تداعيات أخلاقية:
هل يمكن أن تكون الحرب عادلة في القرن الحادي والعشرين؟
ديفيد فيشر
عرض :محمد مسعد العربي- باحث بمكتبة الإسكندرية
David Fisher,Morality and War: Can War Be Just In The Twenty-First Century?(USA: Oxford University, 2011
الحديث عن الأخلاق والحروب من أكثر القضايا الجدلية التي يتقاطع فيها النظري بالعملي، والفلسفي بالسياسي، ويعد هذا الكتاب إضافة لهذا المجال الذي شغل حيزا من الفكر السياسي العالمي، وكاتبه هو ديفيد فيشر، مسئول سابق في وزارة الدفاع البريطانية ووزارة الخارجية، ومجلس الوزراء، وهذا الكتاب هو أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في دراسات الحرب.
ويقوم كتاب "الإخلاق والحرب :هل يمكن أن تكون الحرب عادلة في القرن الحادي والعشرين؟ "على فكرة رئيسية، هي استخدام نظرية "الحرب العادلة" في تقييم الصراعات المسلحة الحديثة، وهو ينقسم إلى جزأين، الأول نظري/فلسفي، والثاني تطبيقي. ويختص الجزء الأول بنقد وتحليل نظرية الأخلاق المعيارية والميتافيزيقية المعاصرة، كما أنه يناقش تأثير الخطاب الأخلاقي غير الواقعي في السياسة والحرب في الغرب. ولهذا الغرض، يستعيد فيشر "نظرية الفضيلة"، غير أنه يطورها بدمجها بنظرية العواقب، حيث يعتمد الحكم على أخلاقية الفعل على عواقبه. وهو يري أن هذه النظرية الجديدة "مذهب التداعيات الأخلاقية" تساعدنا على تقدير نظرية الحرب العادلة، بتوفيرها إطارا أخلاقيا لفهم وتطبيق مبادئ الحرب العادلة"، و"قوانين الحرب"، بما يرسي استهداف العدالة والازدهار الإنساني الذي يراه الهدف الضروري من وراء تطوير هذه النظرية.
في الفصلين الرابع والخامس، يعيد فيشر تأكيد نظرية الحرب العادلة ومبادئها، فيؤكد المسئولية الأخلاقية المتساوية لطرفي النزاع، والتي في حال الإخلال بها سيتصرف طرف دون تحكم في نوازعه. وهنا، يخلط فيشر بين الأخلاقية والشرعية، والتي عليها أن تمنع المقاتلين من التصرف بعدم أخلاقية، أو المشاركة في حرب غير عادلة. وفي الفصل السادس، يرسم فيشر خطوطا بين الفضائل، ويطبقها على السلوك العسكري، ويحذر من السلوك غير المنضبط للجنود في جبهات القتال، والناتج عن غياب التعليم الأخلاقي للجنود. ويرفض أي تفسير "غير أخلاقي" لوجود جنود غير فاضلين في القتال. ويشدد فيشر على أن الفضائل يجب أن تكون على مختلف مستويات القيادة العسكرية والمدنية، وفي مختلف مستويات الدولة وفي المجتمع ككل. ويطرح بهذا أسئلة حول مدى طاعة الجنود للأوامر في حرب غير أخلاقية، ومدى وضوح هذا، وقضية طاعة العسكريين للمدنيين عند اتخاذ القرار بشن حرب غير عادلة.
أخلاقية الحروب المعاصرة:
ويطرح الكتاب أسئلة حول حصانة غير المقاتلين. وبدلا من تعريف حصانة غير المقاتلين من خلال مفهوم "ضرورة تجنب الخسائر الهائلة وغير المناسبة"، فإن فيشر يختار مناقشة الأمر من زاوية تقليل الخسائر المدنية إلى الحد الأدنى. ورغم الصعوبات التي تكتنف هذا المعيار، فإنها تظل مناسبة وقادرة على أن تكون مبادئ عملية أفضل في التطبيق، ويطبق هذه المقولة على حالتي حرب غزة وكوسوفو. وفي محاولة لتقييم النوايا في الحالتين، يركز فيشر على تقرير ريتشارد جولدستون، وما توصل إليه من أن القوات الإسرائيلية فشلت في أن تأخذ الاحتياطات اللازمة لتقليل حجم الخسائر في أرواح الضحايا من المدنيين، وهو يدين بهذا الاستنتاج النوايا الإسرائيلية.
ومع أن التقرير الذي يستخدمه في حالة هجوم الناتو في كوسوفو، وهو تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش، يقترب من نفس ما جاء في تقرير جولدستون، حيث حذر من خسائر مدنية هائلة، نتيجة قصف قوات الناتو قنابل عنقودية لمواقع قريبة من المناطق المأهولة بالسكان، فإنه لم يدن نوايا الناتو.
وفي الفصلين الثامن والتاسع، حيث يبدأ الجزء الثاني من الكتاب، يناقش فيشر الطبيعة المتغيرة للحرب المعاصرة، وأبرز خصائصها الأخلاقية، ويتناول في هذا الجزء القضايا المتعلقة بهذه الحروب، مثل قضايا التعذيب والحرب الوقائية. وربما لا تبدو هذه الأطروحة جديدة، غير أن فيشر يثريها بوضعها في إطار مذهب "التداعيات الأخلاقية"، خاصة بعد تطور الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في هذه الممارسات في حروبها الأخيرة. ومن هنا، يأمل أن يتعلم الجنود إدانة التعذيب، وأن يمنحوا عنايتهم الخاصة بحصانة العزل، وكذلك تقديم العون لإزالة الآلام والمعاناة التي غالبا ما تصاحب الحروب الحديثة.
وفيما يتعلق بالحرب الوقائية، يفرق فيشر بينها وبين الحرب الاستباقية، من وجهة نظر أخلاقية، فيري أن الفروق بينهما عارضة، وهي تتعلق بتقييم درجة الخطر الذي يزداد في حالة الحرب الوقائية، حيث تتأكد المخاطر، وبالتالي تزداد درجة عدالة شن هذه الحرب. والمثال الأبرز على هذه الحرب هو حرب العراق الأخيرة التي يخصص لها فيشر الجزء الأكبر من الفصل العاشر. وهو يري أنه رغم أن هذه الحرب لم تشن بناء على قضية عادلة، فإن القادة والمسئولين المدنيين الذين خاضوها يجب ألا تلقي عليهم اللائمة، إذ إن قرارهم كان نتيجة معلومات خاطئة من جهات مخابراتية، تتعلق بامتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل، وهو الانطباع الذي حرص نظام صدام نفسه على تأكيده، وهو ما اكتشفته الأجهزة المخابراتية بعد فوات الأوان، وفشلت في تفسيره. ويتناول فيشر قضية العراق بمنطق اعتذاري، وينفي أن تكون القوات الغازية قد خططت لاحتلال طويل الأمد للعراق، وهو الأمر الذي لم يكن سيرحب به العراقيون، ويؤكد أن أخطر ما مرت به استراتيجية هذه الحرب هو فشلها الواضح في إدارة شئون ما بعد الحرب.
وفي الفصل الحادي عشر، يركز فيشر على حروب التدخل الإنساني، وهو من الموضوعات التي يناقشها فيشر على خلفية عمله المهني الممتد، ويشرح الاتجاهات الدولية التي ناقشت شرعية هذه الحروب. وينتقد تردد المجتمع الدولي، متمثلا في الأمم المتحدة، في التشيع بهذا التدخل. ويجادل بأن الخلاف حول هذا التدخل يعد أمرا مسموحا به أخلاقيا، عندما تفشل الدولة في حماية مواطنيها. ويختتم الكتاب متسائلا حول إمكانية شن حرب عادلة فقط.