تقدم البلد نحو تحقيق قدر متزايد من الاكتفاء الذاتي، وهذه المؤشرات هي :-
1- مدى التركز الجغرافي لمصادر الغذاء المستورد، لبيان ما إذا كانت الدولة المعنية تعتمد على دولة واحدة أو عدد محدود من الدول للحصول على نسبة كبيرة من وارداتها الغذائية
2- واردات الحبوب بآلاف الطن المتري، قيست الواردات من الغلال بمكافئات الحبوب بمقتضى التصنيف الدولي التجاري الموحد
3- نصيب الفرد من الحبوب بالكيلوجرام
4- المعونة الغذائية من الحبوب بآلاف الطن المتري
5- قيمة المعونة الغذائية بملايين الدولارات
6- نسبة اعتماد البلد على استيراد الأغذية
7- نسبة المدفوعات عن الواردات الغذائية إلى حصيلة الصادرات المنظورة وغير المنظورة وتعتبر الدولة التي تلتهم وارداتها الغذائية 30% أو أكثر من حصيلة صادراتها في وضع حرج، ومن ثم تقع في منطقة التبعية، وتعتبر الدولة التي تمثل وارداتها الغذائية اقل من 10% من حصيلة صادراتها داخلة ضمن منطقة الاستقلال.
أبعاد الأزمة الغذائية
يمكن قياس تجليات المشكلة الغذائية هذه بحجم وتطور الفجوة الغذائية ودرجة الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية0
الفجوة الغذائية
تعني الفجوة الغذائية الفرق بين ما نستطيع إنتاجه من السلع والمواد الغذائية ، وبين ما يكفى الاحتياجات الأساسية لتوفير الغذاء لمجموع السكان , وقد تتصف الفجوة الغذائية بالتذبذب من سنة لأخرى بسبب التغير في الإنتاج الزراعي (النباتي والحيواني) وحجم الاستهلاك وتقلبات الأسعار العالمية للسلع الغذائية
الاكتفاء الذاتي
وهو القدرة على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس وعلى الموارد والإمكانات الذاتية في إنتاج كل احتياجات المجتمع الغذائية محليا 0
ويشكل تدهور معدلات الاكتفاء الذاتي خطرا على الأمن الغذائي الذي يمثل أحد المكونات الأساسية للأمن القومي من منظوره الاقتصادي. فالأمن الغذائي الذي يعني قدرة المجتمع على تأمين احتياجاته الاستهلاكية من السلع الغذائية الأساسية بإنتاجها محليا أو باستيرادها من الخارج , ليس هو تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي غالبا ما يعني إنتاج كافة الاحتياجات الغذائية الأساسية محليا, وإنما يتعداه إلى تأمين مصادر الحصول على الغذاء محليا أو/ ودولي 0
إن تعاظم الفجوة الغذائية وتدهور نسب الاكتفاء الذاتي في أي بلد يسمح بالقول إن الأمن الغذائي مازال حلما لم يتحقق حتى هذه اللحظات، ويتطلب تحقيقه في المستقبل اتخاذ جملة من المواقف والإجراءات الموحدة والمتكاملة لإزالة المشاكل التي تعيق التنمية بصورة عامة والتنمية الزراعية على وجه الخصوص 0
الآثار المترتبة على أزمة الأمن الغذائي
ومن المعروف أن تدهور أوضاع الأمن الغذائي تؤثر في القرار السياسي، وتزيد من فعالية استخدام الغذاء كسلاح من جانب الدول المصدرة له أو المانحة للمعونة الغذائية، وتاريخ الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية تشير إلى أي حد تم استخدام الغذاء كأداة من أدوات النفوذ، أو كحافز لدعم نمط من السلوك السياسي، وذلك بسبب المعونات أو التهديد بسحبها كعقوبة سياسية ضد ما تعتبره الدول المانحة سلوكا ضارا وعملا عدائي ضد مصالحها أو مصالح حلفائها، وذلك كما حدث في مصر بعد يونيو 1967عندما وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على وقف اتفاقيات فائض الحاصلات الزراعية، كعقوبة بحجة قيام مصر بأعمال عدوانية ضد الولايات المتحدة وأصدقائها 0
وبصفة عامة فأن الدولة التي تعتمد بنسبة عالية على استيراد الأغذية من الخارج، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة فاتورة وارداتها الغذائية باستمرار ويبدد مواردها من النقد الأجنبي اللازمة لتمويل وارداتها الرأسمالية من أجل توفير فرص العمل والحد من البطالة، كما أن ذلك يؤدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بما يتجاوز إمكانيات الأسر ذات الدخل المحدود والمنخفض 0
سياسات تحقيق الأمن الغذائي
إن تحقيق الأمن الغذائي لأي أمة, قضية محورية يجب عدم تركها للظروف المتغيرة, ولا للعوامل الخارجية لتتحكم فيها، وإنما يجب السعي وبكل جدية إلى ضمان أمن مستديم من خلال زيادة العناية بالقطاع الزراعي وتوسيع قاعدة العمل المنتج وتحسين الإنتاجية
لقد تزايد الاهتمام العالمي بأزمة الغذاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية التي يصاحبها عادةً أزمات ومسؤولية اجتماعية لها كلفة باهضه على الدول والحكومات خاصة وان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اعتبر أزمة الغذاء انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان وقد شهدت العديد من دول أفريقيا واسيا تظاهرات ومسيرات احتجاجية مناهضة لحكوماتها بسبب ارتفاع الأسعار ومطالبة بحل مشكلة شحة الغذاء وبناءً على ذلك فإنه لتحقيق الأمن الغذائي يجب العمل على تحقيق التي :-
1- العمل على تنمية القطاع الزراعي حيث أن هذا القطاع هو المنعي بتحقيق الأمن الغذائي في المقام الأول 0
2- إن أي إستراتيجية تنموية لتحقيق الأمن الغذائي في الوطن لابد أن تتخذ من التنمية الزراعية المستديمة غاية لها, وتحديد هذه الغاية ينطلق من معرفة الأسباب الكامنة وراء مشكلة الأمن الغذائي والرغبة في إيجاد حل جذري ودائم لها ويمكن إجمال هذه الغاية في "تعزيز جهود تحديث الزراعة وتنمية قدرتها الإنتاجية والتنافسية، وتنمية وصيانة الموارد الطبيعية والمحافظة على البيئة بما يكفل تحقيق أهداف الجيل الحالي والأجيال القادمة في إطار متكامل يحقق مصالح جميع الأقطار وهذا ما يمكن التعبير عنه بتحقيق التنمية الزراعية المستديمة 0
3- الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية والمالية لزيادة الإنتاجية في الزراعة يمثل المدخل الأساسي لتطوير القطاع الزراعي وتحقيق وضع أفضل للأمن الغذائي ويتطلب تحقيق ذلك تعزيز القدرة عن طريق التكامل والتنسيق بين السياسات التنموية في البلدان خاصة في الميدان الزراعي، وعبر تعزيز التعاون والتنسيق بين مؤسسات البحوث الزراعية وتوظيفها لصالح التنمية الزراعية 0
4- حيث أن من أهم العقبات التي تحول دون تحقيق الأمن الغذائي ما يعرف بالتوزيع غير المتكافئ للموارد الزراعية فلابد من إيجاد وتعزيز التكامل الاقتصادي الزراعي وبالذات التكامل الاقتصادي الزراعي العربي، خاصة أن الوطن العربي يمتلك الشروط الضرورية لتحقيق هذا التكامل (تكامل الموارد الإنتاجية الزراعية، عدم تباين مستويات النمو الاقتصادي، وحدة اللغة والتاريخ والدين). هذا بالإضافة إلى ما سيحققه هذا التكامل من ميزات اقتصادية هامة تعود بالنفع على التنمية الاقتصادية في البلدان العربية وعلى المستوى المعيشي لسكانها حيث سيعمل هذا التكامل على إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية الزراعية و سيزيد من مرونة عناصر الإنتاج، مما سيسمح بزيادة حجم الإنتاج ليواكب الزيادة الحاصلة في الطلب على السلع الزراعية كما أن هذا التكامل سيحدث تغييرات هيكلية في الزراعة العربية، فسعة السوق العربية ستمكن من تحقيق كفاءة اقتصادية للوحدات الإنتاجية الزراعية في ظل الاقتصاد الدولي الذي ستقوم على تنظيميه منظمة التجارة الدولية، خصوصا أن اتفاقية "الغات" قد خفضت القيود الجمركية وأزالت الحواجز غير الجمركية، وبذلك فإن التكامل الاقتصادي الزراعي العربي -إن تحقق- سيزيد الكفاءة التنافسية للصادرات الزراعية العربية، وسيساعد الدول العربية على زيادة التبادل فيما بينها في مجال السلع الغذائية، خاصة أن هذا التبادل لا يزال ضعيفا جدا رغم إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ودخولها مرحلة التنفيذ مطلع عام 1998 0
5- تعزيز قدرات الاستحواذ على التكنولوجيا الزراعية عن طريق الاهتمام بالتقدم العلمي وما يفتحه من آفاق واسعة لتطوير الأساليب الزراعية المتبعة في إنتاج المحاصيل، كتطوير كفاءة استغلال المساحات الزراعية المتوافرة وتوسعها وتحسين استخدام التقاوي (بذور القطن والقمح والفول ونحوها) والبذور المحسنة واختيار التركيب المحصولي والدورة الزراعية بالصورة الأكثر ملاءمة، والتوسع في المكننة الزراعية وتبني أساليب الري الحديثة وتطوير الأصول الوراثية باستخدام التقانة الحيوية والهندسة الوراثية والتقنيات الكيماوية خاصة إن تطوير الإنتاجية والإنتاج الزراعي بفرعيه النباتي والحيواني، يرتبط إلى حد كبير بالتحديث التقني الذي يتوقف بدوره على البحوث العلمية خاصة في الميدان الزراعي حيث يجب تشجيع التمويل والاستثمار في القطاع الزراعي ( البحوث الزراعية ) و التنسيق بين مراكز البحوث وأنشطتها وتزويدها بالكوادر المؤهلة للقيام بالأبحاث واعتماد الموارد الكافية المخصصة لهذه الأبحاث من الحكومات وتجهيزها بالتجهيزات العلمية والفنية والمختبرات المتخصصة , وتعزيز مساهمة القطاع الخاص في هذه الأبحاث , و أن تعمل الحكومات على توفير البيئة العلمية والمهنية التي تحافظ على العلماء والباحثين في هذا المجال بشكل خاص وفي كافة المجالات بشكل عام 0
6- أن تتكامل سياسات تنمية القطاع الزراعي مع السياسات التنموية الأخرى كسياسات التخفيف من الفقر والسياسات السكانية ...إلخ