الكاتب : لي رونغ جيان من مدينة شيانغ فانXIANG FAN بمقاطعة خو بيه HU BEI مواليد عام1955.. انتهل العلم في كل من مصر والعراق على التوالي ، وعمل كسكرتير اول وكنائب للقسم السياسي في السفارة الصينية لدى سوريا من يناير عام 2001 الى اّذار عام 2003 .. معني بشكل اساسي في دراسة وبحث التاريخ العربي والتعليم الثقافي ..
( المركز العربي للمعلومات : البريفيسور لي رئيس معهد البحوث العربية في جامعة ووخان .. له العديد من الاعمال الادبية والترجمية وتنقل في العديد من المناصب الهامة .. ونظرا لما قدمه من مساهمات بارزة في دفع وتطوير علاقات التعاون والتبادل السياسي والثثقافي العربي الصيني ، سنقوم لاحقا بتعميم نبذة عن سيرته الذاتية بشكل مستقل .. )
المضمون : التبادلات العربية عريقة وعميقة الجذور ، ففي السنوات الاخيرة الماضية ظهر في التعاون الصيني العربي توجه خرق المراحل في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها من مجالات التعاون ألاخرى .. ان اسس التعاون الصيني العربي في غاية المتانة ، وطاقاته الكامنة ضخمة ومستقبله واعد .. فعلى كل جانب من الجانبين ، الصيني والعربي ، مواصلة احترام المصالح السياسية والاهتمامات لدى الطرف الاّخر ، والعمل على توسيع التبادلات الثقافية والتقنية الى جانب الاتصالات الاقتصادية والتجارية بشكل ايجابي ونشط ، بما يضمن استمرارية تطور العلاقات الصينية العربية نحو الافضل ..
الكلمات المفصلية : الصين ؛ العالم العربي ؛ التبادلات ؛ التعاون
يقع الوطن العربي في منطقة استراتيجية عالمية هامة بغرب آسيا وشمال إفريقيا ، يتمتع بتاريخ عريق وحضارة مشرقة ، وموارد طبيعية وافرة .. ان التبادلات العربية الصينية عريقة وعميقة الجذور ، ويرجع تاريخها الى ما قبل اكثر من الفي سنة ، حيث كان " طريق الحرير " المعروف عالميا يربط الصين بالعالم العربي البعيد جدا عنها .. تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الصين والعرب في عهد الخلافة الاسلامية بمنتصف القرن السابع عشر ، حيث كانت أسرة تانغ الصينية تعيش فترة ازدهار وشبه الجزيرة العربية تعيش فنرة نهوض .. كانت الاتصالات التجارية اّنذاك مزدهرة والتبادلات الثقافية نشطة بين الطرفين .. أما في السنوات الأخيرة الماضية فقد شهدت العلاقات الصينية العربية توسعا مستمرا في مجال التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي وغيرها من المجالات ..كل من الدول العربية والصين ينتميان إلى الدول النامية .. وتعتبر الدول العربية المصدر الرئيسي للنفط الصيني المستورد ، كما انها تشكل سوقا كبيرا للصادرات الصينية من المنتجات والتيكنيلوجيا .. فإن تطوير علاقات الشراكة من نمط جديد بين الصين والدول العربية ، وتوطيد التعاون الودي بينهما ، لا يتفق والمصالح الأساسية للطرفين فحسب ، بل ويساعد ايضا على حماية السلام الآسيوي والعالمي ، وتعزيز ازدهار الاقتصاد العالمي ..
أولا، العلاقات التاريخية بين الصين والوطن العربي .. الصينيون عرفوا العرب منذ وقت مبكر ، ففي عهد أسرة خان كانوا يسمون العرب بـ " تياو جي TIAO ZHI " ( جاءت من لفظ TAJIK وهي اسم عشيرة عربية في الشمال ) .. يعتبر " طريق الحرير " و " طريق العطور " طريقين رئيسيين يربطان الصين والوطن العربي بعضهما ببعض .. يبدأ طريق الحرير من تشانغ آن CHANG AN ( شي آن SHI AN اليوم ) ويمر بغرب النهر الأصفر ليقطع ممر خا شي HE XI ( مقاطعة كانسو GAN SU ) ليصل الى دون خوانغ DONG HUANG ( مدينة معروفة تقع في مقاطعة كانسو ) ، ثم يخرج من معبر يوي من YU MEN ( في كانسو ، نقطة انتهاء سور الصين العظيم ) ، ليقطع هضبة بامير PAMEER( في منطقة شينجيانغ ) ويسير غربا في وسط أسيا الوسطى ويخترق بلاد فارس ليصل الى العراق وسوريا .. فكميات كبيرة جدا من حرير القز والمنتجات الحريرية وغيرها من البضائع الصينية كانت تنقل الى البلدان العربية وحتى الى المناطق الغربية الابعد منها عبر هذا الطريق .. اما طريق العطور او ما يسمى بـ " طريق الفخار " و " طريق الحرير البحري " ، فينطلق من الخطوط البحرية الجنوبية لقوانغجو GUANG ZHOU و تشوانجوCHUAN ZHOU ومينغجو MING ZHOU ( نينبو NIN PO اليوم ) ويانغجوYANG ZHOU ويخترق مضيق ملقا و جينغ شي لان ( سيريلانكا اليوم ) ويسير إلى الجنوب في البحر ثم يمر بمضيق ملقا وسريلانكا وباقصى جنوب شبه الجزيرة الهندية حتى يصل إلى الخليج العربي أوالبحر الأحمر ، فكميات كبيرة جدا من منتجات الخزف والفخار واصناف عديدة من حرير القز والستان والقطن غيرها من البضائع الصينية كانت تنقل لى البلدان العربية ومناطق أخرى عبر هذا الطريق البحري .. وصلت السفن الصينية إلى الخليج العربي في عصر أسرة تانغ ، بينما وصلت ميناء عدن اليمني ، و زينجبار شرق إفريقيا في عصر أسرة سونغ .. أما السفن التجارية العربية فقد سلكت طريق العطور أيضا للوصول الى الموانيْ الصينية .. ففي ذلك الوقت كانت حركة التجار على الجمال لا تنقطع على طول " طريق الحرير " البري ، بينما حركة السفن التجارية على " طريق الحرير البحري " مزدهرة جدا .. هذان الشريانان الكبيران ربطا الصين بالعالم العربي ، وهما اللذان سهلا الاتصالات التجارية و التبادلات الثقافية بين الجانبين ..
ومع تأسيس الدولة الإسلامية العربية ، وتطور التبادلات الخارجية في اواسط القرن السابع ، تكثفت العلاقات الصينية العربية .. ففي السنة الثانية من عهد الامبراطور يونغ خوي YONG HUI لاسرة تانغ TANG ، ( عام 651 ميلادي ) ، أوفد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مبعوثا رسميا إلى تشانغ آن CHANG AN عاصمة أسرة تانغ ، فمنذ ذلك التاريخ وحتى عهد الامبراطور تانغ يوان ZHEN YUAN الرابع عشر لاسرة تانغ كان العرب قد اوفدوا 37 مبعوثا دبلوماسيا للصين .. بينما وصل عدد المبعوثين العرب للصين في عهد اسرة سونغSONG الى 39 مبعوثا .. وفي عهد اسرة يوان YUAN وصل الى الصين العديد من المبعوثين العرب .. اما في عهد اسرة مينغ MING فقد وصل عدد المبعوثين الرسميين العرب للصين 40 مبعوثا ..
اما احوال المبعوثين الدبلوماسيين العرب للصين فقد وردت بشكل واضح في (( سلسلة التواريخ )) ( النسخة الصينية المترجمة بعنوان (( رحلات سليمان الى الشرق )) و (( الكامل في التاريخ )) وغيرهما من السجلات والكتب العربية .. كما وردت ايضا في (( مجلد تانغ القديمة )) ومجلد اسرة يوان (( مختارات المصادر)) و(( تاريخ اسرة مينغ )) و (( التاريخ مراّة )) وغيرها من الكتب والسجلات الصينية التاريخية .. والجدير بالذكر أن الغالبية العظمى للمبعوثين العرب كانوا يوفدون من قبل الحكومة المركزية للدولة الاسلامية ، والاقلية منهم كانوا يوفدون من قبل الحكومات المحلية ، حتى ان هناك بعض التجار الذين كانوا ينتحلون صفة " المبعوثين " للحصول على الهدايا النفيسة والوافرة من الإمبراطور الصيني .. فعلى الرغم من ذلك ، فأن المبعوثين والتجار العرب أتوا إلى الصين يحملون النوايا الطيبة للشعوب العربية ونقل رغباتها الصادقة في اقامة علاقات ودية مع الشعب الصيني ، كما ويحملون معهم الاشياء النادرة والنفيسة كالزرافة ( الغزال ذو العنق الطويل ) مثلا التي لم تكن اّنذاك موجودة في الصين .. كما واحضروا معهم القرآن الكريم وغيره من الكتب الدينية ، مما ادخل الديانة الاسلامية والثقافة العربية الى الصين ..
بدأت تتحول العلاقة التجارية بين الوطن العربي والصين من التبادل غير المباشر إلى التبادل المباشر منذ عهد أسرة تانغ ، حيث ازداد عدد التجار العرب القادمون للصين لمزاولة الاعمال التجارية .. ففي عهد اسرة تانغ كان يتجمع التجار العرب في مدن الموانيء الدولية الصينية الهامة ،كمدينة كوانجوGUANG ZHOU الساحلية جنوب الصين والعاصمة تشانغ اّن CHANG AN .. وان " المقيمون الاجانب " الذي كان يطلق على الاجانب الذين يمكثون فترة طويلة في الصين واخلافهم قد تحول فيما بعد الى " الصينيون من اصول اجنبية ".. كما كان في يانغجوYANG ZHOU وتشوانجو QUAN ZHOU الكثير من التجار العرب المقيمين ,,
كان التجار العرب يسافرون شرقا باتجاه شواطيء الجنوب الشرقي للصين ، والكثير منهم يرسون في مدينة كوانجو او مدينة يانجو الوقعة في الشمال منها ، حيث كانوا ينقلون المئات من اصناف البضائع كالعطور ( اللبان، الصمغ ، الكافور ،العنبر، الفلفل ، عود الند/ عود هندي/ عود البخور وماء الورد .. الخ ) و المجوهرات ( عاج الفيل ، قرن الكركدن، ذبل اللجأة السهفية، اللؤلؤ ، العقيق ، المرجان، الكهرمان ) و الادوية (العرّ، الليلك ، والقرنفول الخ ) والمنتجات الزجاجية بمختلف الاشكال والانواع ، ويعودون محملين بالبضائع الصينية كالخزف والحرير والشاي والمسك وغيرها من البضائع الصينية واسعة الشهرة .. بينما السفن التجارية الصينية فكانت تبحر بعيدا لتصل عمان والبحرين و والبصرة وبغداد العراقيتين وغيرها ، لمزاولة التجارة مع التجار المحليين هناك.
سبق وان اشار المنصور ، الخليفة الثاني في الحكم العباسي ، عند اقراره لبناء عاصمة جديدة له في بغداد الى ان " نهر دجلة سيربط بيننا وبين الصين البعيدة " ، وكما هو متوقع ، لم يمض إلا وقت قصير على تأسيس بغداد حتى فتحت " سوق صينية " يباع فيها الحرير والخزف وغيرهما من البضائع الصينية .. كما وصف الرحال العربي المعروف سليمان ميناء كوانجو ، اكبر الموانيء الصينية في عهد اسرة تانغ بأنه "مجمع البضائع العربية " .. وبالإضافة إلى ذلك فتحت أسواق خاصة في بيع المنتجات العربية والفارسية في كل من تشانغ آن العاصمة و مدينة يانغجو وغيرهما من المدن الأخرى.
ظلت التبادلات الودية هي اللحن الاساسي في تاريخ العلاقات الصينية العربية ، الا انه ظهر أيضا لحنا فرعيا من الصدامات العسكرية .. ففي عام 751 ، انتصرت القوات العربية على قوات تانغ الصينية التي كان يترأسها قاو شيان جي GAO XIAN ZHI والى آنشيAN XI ، الذي اصابه الغرور والاستخفاف بالعدو ، في معركة دالواس باّسيا الوسطى ، حيث اعتقلت القوات العربية في تلك الواقعة اكثر من عشرين ألف من جنود تانغ ، وكان من بينهم الكثير من صانعي الورق الذين قاموا بعد اسرهم ، على اثر معاملتهم الانسانية والجيدة ، بمساعدة العرب على انشاء مصنع للورق في سمرقند ، وبذلك انتقلت التقنية الصينية لصناعة الورق الى العرب ومن ثم الى أوروبا عبر بغداد وغيرها من المدن العربية الاخرى ..
وعلى الرغم من وجود صدامات عسكرية بين الجانبين ، الا ان هناك تعاون عسكري ايضا .. ففي اواسط فترة حكم اسرة تانغ قام البلاط الامبراطوري بطلب المساعدة العسكرية من الجانب العربي .. ففي عام 755 ، وعلى اثر " تمرد أن شي AN SHI " ( الذي قام به كل من أن لو شان AN LU SHAN و شي سي مينغ SHI SI MING ) ، قام البلاط الامبراطوري في الاستغاثة بالخليفة العباسي ، فقام المنصور على الفور بارسال قوة عسكرية قوامها اربعة الاف جندي ، لمساعدة قوات تانغ العسكرية على استعادة تشانغ آن العاصمة ومدينة لو يانغ .. وبعد اخماد التمرد وهدوء الاوضاع عاد البعض من افراد القوة العربية الى بلادهم محملين بالهدايا الثمينة ، بينما بقي البعض في الصين وسكنوا فيها ، حيث تزوجوا من الصينيين وصاهروهم ، حيث ابلوا بلاء حسنا في اخماد التمرد في بادء الامر ومن ثم قاموا بتقديم مساهمات جليلة في نشر الثقافة العربية بالصين ..
ففي عهد اسرة تانغ ، اشتهر فن " اكسير الخلود " او " فن الحياة الدائمة " الذي اخترعته الصين في القرن الثاني قبل الميلاد .. فقد الف عالم اكسير الخلود الطبيب المشهور سون سي مياو SUN SI MIAO ( 581 - 682 م ) مؤلفه المعروف ((DAN JING )) .. فهذا العلم الذي صنع هذا النوع من الدواء الذي يخلد الناس الاساليب الكيماوية ويبحث في " تحويل الحديد الى ذهب " ، قد دخل الوطن العربي من خلال التجار العرب .. قامت دار الحكمة في بغداد بترجمة المؤلفات المعنية باكسير الخلود في القرن التاسع .. فقد اطلع العالم الكيماوي العربي جابر بن حيان على هذا الفن واستفاد منه .. كما ان العالم الطبي العربي الرازي على دراية تامة واطلاع كامل على هذا الفن .. ان الجزء العلمي المعقول لفن اكسير الخلود الصيني هو احدى المصادر والمراجع الاساسية لابتكارهما المعارف الكيماوية المعاصرة ..
وفي القرن السابع اخترعت الصين فن الطباعة المحفورة على الالواح .. وفي الفترة ما بين القرنين الثامن والعاشر تم نقل هذا الفن الى في منطقة الرافدين ومصر عبر الطريقين البحري والبري .. ثم انتشر هذا الفن في اوروبا عن طريق العرب ..
وفي عهد أسرة سونغ ، كانت منطقة الشمال الغربي قد خضعت على التوالي لسيطرة اسرة لياو LIAO (907-1125) ودولة شي شيا XI XIA (1032-1227) ، مما ادى الى اغلاق ممر خا شي HE XI ، حيث عادت التبادلات تعتمد على الطريق البحري .. الا ان ذلك لم يمنع تدفق المبعوثين العرب الى الصين ، فقد كانت المملكة الفاطمية بمصر(909-1171) نشطة جدا في هذا المجال ، حيث ارسلت العديد من المبعوثين لها الى الصين ، واستمرت التبادلات اتجارية بين الطرفين .. وقد كانت الموانيء الصينية في كوانجو، وتشوانجو ، وخانجو ، ومينجو ( نينغ بو حاليا) مزدحمة بالتجار الاجانب ، ويشكل التجار العرب الاغلبية .. وفي هذه الفترة قام التجار العرب والمسلمون المقيمون في الصين ببناء أو إعادة تشييد العديد من المساجد .. ومن المساجد المشهورة والباقية حتى يومنا هذا : مسجد خواي شنغ HUAI SHENG والذي شيد في عصر اسرة تانغ بكوانجو ( ويسمى ايضا بـ " مسجد كوانغ تا GUANG TA " اي المنارة المضيئة ) ؛ ومسجد شارع البقر الذي بني في السنة الثانية من حكم جي داو ZHI DAO امبراطور اسرة سونغ ( عام 996 م ) ؛ ومسجد تشينغ جينغ QIN JING الذي بني بتشوانجو في السنة الثالثة لحكم جونغ شيانغ فوZHONG XIANG FU لاسرة سونغ ( 1010 م ) ؛ ومسجد شيان خهXIAN HE الذي بني في يانغجو عام 1275 ؛ ومسجد فنغ هوانغ الذي بني في خانجو مع نهاية حكم اسرة سونغ وبداية حكم اسرة يوان وغيرها من المساجد المشهورة الاخرى .. وخلال هذه الفترة انتقلت البوصلة من الصين إلى الوطن العربي..
فقد اكتشف الصينييون الحجر المغناطيسي وامتصاصه للحديد في القرن الثالث ق.م. ، فقد أشار العالم الصيني وانغ يون WANG YONG ( 27-حوالي عام 100) في مؤلفه (( حول التساوي والتوزن )) الى طبيعة للحجر المغنطيسي في منتصف القرن الأول الميلادي .. ثم اكتشف العالم العظيم شن كوه SHEN KUO (1232-1296) في عهد اسرة سونغ أن الابرة المغنطيسية لا تشير ، كما هو مكتشف ، إلى الشمال إشارة دقيقة بل تنحدر إلى الشرق قليلا .. وقد بدأ البحارة الصينييون استخدام الإبرة المغنطيسية منذ القرن الحادي عشر ، وكان " أحاديث من بينغجو PING ZHOU " الذي ألفه العالم الصيني جو يويZHU YU أول كتاب سجل استخدام الإبرة المغنطيسية في العالم.. اشار في كتابه الى ان " ربان السفن يعرفون المواقع الجغرافية حق المعرفة ، حيث يعتمدون ليلا على مدار النجوم ، وفي النهار على مدار الشمس ، بينما في الاجواء الملبدة في الغيوم لا بد من الاعتماد على الابرة المغناطيسية " .. لقد سهلت الابرة المغناطيسية بعد انتشارها في الوطن العربي قضية الابحار للعرب ، كما نقل العرب عام 1180م البوصلة الى اوروبا ..
ففي وقت مبكر يعود الى عهد اسرة تانغ ، استخدم العرب ملح البارود الصيني ( مادة اولية لصناعة البارود ) لصهر الذهب وصناعة الزجاج .. الفارسيون يسمون هذه المادة ب"الملح الصيني" ، أما العرب فكانوا يسمونها ب " السرجوان " اي "الثلج الصيني" لأن المادة لونها أبيض كلون الثلج وطعمها مالح كملوحة الملح .. وانتشر فن صناعة المفرقعات والبارود الصيني في الوطن العربي في النصف الأول من القرن الثالث عشر ، وتبعها دخول الاسلحة النارية اثر غزو بغداد على يد سيوليوو المنغولي عام 1258 ، ثم تعلم الأوروبيون استخدام المفرقعات وصناعة الاسلحة النارية من خلال ترجمتهم للكتب العربية المتعلقة بمعلومات البارود ك (( لجم العدو واشعال النيران به )) ، (( 88 نوعا من التجارب الطبيعية )) ومن خلال المعارك التي وقعت بين الطرفين العربي والاوروبي ..
وفي القرن الحادي عشر انتشر فن صنع الأوان الخزفية الصينية إلى الوطن العربي ، ومنه إلى فينيسيا الإيطالية عام 1470 ولم يبدأ الأوروبيون إنتاج الأوان الخزفية إلا بعد ذلك التاريخ ..
وفي عهد اسرة يوان ، فتحت الطرق البرية والبحرية ثانية بين الشرق والغرب ، وشهدت التبادلات التجارية الصينية العربية تطورا كبيرا .. حيث السفن الراسية تغطي موانيء كل من تشوانجو وكوانجو .. كما ذكر إبن بطوطة (1304-1377) الرحال العربي المشهور الذي زار جنوب الصين في القرن الرابع عشر في كتابه أن تشوانجو "من أكبر المواني التجارية ، ويمكن القول انها اكبر ميناء تجاري في العالم " ، حيث شاهدت اكثر من مائة سفينة راسية في مينائها ، بينما السفن والقوارب الصغيرة لا تعد ولا تحصى " ، بينما كوانجو فهي من " اكبر مدن العالم ، وفيها أفضل سوق في العالم" .. لقد شاهد هذا الرحال العربي عمق التبادلات التجارية العربية بام عينيه .. وان كل ما شاهده ووصفه وسجله هذا الرحال المشهور يتفق مع ما دون في السجلات التاريخية الصينية ..
وفى عهد اسرة يوان كان من بين افراد " القوات الصديقة فى المناطق الغربية " عدد غير قليل من العرب والفرس وابناء آسيا الوسطى , الذين تزاوجوا مع ابناء قومية الخان واالمنغولية واليغورية وغيرها من القوميات الاخرى بعد ان استقر ترحالهم فى انحاء الصين .. واما الاجيال التى خلفوها فقد شكلت مع ذرية " الاجانب صينيو الولادة " الذين ورد ذكرهم اّنفا ، ومع اؤلئك الذين ارتدوا عن معتقداتهم واعتنقوا الدين الاسلامي ، فى عهد اسرة مين قومية صينية اسلامية المعتقد تدعى -- قومية خوي ..
اثر تولي جو يوان جانغ ـ الامبراطور الاب(1368 - 1398 ) لاسرة مين و الذى ينحدر من اصل اسرة فلاحية ، لمقاليد الحكم ، راح يتبنى خطوات تقضى بحصر الحركة التجارية على " التجارة المسماة بـ CHAO GONG " فقط ( أى التجارة ذات العلاقة بتقديم الهدايا الى البلاط ) و " عدم السماح لسكان الشواطئ القيام برحلات بحرية بهدف التبادل التجاري مع الخارج دون اذن رسمى ، كما والغى مديرية التجارة العامة ، مما سبب انكماش في الحركة التجارية الصينية ـ العربية المزدهرة ..
ولما صعد جو دىZHU DI ـ الامبراطور الملقب ب CHENG ZU لاسرة مين (1403 ـ 1424 ) الى سدة الحكم ابطل سياسة حظر الخروج الى البحر ، وأعاد انشاء مديرية التجارة العامة .. كما أمر جنغ خه ZHENG HE ( 1371 ـ 1433 ) بان يقود اساطيل عملاقة ويتجه بها غربا حاملا رسالة سامية تتمثل في اقامة واعادة العلاقات الدبلوماسية بين الصين و الدول الاسيوية و الافريقية وتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية معها ..
و قد قامت تلك الاساطيل تحت قيادة جنغ خه بسبع رحلات بحرية باتجاه المحيط الهندي خلال الفترة ما بين العام الثالث من عهد YONG LE ( 1405م ) حتى عودتها الى احضان الوطن في عهد XUAN DE ( 1433 ) .. كانت تنطلق اساطيل جنغ خه من الموانئ الصينية ، وتمر بمضيق ملقا فالمحيط الهندى لتصل الى غرب اّسيا وشواطئ شرق افريقيا .. فقد زارت على التوالي ما يزيد عن 30 بلدا و منطقة بما فيها CI SA ( الحسا اليوم ) وظفار ( ظفار اليوم ) و ADANG ( عدن اليوم ) و TIAN FANG ( مكة اليوم ) بالاضافة الى MUGUDUSHU ( مقديشو اليوم ) وغيرها , الامر الذى ادى الى تعزيز عرى الصداقة بين الصين و البلدان الاسيوية و الافريقية و زيادة تماسك العلاقات التقليدية التى تربط الشعب الصينى بالشعوب العربية .
هذا فان حركة التبادل التى جرت بين الصين و الدول العربية فى العصور القديمة هي صفحة مشرقة فى تاريخ العلاقات الصينيةـ العربية . و لم يقف الامر عند هذا الحد فحسب , بل و كان العرب الذين بنوا جسرا موصلا بين شرق العالم وغربه قد نقلوا الى العالم الغربى ما ابتكرته الصين من فنون في صناعة الورق و البوصلة والطباعة ، مما ساهم فى مسيرة الرقى الاجتماعى فى اوروبا .. و قد اشار كارل ماركس الى ان " البارود و البوصلة وفن الطباعة ـ هذه الاختراعات الثلاثة الرائعة ، قد أنذرت بميلاد المجتمع الرأسمالى ، حيث ان البارود قد مزق الطبقة الفروسية اربا اربا ، وفتحت البوصلة ابواب الاسواق العالمية و ساعدت على احداث المستعمرات ، بينما فن الطباعة اصبحت اداة لنشر البروتستانتية , و يمكن القول على الوجه الاعم انها اصبحت وسيلة للنهضة العلمية , و اقوى رافعة لتوفير شروط انماء الروح الخلاقة " ( الملاحظة 1 ) ..
فى اوائل القرن السادس عشر احتل البرتغاليون على التوالى جزيرة سوقطرة الواقعة قرب مدخل البحر الاحمر ، ومضيق هرمز الواقع على مدخل الخليج العربي , الامر الذى قطع الطريق بشكل شبه كامل امام حركة التجارة البحرية بين العالم العربى من جهة و بين الشرقين الادنى و الاقصى من جهة اخرى .. وبعد ذلك بفترة وجيزة ، خضعت الاراضى العربية الشاسعة لانتداب الامبراطورية العثمانية .. وعلى اثر استعادت الدول العربية استقلالها بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية ، استأنفت الاتصالات والتبادلات الصينية العربية ثانية ..
( ملاحظة المركز العربي للمعلومات : لدينا كتاب قيم يؤرخ ويبحث في أدق التفاصيل لتاريخ العلاقات العربية الصينية القديمة " تاريخ العلاقات الصينية العربية " باللغتين الصينية والعربية )
ثانيا : الوضع الراهن للعلاقات الصينية العربية .. نالت العديد من البلدان العربية استقلالها تباعا في اربعينات القرن العشرين .. اقامت مصر وسوريا والعراق والجزائر وغيرها من الدول العربية علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة بعد مؤتمر باندونغ الاسيوي الافريقي الذي عقد في منتصف خمسينات القرن الماضي في اندونيسيا .. اقامت الصين علاقات دبلوماسية بشكل رسمي مع جميع الدول العربية التي تعد 22 دولة ، كما ظلت تحافظ على علاقات طيبة مع شعوب هذه الدول .. الصين والعالم العربي ظلا على الدوام يتعاطفان ويساندان بعضهما البعض .. ففي الخمسينات ، وخلال حرب 1956 ، حرب قناة السويس ، وقفت الصين حكومة وشعبا موقفا ثابتا في دعم النضال العادل الذي خاضته مصر من اجل استعادة قناة السويس ، وأدانت بشدة اعتداء القوى الخارجية على مصر .. ومن أجل دعم نضال التحرر الوطني العادل للشعب العربي ، قامت الصين بترجمة ونشر أكثر من 30 مؤلفا أدبيا عربيا، بما فيها (( نسيم السلام)) و(( أشعار مختارة جند السلام المصريين)) و(( صوت الشعب العربي)) و(( النصر حليف الجزائر)) .. كما وظلت الصين ، حكومة وشعبا ، تقف على الدوام داعمة مؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني العادل والهادف الى استرجاع حقوقه الوطنية المشروعة . والأمر الاّخر الذي لا يمكن للشعب الصيني نسيانه ابدا ، مشاركة ثمان دول عربية هي الجزائر ، العراق ، اليمن ( الشمالية والجنوبية ) ، الصومال ، السودان ، سوريا ، ومورتانيا عام 1971 في التوقيع على مشروع استعادة جمهورية الصين الشعبية لجميع حقوقها في هيئة الامم المتحدة والاجهزة التابعة لها خلال الدورة السادسة والعشرين للجمعية العمومية لهيئة الامم المتحدة.. وعند التصويت ، صوتت معظم الدول العربية لصالح القرار .. منذ تسعينات قرن العشرين ، احبطت الصين احدى عشر مشروع قرار اوروبي معارض للصين في مجال حقوق الانسان ، وافشلت اثنى عشر مؤامرة لمشاركة سلطات تايوان في الامم المتحدة، وثمانية محاولات اخرى للانضمام الى منظمة الصحة العالمية .. لقد حظينا في كل ذلك على مساندة ثمينة من العالم العربي ..
يلعب العالم العربي ، كقوة هامة في الدول النامية، دورا هاما لا يمكن الاستغناء عنه او استبداله على المسرحين السياسي والاقتصادي الدوليين.. وظلت الصين محافظة على علاقاتها الطيبة مع العالم العربي، والاتصالات بين قادة الطرفين مكثفة ، ودائما ما يتبادلون الاّراء ووجهات النظر حول الاوضاع الدولية والاقليمية، وهناك تعاون وتنسيق بين الطرفين في بعض الشؤون الدولية والاقليمية .. فخلال الفترة ما بين ديسمبر 1963 ومارس 1964، قام جو ان لاي رئيس الوزراء الصيني الاسبق بزيارات الى اربع عشر دولة اّسيوية وافريقية بما فيها مصر والجزائر ، حيث اقترح خلالها خمس مباديء تنتهجها الحكومة الصينية لمعالجة علاقاتها مع كافة الدول العربية و الافريقية، هى:
اولا : دعم شعوب الدول العربية في نضالها ضد الامبريالية والسعي الى تحقيق وحماية الاستقلال الوطني .. ثانيا : دعم السياسة السلمية والعادلة غير المنحازة التي تنتهجها حكومات الدول العربية
ثالثا : دعم شعوب الدول العربية في تحقيق آمانيها وتطلعاتهما في الوحدة والتضامن بالاشكال والوسائل التي تختارها بنفسها .. رابعا : دعم الدول العربية في معالجة النزاعات فيما بينها من خلال المشاورات السلمية .. خامسا : تدعو الصين الى ضرورة ان تلقى سيادة الدول العربية احتراما من جميع الدول الاخرى ، وتعارض اي اعتداء او تدخل من اي جهة كانت ..
في اّب 1970، قام الزعيم السوداني اّنذاك جعفر النميري بزيارة للصين ، حيث حظي بلقاء الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.. وفي الثاني والعشرين من مارس 1971، أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع دولة الكويت بشكل رسمي .. في نوفمبر 1974، قام رئيس اليمن الجنوبية ربيع بزيارة للصين .. وفي اكتوبر 1982، قام الزعيم الليبي معمر القذافي بزيارة الصين .. وفي ابريل 1983 قام الرئيس المصري حسني مبارك بزيارة للصين .. وفي سبتمبر 1983، قام العاهل الاردني الحسين بن طلال بزيارة الصين .. وفي مارس 1984، قام الرئيس الصيني لي شيآن نيآن بزيارة الى الاردن .. في نوفمبر 1984، أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة .. وفي ديسمبر 1989، قام الرئيس الصيني يان شانكوين بزيارة الكويت .. وفي يوليو 1990، أقامت الصين علاقات دبلوماسية بشكل رسمي مع المملكة العربية السعودية .. وقام الرئيس المصري حسنى مبارك بخمسة زيارات على التوالي للصين في كل من عام 1990 و1992 و 1994 و 1999 و2002 .. في 1991 قام الرئيس التونسي زين بن علي بزيارة الصين .. وفي يوليو عام 1991، قام السيد لي بنغ رئيس مجلس الدولة الصيني بزيارة لمصر والدول الخليجية .. في 1993، قام الرئيس الموريتاني الطايع بزيارة الصين .. في عام 1995، قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة الصين .. في يونيو 1996، قام السيد رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني بزيارة الصين .. في فبراير 1998، قام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بزيارة الصين .. في 1999، قام الرئيس الصيني جيانغ تزى مين بزيارة للملكة العربية السعودية والمغرب والجزائر .. وفي الخامس عشر من ابريل 2000، قام الرئيس الصني جيانغ تزى مين بزيارة فلسطين الاولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين .. وفي عام 2000 قام الرئيس الجزائري بوتفليقة بزيارة الصين .. وفي 2001، قام ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين بزيارته الرابعة عشر الى الصين . في ابريل 2001، قام الشيخ عبد الله بن خليفة رئيس الوزراء القطري بزيارة الصين .. في فبراير 2002، قام العاهل المغربي محمد السادس بزيارة الصين .. في ابريل 2002، قام الرئيس الصيني جيانغ تزى مين بزيارة الى ليبيا وتونس .. في 29 يناير حتى 1 فبراير عام 2004، قام الرئيس الصيني خو جينتاو بزيارة دولة الى مصر .. وفي الثلث الاخير من يونيو 2004، قام تزانغ تشينغ خونغ نائب الرئيس الصيني بزيارة رسمية الى تونس .. وفي يوليو نفس العام ، قام الرئيس السوري بشار الاسد والعاهل الاردني عبد الله الثاني ورئيس وزراء الكويت الشيخ جابر الاحمد الصباح وغيرهم من القيادات العربية بزيارات للصين ..
الصين والعالم العربي ظلا ، على الصعيد السياسي ، يتبادلان الدعم والتأييد والاحترام ؛ بينما على الصعيد الاقتصادي ظل كل منهما يسد احتياجات الطرف الاّخر ، ويجريا تعاون مثمر في المجال لاقتصادي والتجاري .. وقد اقامت الصين لجان اقتصادية وتجارية وفنية مشتركة مع كل من مصر والسودان وليبيا والعراق وسوريا والكويت ولبنان وتونس والمغرب والجزائر وغيرها من الدول العربية .. يتناول التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي قطاع الطاقة والعمالة والاتصالات والنقل وصناعة النسيج الخفيفة وغيرها العديد من المجالات ، بما تشمل بعض المشاريع الحيوية الهامة التي ساعدت الصين الدول العربية في تشييدها والتي اصبحت اليوم اصرحة معمارية وأنصبة رمزية وتذكارية في تاريخ التبادلات الودية بين الصين والدول العربية، بما فيها قاعة القاهرة للمؤتمرات الدولية في مصر ؛ وقاعة الخرطوم للمؤتمرات الدولية في السودان ؛ وجسر نهر النيل الابيض الكبير الذي يربط الخرطوم العاصمة في مدينة ام درمان ؛ والطريق العام الموصل بين 布-贝 البالغ طوله 960 كيلومترا في الصومال ؛ والسد العالي سينديا في العراق .. الخ . كما وأحرزت التعاون في العمالة لمقاولة المشاريع مع العراق والكويت وليبيا والجزائر وغيرها من الدول العربية نتائج مثمرة وغنية .. ولقيت الفرق الطبية التي ارسلتها الصين الى كل من اليمن والسودان وتونس والمغرب وليبيا والجزائر وموريتانيا وغيرها من الدول العربية ترحيبا حارا من قبل الشعوب العربية .. وفي الوقت نفسه قدمت الدول العربية معونات مالية ثمينة لبناء الاقتصاد الصيني .. فعلى سبيل المثال ، قام الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بتقديم قروض مالية في الفترة ما بين 1982 حتى أواخر 2003، بلغت 7.40 مليار دولار اميركي استخدمت في 32 مشروع من المشاريع الضخمة والمتوسطة ، انجز منها حتى الاّن 24 مشروعا .. كما انشأ البنك الوطني المصري والبنك العربي الاردني وبنك التجارة الخارجية المغربي فروعا لها في الصين .. وقد احرز التعاون الصيني مع السودان وسوريا والكويت و السعودية والجزائر وغيرها من الدول العربية في مجال تجارة الاسلحة تقدما ملحوظا .. فبعد ان كان اجمالي الحجم التجاري بين الصين والعالم العربي عام 1990 لا يتعدا ال 1.66 بليار دولار اميركي ، ارتفع ليصل عام 2000 الى 15.2 بليار دولار .. وقد بلغ حجم استيراد الصين من النفط العربي عام 2000 ما يزيد عن 50% من مجموع حجم استيرادها النفطي للعام نفسه ..
وفي السنوات الاخيرة ، ظل التعاون والتبادل الاقتصادي والثقافي والتربوي والسياحي وغيرها من المجالات بين الصين والدول العربية يأخذ منحى بارزا من تطور تجاوز المراحل .. فقد بلغ اجمالي الحجم التجاري الصيني العربي عام 2003 اكثر من 25.4 مليار دولار اميركي اي بزيادة 43 في المائة بالمقارنة مع العام االذي سبقه ، لتصبح المجموعة العربية أكبر سابع شريك تجاري للصين .. وفي عام 2004، بلغ اجمالي الحجم التجاري بين الجانبين 36.6 بليار دولار .. وفي يوليو 2004، قام وزراء مالية الدول الست لمجلس التعاون الخليجي بزيارة جماعية للصين ، ووقعوا (( اتفاقية اطار للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والتقني )) مع الجانب الصيني ..
وفي المجال الثقافي ، قام بعض الادباء والمترجمين الصينيين بترجمة مئات من الاعمال الادبية العربية القيمة الى اللغة الصينية واطلاع شريحة واسعة من القراء الصينيين عليها .. كما قاموا بتعريف العالم العربي على بعض الاعمال الادبية الصينية ا كالعمل الكلاسيكي المعروف (( حلم القصور الحمراء)) ، الى جانب بعض القصص والاشعار الحديثة ا.. وفضلا عن ذلك، تم إدخال بعض الافلام الروائية العربية الرائعة الى الصين ، مثل (( المقهى)) و(( الانسان المنتصرعلى الظلام)) و((التوجه الى الهاوية)) وغيرها ، حيث لقيت ترحيبا كبيرا من جمهور المشاهدين الصينيين .. كما وقعت الصين العديد من اتفاقيات التبادل الثقافي بين الحكومات مع مصر واليمن وليبيا وسوريا وغيرها من الدول العربية .. وقد تم اقامة الاسبوع الثقافي الصيني في مصر والكويت وغيرهما من الدول العربية بكل نجاح .. وان الفرق الصينية للموسيقى والرقص والجمباز وغيرها قد قدمت العديد من العروض على خشبات المسارح العربية ، وبالمقابل قدمت الفرق العربية الكثير من عروض الموسيقى والرقص الجميل .. وفي الفترة من الثامن عشر اكتوبر عام 2003 ولغاية الخامس من يناير 2004 ، تم اقامة معرض " الدخول الى الاهرامات - التحف لمصر القديمة " الذي عرضت فيه الحكومة المصرية ولاول مرة هذا الحجم الكبير من التحف الاثرية ، في بكين وشنغهاي على التوالي بنجاح تام .. اما في مجال التعاون السياحي ، فقد منحت الصين مصر والمغرب وتونس وغيرها من الدول العربية مكانة " مقاصد سياحية للمواطنين الصينيين " من اجل خلق ظروف ملائمة لتوجه السواح الصينيين الى هذه الدول ذات المناظر الخلابة والحضارة العريقة .. فسيل لا ينقطع من السواح الصينيين الذين يقومون بجولات سياحية في الدول العربية بما فيها مصر ، واعدادهم في ازدياد يومي .. كما وعادت خطوط الطيران المدني لدولة الامارات العربية تسير رحلاتها المباشرة الى مدينة شنغهاي ، وكما شركة الطيران القطرية افتتحت خطا مباشرا ومنتظما لها يوصل الدوحة ببكين ، والدوحة بمدينة شنغهاي ..
ثالثا : العلاقات الصينية العربية واّفاق تطوراتها المستقبلية .. اشار الرئيس الصيني خو جينتاو خلال زيارته لمصر ، الى ان الصين والدول العربية تواجه في المرحلة الراهنة فرصا وتحديات جديدة ، مقترحا تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية : تعزيز العلاقات السياسية على اساس الاحترام المتبادل ؛ وتكثيف التبادلات الاقتصادية والتجارية الهادفة الى التنمية المشتركة ؛ وتوسيع التبادلات الثقافية القائمة على الاقتباس المتبادل ؛ وتعزيز التنسيق والتعاون في الشؤون الدولية الهادف الى حماية السلام العالمي ودفع التنمية المشتركة .. وفي المؤتمر الاسيوي الافريقي الذي عقد في ابريل العام الحالي ، قدم الرئيس خو جينتاو اقتراحا من اربع نقاط هامة لاقامة علاقات شراكة استراتيجية اسيوية افريقية من نمط جديد هي " ان تصبح الدول الاّسيوية والافريقية على الصعيد السياسي شركاء تعاون يكتنفها الاحترام والدعم المتبادلين ؛ وان تصبح على الصعيد الاقتصادي شركاء تعاون في تكامل التفوق والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك ؛ وان تصبح على الصعيد الثقافي شركاء تعاون في الاقتباس المتبادل والسعي وراء الكمال وسد العجز ؛ وان تصبح على الصعيد الامني شركاء تعاون المتسم بالمساواة والثقة المتبادلة وبالحوار والتنسيق .. "
فعلى الصعيد السياسي ، ظلت الصين تدعم على الدوام القضايا العادلة للشعوب العربية ، وتدعم الحقوق والمصالح الشرعية للدول العربية ، وتدعم مبدأ " الارض مقابل السلام " ، وتدعم العملية السلمية في الشرق الاوسط ، كما وتعمل مع المجتمع الدولي على دفع هذه العملية .. الشعوب العربية تتفهم وتدعم المواقف المبدئية للصين في قضية التوحيد السلمي للبلاد ، وتثمن مواقف ووجهات نظر الصين في مسألة حقوق الانسان وغيرها ، وتأمل ان تلعب الصين دورا اكبر في الشؤون الدولية .. ظلت الصين والدول العربية مستمرة في المحافظة على الاتصالات والتبادلات الطبيعية فيما بينهما ، وقد استخدم الطرفان منابر التعاون الجديدة - منتدى التعاون الصيني العربي و منتدى التعاون الصيني الافريقي الذي انشأ في اكتوبر 2000 - بشكل مستفيض ، بحيث لعبت المنظمات غير الحكومية دورا ايجابيا ، حيث وسعا وعمقا العلاقات السياسية الممتازة القائمة اصلا بين الجانبين ..
وعلى الصعيد الاقتصادي ، فلكل منهما تفوقه ، والتكامل بينهما قوي جدا .. فالعالم العربي غني جدا بالبترول والغاز الطبيعي ، بما يمكنه من سد العجز الصيني الكبير في هذا المجال ؛ بينما المستوى الصناعي في الصين عال نسبيا و يتمتع بتفوق تقني وتفوق سلعي ايضا ، بما يمكنه تزويد العالم العربي بخدمات تقنية وكميات كبيرة من المنسوجات والمنتجات الكهربائية وغيرها .. ان توجه زحف المؤسسات الانتاجية الصينية نحو الاسواق العربية جيد جدا ، وان اّفاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول العربية رحبة جدا .. على الصين التفكير في طرق واساليب لترويج تقنياتها المتقدمة ومنتجاتها عالية الجودة للعالم العربي ، وذلك لكسب الفرص المسبقة وتوسيع تأثيرات منتجاتها في العالم العربي ، ورفع نصيب البضائع الصينية في الاسواق العربية .. وينبغي على الصين زيادة تعزيز التعاون مع الدول العربية في مجال الاعمار والانشاءات ، وتعبيد الجسور والطرق ، وخزانات المياه وصناعة ال IT وفي مجال تنمية الحقول البترولية والغازية وفي غيرها من المجالات ، واظهار تفوقها التقني بشكل مستفيض .. وعلى الصين العمل بأقصى الجهود لتسريع خطى التعاون الاقتصادي والتقني مع الدول العربية ، والسعي الحثيث وراء التحقيق التدريجي للتوازن التجاري بين الطرفين .. وعلى الجانبين الصيني والعربي تشجيع الاستثمار ثنائي الاتجاه ( المتبادل ) ، وتكريس الجهود لرسم واستكمال السياسات التفضيلية المعنية بالاستثمار .. الطرفان يرغبان في اقامة " منطقة تجارية حرة صينية – خليجية " و " منطقة تجارية حرة صينية – عربية " في الوقت المناسب وعن طريق المفاوضات والتشاور .. عدا ذلك ، ستقوم الصين عند نضوج الشروط بتقديم مكانة " الاهداف السياحية للسواح الصينيين " لعدد اكبر من الدول العربية ..
اما على الصعيد الثقافي .. ان الصين والدول العربية بصفتها من اعرق الدول واشهر الحضارات في مشارق الارض ومغاربها ، تتمتع بمضامين غنية للاقتباس المتبادل من حيث عراقة التاريخ والسعي وراء تعزيز التفوق وسد العجز لدى كل منها .. فالحضارة الصينية غنية المعارف واسعة العلوم والحضارة العربية المشرقة الباهرة متقابلتان في قمة الحضارات البشرية ، وفي العصر الراهن فان الثقافة الصينية المعاصرة المدهشة الرائعة والحضارة العربية غنية المضمين ومتنوعة الاشكال تتناغم مع بعضها البعض .. ان تجارب كل من مصر والاردن وتونس والمغرب وغيرها من الدول العربية الاخرى في مجال حماية الارث الثقافي جديرة الاقتباس من قبل الصين ، وان تطوير الصين وتنميتها لثقافة تقليدية ممتازة والاساليب التي اجرتها على النشاطات الثقافية للتجمعات تستحق الدراسة والتمعن من قبل الدول العربية .. ففي السنوات القليلة الماضية اجرت الصين تعاونا مثمرا مع مصر والسودان وتونس وسوريا وبقية الدول العربية الاخرى في مجال تعليم اللغة الصينية وتأهيل الطلبة الوافدين ، وان هذا التعاون القائم على المصالح والمنافع المتبادلة سيستمر ويتعزز اكثر فأكثر .. وفي الوقت نفسه على الجانب الصيني القيام بالبحث والدراسة حول كيفية رفع مستوى التعامل مع هذه الدول ، ومن ناحية اخرى على الصين التفكير الجدي بكيفية توسيع مجال التبادلات مع العالم العربي ، كاجراء التعاون والتبادلات مثلا مع المغرب وليبيا والمملكة السعودية وغيرها من الدول العربية في مجال التعليم والثافة والعلوم والتيكنيلوجيا والرياضة والصحة وغيرها من المجالات .. فمن خلال اجراء الصين والدول العربية للحوار والتبادلات بين الحضارتين ، جعل التقاليد المجيدة في التعلم المتبادل والاقتباس المتبادل اكثر نموا وتألقا ، والعمل المشترك على دفع تطور التنوع الثقافي العالمي ..
وعلى صعيد الامن والشؤون الدولية ، فان 21 دولة عربية من اصل 22 دولة ، كلها اعضاء في هيئة الامم المتحدة ( فلسطين عضو مراقب ) ، وتحتل ثقل عشر المجموع العام للدول الاعضاء في هذه الهيئة الولية التي تعد 191 دولة .. لكل دولة من الدول العربية مندوبها الخاص لدى الاجهزة التابعة لهيئة الامم المتحدة ، وللدول العربية منظمتها الاقليمية الخاصة بها – جامعة الدول العربية ، وتلعب الدول العربية دورا هاما في كل من حركة عدم الانحياز ، ومجموعة الدول ال 77 ، والاتحاد الافريقي وغيرها من المنظمات الاقليمية الى جانب منظمة الدول المصدرة للبترول وغيرها من الاجهزة التخصصية ..
الصين وكونها الدولة النامية الوحيدة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن الدولي ، فان مواقفها ووجهات نظرها حيال سلسلة القضايا الدولية متشابهة او متقاربة مع الدول العربية المنتمية للدول النامية .. فان في تعزيز التشاور والتعاون بين الصين والدول العربية في الشؤون الدولية والاقليمية ما يخدم الجهود من اجل اقامة نظام دولي سياسيي واقتصادي عادل ومعقول .. لدى كل من الصين والدول العربية رغبة مشتركة في حماية السلام والاستقرار الاقليمي والعالمي ، وكلاهما يدعو الى دمقرطة العلاقات الدولية ، وتطوير تعددية النماذج ، ويتطلعان الى تحقيق نتائج وافرة وغنية من خلال التعاون القائم على المنافع المتبادلة بين الجنوب والجنوب ، والسعي وراء التنمية المشتركة .. ان كل هذه النقاط المشتركة تشكل في مجموعها لاسس المتينة للتعاون والتنسيق والتشاور الصيني العربي في المنظمات والشؤون الدولة .. الطرفان سيبذلان الجهود المشتركة لتطوير العلاقات الثنائية والعلاقات متعددة الاطراف على اساس النظرة الامنية القائمة على " الثقة المتبادلة ، المنفعة المتبادلة ، التكافؤ ، التنسيق والتعاون " ..
ففي الوقت الذي تحافظ فيه الصين على تطوير علاقات الصداقة مع الدول العربية ، عليها الاستمرار في المعالجة الملائمة لعلاقاتها مع اسرائيل وتركيا وايران وبعض الدول الاخرى التي على خلاف وصراع مع بعض الدول العربية ، وذلك بهدف المحافظة على علاقات جيدة مع جميع دول الشرق الاوسط ، علاقات تعاون بناء .. في نفس الوقت على الدول العربية استمرار المثابرة على مبدأ الصين الواحدة ، وعدم اقامة اي علاقات رسمية مع تايوان .. وعلى بعض الشخصيات الهامة في الدول العربية وقف اعمالهم الخاطئة في اجراء التبادلات الرسمية خفية مع تايوان ، لتجنب الاضرار في المصالح الجوهرية للامن السياسي للصين و الاضرار بالعلاقات الثنائية .. وعلى الصين والعالم العربي استمرار احترام اهتمامات والمصالح الاساسية لكل طرف ، وتوسيع التبادلات الثقافية والتقنية والاتصالات الاقتصادية والتجارية ، لجعل علاقات التعاون الودي بينهما تستمر السير نحو التطور الافضل ..
وباختصاراقول بان الاتصالات الودية الصينية العربية عميقة وعريقة .. وان اسس التعاون الصيني العربي في غاية المتانة والصلابة وامكانياته الكامنة ضخمة جدا .. ففي السنوات الاخيرة شهد التعاون العربي الصيني في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليم والصحة وغيرها توجها سريعا من التطور .. وسيبذلان الجهود المشتركة من اجل الاستمرار في تعزيز التفاهم والثقة المتبادلتين ، وزيادة تعزيز عرى الصداقة والتضامن بينهما ، واستمرار توسيع مجالات التعاون ، والمضي يدا بيد لخلق اّفاق رحبة للتطور من اجل غد اكثر اشراقا ..
1) (( الاستخدام العلمي للاّّّلات والموارد الطبيعية )) دار نشر الشعب لعام 1987 ، صفحة 67
2) (( التبادلات الثقافية الصينية مع الخارج )) ، " بحث وترجمة الادب العربي في الصين " .. العدد الاول لعام 1999 .. من تأليف : LI RONG JIAN و