الآليات السياسية لاسترجاع الأمن في الجزائر خلال فترة حكم بوتفليقة
أ. نبيل بويبية
ماجستير علوم سياسية و علاقات دولية بمعهد البحوث و الدراسات العربية، التابع لجامعة الدول العربية – بمصر. 2006-2008
مقدمة
كثيرا ما استخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية في المجتمعات البشرية ، فظاهرة العنف السياسي صاحبت المجتمعات الإنسانية في الحقب الزمنية المختلفة لتطورها. واختلفت هذه الظاهرة في شدتها باختلاف هذه المجتمعات وأنظمتها السياسية التي نشأت فيها، لتحكم عدة عوامل ومتغيرات بها، لكن الاختلاف الجوهري بين ما كانت عليه قديما وما أصبحت عليه في الوقت الراهن يكمن في طبيعة العوامل المساعدة على ظهورها، وكذلك وسائلها وأشكالها إضافة إلى كيفية تعامل الأنظمة السياسية معها، بهدف احتوائها واستئصالها.
لقد عرفت الجزائر ظاهرة العنف السياسي على غرار كثير من الدول العربية الأخرى، غير أن هذه الظاهرة في الجزائر تكتسي طابعا فريدا، سواء من خلال أسباب ظهورها ووسائلها، أو كيفية تعامل النظام السياسي الجزائري معها.هذه الأخيرة لم تتجلى بوضوح إلا مع بداية أحداث 05 أكتوبر 1988، التي برهنت على مدى هشاشة النظام السياسي الجزائري، وعدم فعاليته في احتواء هذه الأزمة المتعددة الأبعاد.
وقد ترتب عن هذه الأزمة عنف جماهيري تجسد في سلسلة من الأحداث والإضطرابات الداخلية بفعل تأثير مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، غير أن استجابة النظام السياسي العكسية- مدخلات تمثلت في مطالب اجتماعية واقتصادية أفرزت مخرجات سياسية-، أدخلت الجزائر مرحلة جديدة تميزت بالانفتاح السياسي و فتح مجال الحرية في تشكيل الأحزاب السياسية من خلال إقرار دستور 23 فيفري 1989. فعرفت الجزائر بعد ذلك أول انتخابات تعددية بين مختلف القوى الحزبية، وما ميز هذه الانتخابات هو بروز معارضة سياسية للنظام وللسلطة خاصة من قبل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأدى ذلك إلى تفجر الصراع بين السلطة والمعارضة، والذي زادت حدته عقب توقيف المسار الانتخابي سنة 1992. هذا الأخير الذي كان سببا في تزايد شدة العنف السياسي.
إن اختيارنا لدراسة موضوع الآليات السياسية لاسترجاع الأمن في الجزائر خلال فترة حكم بوتفليقة، كان نابعا من عدة مبررات يمكن تقسيمها إلى مبررات ذاتية وأخرى موضوعية:
بالنسبة للمبررات الذاتية،التي دعت إلى القيام بهذه الدراسة هي تسليط الضوء على ظاهرة العنف السياسي في الجزائر من خلال المتغيرات المؤثرة في انفجار وتردي الوضع الأمني الداخلي، ومحاولة تسليط الضوء على أهم المبادرات التي تمت خلال فترة حكم الرئيس بوتفليقة لإيجاد حل نهائي الأزمة.
و بالنسبة للمبررات الموضوعية فإن القيام بدراسة تحليلية لظاهرة العنف السياسي في الجزائر مع تحليل مدى فعالية الجهود المبذولة ونجاعتها في استرداد الأمن في الجزائر خلال فترة حكم الرئيس بوتفليقة ،يكتسي أهمية كبيرة باعتبارها آليات فريدة من نوعها في الوطن العربي.
وتنطوي دراستنا هذه على إشكالية رئيسية مفادها:
إذا كان النظام السياسي الجزائري قد فشل في القضاء على العنف السياسي بالأساليب الأمنية، فإلى أي مدى يمكن الحكم على نجاعة الأساليب السلمية المستخدمة من طرف الرئيس بوتفليقة لاسترداد الأمن؟
وتندرج تحت هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات الفرعية والتي يمكن حصرها فيما يلي:
1- هل ظاهرة العنف السياسي في الجزائر وليدة فترة التسعينات أم أنها محصلة لتراكم تاريخي معين؟
2- هل يمكن القول أن استجابة النظام السياسي العكسية لمدخلات أحداث أكتوبر 1988 كانت سببا في تفجير ظاهرة العنف السياسي؟
3- ما مدى فعالية الآليات التي قدمها الرئيس بوتفليقة لمواجهة الظاهرة وحل الأزمة؟
4- هل حل الأزمة من منظور تشريعات قانونية معينة يحول دون تفاقم هذه الظاهرة مستقبلا؟
ويمكن الإنطلاق من إجابات مبدئية عن التساؤلات المطروحة من خلال الفرضيات التالية:
1- إن ظاهرة العنف السياسي في الجزائر هي نتاج أزمة فعالية أداء النظام السياسي الجزائري، وعجزه عن الاستجابة للمطالب المتزايدة لأفراد المجتمع.
2- ان الرئيس بوتفليقة نجح في مواجهة العنف السياسي من خلال آليات سياسية متدرجة.
و إذا كانت سمة الظواهر الاجتماعية التعقد وتعدد الأبعاد، والظواهر السياسية من بين هذه الظواهر الإجتماعية والتي تخضع لمتغيرات عدة، فإنه يصعب ضبطها ودراستها اعتمادا على منهج واحد أو اقتراب أو مدخل بذاته. ولأن الموضوع محل الدراسة ظاهرة سياسية اجتماعية فقد ارتأينا اعتماد مناهج عدة لدراسة هذه الظاهرة من منطلق أن كل منهج يتناول بعدا من أبعاد الظاهرة، والمناهج والاقترابات الرئيسية في دراستنا هذه هي: المنهج التاريخي- الاقتراب النظمي- الإقتراب البنائي-الوظيفي.
وسنقوم بتقسيم هذه الدراسة إلى فصلين ، نتناول في الفصل الأول تفسير ظاهرة العنف السياسي في الجزائر وفي الفصل الثاني نتناول الآليات السياسية لاسترداد الأمن والتخفيف من حدة العنف السياسي خلال فترة حكم بوتفليقة
الفصل الأول: تفسير ظاهرة العنف السياسي في الجزائر
-I جذور العنف السياسي في الجزائر:
إن العنف السياسي في الجزائر، ليس وليد عقد التسعينات وإنما هو محصلة لتراكمات تاريخية، تعود بداياتها الأولى إلى الحركة الوطنية، مرورا بثورة التحرير وكذا فترات تاريخية تلت الاستقلال، وهنا نشير إلى بعض الصراعات التي حدثت منذ الحركة الوطنية إلى غاية أحداث أكتوبر 88 .
- الصراع الذي حدث بين الاندماجيين و الإصلاحيين و الاستقلاليين.
- الأزمة التي حصلت داخل صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية في أفريل 1953. والتي تطورت إلى درجة حدوث صدامات مسلحة.
- الصدامات والتصفيات التي حدثت بين أجنحة الثورة.
- أزمة صائفة 1962 وبروز مشكلة الصراع على السلطة.
- إنقلاب 19 جوان 1965 *
كما عرفت الفترة ما بين جانفي 1967 وأكتوبر 1970 العديد من أعمال العنف السياسي ويمكن إبرازها من خلال ما يلي:
- 03 جانفي 1963: تم اغتيال محمد خيضر في مدريد.
-15 ديسمبر 1967: قام الطاهر زبيري بمحاولة إنقلاب على نظام هواري بومدين، غير أن هذا الإنقلاب باء بالفشل وتم الحكم على الطاهر الزبيري بالإعدام.
- 20 أكتوبر 1970: تم اغتيال كريم بلقاسم في فرانكفورت بألمانيا.
- 11-16مارس 1980 : أحداث الربيع الأمازيغي.
II- أسباب العنف السياسي في الجزائر:
لقد تباينت التفسيرات المقدمة لظاهرة العنف السياسي في الجزائر، انطلاقا من كون هذه الأخيرة ذات أبعاد متعددة، إذ هناك من يرى أن انفجار أعمال العنف والشغب يرجع إلى إختلالات وتناقضات داخلية موجودة في المجتمع الجزائري، وهناك من يدرج إضافة إلى العوامل الداخلية عوامل خارجية زادت من تعقد هذه الظاهرة في الجزائر، لذلك لا بد من تمييز العوامل المباشرة لظهور العنف السياسي كأزمة الشرعية والمشاركة السياسية وانغلاق النظام السياسي الجزائري، وأزمة العدالة التوزيعية وأزمة الهوية، وأحداث أكتوبر 1988، إضافة إلى إيقاف المسار الإنتخابي 1992، الذي يعتبر العامل الأساسي في تبلور ظاهرة العنف السياسي في الجزائر. وعلى هذا الأساس نحاول من خلال هذا المبحث تحليل أهم أسباب العنف السياسي في الجزائر.
II-1 أزمات النظام السياسي وعلاقاتها بالعنف السياسي.
هذه الأزمات عبرت عن الإختلال والإنهيار في التوازنات داخل المجتمع، هذا الإختلال يعكس مدى إنفتاح الصراع بين مختلف المكونات السياسية والفكرية والإجتماعية من أجل المصالح والحصول على الثروة والتوزيع والمكانة السياسية والإجتماعية.
II-1-1 أزمة الشرعية وأزمة المشاركة السياسية:فالشرعية التاريخية لجبهة التحرير الوطني، التي إرتكزت بدورها على المقاومة الوطنية ضد الإستعمار الفرنسي، كونت لها أسبقيات مطلقة ضد أية قوة سياسية تطمع للمشاركة في ممارسة السطلة.وكذلك أزمة المشاركة السياسية التي تمثلت في عجز المؤسسات السياسية عن استيعاب كل القوى الموجودة في المجتمع الجزائري، والراغبة في المشاركة في العملية السياسية.كما تمثلت كذالك في عدم رغبة النخبة الحاكمة في إشراك هذه القوى.
وهناك ثلاث مجموعات تتفاعل فيما بينها تؤدي إلى حدوث أزمة الشرعية و أزمة المشاركة السياسية والتي يمكن حصرها فيما يلي:
المجموعة الأولى: أسباب تتعلق بالنخب الحاكمة ومنها احتكار هذه النخب للسلطة السياسية ورفض مطالب المشاركة السياسية.
المجموعة الثانية: أسباب تتعلق بالمؤسسات السياسية والتي تمثل حلقة الاتصال بين الحاكم والمحكومين، وهي قنوات المشاركة السياسية.
المجموعة الثالثة: أسباب اقتصادية واجتماعية.
-II1-2 أزمة العدالة التوزيعية والعنف السياسي: تشير مشكلة عدم العدالة التوزيعية إلى وجود خلل في المقدرة التوزيعية للنظام السياسي، ويتخذ هذا الخلل شكل أتساع الفجوة بين المطالب التوزيعية من جانب، وقدرة النظام على الإستجابة لها من جانب آخر، وينبع هذا الخلل من مصدرين: أولهما النقص في مصادر الثروة والسلع والخدمات المادية، وثانيهما هو عدم العدالة في توزيع الثروة بين مختلف طبقات المجتمع، نظرا لعدم كفاءة السياسات التوزيعية وإنحيازها لمصالح فئات دون أخرى. هذه الأخيرة لن تجد سبيلا سوى اللجوء إلى استخدام العنف السياسي من أجل الحصول على جزء من الثروة.
حيث لعبت الأزمة الإقتصادية الناتجة عن تقهقر أسعار النفط لسنة 1986 واقترانها بإنخفاض قيمة الدولار دورا كبيرا في ظهور أعمال الشغب والعنف الجماهيري والمطالبة بتحسين الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية.
-II1-3 أزمة الهوية و العنف السياسي: تبدوا أزمة الهوية من أخطر الأزمات التي عرفها المجتمع الجزائري نظرا لانقسامه بين اتجاهات متعددة، حيث تمسك البعص بالاتجاه العروبي و آخر رآى في الاتجاه الإسلامي بديلا لتحقيق التوازن المقصود في الشخصية القومية. في حين رآى البعض الآخر العودة إلى الهوية الأمازيغية.
كانت هذه الانقسامات سببا في انهيار النخب والمؤسسات الحاكمة لتكتسب أزمة الهوية بعدا آخر لارتباطها بأزمة الشرعية. و لقد حدد بيان أول نوفمبر 1954 المكونات الأساسية للهوية الوطنية – الجزائرية – هي الإسلام، العروبة، الأمازيغية. إن إدراج مقومات الهوية الوطنية ضمن المجال العام – الدولة – أفضى إلى تسييس مسألة الهوية(1). ومنه جاءت هذه المصادرة لعناصر الهوية الوطنية بمفارقات خطيرة فكل الأزمات التي شهدتها الجزائر في العقود الماضية، تتمثل في محاولات استعادة المجتمع لمقوماته الذاتية.
حيث كشفت هذه الأزمة عن وجود إختلالات هيكلة وتناقضات جهوية بين المؤسسات الرسمية في الدولة، والممثلة في المؤسسة الرئاسية، المؤسسة العسكرية، المؤسسة الأمنية، والتي تميزت بتعدد مراكز صنع القرار وعدم التنسيق بينها، وهي مؤشر عن غياب التنظيم الهرمي بين مؤسسات الدولة، وتفكك العلاقات التنظيمية بينها، مما سمح بظهور قوى جديدة تمثلت في جماعات المصالح، مما أضعف قوة النظام الجزائري (2 ).
إن انفجار أعمال العنف السياسي في الجزائر يعود إلى إختلالات وتناقضات داخلية موجودة في المجتمع الجزائري، لكن لا يمكن إهمال العوامل الخارجية والتي لعبت دورا في تبلور ظاهرة العنف السياسي في الجزائر والزيادة في حدتها. ومن هذا المنطلق كيف ساهمت الأطراف الخارجية في تغذية ظاهرة العنف السياسي في الجزائر؟
الدور الفرنسي والعنف السياسي في الجزائر.
تعتبر الجزائر من بين أهم دول المغرب العربي في الخريطة السياسية الفرنسية، فالجزائر تمثل مجالا استراتيجيا حيويا لفرنسا سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي. حيث أنه بعد الانتصار الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الأول من الإنتخابات التشريعية 1992 لاقت هذه القضية اهتماما كبيرا في الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية بأن فوز (FIS) سوف يؤثر على العلاقات الجزائرية الفرنسية. إذ أنه يمكن حصر وجهة النظر الرسمية الفرنسية في النقاط التالية: (3 )
01- إن قيام دولة إسلامية تعتبر مأساة بالنسبة للجزائر، ولا تخشى فرنسا تراجع العلاقات بين البلدين. وعلى المصالح الفرنسية ولكن تخشى أيضا طوفان الهجرة البشرية التي يمكن أن تتدفق إليها عن البحر المتوسط.
02- ترى فرنسا أنه لا يوجد بديل عن مساندة النظام القائم عسكريا واقتصاديا رغم أخطاءه الظاهرة.
03- تعتقد فرنسا أن التحولات في الجزائر وما تبعها من تصاعد تأثير التيار الإسلامي ووصوله إلى السلطة، وما يحمله هذا الأخير من نظرة عدائية لفرنسا ومصالحها في الجزائر والتي تعد منطقة نفوذ بالنسبة لفرنسا، مما يجعل منها ملزمة بالسعي للتدخل لضبط تصاعد الأحداث والوقوف أمام أي محاولات لتقليص النفوذ الفرنسي في الجزائر (4). فالحكومة الفرنسية من خلال تصريح وزير الداخلية "تشارل باسكو" التي كان يعتبر أن مواجهة التيارات المتطرفة والإرهاب بالجزائر في صلب مصلحة فرنسا العليا وأنه لا بد من تسخير الإمكانيات بين أيدي السلطة الجزائرية من أجل مواجهة الإرهاب والتطرف بهدف الحفاظ على المصالح الفرنسية .
يمكن القول أن فرنسا كانت تخشى إنفراد التيار الإسلامي بالسلطة وتساند المؤسسة العسكرية إدراكا منها بأنها هي القوة الوحيدة التي تستطيع كبح جماح التيار الإسلامي. الأمر الذي أدى إلى استمرار أعمال العنف السياسي في الجزائر. حيث من سبتمبر 1993 إلى غاية أفريل 1995 قتل حوالي 26 فرنسيا في الجزائر (5)
الدور الأمريكي والعنف السياسي في الجزائر.
لقد عاصرت الأزمة الجزائرية مرحلة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش كما عاصرت فترة الرئيس الديمقراطي بيل كليتون. ففي مرحلة جورج بوش كان موقف أمريكا سلبيا من إيقاف المسار الإنتخابي فقد عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن أسفها لإيقاف المسار الإنتخابي، كما أن أمريكا تأوي السيد أنور هدام أحد قيادي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ما يبين إهتمام الولايات المتحدة بالملف الجزائري . لكن بعد اغتيال بوضياف حدث تغير في موقف إدارة بوش حيث حذر من تدهور الوضعية(6). أما في إدارة كلينتون فقد تغيرت طريقة تعامل هذه الأخيرة مع العنف في الجزائر، حيث حدد الرئيس الأمريكي موقفه من هذه القضية في قمة "نابولي" للدول الصناعية حيث قال "نحن ندين الإرهاب وننصح الحكومة الجزائرية بالشروع في حوار مع المعارضة المسلحة من أجل أن يقوم إئتلاف حكومي قابل للتعايش.." ويمكن القول أنه هناك ثلاث عوامل حكمت السلوك الأمريكي هي: (7 )
01- تجنب خسارة الجزائر بعد خسارة إيران مما يقلل من دائرة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، كذلك فإن الإنفتاح على الإسلاميين يجنب أمريكا الوقوع في عمليات الإرهاب التي ضربت رعايا الدول الفرنسية في الجزائر.
02- الإهتمام بالغاز والنفط في الجزائر وما يشكلانه من أهمية اقتصادية.
03- حماية الدول الحليفة لأمريكا في الشرق الأوسط من الوقوع تحت تأثيرات أي تغيير في الجزائر.
2-II- إنعكاسات أحداث أكتوبر 1988 على ظاهرة العنف الساسي في الجزائر
مساء 04 أكتوبر بدأت مظاهرات الشباب في الأحياء الشعبية بالعاصمة، والتي انتهت بأعمال شغب مست كل ما يرمز للدولة والحزب الحاكم، وحسب "الهادي لخديري" الذي كان آنذاك وزير الداخلية "أن أولى المناوشات بدأت في باب الواد، وأنها شملت في البداية بعض الدكاكين والمرافق العمومية، ثم تعرف مظاهرات شبيهة لها في مناطق أخرى من العاصمة كباش جراح وبلكور وأول ماي وحتى باب الزوار، وقد ركز المتظاهرين جهودهم على اقتحام كل ما يرمز للدولة فقاموا بضرب مقرات الشرطة" (8 ).
وابتداء من 05 أكتوبر 1988 إنخرط كبار السن في الإضرابات وتوجيههم للمتظاهرين وتشجيع سكان العاصمة على الإلتحاق بالمظاهرات وتبعا لذلك قرر رئيس الجمهورية طبقا للمادة 119 من الدستور إعلان حالة الحصار بتاريخ 06 أكتوبر 1988، والتي بموجبها دخل الجيش إلى العاصمة وأوكلت له مهمة إعادة الهدوء(9). وابتداء من 07 أكتوبر توسعت رقعة الأحداث لتشمل أغلب المدن الجزائرية*، واستمرت هذه الأحداث إلى غاية 10 أكتوبر 1988، وترجع أسباب هذه الأحداث إلى ما يلي:
01-سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة الجزائرية نتيجة انخفاض أسعار البترول1986.
02- الإختناق الإجتماعي في ظل إقتصاد خاضع لسلطة مركزية وللدولة، ومنع المبادرات الفردية، وخظوعه لإصلاحات جزئية وعشوائية، تسببت في تأزيم الوضع الإجتماعي للشعب الجزائري(10).
03- إرتفاع نسبة البطالة ولا سيما لدى الشباب، وتوقف التصنيع الصناعي وضعف الإنتاج الفلاحي، وقلة مردودية المؤسسات الإقتصادية، التي وصل عجزها إلى ما يقارب 110 مليار دينار، كما أن الفلاحة سجلت عجزا قدر بـ 15 مليار دينار، تولت الدولة دفعه دون مقابل، وارتفعت ديون الجزائر من مليار دولار سنة 1970 إلى ,825 مليار دولار سنة 1988(11).
04- تدني القدرة الشرائية والمداخيل وتوزيع الثروة وتجميد الأجور مند أربعة سنوات (12)
05- انقسام بين أجنحة النخبة السياسية حول كيفية التعامل مع الأزمة السياسية والإقتصادية للنظام.
06- إرتفاع أسعار المواد المختلفة وبطريقة فوضوية، بحيث لم يعد بمقدور السلطة السيطرة على الأسعار.
لقد واجه نظام الشادلي بن جديد بوادر الإنفجار الشعبي الاجتماعي فكانت أحداث أكتوبر 1988 التي دخلت من خلالها الجزائر مرحلة جديدة بإقرار التعددية السياسية والحريات في مجتمع عرف من قبل بسيطرة الدولة على مؤسسات المجتمع المدني بتقييد حركيتها خاصة على المستوى العلني، فعبرت هذه الأحداث عن عنف وغضب شديدين لم يستطع النظام السياسي مواجهتها، فلجأ هذا الأخير إلى استعمال العنف، وأعلن حالة الطوارئ في 08 أكتوبر 1988 فهذه الأحداث تعبر عن سياق إجتماعي وإقتصادي يكفي للإنفجار، والتي أدت إلى تغيرات عميقة في الحياة السياسية في الجزائر رغم أن مطالب البيئة الداخلية للنظام –الشعب- كانت مطالب إقتصادية وإجتماعية وجهت للنظام السياسي هذا الأخير الذي كانت مخرجاته عكس ذلك، حيث جاءت في شكل مخرجات سياسية أي إصلاحات سياسية من خلال إقرار دستور 1989 والإعلان عن التعددية السياسية في الجزائر؟
II -3 توقيف المسار الإنتخابي
دخلت الجزائر بعد الإعلان عن دستور 1989، مرحلة جديدة أهم ما ميزها هو فتح المجال بكل حرية في تشكيل الأحزاب السياسية، أو ما اصطلح عليها الدستور "بالجمعيات ذات الطابع السياسي". وظهر على الساحة السياسية ما يزيد عن (60) حزبا.
وكان أول تنافس إنتخابي للأحزاب في شهر جوان 1990 على المجالس المحلية والتي بلغ عددها 1541 مجلس شعبي بلدي و 48 مجلس شعبي ولائي. وقد تميزت بالهدوء والأمن وبلغت نسبة المشاركة 65% من عدد المسجلين(13).
وقد أسفرت نتائج الإنتخابات عن فوز ساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ بـ 853 بلدية، مقابل 487 بلدية لجبهة التحرير الوطني و87 بلدية لحزب الأرسيدي(14)، كما فاز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ـ 32 مجلس ولائي مقابل 14 مجلس ولائي لجبهة التحرير الوطني ومجلس واحد لحزب الأرسيدي. وقد كان مقرر إجراء إنتخابات تشريعية في 27 جوان 1991 بالنسبة للدور الأول ليليه الدور الثاني بعد 03 أسابيع *.
إلا أن الإنتخابات قد أجلت لوقت لاحق، ويأتي تأجيلها بسبب اعتراض الأحزاب على القانون رقم 91-07 المحدد للدوائر الإنتخابية، لكونه حسب اعتقادها في خدمة الحزب الحاكم (حزب جبهة التحرير الوطني) وانتقدت القوانين الإنتخابية بشدة من طرف الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعارضت بذلك الإنتخابات التشريعية وانتهجت من أجل ذلك الدعوة إلى الإضراب الشامل غير المحدود زمنيا والذي شرع في تطبيقه في 25 ماي 1991 مع الدعوة إلى تنظيم مسيرات شعبية مستمرة في شوارع المدن وكانت العاصمة ساحتها الرئيسية وتمكنت المسيرات المتواصلة في شوارع العاصمة والمدن الأخرى من حشد عدد معتبر من الأنصار، واستطاعت الجبهة الإسلامية أن تتحكم في هذه المسيرات أحسن تحكم من حيث التنظيم والانضباط والتموين(15) ونتج عن هذا الوضع ما يلي:
- تأجيل الإنتخابات التشريعية لوقت لاحق والتي فازت بها لاحقا الجبهة الإسلامية للإنقاذ بـ 188 مقعد.
- سقوط حكومة مولود حمروش في 04 جوان 1991.
- خروج القوات العسكرية والذبابات إلى الشوارع منتصف ليلة 04 جوان 1991 بعد إعلان حالة الحصار من أجل إعادة الأمن المتردي.
ومن كل ما سبق نلاحظ أن الوضع بات يندر بالسلبية على كل الأصعدة وقد تميز الجو بالقلق الشعبي الواسع، وأمتد على كامل المنطقة العربية، حيث بادرت تونس بإغلاق حدودها مع الجزائر. أما عن الوضع الدولي فقد تميز بالأزمات العديدة التي مست مناطق كثيرة كالحرب الأهلية في يوغسلافيا، والصراع الدموي في بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا مثل الحرب الأهلية بين سكان أدربيجان المسلمين والأرمن، كل هذا جعل القلق يستفحل عن مصير الاستقرار في الجزائر. وهنا تجدر الإشارة إلى ما أنتجه هذا الوضع من خلال ما يلي:
01- أجبر الرئيس الشادلي بن جديد على الإستقالة بعد خطابه الموجه للأمة يوم السبت 11 جانفي 1992(16)، وأبرز ما يستنتج من خطاب الرئيس نقطتين هما:
- التسليم بوجود خطر داهم ووشيك على النظام العام والوحدة الوطنية.
- الاعتراف الصريح بفشل سياسته في تطبيق الديمقراطية بسبب تجاوزات كثيرة على الانسجام الوطني.
02-حل المجلس الشعبي الوطني والذي أمضاه الرئيس قبل استقالته بتاريخ 04 جانفي 1992 وقرار الحل تعود صلاحياته إلى رئيس الجمهورية حسب المادة 120 من دستور1989 (17).
03- حدوث فراغ دستوري لأن الدستور لم ينص صراحة على حالة اقتران شغور منصب رئاسة الجمهورية بالاستقالة مع شغور البرلمان.
04- إعلان رئيس الحكومة السيد أحمد غزالي في بيان للشعب أن الحكومة ستواصل مهامها الدستورية للمحافظة على النظام العام ووجه طلب للجيش الوطني الشعبي بمقتضى القانون رقم 91- 23 الصادر في ديسمبر 1991 مساهمته في مهمة حماية الأمن العمومي.
أيام قليلة قبل إجراء الدور الثاني للإنتخابات، جاء بيان متلفز مفاده أن المجلس الأعلى للأمن المجتمع في يوم 11 جانفي 1992 في الجزائر العاصمة بمقر الحكومة، قد قرر بالإجماع إستحالة مواصلة المسار الإنتخابي إلى غاية أن تتوفر الشروط الضرورية للسير العادي للمؤسسات(18).
وقد تم سد الفراغ الدستوري، بإنشاء هيئة سميت بالمجلس الأعلى للدولة يرأسها محمد بوضياف ويساعده أربعة أعضاء هم:
- خالد نزار الذي يشتغل منصب وزير الدفاع.
- علي كافي الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين.
- علي هارون الذي شغل منصب وزير حقوق الإنسان.
- تيجاني هدام الذي يتولى آنذاك هيئة إدارة مسجد باريس(19)
واستعيض البرلمان بمجلس إستشاري وبعدما تم حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ بحكم من المحكمة العليا التي استؤنف أمامها قرار الحل الصادر من الغرفة الإدارية، لمجلس قضاء الجزائر في نهاية مارس 1992. وأثبثت المحكمة قرار هذا الحل في جلستها العلنية ليوم 29 افريل 1992. وشرعت قوات الأمن بتوقيف قيادي ومناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والزج بهم في المعتقلات بالصحراء وفي سجن البليدة العسكري، حيث حكم على كل من عباسي مدني وعلى بلحاج بـ 12 سنة سجنا نافدة بتهم عديدة أبرزها التآمر على أمن الدولة(20) ونتج عن ذلك ما يلي:
- بدأت مؤشرات الفوضى تتصاعد، خاصة بعد إنشاء ما يسمى بلجنة إنقاذ الجزائر.
- لجوء النظام إلى العنف ضد أعضاء التيار الإسلامي، وقمع قوات الأمن للمتظاهرين، وملاحقة العناصر ذات الصلة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وأمام عنف الدولة، ما كان على أنصار الحزب المنحل سوى اللجوء للعنف المضاد، بعد أن غيبت كل الطرق من أجل استرجاع ما أسموه بالحق المغتصب من قبل النظام.
واختار أعضاء التيار الإسلامي خيار واحد هو اللجوء للقوة لاسترداد حقهم في المشاركة السياسية بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل:
-النظام وقوات الأمن التابعة له والذي أخذ يعتقل عشوائيا وبمجرد الاشتباه بالشخص.
-من جانب القوى المعارضة للحزب المنحل والتي هددت بمحاربة "الأصولية" ودخلت البلاد في دوامة عنف مسلح، طرفاه الرئيسيان: النظام السياسي والمعارضة الإسلامية.
-III أشكال العنف السياسي في الجزائر والقوى الممارسة له:
1-III أشكال العنف السياسي في الجزائر:
III - 1-1- العنف الرسمي:
يسمى بالعنف الحكومي ويمارسه النظام السياسي ضد المواطنين أو ضد فئات منهم، والذي يهدف إلى ضمان استمرار النظام في السلطة من خلال إضعاف قوة ودور القوى السياسية والاجتماعية المعارضة، والملاحظ أنه توجد صعوبة كبيرة في الحصول على الإحصائيات الرسمية في هذا المجال.
- الإعتقالات السياسية: هو سلوك يمارسه النظام السياسي في ظل حالة الطوارئ(*)، إذ يتم القبض على المواطنين والتحفظ عليهم تنفيذا لأوامر إدارية دون صدور أحكام قضائية سابقة ضدهم وقد تطول أو تقصر مدة الاعتقالات طبقا لتقديرات السلطة التي أصدرت أوامر الاعتقال، ولقد مارست السلطة الجزائرية عمليات الاعتقال(**) من خلال قيامهم باعتقال قيادات المعارضة المتمثلة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ على رأسها عباسي مدني وعلي بلحاج، وغيرهم من مناضلي الجبهة، والكثير من الذين شاركوا في المظاهرات حيث وصل عدد المعتقلين في عهد المجلس الأعلى للدولة حوالي 7000 معتقل حسب الإحصائيات الرسمية، و30.000 معتقل حسب إحصائيات المعارضة.
- أحكام الإعدام المرتبطة بقضايا سياسية: يمكن تعريف الإعدام بأنه عقوبة مقررة في القانون، وهي مرتبطة بالجنايات الخطيرة، وفي الغالب ما تصدر أحكام الإعدام بشأن بعض القضايا السياسية خاصة عندما تكون هناك حالة الحصار والطوارئ حيث تشكل محاكم خاصة وإجراءات التقاضي أمامها لا يجوز الطعن في أحكامها.
- أحكام السجن مع الأشغال الشاقة بأكثر من 15 سنة: وهذه الأخيرة هي عقوبة نص عليها القانون الجزائري.
- استعمال قوات الأمن والجيش للقضاء على أعمال العنف الشعبي:يولي النظام السياسي اهتماما متزايدا لأجهزة الأمن، ويظهر ذلك من خلال الميزانية المالية المخصصة لهذه الأجهزة، ولقد لجأت الجزائر على غرار الدول النامية إلى تدعيم قوات الأمن والجيش من حيث التجنيد والتسليح، الأجهزة والمعدات الحديثة التي وضعت تحت تصرفها، وكان أول تدخل للجيش لإعادة الهدوء بعد اندلاع أحداث الشغب التي عرفتها الجزائر في صيف 1988، وطبقا للمادة 119 من الدستور أعلن رئيس الجمهورية الشادلي بن جديد حالة الحصار بتاريخ 06 أكتوبر 1988، والتي بموجبها دخل الجيش العاصمة هذا الأخير الذي أوكلت له مهمة إعادة الهدوء لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة ، ونفس الشيء بعد إيقاف المسار الإنتخابي، كما استخدمت السلطة الجزائرية وحدات الجيش الشعبي في قمع المعارضة الإسلامية ومحاولة القضاء عليها.
2-1-III: العنف غير الرسمي:
يسمى كذلك بالعنف الشعبي، والذي يمارس من قبل المواطنين أو جماعات معينة ضد السلطة الحاكمة بهدف التأثير عليها في الاستجابة لمطالبهم، أو العدول عن قرارات سياسية اتخذتها السلطة أو تريد اتخاذها، ومن مؤشرات العنف السياسي غير الرسمي، أو أشكال العنف السياسي الشعبي في الجزائر نذكر ما يلي:
- المظاهرات: فكانت أول مسيرة وطنية للجبهة الإسلامية للإنقاذ نحو الرئاسة في 20 أفريل 1990، والتي نظمت من أجل المطالبة بتحرير جماعة بويعلي، بمن فيهم المحكوم عليهم بالإعدام، والمطالبة بالعفو عنهم، وقد قرر هذه المسيرة عباسي مدني وعلي بلحاج للمطالبة بإطلاق سراح كل من عبد القادر شبوطي، منصوري ملياني وجماعة أخرى لازالت بالسجن.
- الاغتيالات السياسية ومحاولة الاغتيال: هي عمليات القتل ومحاولات القتل التي تستهدف شخصيات سياسية، حيث مرت الاغتيالات ومحاولة الاغتيال في الجزائر بثلاث مراحل أساسية هي:
المرحلة الأولى: كان التركيز في عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال في هذه المرحلة على عناصر رجال الأمن والشرطة والجيش، حيث كانت الحوادث من هذا النوع تقع بشكل يكاد يكون يومي، وتوجد صعوبة كبيرة في حصر جميع هذه المحاولات والاغتيالات
المرحلة الثانية: في هذه المرحلة تطورت الاغتيالات لتشمل اغتيال ومحاولة اغتيال مفكرين أدينوا بالتعاون مع السلطة، كاغتيال الأستاذ الجيلالي اليابس، الطاهر جاووت الذي اغتيل في 26 ماي 1992، كذلك اغتيال عمر بلهوشات مدير صحيفة الوطن، والهاشمي شريف زعيم الحزب الشيوعي الجزائري، وعبد الحق بن حمودة الأمين العام للإتحاد العام للعمال الجزائريين، كما تم اغتيال أعضاء من المجلس الاستشاري الذي أنشأه محمد بوضياف(*) والعديد من رؤساء المنذوبيات التنفيذية، وابتداء من سبتمبر 1993 بدأت عملية الاختطاف والاغتيال لرعايا أجانب(**) في الجزائر.
المرحلة الثالثة: تميزت هذه المرحلة بأنها أكثر دموية، حيث عرفت أحداث مأساوية ذهب ضحيتها المئات من المواطنين، الذين تعرضوا لإبادات جماعية بشعة، سواء كانت هذه المجازر في القرى والأرياف المعزولة، وحتى القريبة من العاصمة، ومن أعنف هذه المجازر(***) نذكر مجزرة بن طلحة، وسيدي رايس التي ذهب ضحيتها 511 مدنيا إضافة إلى مجزرة بني مسوس، حسب المرصد الوطني لحقوق الإنسان.
- أعمال الشغب: من نماذجها في الجزائر أحداث 05 أكتوبر 1988، كذلك بعض الاضطرابات التي شهدتها بعض الجامعات الجزائرية، والتي كان أعنفها إضراب جامعة عنابة في مارس 1992، عندما قام بعض الطلبة الملثمين بمهاجمة عدة كليات فقاموا بتحطيم قاعات المحاضرات وأتلفوا الوثائق والملفات، إضافة إلى ذلك محاولة تخريب المؤسسات العمومية الحكومية(****). كما أضرمت النيران في معهد زراعي بالبليدة، وبعض عربات القطار في قسنطينة، وذلك في الفترة الممتدة ما بين 1992-1993، كما عرفت الجزائر أحداث شغب عنيفة ترتب عنها آثار سلبية كتلك التي شهدتها منطقة القبائل سنة 2001.
2-III: القوى الممارسة للعنف السياسي في الجزائر
العنف السياسي، قد يمارسه النظام السياسي، وقد تمارسه قوى أخرى مناوئة له، وقد يمارسه العنف المواطنين أو جماعات معينة منهم ضد النظام، وذلك للتأثير على بعض السياسات والقرارات التي تشكل ضررا بمصالح وحقوق هذه الفئات أو الحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو لتغيير النظام السياسي برمته. وفي هذا المطلب سنقوم برصد وتحليل القوى والتنظيمات التي مارست العنف السياسي في الجزائر.
1-2-III- التنظيمات الإسلامية المسلحة:
التنظيمات الإسلامية المسلحة، ليست وليدة سنوات العنف السياسي انطلاقا من فترة التسعينات وليست وليدة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، غير أن كثرة عددها وتزامن نشاطها مع حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بعد توقيف المسار الإنتخابي عام 1992، جعلنا نربط بين هذه الأخيرة وبين الجماعات المسلحة المختلفة، حيث أن هذه الجماعات المسلحة كانت خامدة النشاط، وقد استهلت نشاطها في فترة تزامنت مع إيقاف المسار الانتخابي واضطهاد الإسلاميين من قبل النظام السياسي، وأحزاب المعارضة الأخرى، واستطاعت الجماعات الإسلامية تنظيم عملية استخدام السلاح والمتفجرات، وبناء جيوش خاصة، فصارت لها القدرة والقوة لفرض كيانها على الساحة كسلطة قوية.
وسنركز من خلال هذه الدراسة على أهم الحركات الإسلامية ذات الطابع المسلح وهي:
-الجماعات الإسلامية المسلحة (GIA).
-الجيش الإسلامي للإنقاذ (AIS).
أ- الجماعات الإسلامية المسلحة (GIA): هي عبارة عن اتحاد للعديد من الجماعات المسلحة(*)، وقد مر تشكيلها ونشاطها بالعديد من المراحل، وهذه المراحل عبارة عن عملية التناوب على خلافة إمارة الجيا (GIA).
ب- الجيش الإسلامي للإنقاذ (AIS): قبل التفكير في تأسيس جناح مسلح (للجبهة الإسلامية للإنقاذ) سبقه التفكير في إنشاء "خلية أزمة" والتي سمحت بعد ذلك بتأسيس الجيش الإسلامي للإنقاذ في 18 جويلية 1994، وصار "مدني مزراق" (أبو الهيثم) منذ 1995 أميرا وطنيا، و"أحمد بن عائشة" أمير منطقة الغرب.
وأصبح هذا الجيش يمثل الجناح المسلح "للجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وقد خول لنفسه مهمة الناطق الرسمي الوحيد للفيس (FIS) ككيان مسلح، لكن في جوان 1999 أصدر الأمير الوطني للجيش الإسلامي للإنقاذ بيانا على نهاية العمل المسلح بالنسبة له.
لقد كان الهدف الأساسي لهذه الجماعات هو العمل على بناء دولة إسلامية غير أنها حادت على هذا الهدف، ويرجع الدارسون هذا التحول والحياد إلى العديد من الأسباب والتي يمكن حصرها فيما يلي:
-إيمان بعض هذه الجماعات (كجماعة الهجرة التكفير) بالطرق الدموية لإقامة الدولة الإسلامية.
-سلبية القاعدة الفكرية القائمة على تكفير المجتمع وجعل الدولة ورموزها طواغيت.
-هناك من يرى أن هذه الجماعات المسلحة تقع تحت سلطة ونفوذ مافية سياسية ومالية، تهدف إلى تهجير المواطنين من بعض المناطق الفلاحية (سهول الغرب والوسط) ومن تم يسهل عليها السيطرة على هذه الأراضي والاستيلاء عليها بأثمان ضئيلة، ثم الاستفادة من قوانين خصخصة الأراضي التي تسمح لهم بالحصول عليها
2-2-III- النظام السياسي:
لقد تجسد العنف السياسي الذي مارسه النظام السياسي الجزائري، عقب توقيف المسار الانتخابي في أشكال عدة، من خلال أجهزة ومؤسسات رسمية، كالجيش وأجهزة المخابرات، وإصدار التشريعات والقوانين الاستثنائية، كإصداره لقوانين الحصار والحالات الاستثنائية،وهدف أي نظام من ممارسته للعنف السياسي هو الحفاظ على استقراره وضمان استمراره، وتقليص حجم ودور القوى المناوئة له.
وقد عملت قوات الأمن على اعتقال العديد من الأشخاص بمجرد الاشتباه بهم، وأعدت لمحاكمة المنتمين إلى الحزب المنحل والجماعات الإسلامية المسلحة محاكم خاصة.
الفصل الثاني: الآليات السياسية لاسترداد الأمن والتخفيف من حدة العنف السياسي خلال فترة حكم بوتفليقة
-Iالآليات التي سبقت فترة حكم بوتفليقة - الوفاق الوطني:
بعد توقيف المسار الانتخابي تدهور الوضع الأمني في الجزائر,وانتشرت مظاهر العنف السياسي خاصة بعد اقترانها بتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ممّا أدخل الجزائر في دوّامة الصّراع بين النّظام السّياسي من جهة والمعارضة الإسلامية من جهة ثانية، وتصاعدت حدّة أعمال العنف والمجازر الجماعية الّتي باتت تحدث كلّ يوم في مختلف أنحاء الوطن، ومن هنا يمكن أن نتساءل كيف تعامل النظام الجزائري مع هذه الوضعية الأمنية الّتي تصاعدت حدّتها ؟ وماهي الإستراتيجية الّتي اتبعها النظام الجزائري في هذه المرحلة من أجل التّخفيف من حدّة الوضع؟ .
1-I: ظروف التحضير لندوة الوفاق الوطني:
في عهدة الرئيس اليمين زروال بدأت مرحلة جديدة ومعقدة من مراحل العنف والمواجهة بين النظام السياسي والمؤسسة العسكرية من جهة والجبهة الإسلامية للإنقاذ من ناحية ثانية، حيث تم إنشاء لجنة الحوار الوطني عشية نهاية المرحلة الانتقالية للمجلس الأعلى للدولة في بداية 1994 ،ولقد أجرت لجنة الحوار الوطني سلسلة من الاتصالات والحوارات مع مختلف الأحزاب والشخصيات الوطنية(21)وتجسدت بوادر الحوار والمصالحة بإطلاق سراح كل من علي جدي وبوخمخم في 23 فيفري 1994 ،وكانت هده الحوارات تهدف إلى ما يلي :
1-الاسترجاع الحازم للسلم المدني.
2- الرجوع في أقرب وقت للمسار الانتخابي الديمقراطي .
3- الحفاظ على مكتسبات الندوة الوطنية وتطويرها وتعزيز الوفاق الوطني.
4- العمل من اجل تحقيق وضمان أمن الأشخاص والممتلكات واستتباب الأمن.
5-تعزيز العدالة الاجتماعية بتوزيع عادل للثروة الوطنية.
2-I: مضمون آلية الوفاق الوطني :
• في بداية جانفي 1994 انعقدت ندوة الوفاق الوطني, وكان من المفروض أن ينصب عبد العزيز بوتفليقة كرئيس للدولة لمرحلة انتقالية, لكنّه رفض أن يكون مجرّد ديكور تتحكّم فيه القوى الفاعلة في النظام السّياسي, حيث اضطرّ المجلس الأعلى للأمن تعيين اليامين زروال رئيسا للدولة والّذي أنشأ بدوره مجلسا انتقاليا يمثّل كل الحساسيات والأحزاب. لكن الأحزاب الكبيرة رفضت الانضمام إلى هذا المجلس باستثناء حركة مجتمع السّلم(22)، وشرع زروال في حوار سريع مع مختلف الأحزاب السياسية خاصة الفاعلة منها لإيجاد مخرج للأزمة, لكن كثيرا ما كانت هناك مقاطعة للحوار من طرف الإستئصاليين, حيث علّق أغلب الشّعب الجزائري آمالا واسعة على إنجاح مسألة الحوار الوطني الّذي شرع فيه الرّئيس اليامين زروال في صيف 1994 .
• في عشية الاحتفالات بالذكرى الأربعين لاندلاع الثورة التّحريرية المسلحة أعلن زروال في خطاب له في 31 أكتوبر 1994 عن فشل الحوار الوطني، بسبب اكتشاف رسالة من علي بلحاج إلى أمير الجماعة الإسلامية المسلحة "GIA"" الشريف قوسمي" الذي قتل في إحدى الإشتباكات مع قوات الأمن في 26 سبتمبر 1994(23)، هذه الرسالة المؤرخة في 17 سبتمبر 1994 ,يدعوه فيها علي بلحاج إلى مواصلة العنف المسلح، ويقول فيها أنه سيلتحق بالجيا "GIA "بمجرد خروجه من السجن .
بفشل ندوة الحوار الوطني تحولت آمال الشعب الجزائري في رؤية جزائر يعمها السلم والاستقرار إلى آلام وأحزان، زادت من حدتها التفجيرات التي وقعت في مقبرة الشهداء في ولاية مستغانم ,والتي أودت بحياة العديد من الأطفال الأبرياء من الكشافة الإسلامية الجزائرية، وبعد إعلان اليامين زروال عشية أول نوفمبر 1994 عن فشل الحوار الوطني قال بأن الحوار سيكون مع الشعب من اليوم فصاعدا(24) ، وقد نظمت قوى المصالحة العقد الوطني في "سانت إيجيدو"(*) في تاريخ 13 جانفي 1995 . ووقعت الأطراف المشاركة في لقاء سانت إيجيدو على عقد وطني يلتزم فيه الجميع باحترام مبادئ أول نوفمبر 1954، والتداول السلمي على السلطة، والاعتراف بالأمازيغية، وإبعاد الجيش عن السياسة.
كما ظهر توجه آخر يسمى "التقويم الوطني" الذي تبنّاه الرئيس اليمين زروال ووضع خطته مستشاره للأمن الجنرال محمد بتشين ,والذي أعلن عنه زروال في الجولة الحوارية التي أجراها في أفريل1995 (25). حيث تتلخص خطوات التقويم الوطني في إجراء انتخابات رئاسية تعددية , تم توقيع مختلف الشركاء السياسيين والاجتماعيين على عقد وطني يضم مجموعة مبادئ وقواعد يجب احترامها ، ثم تعديل الدستور في ضوء ذلك العقد قبل الدخول في انتخابات تشريعية ومحلية تعددية . ويرجع سبب إعلان الرئيس زروال عن مشروع التقويم الوطني بسبب فشل السلطة في دفع قادة الجبهة الإسلامية للانقاد إلى تحرير رسالة تنبد فيها العنف .
بعد الانتخابات الرئاسية(*) و التي أجريت في 16 نوفمبر 1995 و فاز بها اليمين زروال بالأغلبية، رغم الشكوك التي أحيطت حول نتائجها، شرع هذا الأخير في الحوار مع كل الشركاء السياسيين والاجتماعيين بهدف التحضير لندوة الوفاق الوطني الثانية التي انعقدت يوم 14 سبتمبر1996 ورفض كل من الارسيدي وحزب التحدي المشاركة فيها، لأنها لا تقصي التيارات الإسلامية، واتخذ حزب القوى الاشتراكية وحزب العمال نفس الموقف بدعوى عدم مشاركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS) فيها(26)، نشير أن الجزائر في هذه الفترة عرفت عنفا جماعيا من خلال العديد من المجازر مثل مجزرة بن طلحة والرايس حميدو ومجزرة بني مسوس، وقع المشاركون في ندوة الوفاق الوطني الثانية، التي تعهد فيها الجميع باحترام المبادئ الأساسية للديمقراطية و تشبه هذه الوثيقة " وثيقة عقد روما" في الكثير من خطوطها العامة ومبادئها،حيث ألحت هذه الوثيقة على منع استعمال مقومات الهوية الوطنية لأغراض حزبية، و تمت صياغة دستور 1996 على أساس هده الوثيقة ، الذي استفتى عليه الشعب في نوفمبر 1996، ثم جرت انتخابات تشريعية في 5 جوان 1997 وتم تشكيل حكومة ائتلافية ضمت مع التجمع الوطني الديمقراطي كل من جبهة التحرير الوطني ، و حركة مجتمع السلم(27).
و هكذا يمكن القول أن- حوارا جادا - يجمع جميع الشركاء السياسيين والاجتماعيين ، لم يحدث رغم تشكيل الحكومة للجنة الوفاق الوطني . لكن الرغبة في حل الأزمة ظلت قائمة مما دفع إلى عقد ندوة وفاق وطني ثانية في 1996 كشكل من أشكال تحقيق المصالحة إلا أن تلك الندوة بدورها لم تجمع حولها جميع الشركاء السياسيين.
3-I : تقييم مدى نجاعة آلية الوفاق الوطني في استرجاع الأمن:
في15 جويلية 1996 أعلن الرئيس اليامين زروال عن طي ملف الجهة الإسلامية للإنقاد وعدم الرجوع إليه، وهو ما يدل ظاهريا علي فشل ندوة الوفاق الوطني ،أي الفشل النسبي للحوار السياسي الذي اتسم بثلاث سمات هي(28):
1- كان حوارا جزئيا أي لم يشرك جميع الشركاء السياسيين خاصة أطراف الأزمة.
2- لم يكن حوارا جديا لأن عدة أحزاب مشاركة فيه لم تكن تملك نفوذا جماهيريا وكانت تقنصها الشجاعة السياسية.
3- كان عبارة عن إملاءات ولم يتّسم بسمات الحوار، أي أن كل طرف كان يرغب في فرض وجهة نظره.
لكن بغض النظر عن هذه السلبيات توج الوفاق الوطني ببعض النتائج والمبادرات التي مهدت الطريق فيما بعد لحوارات جديدة، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين حيث بدأ الحديث مرة أخرى عن إمكانية العودة إلى الحوار مع هؤلاء. وفي هذه المرحلة كانت اتصالات للحوار تجري في جبال جيجل والتي سميت فيما بعد "باتفاقية الهدنة"، التي عقدت بين الجيش الشعبي الوطني والجيش الإسلامي للإنقاذ.
وبالموازاة مع كل هذه الأحداث كانت عناصر من الجيش الشعبي الوطني وخاصة جهاز الأمن العسكري تبحث عن شخصية، يمكن أن تكون قادرة على إعطاء غطاء سياسي لهدنة الجيش الإسلامي، وإقناع كل من يعارض فكرة المصالحة الوطنية، أو ما سمي فيما بعد ً بالوئام المدني ً. وهنا اقترح الجنرال العربي بلخير على عناصر فاعلة في الجيش شخص عبد العزيز بوتفليقة، في الوقت الذي أعلن فيه الجيش الإسلامي للإنقاذ باسم أميره الوطني مدني مزراق الهدنة من جانب واحد في أول أكتوبر1997 ولم يبق سوى إعطاء الغطاء السياسي للإتفاق، لكن الرئيس زروال ألقى خطابا في 13 سبتمبر1998 (29) ، أعلن فيه أنه سيقلص عهدته الرئاسية تاركا المجال للأطراف السياسية الأخرى لاختيار غيره من باب فتح الطريق أمام التداول السياسي على السلطة .
-IIالوئام المدني كآلية سياسية لاسترجاع الأمن خلال فترة حكم بوتفليقة :
منذ ندوة الوفاق الوطني الأولى 1994 , و بعد اختيار الرئيس اليمين زروال باشرت السلطات الجزائرية مفاوضات مع القيادة السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذبهدف إيجاد تسوية سياسة للازمة الأمنية حيث حرصت السلطة على أن تخرج المفاوضات بنداء من قادة الجبهة تدعو فيه جناحها المسلح لوقف عملياتها. لكن جولات الحوار آلت إلى الفشل , مما دفع بالنظام الجزائري إلى إصدار قانون الرحمة في 1995. غير أن هذا القانون لم يحدد تسوية شاملة للأزمة، و بعدها في 24 سبتمبر 1997 أعلن الجيش الإسلامي للانقاد هدنة من جانب واحد بداية من 1 أكتوبر 1997 لكن النظام القائم لم يتفاعل معهم وأصر على موقفه السابق بطي ملف (FIS ) ، إلى غاية انتخابات 1999 حيث أعطى "الرئيس عبد العزيز بوتفليقة" الغطاء السياسي و القانوني للهدنة , من خلال آلية الوئام المدني .
1-IIظروف إقرار آلية الوئام المدني:
إن المتغيرات الداخلية من خلال تدهور الوضع الأمني, وانسداد قنوات الحوار وفشل الحل السياسي للأزمة الجزائرية،وأمام ازدياد المطالبة الخارجية بإيفاد لجنة تحقيق دولية في المجازر المرتكبة وطروحات التدخل الأجنبي كبعثة الأمم المتحدة للإعلام والتقصي التي حلت بالجزائر في صائفة 1998(30)،كل هذه المتغيرات جعلت خيار الحوار يفرض نفسه كمطلب ضروري لابد منه أكثر من أي وقت مضى، لأن الإجراءات والآليات السياسية والأمنية التي تم اتخاذها من قبل لم تكن فعالة في حل الأزمة والقضاء على مظاهر العنف السياسي، كما أن سياسة الحل الأمني التي حاول الرئيس "زروال " تطبيقها لم تصل إلى تحقيق الاستقرار والأمن، لذلك أصبح الحوار شعار كل المترشحين السبعة لرئاسيات 1999 .
بعد فوز"عبد العزيز بوتفليقة" برئاسيات 15 أفريل 1999، بأغلبية مطلقة ومشاركة كبيرة ،أعطى بوتفليقة تسمية جديدة للمصالحة، فأصبحت تحمل تسمية " الوئام المدني " حيث أعلن الرئيس بوتفليقة في برنامجه الانتخابي عن أولويات ثلاث هي : إحلال السلام , الوئام المدني , وإعادة الاعتبار للجزائر على الساحة العربية والإفريقية والدولية، لقد استطاع بوتفليقة في بداية عهدته أن يجمع كل القوى والتيارات الوطنية المحافظة والإسلامية وحتى الاستئصالية التي كانت ترفض فكرة الحوار الوطني والمصالحة وتحبذ معالجة العنف معالجة أمنية، فاستطاع الرئيس بوتفليقة أن يجسد فكرة المصالحة بإصدار قانون الوئام المدني(*) كإطار شرعي لمعالجة العنف السياسي وصولا إلى عفوه الشامل عن كل أفراد الجيش الإسلامي، و بعض الجماعات المسلحة التي قبلت الهدنة بمحض إرادتها .
لقد حاول الرئيس "بوتفليقة" وضع الوئام المدني في إطار إستراتيجية واضحة المعالم و الأهداف و التي تتمثل في العمل على إعادة الأمن و الاستقرار، والعودة إلى الحوار والتعايش السلمي، وإيجاد مكانة للجزائر على المستوى الجهوي والإقليمي، هذه الإستراتيجية تكون كفيلة بإعطائها دور و مركز قوي في النظام العالمي، إلا أن أنصار الاستئصال ورفض فكرة الحوار والوئام عادوا من جديد بعد اغتيال عبد القادر حشاني العضو القيادي في ال