الحرب الباردة وعلم العلاقات الدولية The Cold War and the discipline of IR عدا الأوصاف الجوهرية لأحداث وتطورات الفترة التي تشمل الحرب الباردة، تتركز التحليلات الأكاديمية حول سؤالين عامين: لماذا نشأت ولماذا انتهت؟ بالنسبة للأسباب، كان المعلقون الأوائل يميلون إلى إلقاء المسؤولية على اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والتزام الشيوعية الدولية طويل الأجل والمصرح به بالثورة العالمية. فهذا الهدف الاستراتيجي السوفياتي قد أدّى، من منطلق دينامية النظرية التقليدية للعلاقات الدولية المتمثلة بالفعل ورد الفعل، قد أدّى إلى رد الفعل الغربي المتمثل بسياسة الاحتواء. ذلك هو الإطار المرجعي الفكري الذي حدد ضمنه معظم الأكاديميين الغربيين وصانعو السياسة موضع الصراع والذي كان يعتبر تمثيلاً خاصاً للمعضلة الأمنية التي لا تختلف في جوهرها عن تلك التي وصفها توسيديد (Thucydides) في القرن الخامس قبل الميلاد بشأن الحرب البيلوبينيزية: "إن ما جعل الحرب محتمة هو نمو قوة أثينا وما أثاره ذلك من خوف لدى اسبارطة (Thucidedes, 1982 ed.). وكرد فعل على هذه النظرة الواقعية أخذت الأوصاف الراديكالية و"التعديلية" (revisionist) تظهر في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات والتي مع أنها قبلت الإطار التصوري للقراءة التقليدية، فإنها ألقت اللوم لا على السوفيات بل على الامبريالية الغربية ولا سيما السعي الرأسمالي لتحقيق السيطرة الاقتصادية على العالم. وفي الثمانينيات أكملت المدرسة "ما بعد التعديلية" المثلث التاريخي بإلقاء اللوم على كلا المعسكرين، منوهة كثيراً بأن خطأ الإدراك كان السبب المباشر (Jervis, 1976, Lebow and Stein, 1994).
أما بشأن انقضاء الحرب الباردة فثمة إجماع على أن العامل الأكثر أهمية هو "التفكير الجديد" لغورباتشوف واندفاعه للانفتاح (الشفافية) (glasnot) وإعادة الهيكلة (perestroika) والديمقراطية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من 1985 فصاعداً. فالتنازلات واسعة النطاق التي ولّدتها هذه المبادرات (التي عمل مبدأ ريغان على تسريعها أو إكمالها) قد أنهت الحرب الباردة بالفعل. أما أن هذا قد أدى إلى انحلال الاتحاد السوفياتي نفسه فإنه يعتبر بوجه عام نتيجة غير مقصودة وغير متوقعة. وإضافة إلى الاعتراف بالدور الحاسم الذي قام به غورباتشوف، فقد خَلُصَت أيضاً كثير من الأوصاف الغربية الأكثر ايديولوجية إلى أن نهاية الحرب الباردة تمثل في الواقع "انتصاراً" للغرب ومفاهيمه السياسية والاقتصادية. فقد كتب فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) في مقال شهير نشر عام 1989 يقول إن: "ما نشاهده الآن ليس نهاية الحرب الباردة، أو انقضاء فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، فحسب، بل أيضاً نهاية التاريخ بهذا المعنى: أي، نقطة نهاية تطور البشرية الايديولوجي وتعميم الديمقراطية الليبرالية الغربية بوصفها الشكل النهائي للحكومة الإنسانية" (صفحة 4). ومع أن حدة تبجح فوكوياما بالانتصار قد خفّت نوعاً ما، فقد أصبحت فكرة ويلسون القائلة إن الديمقراطية الليبرالية هي الحل للصراع الدولي فكرة تتخلل الأبحاث الأنجلو – أمريكية بعد الحرب الباردة.
رغم الترحيب العام بنهاية الحرب الباردة فإنها تسببت فيما يشبه الأزمة في النظرية التقليدية للعلاقات الدولية. فما من أحد النموذجين الواقعي الجديد والليبرالي الجديد قد تنبأ بالتغيير الشامل على هذا النطاق الواسع. وقد جعل فشل كلتا النظريتين الرئيسيتين للسياسة الدولية في توقع نهاية الحرب الباردة أحد كبار المختصين يخلُص إلى أن ذلك برهان دامغ ضد علم العلاقات الدولية وأن هذا الميدان قد أفلس (Gaddis, 1992, p.44). وتلك نظرة متطرفة لكن القليلين هم الذين يشكون بأن أحداث عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين تشكل "فشلاً معقداً" لهذا العلم ككل (أي الفشل في التفسير الصحيح للمعلومات المتوفرة). لقد أخطأ البحاثة الطريق في مجموعهم في ميدان العلاقات الدولية، وأخطأ إلى حد أقل نظراؤهم في الدراسات السوفياتية، جراء التصاقهم بافتراضات جبرية غير مجرّبة بشأن سلوك القوى العظمى ودور الأفكار والأنظمة الإيمانية والزعامات في تحقيق النتائج. ونتيجة ذلك فقد كانت أجندة أبحاث الاتجاه السائد في العلاقات الدولية تحت سيطرة هاجس المسائل المتصلة بالاتجاه السائد لاستقرار القوى العظمى ("السلام متطاول الأمد") بدلاً من المسائل المتصلة بالتغير أو التحول. وقد شذ عن ذلك بشكل خاص غيلبين (Gilpin, 1981). وبناء عليه شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة ليس عودة إلى النظرية المعيارية فحسب، بل أيضاً تجدد الاهتمام بالتعاون في ظروف الفوضى واستقصاء أنماط بديلة للتفسير والأنظمة البديلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية (Lebow and Rise - Kappen, 1995).