حضارة المايا Maya civilization Civilisation maya
المايا Maya، هي إحدى أهم الحضارات الميزوأمريكية [ر] Mesoamerica (في أمريكا الوسطى)، التي ازدهرت بين القرنين الثالث والتاسع الميلاديين في منطقة الغابات المدارية في منخفضات بيتن Peten في شمالي غواتيمالا. ولهذه التسمية دلالة جغرافية أيضاً، وهي تضم منطقة المايا المنخفضة lowland Maya ومنطقة المايا المرتفعة highland Maya. ظُن في البداية أن المايا تعود في أصولها إلى حضارة أولمك Olmec التي سبقتها، إلا أن المكتشفات الحديثة أظهرت أنها ذات أصول محلية.
معبد تيكال في غواتيمالا
حقّقت حضارة المايا إنجازات كبيرة على أكثر من صعيد، فهي أشادت المدن المنظّمة من حيث شوارعها وساحاتها وأسوارها وبواباتها، ولكن أهمّ أعمالهم في مجال العمارة كانت المعابد والأهرامات، كما دلت عليها مكتشفات مدينة الميرادور El Mirador في غواتيمالا، حيث كشف عن هرمين ضخمين؛ هما هرم النمر Tiger Pyramid الذي بلغ ارتفاعه 55م، وحجمه نحو 400000م3، وهرم مونوس Monos Pyramid، وغيرهما كثير. كما كشف في مدينة تيكال Tikal في غواتيمالا عن مجمع عمراني ضخم دل على مدينة تجاوز عدد سكانها الـ 70 ألف نسمة، تتوسط المدينة ساحة كبرى وتتوزع حولها المعابد والقصور، إضافة إلى مقابر حكام المدينة التي بُنيت على شكل مصاطب كبيرة، كما خصصت لهم بعض المعابد، وتربط بين مختلف أرجاء المدينة شوارع مرصوفة بالأحجار. اشتهرت مدن المايا ببناء المراكز الاحتفالية ceremonial centers التي تتألف من معابد ضخمة وأبنية إدارية وقصور طبقات النخبة، وفيها أيضاً ملاعب الكرة ball courts التي لم تجرِ فيها الألعاب الرياضية البحتة فقط، بل الشعائر والطقوس ذات الأهداف السياسية والدينية والاجتماعية كذلك. وكانت هذه المراكز مرتبطة مع بعضها بعضاً، المراكز الأصغر تتبع للمراكز الأكبر، وربما شكلت المراكز الكبيرة وحدات كبرى polities. وانتشرت حول هذه المراكز بيوت الناس العاديين، كما دل على ذلك موقع شيشن إتزا Chichen Itza في المكسيك الذي ضمّ القلعة El Castilo التي بنيت على شكل هرم مرتفع، والبئر المقدس Cenote ومركز المراقبة El Caracole ومعبد المحاربين Temple of the Worriors، وكلها عناصر معمارية رئيسة في معظم مدن المايا.
عرفت حضارة المايا بابتكار تقويم خاص calendar system ، وهو تقويم يستند إلى حسابات فلكية دورية calendar round بين سنة المايا وطولها 260 يوماً والسنة العادية ومدتها 365، وهما سنتان تلتقيان كل 52 دورة لتبدأا معاً.
معبد النصوص في المكسيك
وكان لهم نظام خاص في حساب الوقت، الزمن، المسمى الحساب الطويل long count الذي يعد اليوم الوحدة الأساسية في الزمن، وهي تتزايد عبر مضاعفات العشرين أي حسب نظام الرياضيات العشريني vigesimal mathematics، وبموجب هذا النظام قسموا السنة إلى 18 شهراً والشهر إلى عشرين يوماً. وكان اليوم kin هو الوحدة الأصغر يليه الوحدة الأكبر يونال uinal، وتضم عشرين يوماً، ثم وحدات أكبر، وهكذا دواليك. وعلى هذا الأساس يبدأ حساب الزمن عند المايا منذ عام 3113 ق.م، وتكتمل دورته الزمنية في 2012 ميلادي. وكانت هذه الحسابات تُستخدم في تحديد أوقات الأعمال الزراعية أو المشروعات الإنشائية، كما أدّت الحسابات الفلكية والتنجيم دوراً في قراراتهم السياسية والعسكرية والدينية، وقد اقتصرت معرفة هذه الحسابات على الطبقة الحاكمة لديهم.
تعدّ الكتابة الهيروغليفية من أهم ميزات المايا، وهي على أنماط مختلفة، منها التصويرية pictographic والرمزية ideographic والصوتية phonetic. وقد حُفظت كتاباتهم في كتب خاصة مطوية folding books، أو على الأعمدة الحجرية والجدران والأواني الفخارية، وهي تُقرأ من اليسار إلى اليمين ومن الأعلى إلى الأسفل، وغالباً ما كانت جملاً مختصرة. وقد تبين بعد أن قُرئت هذه الكتابات، أنها لا تقتصر على معلومات فلكية وتقاويم فقط، كما ظُن في السابق، وإنما تحتوي معلومات سياسية واجتماعية وعسكرية عن الحكام والسلالات والتحالفات والحروب والانتصارات وتدشين المشروعات المهمة وتسلّم السلطة والموت والزواج وغير ذلك من الوقائع والأحداث التي أرادوا تدوينها، كما دلت على ذلك الكتابات التي كُشفت في موقع كوبان Copan في هندوراس.
عرفت حضارة المايا الإنتاج الزراعي المتطور القائم على مبدأ الحقول والمصاطب الزراعية المتدرجة والمروية raised and drained fields التي تنقل إليها المياه عن طريق أقنية مائية متطورة جداً، كما استخدموا هذه الأقنية في تربية الأسماك وفي النقل، وعرفوا طريقة شق الأراضي وحرقها؛ لتخصيبها slash and burn، وتجفيف المستنقعات، وكان الذرة والقطن والفستق والأشجار المثمرة من أهم مزروعاتهم. وقد قاموا بتخزين الحبوب في أبنية خاصة، سميت شولتون chultun وهي مستودعات تحت الأرض استخدمت أيضاً لتخزين المياه بعد تكليسها بالشكل المناسب، كشف عن العديد منها، وأهمها تلك التي أتت من موقع تيكال.
أعار سكّان المايا اهتماماً خاصاً لملوكهم الموتى أيضاً ودفنوهم في قبور ضخمة ومعهم مقتنياتهم الثمينة والمتنوعة، وأهمها الذهب، كما دل على ذلك قبر الحاكم العظيم باكال Pacal الذي تُوفِّي نحو نهاية القرن السابع الميلادي عن عمر ناهز الثمانين عاماً، ودُفن تحت ما أسمي بمعبد النصوص Temple of Inscriptions في مدينة بالنغ Palenque في المكسيك. وقد ضم تابوت هذا الحاكم معلومات مهمة عنه وعن خلفائه في وراثة الحكم، أولاده وأحفاده بما في ذلك النساء منهم.
اشتهرت هذه الحضارة أيضاً بالمنحوتات، وبينها تلك المسماة شاك مول Chac Mool؛ وهي تماثيل بشرية بالحجم الطبيعي نحتت بوضعية مستلقية مثنية القدم والوجه نحو الأمام، ونُصبت خاصة على مداخل المعابد. وهناك الأحجار المنحوتة في موضوعات شتى carved stones والنصب steles التي حملت كتابات عن السلالات الحاكمة والأحداث المهمة. وعرفوا الفخار متعدد الألوان polychrome pottery، كما اشتهروا بإنتاج المواد الثمينة والراقية.
تألف مجتمع المايا من طبقات متفاوتة على رأسها الطبقة الأرستقراطية الحاكمة، وهناك الحرفيون والفلاحون، وكانت مراكزهم الكبرى مقراً للملكية التي أدت دوراً رئيساً في نظامهم السياسي، واعتمدت على المعتقدات والشعائر التي مورست بانتظام.
لقد انهارت معظم المراكز الحضارية الجنوبية للمايا southern lowland نحو منتصف القرن التاسع الميلادي؛ بعد أن عانت من نضوب في التربة وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية متنوعة، في حين بدأت المراكز الحضارية الشمالية للمايا Northern lowlands الأقل تأثراً بالتقاليد الدينية بالازدهار الذي استمر حتى نهاية القرن العاشر الميلادي قبل أن تنهار حضارة المايا الشمالية أيضاً ولأسباب مجهولة حتى اليوم، ويعدّ الهنود الحمر في تلك المنطقة ورثة هذه الحضارة العظيمة.
سلطان محيسن