مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية _ سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية المجلد (29) العدد (1)2007
Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Economic and Legal Sciences Series Vol. (29) No (1) 2007
جماعات المصالح الاقتصادية الدولية كإحدى المظاهر الجماعية لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية
الدكتور نزار قنوع
سمير ناصر**
(تاريخ الإيداع 6 / 11 / 2006. قُبِل للنشر في 13/2/2007)
الملخّص
إن ظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في فترة الحرب الباردة و أدت إلى تشكل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وإن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهر العديد من المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية. إن ظهور جماعات المصالح الاقتصادية الدولية كان هدفه الأساسي تحقيق أكبر قدر ممكن من القوة اللازمة لتنفيذ الأهداف والمخططات الموضوعة للدول القائمة عليها. وهذه الجماعات، أصبحت تمارس اليوم دوراً هاماً في العلاقات الدولية وذلك ليس بصفة خفية كما كان في الماضي، بل علناً مما جعلها تزاحم الدول والمنظمات الحكومية في ميدانها الخاص ويمس نشاط جماعات المصالح الدولية عدة ميادين ( السياسة، الاقتصاد، الدين، النشاطات النقابية، وغيرها ). وفي هذا البحث قمنا بدراسة مفهوم استخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية. مبينين كيف أصبحت جماعات المصالح الاقتصادية الدولية من أبرز الفاعلين على الساحة الدولية.
الكلمات المفتاحية:
جماعات المصالح الاقتصادية الدولية، سياسة القوة، المنظمات الجماعية، النشاطات النقابية.
مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية _ سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية المجلد (29) العدد (1)2007
Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Economic and Legal Sciences Series Vol. (29) No (1) 2007
International Economic Interests Groups (IEIG) as a Collective Style of the Use of the Policy of Power in International Relations
Dr. Nizar Kanoua*
Samir Naser **
(Received 6 / 11 / 2006. Accepted 13/2/2007)
ABSTRACT
The use of power in international relations began after the Second World War especially in cold war period. So, different collective organizations had been established in order to organize the power phenomenon, leading to various organizations of economic, political, and military nature.
The appearance of the international economic interests groups (IEIG) had a basic aim which was to secure the maximum available power to implement plans and aims for the greatest member states. These groups have been exercising such role in international relations, openly and not secretly as was done in the past. Accordingly, they competed with governmental organizations and states in their own fields, such union activities, religion, economy, policy, and others related work.
This research deals with the concept of the use of power policy in international relations and how international economic interests groups (IEIG) have to play an important role in the international arena.
Key Words: International Economic Interests Groups (IEIG), Power Policy, Collective Organizations, Unionism Activities.
مقدمة:
إن العلاقات الدولية القائمة هي مزيج مختلف من سياسات الدول، التي تستهدف تنفيذ أهدافها المحددة. وإن تنفيذ هذه الأهداف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجملة من العوامل من أهمها طبيعة العلاقات الدولية القائمة وطبيعة موازين القوى القائمة في العالم، وذلك لأن الدولة اليوم لا تعيش بشكل منفرد بل تعيش في عالم مليء بالدول ومليء بالمصالح المتشابكة، ومليء بالتكتلات الاقتصادية، وهذا بدوره يؤدي إلى استحالة انفراد دولة واحدة في رسم سياساتها ومخططاتها إلى النهاية، دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الظاهرة.
وعليه فإن المشكلة في البحث تظهر في أن مظاهر استخدام القوة وتنظيم استخدامها في المجتمع الدولي اتخذت طابعاً يميل نحو التوسع والانتشار، وبتعبير آخر إن استخدام القوة بدأ بظاهرة إفرادية، ثنائية وانتهى بظاهرة جماعية تخطت الحدود الإقليمية ثم القارية حتى شملت معظم أنحاء العالم. وإن هذا الاتساع والتنوع هو أكبر دليل على السيطرة الواسعة للقوة في العلاقات الدولية المعاصرة، وقد انعكس هذا الأمر سلباً على دور الكثير من دول العالم النامي على حساب تنامي قوة وهيمنة دول أخرى شكلت جماعات اقتصادية دولية ومارست عبر ها الهيمنة على العالم.
أهمية البحث وأهدافه:
تتجلى في بيان كيف ظهرت جماعات المصالح الاقتصادية الدولية بفاعلية على الساحة الدولية، بعد ما تكرست فكرة استخدام سياسة القوة الجماعية في العلاقات الدولية ، و انعكس تأثيرها اقتصادياً وسياسياً على طبيعة هذه العلاقات .
منهج البحث (طريقته):
سوف نتبع في أثناء البحث المنهجين الوصفي والتاريخي .
يقسم البحث إلى قسمين:
أ – القوة في العلاقات الدولية .
ب – جماعات المصالح الاقتصادية الدولية كإحدى الفاعلين الدوليين.
أ – القسم الأول : القوة في العلاقات الدولية:
إن القوة هي إحدى الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدولة لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها ومصالحها في إطار سياستها الخارجية. فمفهوم القوة مفهوم عام شامل يستند إلى عوامل اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وبشرية، تؤثر في بعضها البعض وتعد عاملاً لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع الدولي.
وهناك جملة من المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية، أهمها :
- التدخلات المباشرة ( كالحرب العسكرية ) واستخدام القوة العسكرية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر المؤامرات وحرب العصابات.
- التحالفات الجماعية ( تحالفات سياسية عسكرية – كالحلف الأطلسي، وتحالفات سياسية اقتصادية – كالاتحاد الأوروبي ).
- التدخلات غير المباشرة ( كالعقوبات الاقتصادية والسياسية ) أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة.
ومن أبرز الصفات الأساسية المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام القوة الجماعية أي التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة التي أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وإن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهرت المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية المختلفة.
إن انتشار التكتلات والتجمعات المختلفة كان هدفه الأساسي تحقيق أكبر قدر ممكن من القوة اللازمة لتنفيذ الأهداف والمخططات الموضوعة.[1]
وفي هذا السياق يتحدث الدكتور أنس البو، ( أستاذ العلاقات الدولية في جامعة وادي النيل بمصر ) عن سياسة مركز القوة وتأثيرها في العلاقات الدولية، حيث يقول إن هذه السياسة تعتمد بالأساس على القوة والقوات المسلحة ويشكل سباق التسلح جزءاً لا يتجزأ من هذه السياسة فهي ليست في الواقع إلا تعبيراً مباشراً عن مصالح الاحتكارات الكبيرة التي تستفيد من سباق التسلح وهي على استعداد لاستخدام القوة المسلحة في سبيل الإبقاء على سطرتها. إن ما يسمى بالتوجيه الواقعي للدبلوماسية والقانون الدولي ليس إلا انعكاساً لسياسة مركز القوة، ويتلخص مفهوم هذا الخط الواقعي أساساً في أن العلاقات التجارية هي علاقات قوة واأن الأحداث التي تدل عليها هي ظواهر لهذه العلاقات وأن الرغبة في السيطرة هي السمة الأساسية والمميزة للعلاقات الدولية. ومن أشد الداعين إلى هذا المفهوم هو الأمريكي هانز مورجينو* الذي ينتقد الوسائل القانونية في حل مشكلات السياسة الدولية ويدعو الدبلوماسية إلى التخلي عن القانون الدولي وألا تستهدي في سعيها إلا بعلاقات القوة. وكذلك يمجد لستر بيرسون (وزير خارجية كندا السابق) مفهوماً مماثلاً في كتابه ( الدبلوماسية في العصر الذري ). وكذلك جورج كينان (سفير الولايات المتحدة السابق في الاتحاد السوفيتي) والمعروف بدعوته إلى سياسة القوة .[2]
يقول الفيلسوف الروسي الكسندر ربانارين ( رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية ) في مؤلفه الإغواء بالعولمة: إنه من المقرر استخدام توصيات الدارونية الاجتماعية الاقتصادية على النطاق العالمي. فعند الاستخدام الموسع لـ صيغة مدرسة شيكاغو تظهر العالم مكان المؤسسات أو الفئات الاجتماعية المنفصلة غير القادرة على التكيف ( شعوب غير قادرة على التكيف لا ينبغي منحها قروض التنمية كي لا تغرق كوكبنا الضيق بمادة بشرية سيئة النوعية. بذلك تغدو الدارونية الاجتماعية الاقتصادية عنصرية عادية ). وإذا كان العالم بناءً على هذه النظرية مقسوماً إلى أقلية قادرة على التكيف، وهي تصبح مالكة لموارد الكوكب من غير منازع، وأغلبية منبوذة غير قادرة على التكيف أقصيت عن عملية الخصخصة - بهدف التنمية والتطور – أفلا ينتظرنا بالتالي خيار العنف القائم إما على عصيان الأغلبية المنبوذة وإما على ديكتاتورية ( القطب الواحد ) العالمية التي تتحضر لقمع هذا العصيان الكامن ... - وتكون النتيجة التي نراها اليوم على أرض الواقع - القبول بنتائج الخصخصة والليبرالية الجديدة أو تحمل ديكتاتورية أمريكا السياسية العالمية، ولكلاهما النتيجة نفسها .[3]
وتسعى القوى الكبرى، الممثلة بالدول الغنية الرئيسة خاصة، وبدول الشمال عموماً، لفرض أسس فلسفتها، السياسية والاقتصادية على المجتمع الدولي برمته، مكرسة بالسياسات التي يتبعها الخلل والبعد عن التوازن وغياب العدالة عن نظام العلاقات الدولية المفروض من قبل الأغنياء.
تتمثل القوى الدولية الفاعلة في الفترة الراهنة بعدد من التكتلات التي تتوزع على دول النافتا، ودول الاتحاد الأوروبي، واليابان وعدد من شركائها الآسيويين، والقاسم المشترك بين هذه التكتلات هو تبنيها عدداً من الأسس الليبرالية الثابتة في مجالات السياسة والاقتصاد. فالهيمنة الاقتصادية التي تعتبر أولوية رئيسة في نظر القوى الدولية تلك، التي يستوجب الدفاع عنها، خوض الحروب وارتكاب المجازر، فتقوم على العديد من الأسس، ويأتي في مقدمتها، مبدأ تقسيم العمل الدولي الذي ينيط العلم والمعرفة والتقنية والإنتاج والغنى بالشمال، وينيط الجهل والتخلف والاستهلاك والفقر بالجنوب وبلدانه الفقيرة، أما الأساس الآخر الهام الذي يشكل العمود الفقري للاقتصادية الليبرالية، فهو حرية رأس المال في الاستغلال حتى وإن كانت هذه الحرية نتاج أسلحة الموت والدمار، آو تخريب البيئة، أو إشاعة البطالة وترويج العادات الاستهلاكية الضارة، أو نشر الأفكار والثقافات التي تهبط بالوعي وتدمر القيم.[4]
إن التفسير للأحداث السياسية المؤثرة في الاقتصاد العالمي ينطلق من القواعد التحليلية القائمة على أن نمط الإنتاج الرأسمالي يقوم على استخلاص فائض الإنتاج وتكديسه داخل إطار الاقتصاد العالمي. وهذا الفائض يجري تحويله قسرياً بطريقتين مترابطتين. والأسلوب المميز للنظام الرأسمالي هي تحويله للفائض عبر السوق، أما الأسلوب الثاني فهو استخدام النفوذ السياسي والقوة العسكرية في الحصول على هذا الفائض ثم تسويقه بطريقة أو بأخرى. وهذا الأسلوب النمط الأخير هو ما نشاهده اليوم في وقوف الولايات المتحدة وراء الشركات الأمريكية متعددة الجنسية. ولا ينبغي أن ننظر إلى هذين المسارين في معزل عن الآخر، أو نرى في أحدهما منطقاً سياسياً والآخر نهجاً اقتصاديا، فالمساران في نهاية المطاف متلازمان. [5]
ب – القسم الثاني: جماعات المصالح الاقتصادية الدولية كإحدى الفاعلين الدوليين:
ليس ثمة ريب في أن حقبة النظر إلى السياسة باعتبارها عمليات تكاد تكون محصورة تماماً في نطاق الدولة القومية وتفاعلات خارجية على غرار كرة البلياردو قد ولّت. فالسياسة تتجه لأن تكون، باطراد، متعددة المراكز، حيث لا تؤلف الدول سوى مستوى واحد من منظومة مركبة ذات هيئات تحكم متداخلة ومتنافسة في الغالب، ومن المحتمل أن يبلغ تعقيد هذه السلطات المتراكبة، الجغرافية والوظيفية، حداً يضاهي سلطات القرون الوسطى. لكن تعقد وتعدد مستويات وأنماط التحكم إنما يعني نشوء عالم مختلف عن العالم الذي يلهج به خطاب العولمة، فهو عالم يحتفظ بمكانة متميزة، بارزة، مستمرة للدولة القومية.
وينبغي التوضيح من جديد، عند هذه النقطة، أن قضية التحكم بالنشاط الاقتصادي في إطار اقتصاد
أشد تكاملاً وتدويلاً، هي قضية تحكم وليست مجرد استمرار دور الحكومات. لقد كانت الدول القومية تدعي لنفسها سمة مميزة خاصة هي حق تحديد كيفية التحكم بأي نشاط ضمن رقعة أراضيها، إما بأداء هذه الوظيفة بنفسها، وإما بوضع الحدود الملزمة للهيئات الأخرى... غير أن التحكم- أي السيطرة على نشاط ما بوسائل معينة سيطرة تؤدي إلى تحقيق طائفة من النتائج المرتجاة – لم يعد فقط من اختصاص الدولة وحدها. فهذه الوظيفة، بالأحرى، يمكن أن تؤدى عن طريق طيف واسع من المؤسسات والممارسات، العامة والخاصة، مؤسسات وممارسات تابعة للدولة ولغير الدولة، قومية وعالمية...إن نطاق ودور أشكال التحكم اليوم باتت مختلفة تماماً، عن القرون الوسطى
- في الفترة التي سبقت سعي الدول القومية ذات السيادة إلى احتكار وظائف التحكم – لقد كان آنذاك تعايش سلطات متوازية، متنافسة ومتداخلة ممكناً، بفضل ضعف تكامل الاقتصادات والمجتمعات، وكانت درجة تقسيم العمل والاعتماد الاقتصادي المتبادل متدنية نسبياً، في حين أن الجماعات اليوم تعتمد في وجودها بالذات على تداخل وتنسيق نشاطات متباينة، متنائية في الغالب. ولا يسع الأسواق بمفردها أن تحقق مثل هذا الترابط والتنسيق. أو بالأحرى، إنها لن تنجح في تحقيق ذلك إلا إذا جرى التحكم بها على نحو موائم، وإلا إذا جرى ضمان وإدامة حقوق وتوقعات المشاركين البعيدين .
وعليه، فإن سلطات التحكم لا يمكن أن تنتشر وتتنافس ببساطة. إذ ينبغي ربط مختلف مستويات ووظائف التحكم بعضها ببعض في نوع من تقسيم السيطرة الذي يحافظ على تقسيم العمل... فثمة حاجة لدمج أطراف سلطات التحكم العالمية والقومية والمناطقية لتؤلف منظومة متكاملة نسبياً فإن لم يحصل ذلك، أدت الفجوات القائمة بين مختلف هيئات وأبعاد التحكم. إلى تآكل التحكم على كل المستويات... ويرى بعض منظرو العولمة، أن هناك قوتين أساسيتين مهمتين في الاقتصاد العالمي، وهما قوى السوق الكوني والشركات العابرة للقوميات، وأنه لا يمكن لأي واحدة من هاتين أن تخضع لتحكم عمومي فعال. فالنظام الكوني محكوم بمنطق المنافسة في السوق، أما السياسة العمومية فستكون ثانوية، في أحسن الأحوال، نظراً لأن الهيئات الحكومية( القومية أو غيرها ) لا تستطيع أن تضاهي قوى السوق العالمي من حيث نطاقها... لكن الأسواق والشركات لايمكن أن تبقى في الوجود من دون سلطة عمومية لحمايتها، سواء على الصعيد العالمي حيث تواجه الدول الكبرى قوى إقليمية تسلطية تحاول انتزاع الثروة بالقوة ( أنظمة مستبدة ورجال عصابات )... لذلك فلحماية نظام التجارة العالمي الحر ( مثلاً ) يتطلب حقاً وجود قوة عسكرية تدعمه، ولا قدرة لأحد بتقديم هذه الحماية سوى الدول المتقدمة/ والولايات المتحدة بخاصة.
إذاً هناك أرضية اقتصادية صالحة للقول إن الاقتصاد العالمي ليس عصياً على التحكم بأي حال، فالتحكم ممكن على خمسة مستويات تبدأ من الاقتصاد العالمي وتنتهي باقتصاد المناطق، عن طريق مايلي :
- الاتفاق بين الدول المتقدمة والكتل الثلاث الكبار ( النافتا، الاتحاد الأوروبي، آسيان ).
- قيام عدد كبير من الدول بإنشاء هيئات ضبط عالمية تتولى كل وحدة التحكم في بعد معين من النشاط الاقتصادي، مثل منظمة التجارة العالمية.
- التحكم في مناطق اقتصادية كبرى بواسطة الكتل التجارية، مثل الاتحاد الأوروبي ونافتا.
- تبني سياسات في المستوى القومي توازن التعاون والتنافس بين الشركات والمصالح الاجتماعية الكبرى.
- تبني سياسات في مستوى المناطق المحلية لتقديم الخدمات الجماعية في المناطق الصناعية.
وهكذا فإن النظام الاقتصادي الذي يخضع للتحكم العالمي، حيث تتولى الوكالات العالمية والكتل التجارية والمعاهدات الكبرى بين الدول القومية السيطرة على بعض الأبعاد الأساسية للسياسة، سيواصل إسناد دور محدد للدولة القومية، لا في قناعها التقليدي بوصفها السلطة الوحيدة ذات السيادة، بل بوصفها وسيطاً حاسماً بين المستويات العالمية للتحكم، والجمهور الناطق في العالم المتطور. [6]
ينتظم المجتمع الدولي حول فاعلين، يجعلونه في حركة ويسمحون له بالعيش. وقد أصبحت الدولة، معتبرة كفاعل وحيد في العلاقات الدولية، منذ التوقيع على معاهدة ويستفالي* عام 1648حتى بداية القرن العشرين. وعلى نحو تقدمي ظهر فاعلون آخرون تخطوا الحدود القومية، حيث جاؤوا لمنافسة الدولة لكن دون أن يوجهوا الاتهام لدورها الأساس. واليوم، أصبح دور الدولة موضع شك في العلاقات الدولية، أو موضع اتهام. وأصبح يعتقد أن مفهوم الدولة، قد أفقد قيمته، تحت تأثير وصول فاعلين دوليين جدد، جاؤوا مباشرة لمنافستها على المسرح الدولي.... حيث تضاعفت العلاقات الأبعد من الوطنية وأصبح هناك ( منظمات، وحتى أفراد ) بدؤوا يتحركون بشكل موازٍ وغالباً، بالتنافس مع الدولة. ولديهم إرادتهم الخاصة ( وجدول أعمال ) خاص بهم، والذي ليس بالضرورة محدداً ويتطابق مع ضرورات بلادهم. فهناك، شيكات وتدفقات، تتجاهل الحدود، ولا تقلق بشأن مواضيع السيادة الوطنية، التي هي في قلب عمل الدولة، ... فلم تعد العلاقات عبر الحدود تمر بالضرورة، بعد الآن، عبر أجهزة تحت سيطرة الدولة. التي عليها أن تتطابق بعد الآن، مع مؤسسات ذات طبيعة مختلفة تماماً.فالدولة، يعترف بها، ذات سيادة، فقط بالنسبة للقانون الدولي( وليس كما هو واقع الحال ).
ورغم أن العقيدة التقليدية، تعتبر أن الأفراد، ليسوا فاعلين دوليين، لأنهم ليسوا مواضيع للقوانين الدولية. مع ذلك، فإنه من الصعب، نفي أهمية بعض قادة الدول، الذين أصبحوا وجوهاً تاريخية، وتتوقف على آرائهم قرارات هامة. فلبعض الوجوه الأخلاقية، أو الدينية ( البابا، الدالاي لاما، أية الله الخميني) آراء ذات أهمية دولية هامة. وهناك أيضاً رؤساء مشروعات كبرى أيضاً. فلقد كان جورج سوروس، الأمريكي من أصل مجري، في التسعينات الرمز الفردي، الذي يمكنه أن يلعب دوراً على المستوى الدولي، فقد أصبح أحد الذين يجسدون ( السوق ) بشكل طبيعي، الذي سيوجه العالم بعد اليوم. فقد ضاربت الشركة التي يقودها ضد الجنيه الإسترليني، في عام 1992، أدت هذه المساهمة إلى إجبار الحكومة البريطانية، على خفض قيمة الجنيه.
وبالمناسبة، فقد قبض سوروس هذا، مليار دولار، زيادة تكلفة، وهنا تظهر عناصر تقسيم جديدة للسلطة، تعتمد على قواعد غير مرئية في السوق. فلقد أخضع رجل وشركته المالية التي يترأسها، الحكومة، في أحد البلدان الأقوى في العالم، ثم يقوم بتكرار ذلك في الـ ( 1997 – 1998 ) خلال الأزمة الآسيوية، وبشكل موازٍ، فإنه يباشر أعمالاً، تهتم برعاية الآداب والعلوم والفنون، ذات المدى الواسع، في بلدان أوروبا الشرقية، وفي روسيا، خصوصاً من أجل نشر الديمقراطية فيها. ... وفي هذا السياق حول بيل غيتس رئيس شركة ميكروسوفت، والمعتبر على أنه أغنى رجل في العالم ، حول 400 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية. (وفي هذا تأثير مباشر أو غير مباشر على نشاطات هذه المنظمات والدول وتوجهاتها) .[7]
إن البيروقراطيين في الوكالات العولمية يمارسون تأثراً متزايداً كصناع لقوانين السوق الجديدة أو كأوصياء عليها, فلمنظمة التجارة العالمية قوة تحكم عالمية وذات سلطة مستقلة، فهي تشرف على التجارة في المنتجات الصناعية والزراعية والخدمات والاستثمار وحماية الملكية الفكرية. وأحكامها تقيد كل الأعضاء، ولها القوة الكامنة لتفرض سلطانها على الدولة والقوى المحلية التي تنظم الإنتاج والأمن الغذائي. إن هيئة العاملين فيها تتألف من بيروقراطيين غير منتخبين ليس لهم جمهور انتخابي يحاسبهم عدا مجموعة مجردة من أحكام التجارة الحرة ومؤيديها. إن المفاوضات سرية، وترفض مشاركة المواطن. وعبر منظمة التجارة العالمية يتقلد مديرون عالميون سلطات استثنائية لإدارة شبكة العلاقات الاقتصادية العالمية، فهيئة قوة غير ديمقراطية تمارس السلطة السياسية على الصعيد الدولي عبر تركز السلطة في مؤسسات متعددة الجنسيات التي تقوم بإقرار أحكام عالمية، وتفرض هذه الأحكام في أثناء صناعة السياسة الوطنية وممارستها.[8]
في تحليل للعلاقات الدولية، وفقاً لإحدى المدارس الليبرالية الجديدة، يظهر أنه ينبغي الاهتمام بالعلاقات عبر الوطنية التي يمكن أن تقوم عن طريق المنظمات المختلفة مثل المنظمات غير الحكومية والحركات السياسية، والتجمعات المختلفة. وينشأ عن هذه العلاقات آثار كبرى منها، حدوث تغير في موقف الأفراد، وإدخال التعددية الدولية، وهكذا شيئاً فشيئاً تقع الدول تحت تأثير هذه الجماعات المختلفة، وبالوقت نفسه فإن غالبية الحكومات ترى انحساراً في إمكانيات تأثيرها، ومع نشوء المنظمات الدولية، لا تعود الدول وحدها الفاعل الوحيد في مجال السياسة الخارجية.
لكن لا ينبغي الاهتمام فقط بالعلاقات غير الوطنية، بل أيضاً بعلاقات الارتباط المتبادل التي تقوم على مفهوم الكلفة، فالكلفة المستحقة تزداد جداً إذا حاول ممثل التخلي عن الآخر. إن علاقات الارتباط المتبادل المركبة تتميز بوجود قنوات متعددة من الفعل المتبادل،هذا الفعل الذي لم تعد مجالاته مقيدة بالمجالين العسكري والدبلوماسي ( كرد فعل إزاء تحدي خارجي )، حيث أصبحت القوة العسكرية لاتستعمل، أو قليلاً ما تستعمل، في مجال تكون فيه الأطراف في حالة ارتباط متبادل معقد. كما أن الفاعلين يدركون، من خلال ارتباطهم المتبادل، المنافع المستقبلية للتعاون الحالي، وترتبط بهذه الفكرة فكرة استمرار المؤسسات- هذه المؤسسات التي تقوم باتخاذ القرارات لتحديد هدف جماعي والعمل على تحقيقه، وهو هدف تلتقي حوله آمال الفاعلين في مجال ما من مجالات العلاقات الدولية – وأخيراً، يمكن لعدد مرتفع من الفاعلين أن يلتزموا بالتعاون، ولاسيما إذا قررت أغلبيتهم معاقبة غير المتعاونين، وفي هذا مهمة وظيفية لا يستهان بها. [9]
وهكذا يتبين لنا أنه صحيح أن الدول والمنظمات الدولية هي القوى الدولية الوحيدة التي تعتبر اليوم أشخاص القانون الدولي العام، إلا أنه توجد قوى أخرى لها وزن وتأثير في سير العلاقات الدولية لكنها لا تعتبر من أشخاص القانون الدولي. هذه القوى لها تأثير على اتخاذ القرار في الدول وفي المنظمات الدولية إنها قوى ضاغطة لأنها توجه أحياناً سلطة اتخاذ القرار تسمى هذه القوى ( جماعات الضغط الدولية ) ... التي أصبحت تمارس اليوم دوراً هاماً في العلاقات الدولية وذلك ليس بصفة خفية كما كان في الماضي، بل علناً مما جعلها تزاحم الدول والمنظمات الحكومية في ميدانها الخاص ويمس نشاط جماعات الضغط الدولية عدة ميادين: السياسة، الاقتصاد، الدين، النشاطات النقابية. ويمكن ذكر أهمها على الساحة الدولية:
1 – المنظمات (الحكومية وغير الحكومية): حكومية كمجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية. وغير حكومية (جماعات المجتمع المدني الدولية) كالنقابات وأبرزها الاتحاد الدولي لنقابات العمال، وجمعيات حقوق الإنسان الدولية كالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بباريس، منظمة العفو الدولية ، أطباء بلا حدود ،وجمعية الصليب الأحمر الدولي.
2 – الأحزاب السياسية[10] ( الإقليمية والدولية ): الأحزاب الوحدوية القومية. الأممية الشيوعية، والدولية الاشتراكية ، الجماعات الدينية كالاتحاد الدولي الديمقراطي- المسيحي، جماعة القاعدة الإسلامية، اللوبي اليهودي الصهيوني الدولي.
3 –التجمعات العسكرية : ( والتي منها ذات خلفية سياسية كحلف الأطلسي ،وبعضها الآخر ذات خلفية اقتصادية كالشركات المتعددة الجنسيات لتصنيع وتجارة الأسلحة دولياً ).
4– الكارتلات الاقتصادية الدولية: الكارتلات المالية والنفطية كنادي باريس ولندن ووكالة الطاقة الدولية. وغرفة التجارة العالمية، الأوبك ( منظمة الدول المصدرة للنفط ).
5 - التكتلات والتجمعات الاقتصادية السياسية الرسمية الدولية: ( كالاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، منتدى دافوس، وقمة الثماني الكبار ) و منها تكتلات يهيمن فيها الجانب الاقتصادي على السياسي ( كالنافتا، آسيان ). وأخرى يهيمن فيها السياسي على الاقتصادي ( منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة دول عدم الانحياز، منظمة الدول الأمريكية، الاتحاد الأفريقي، جامعة الدول العربية ).
6 - الأجهزة السرية الدولية ( أجهزة المخابرات والتجسس الاقتصادي والسياسي والأمن الخارجي ) أو ما يسمى الطابور الخامس .
7- المافيا الدولية
تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة وغسيل الأموال ).
8 – وسائل الإعلام الاقتصادية السياسية ( التجارية منها والإخبارية ) كالـ CNN وشبكة الانترنت.
قد نجد صعوبة في الفصل بين جماعات المصالح الاقتصادية الدولية وجماعات المصالح السياسية الدولية نظراً لكون كل منهما يستخدم الوسائل والأدوات والأساليب الاقتصادية والسياسية في آن معاً لتحقيق أهدافه. لكن ما يميز الجماعات الاقتصادية أن برنامج عملها المعلن هو برنامج اقتصادي فقط، وبالتالي تأخذ الطابع الاقتصادي الدولي.
هناك جماعات مصالح اقتصادية نطاق عملها الرئيسي داخل الدولة لكن لها تأثير على السياسة الخارجية لهذه الدولة. قد تكون رسمية دستورية ( كاللجنة الاقتصادية في البرلمان مثلاً ) أو المؤسسة العسكرية وشركات تجارة الأسلحة من ورائها.
وهناك جماعات مصالح اقتصادية نطاق عملها المعلن يتجاوز الحدود السيادية للدولة إلى المجال الحيوي الإقليمي والدولي، فهي ذات صفة دولية، وهناك جماعات عولمة رأسمالية وهناك جماعات مصالح للدول النامية.
إن آلية الهيمنة على العالم واستغلاله من قبل رأس المال العالمي، تتسم منذ بداية التسعينات، ببراغماتية قصوى، فهي تتشكل من قطاعات متباينة، وليس لها إلا القليل من التماسك البنيوي، تعاني تناقضات داخلية عديدة، بحكم المنافسة المتوحشة التي تسود هذا النظام، ولهذا نجد بداخلها أطرافاً متعارضة متصارعة، وفي معارك مستمرة، تخبو حيناً وتشتد أحياناً كثيرة، أما أسلحتهم فهي الانصهارات القسرية، والعرض العام للشراء بالإكراه، وتأسيس الاحتكارات، والقضاء على الخصم بسياسة إغراق السوق، ولكن عندما يتعرض النظام بمجمله، أو قطاع من قطاعاته الرئيسية للتهديدات والمعارضة، فإن الطغم المالية والتابعين لها يشكلون كتلة واحدة، ذلك أن إرادتهم في التشبث بقوتهم وحبهم الشديد للمال وللسيطرة دون حدود، كل هذه العوامل مجتمعة تدفعهم للدفاع بكل قواهم عن خصخصة العالم، هذه الخصخصة التي توفر لهم امتيازات خارقة وواردات مالية لا تحصى وثروات شخصية خيالية.
ويبسط رأس المال المعولم سلطانه على العالم بواسطة الإيديولوجيات التي يدعون إليها، ( كالليبرالية الاقتصادية، وتقديم مصالح العولمة على الاهتمامات القومية في إطار المسؤولية العامة، والإحساس بالواجب المشترك، والنظر إلى كيفية العمل الجماعي لصالح القرية العالمية)، وأيضاً بواسطة الضغط الاقتصادي والعسكري الذي يمارسونه، أما الإيديولوجية التي تقود ممارساتهم فتقوم على ( توافق واشنطن )، ويتلخص أمر هذا التفاهم بمجموعة من الاتفاقات غير الرسمية، عقدت خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، فيما بين أهم الشركات العابرة للقارات ومصارف وول ستريت، وبنك الاحتياط الفدرالي ومؤسسات مالية دولية، وتقضي المبادئ التي بني عليها التفاهم، بأن تطبق هذه المبادئ في أية فترة من الزمن، وعلى أي اقتصاد في العالم وعلى أية قارة، ترمي إلى أن تضفي، في أسرع ما يمكن، كل أشكال التنظيم الحكومية أو غير الحكومية، وأن يتم التحرير الكامل تماماً وبأقصى سرعة ممكنة في جميع الأسواق ( للسلع، الرساميل، الخدمات، براءات الاختراع...، ألخ )، ليجري في النهاية إقامة إدارة عالمية وسوق عالمية موحدة تنظم نفسها بنفسها، وعليه فإن تفاهم واشنطن يصبو في النهاية إلى خصخصة العالم.
وما يلفت الانتباه حول حقيقة المنتدى الاقتصادي العالمي ، فهو نجاح مؤسسه ورئيسه، في تحويله قبل مايزيد عن 35 عاماً، من مؤسسة خاصة صغيرة إلى مايمكن أن نسميه( مجلس إدارة العالم في السياسة والاقتصاد)، بميزانية سنوية تصل إلى 50 مليون يورو من مساهمات ألف شركة عالمية كبرى، ويعمل في المنتدى 150 موظفاً بين مقره الرئيسي في جنيف والعواصم الدولية الكبرى،ويتحول المنتدى بذلك إلى أكبر منظمة غير حكومية في العالم، تعمل وفق مرجعية ( توافق واشنطن ) أي تحرير الاقتصاد العالمي.[11]
الاستنتاجات والتوصيات:
انطلاقاً مما طرحناه في مشكلة البحث توصلنا إلى أن مظاهر استخدام القوة وتنظيم استخدامها في المجتمع الدولي أخذت فعلاً تتوسع وتنتشر، فجماعات المصالح الاقتصادية الدولية برزت بفاعلية على الساحة الدولية وكرست سياسة استخدام القوة الجماعية، عبر تطبيقها لمفهوم الأمن الجماعي للدول المكونة لها، وحققت أهداف هذه الدول ، الاقتصادية والسياسية، دون استخدام القوة العسكرية. وعليه يظهر معنا :
- أن جماعات المصالح الاقتصادية الدولية عبارة عن منظمات أو مؤسسات وتكتلات اقتصادية دولية متعددة الجنسيات تشكلها الدول المختلفة لتحقيق أو حماية مصالحها المشتركة الآنية منها أو البعيدة، المشروعة أو غير المشروعة على الصعيد الاقتصادي والسياسي الدولي .
- إن جماعات المصالح الاقتصادية الدولية أثرت على طبيعة العلاقات الدولية حيث سيطرت بعض هذه الجماعات ،وخصوصاً الجماعات التي تهيمن الدول المتقدمة الغنية عليها، على مختلف الجوانب الاقتصادية و السياسية للعلاقات الدولية وأصبحت تتحكم بها إلى درجة كبيرة، الأمر الذي انعكس سلباً على الدول النامية حيث أفقدتها القدرة على التحرك وفق إرادتها الحرة، فهي أصبحت محكومة بقواعد هذه الجماعات وقوانينها وآليات عملها، رغم أن هذه الدول النامية حاولت محاكاة الدول المتقدمة ساعيةً لتشكيل جماعات مصالح اقتصادية لكن وبالرغم من تمكنها من تشكيل العديد منها لكنها لم تتمكن من مواجهة التحديات والآثار السلبية التي تكبدتها في علاقاتها مع جماعات المصالح الاقتصادية التي تهيمن عليها الدول المتقدمة.
- كذلك ظهر لنا أن توازن القوى كان أحد الأسباب الهامة لنشوء جماعات المصالح الاقتصادية الدولية،
( انطلاقاً من أن التحالفات الجماعية الاقتصادية والسياسية تعمل على تحقيق هذا التوازن وتضبط الصراعات بدلاً من التصادم والصراع المتبادل).
- كما تبين لنا مما سبق أن وجود القوة أو توفرها لدى الدول يمنحها فرصة أكثر لاستغلال التفوق القائم وتوجيهه لتحقيق مصالحها، وتنفيذ مخططاتها على حساب غيرها من الدول الأخرى القائمة في المجتمع الدولي، والتي تمتلك إمكانيات من القوة والقدرة أقل مما تمتلكه الدول القوية. لذلك فإن هذه الظاهرة هي التي تدفع إلى إنشاء جماعات المصالح الاقتصادية الدولية من أجل ردع أية محاولة تهدد الدول القوية.
وبناء على ما تقدم فإن إيجاد الطريقة العملية لمواجهة مسألة القوة واستخدامها في العلاقات الدولية، وكيفية إيجاد الطريقة المناسبة التي تؤدي إلى التحكم في ظاهرة القوة المتمثلة بجماعات المصالح الاقتصادية الدولية، وتطويق استخدامها، والعمل على توجيهها ووضعها في خدمة العالم كله، لابدّ من إيجاد القوة الفعالة الرادعة المقابلة لها، وإن تطبيق فكرة الردع هذه تؤدي إلى تحقيق التعادل النسبي في توزيع القوة بين المحاور والتكتلات والأحلاف المختلفة، و يتحقق ذلك بشكل فعلي عبر مشاركة فعالة للبلدان النامية في آلية اتخاذ القرار في جماعات المصالح الاقتصادية الدولية الموجودة أو عبر تشكيل أطر وتنظيمات جماعية جديدة تكون فاعلة و قادرة على تطويق التفاوت في القوى، من خلال المشاركة الجماعية الفعالة لجميع الدول أياً كان موقعها من الخطر الذي يتهددها سواء أكانت بعيدة أم قريبة منه.
الخاتمة:
لقد أدى إذاً استخدام القوة كظاهرة جماعية إلى هيمنة منطق القوة في العلاقات الدولية المعاصرة، وأدى إلى هيمنة دول معينة عبر جماعاتها الاقتصادية الدولية التي شكلتها، وهيمنت من خلالها على قسم كبير من دول العالم النامي.
لقد ظهرت جماعات المصالح الاقتصادية الدولية بفاعلية على الساحة الدولية مستغلة الصلاحيات الواسعة التي ملكتها، وذلك كله على حساب تضاؤل صلاحيات الدولة وبشكل خاص في المجال الاقتصادي.
المراجع:
1 - شدود، ماجد. العلاقات السياسية الدولية، ط2، منشورات جامعة دمشق، دمشق،1991 ،480.
2 - البو، أنس. سياسة مركز القوة وتأثيرها في العلاقات الدولية، جريدة تشرين، دمشق، سورية، عدد 9497 ، تاريخ 27/ 3/ 2006 ، 11.
3 - ربانارين، الكسندر- الإغواء بالعولمة، ترجمة عياد عيد، منشورات اتحاد الكتاب العام، دمشق، 2005، 368.
4- محمد، رضوان الشيخ - القوى الكبرى- سيادة المصالح وعالم اللاتوازن، جريدة البعث، دمشق، عدد 12464، تاريخ 7/ 11/ 2004, 5.
5 – تيلور، بيتر؛ كولن، فلنت. الجغرافية السياسية لعالمنا المعاصر، الاقتصاد العالمي، الدولة، المحليات، ترجمة عبد السلام رضوان و اسحق عبيد، الجزء الأول، سلسلة عالم المعرفة، عدد 282 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2002، 333 .
6 - هيرست، بول؛ جراهام، طومبسون. ما العولمة ... الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم، ترجمة فالح عبد الجبار، سلسلة عالم المعرفة، عدد 273، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، تاريخ أيلول/ 2001, 429 .
7- الزعبي، موسى. تنوع الفاعلين الدوليين، مجلة الفكر السياسي، دمشق، عدد 16، ربيع – صيف 2002، 192،204.
8- روبيرتس، ج.؛ تيمونز، أيمي هايت - من الحداثة إلى العولمة، رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغيير الاجتماعي، ترجمة سمر الشيشكلي ، مراجعة محمود عمر- الجزء الثاني، سلسلة عالم المعرفة، عدد 310 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2004 ،327 .
9 - غيّوم، اكزافييه. العلاقات الدولية، ترجمة قاسم المقداد، مجلة الفكر السياسي، دمشق، عدد خريف ، شتاء 2001، السنة الرابعة، اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 91، 92.
10 - العبدلي، عبد المجيد. قانون العلاقات الدولية، تقديم محمد البجاري، ط 1، 1994، دون دار نشر، 309 .
11 – حميد، محمد سميح- الأبعاد الاقتصادية والسياسية للمنتدى الاقتصادي العالمي. جريدة البعث، دمشق، عدد 12814، بتاريخ 23/ 2 /2006، 11.