نظرية التعلم الاجتماعي :
اهتم Bandura Albert بدراسة التعلم الاجتماعي. و تحدث عن مدى أهمية التعلم في عملية تنشئة اجتماعية، ذلك لأنها تتضمن تغيرا وتعويدا في السلوك وذلك نتيجة التعرض لممارسات معينة وخبرات، كما أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية تستخدم أثناء عملية التنشئة الاجتماعية بعض الوسائل والأساليب في تحقيق التعلم سواء كان بقصد أو بدون قصد. و يرى الإجابة على سؤال التالي: كيف يتعلم الإنسان استجابة جديدة في موقف اجتماعي، هو من أهم المواضيع التي تقوم نظريات التعلم بدراستها. ” و إحدى الإجابات هي أن الإنسان يكافأ كلما قام بالاقتراب من الاستجابة النهائية. و مع ذلك، فإن نتائج الأبحاث توضح كذلك أن الناس يستطيعون تعلم الاستجابات الجديدة لمجرد ملاحظة سلوك الآخرين. ( محمد محمد السيد عبد الرحيم، 2001، ص 39)
وحسب هذه النظرية، فإن التنشئة الاجتماعية عبارة عن ” نمط تعليمي يساعد الفرد على القيام بأدواره الاجتماعية ،كما أن التطور الاجتماعي حسب وجهة نظر هذه النظرية يتم بالطريقة نفسها التي كان فيها تعلم المهارات الأخرى، ويعطي أصحاب هذه النظرية أهمية كبرى للتعزيز في عملية التعلم الاجتماعي أمثال دولارد(Dolard) وميلر(Miler) بحيث يذهبان إلى أن السلوك الفردي يتدعم أو يتغير تبعا لنمط التعزيز في تقوية السلوك، أما باندورا (Bandora)و ولتر(Walter) فبالرغم من موافقتهما على مبدأ التعزيز في تقوية السلوك إلا أنهما يشيران إلى أن التعزيز وحده لا يعتبر كافيا لتفسير التعلم أو تفسير بعض السلوكيات التي تظهر فجأة لدى الطفل، ويعتمد مفهوم نموذج التعلم بالملاحظة على افتراض مفاده أن الإنسان ككائن اجتماعي يتأثر باتجاهات الآخرين ومشاعرهم وتصر فاتهم وسلوكهم ، وينطوي هذا الافتراض على أهمية تربوية بالغة، آخذين بعين الاعتبار أن التعليم بمفهومه الأساسي عملية اجتماعية .
ويرى ألبرت باندورا ” أن ما يكتسبه الفرد الملاحظ ما هو إلا تمثيل رمزي، للأفعال أو لنماذج الأفعال. و ما يتعلمه الإنسان يختزن في الذاكرة بشفرة معينة لكي يستخدم كمرشد أو كموجه في السلوك المستقبلي”. ( عبد الرحمان العيسوي، 1993، ص 359)
و للتعلم بالملاحظة أربعة عناصر أساسية، و هي: الانتباه للسلوك، التخزين أو الذاكرة أي نخزن ما يتعلق بالسلوك من معلومات، الحركة أو الممارسة فلا يكفي مشاهدة أحدهم يركب الخيل حتى نقول أننا نتقن ركوب الخيل و إنما علينا الممارسة و التمرين لنصل إلى مرحلة الإتقان، و العنصر الأخير هو الدافعية و هي بمثابة القوة الدافعة للإنسان حتى يبذل الجهد في سبيل التعلم.
وقامت هذه النظرية على الأفكار التالية:
- “أن السلوك و البيئة و المعرفة هي مفاتيح النمو.
- أننا لسنا آلات روبوت (Robots) نستجيب ميكانيكيا للآخرين المتواجدين بيننا.
- أننا كائنات نفكر و نعقل و نتخيل و نخطط و نتوقع و نفسر و نعتقد و نقارن و نقيم.
- عندما يحاول بعضهم قيادتنا و توجيهنا فإن قيمنا و معتقداتنا تسمح لنا بمقاومة توجيهاتهم و قيادتهم لنا.
- نتعلم بملاحظة ما يفعله الآخرون.
- أثناء عملية النمذجة Modeling أو التقليد Imitation نتمثل تمثلا ذهنيا سلوك الآخرين و من ثم يمكننا أن نتبناه لأنفسنا.
- نكتسب من الآخرين من خلال الملاحظة إضافة إلى سلوكهم أفكارهم و مشاعرهم لتشكل في مجموعها جزءا هاما من نمونا
- نحن نستطيع تنظيم و ضبط سلوكنا. ( مجمد عودة الريماوي، ط 2، 2008، ص ص 121-122)
و يرى “باندورا” أن عملية التعلم بالملاحظة تمر بثلاثة مراحل أساسية، وهي :
تعلم سلوكات جديدة : يستطيع الطفل تعلم سلوك أو سلوكيات جديدة عن طريق النموذج الموجود أمامه فعندما يقوم فرد ما باستجابة جديدة لم تكن من قبل في حصيلة ملاحظته فإنه يحاول تقليدها غير أن باندورا يؤكد على أن الملاحظ ” لا يتأثر بالنماذج الحقيقية الملاحظة أو الحية فقط. فالتمثيليات الصورية و الرمزية المتوافرة عبر الصحافة و الكتب والسينما والتلفزيون و الأساطير و الحكاية الشعبية تقوم بوظيفة النموذج الحي”. (عبد المجيد نشواتي، 1985، في صالح محمد أبو جادو، 2011 ، ص 204)
الكف والتحرير : و قد تؤدي عملية الملاحظة بالطفل إلى الكف والتحرير أي ترك بعض السلوكيات أو الاستجابات السلبية وتجنبها وخاصة إذا واجه نموذج صاحب السلوك عواقب ونتائج غير مرغوب فيها من جراء انغماسه في هذا السلوك، وقد تؤدي عملية ملاحظة السلوك أيضا إلى تحرير بعض الاستجابات المقيدة وخاصة عندما تكون نتائج السلوك إيجابية وبالتالي فهي تدفع بالطفل إلى إتيانها والقيام بها إذا ما اقتضت الضرورة .
التسهيل : و معنى هذا تسهيل ظهور بعض النماذج السلوكية أو الاستجابات، التي قد تقع في حصيلة الملاحظ السلوكية، التي تعلمها على نحو مسبق، إلا أنه لم تسمح له الفرصة لاستخدامها بمعنى أن السلوك النموذج يساعد الملاحظ على تذكر استجابات مشابهة ” فالطفل الذي تعلم بعض الاستجابات التعاونية ولم يمارسها يمكن أن يؤديها عندما يلاحظ بعض الأطفال منهمكين في سلوك تعاوني وتختلف عملية التسهيل السلوك عن عملية تحريره، فالتسهيل يتناول الاستجابات المتعلمة غير المكفوفة ، أما تحرير السلوك فيتناول الاستجابات المقيدة أو المكفوفة التي تقف منها التنشئة الاجتماعية موقفا سلبيا، فيعمل على تحريرها بسبب ملاحظته نموذج يؤدي مثل هذه الاستجابات دون أن يصيبه سوء.
2. نظرية الدور الإجتماعي :
يقصد بالدور الاجتماعي لدى رالف لينتون ” أن المكانة عبارة عن مجموعة الحقوق والواجبات، وبأن الدور هو المظهر الديناميكي للمكانة، فالسير على هذه الحقوق والواجبات معناه القيام بالدور، ويشمل الدور عند لينتون الاتجاهات والقيم والسلوك التي يمليها المجتمع على كل الأشخاص الذين يشغلون مركزا معينا.
وعليه يمكن القول وفق هذه النظرية أن الدور ثمرة تفاعل الذات والغير، وأن الاتجاهات نحو الذات هي أساس فكرة الدور، وتكتسب عن طريق التنشئة الاجتماعية وتتأثر تأثرا كبيرا بالمعايير الثقافية السائدة، كما تتأثر بخبرة الشخص الذاتية، ولهذا حاولت نظرية الدور تفهم السلوك الإنساني بالصورة المعقدة التي كون عليها باعتبار أن السلوك الاجتماعي يشمل عناصر حضارية واجتماعية وشخصية.
يكتسب الأطفال الأدوار الاجتماعية المختلفة من خلال علاقات مع أفردا لهم مغزى خاص بالنسبة لحياة الطفل: ( الأم والأب والإخوة )
إن عملية اكتساب الأدوار الاجتماعية بصفة عامة ليست مسألة معرفية فقط، بل هي ارتباط عاطفي يوفر عوامل التعلم الاجتماعي واكتساب الأدوار الاجتماعية من خلال ثلاثة طرق هي :
* التعاطف مع الأفراد ذوي الأهمية وهم المحيطين بالطفل، وتعني قدرة الطفل على أن يتصور مشاعر أو أحاسيس شخص ما في موقف معين
* دوافع الطفل وبواعثه على التعلم … فالطفل يحرص على التصرف وفق ما يتوقعه أبواه ويجتنب ما لا يقبلانه.
* إحساس الطفل بالأمن والطمأنينة وهذا الشعور يجعل الطفل أكثر جرأة في محاولة تجريب الأدوار الاجتماعية المختلفة، وخاصة في مجال اللعب.
وعليه فإن لكل فرد دور يعد بمثابة مركز اجتماعي يتناسب مع الأداء الذي يقوم به. يكتسب الطفل مركزه ويتعلم دوره من خلال تفاعله مع الآخرين وخاصة الأشخاص المهمين في حياته، الذين يرتبط بهم ارتباطا عاطفيا.
3. النظرية الثقافية المعرفية-الثقافية Vygotsky:
يعد العالم اليهودي الروسي Vygotsky Levi صاحب النظرية الثقافية المعرفية و المنظر لأسلوب التدريس بالمجموعات، متقدما على أهل عصره. ويرى Vygotsky أن عناصر الثقافة، اللغة و الفن و العادات و التقاليد و العرف و القانون و الرأي العام، لا تورث جينيا و إنما تتطور و تحفظ. “و يعتبر أن الهدف من التربية هو تقديم كل عناصر الثقافة للطفل مع تبيين كيفية استخدامها لتحليل الواقع بسرعة و بنجاح”. ( Galina Dolya, 2007, P8 )
و ارتكزت فيها على أربع نقاط أساسية، و هي كالتالي:
التعلم يقود إلى النمو: قسم Vygotsky الأداء إلى مستويين: و هما: الأداء المستقل: وهو الأداء الذي يؤدّى بشكل مستقل و دون مساعدة. و الأداء الغير المستقل الذي يؤدّى بمساعدة خارجية. و قد ” جعل بين هذين المستويين مسافة سماها منطقة النمو الحدي Zone of Proximal Development “.( محمد عودة الريماوي، 2008، ص 153 )
النمو مرتبط بالسياق الاجتماعي: باعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي و ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه هي التي تحدد محتوى و عمليات التفكير لديه. و يرى Vygotsky ” أن جميع الكائنات البشرية تتقاسم نفس البنية العقلية. ففور الميلاد تتشارك المواليد مع الحيوانات العليا في: الانتباه الذي يتم كرد فعل، و في الذاكرة الارتباطية، و التفكير الحس الحركي. بينما تنفرد الكائنات البشرية بالانتباه المركز، و الذاكرة القصدية، و التفكير الرمزي”.(المرجع السابق، ص 153)
دور اللغة في النمو: تعتبر اللغة وسيلة جد مهمة لتحقيق النمو، فمن خلال التواصل مع الآخر تبنى العلاقات ” فاللغة تساهم بنصيب كبير في إبراز هذه العلاقات و إكسابها درجة عالية من الثبات و الموضوعية و الاختلاف كما أنها تساهم في نموها”.( جمعة سيد يوسف، العدد 145 يناير- كانون الثاني 1990 ، ص 101 ) و من خلال اللغة أيضا تتم عملية التعلم و التعليم.
و نشير هنا إلى اعتبار Vygotsky أن كل من سياق التعلم و النمو مرتبطان بروابط ديناميكية متبادلة.
و يرى Vygotsky أن كل العمليات النفسية العليا تظهر مرتين في سياق نمو الطفل ، بداية كنشاط جماعي-اجتماعي و بالتالي كعملية بين-نفسية ثم كنشاط ذاتي، كملكية داخلية لأفكار الطفل، و كعملية بين-شخصية”.( Roux, J.P: E, 2004, P 25)
و قد وجدت نظرية Vygotsky صداها في المدرسة كواحدة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، و ذلك من خلال النقاط التالية:
التعلم و النمو نشاط اجتماعي تعاوني لا يعلمه المعلم للتلميذ و إنما يساعده على تحقيقهما فقط.
ضرورة وجود علاقة بين ما يتعلمه الطفل داخل المدرسة و ما يحدث خارجها.
يجب استخدام منطقة النمو المتفائل، و التي اعتبر Vygotskyترتفع من حيث مستواها كلما تعلم التلميذ معلومة جديدة جديد، لتصميم المواقف المناسبة لنضمن وصول التلميذ لهذه المساحة و من ثمة تدعيم التعلم بطريقة مثلى.
قائمة المراجع:
قائمة الكتب باللغة العربية:
جمعة سيد يوسف: سيكولوجية اللغة و المرض العقلي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 145 يناير- كانون الثاني 1990
عبد المجيد نشواتي: علم النفس التربوي، ط2، 1985، في صالح محمد أبو جادو: علم النفس التربوي، ط8، عمان- دار المسيرة للنشر و التوزيع، 2011
محمد عودة الريماوي: علم نفس النمو الطفولة و المراهقة، ط 2، عمان- الأردن، دار المسيرة، 2008
محمد محمد السيد عبد الرحيم: علم نفس النمو قضايا و مشكلات،ط 1، القاهرة-مكتبة زهراء الشرق، 2001
قائمة الكتب باللغة الأجنبية:
5.Galina Dolya : The Vygotskian Approach to early education, Great Britain, GDH Publishing, 2007
6. Roux, J.P: Episodes interdiscursifs maitre-élève(s) et construction de connaissances dans un dispositifs d’enseignement-apprentissage de type socioconstructiviste en CM1, dans C.Boujon, C.Gaux,E.Greff, L.Iralde, A.Lainé, M.Pagoni-Andreani, M.Perraudeau, L.Pulido, A.Weil-Barais, éd: Breal, 2004, P 25