العولمة والنظام الدولي الجديد
جمال الدين بوشقرة
شهد مسار العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة عدة تحولات استراتيجة دولية مست جميع المجالات السياسية .الاقتصادية الثقافية و اعلامية مرتبطة بالأساس بتطور الرأسمالية العالمية .فاقتصاد السوق و تشجيع الخو صصة و التطور التقني و التكلونوجي و اللبرالية الاقتصادية بشكل عام و علاقتها الوطيدة باللبرالية السياسية و الثقافية .كل هده ساهمت وهيأت الظروف لظهور ما يسمى بالعولمة و التي أصبحت تستعمل كتعبير عن المرحلة العليا من التطور الدي بلغه الاقتصاد الرأسمالي العالمي .وهو مايتطرق اليه د. عبد النصر جندلي في كتابه الموسوم ب «التحولات الاستراتيجية في العلاقات الدولية مند نهاية الحرب الباردة»و الصادر عن دار قانة الجزائرية في عام 2010م.
ان العولمة بتعدد تعريفاتها آلية أساسية من أجل تدعيم وتثبيت النظام الرأسمالي العالمي .او بالأحرى هي مرادف للنظام الدولي الجديد و ليست حالة حضارية جديدة .كما يرى توماس فريدمان.اد مادامت الولايات النتحدة الامريكية مهيمنة على النظام الدولي الجديد فان العولمة لا تخرج عن بوتقة الامركة .و هو مايؤكده عابد الجابري وكدا الايطالي أنطو ني غيندنزو الدين يتفقون على أن مفهوم العولمة مفهوم أمريكي لبيرالي مرادف لمفهوم الامبريالية .أي هما وجهان لعملة واحدة هي النظام الرأسمالي العالمي .
ويبقى الترويج لهده الفلسفة العالمية يتم عبر الوسائل الإعلامية التي تتحكم فيها الدول الكبرى مايدل على أن العولمة مرتبطة بمتغير القوة .أي من يملك عناصر القوة أو احداها يجد لنفسه مكانا فييها مع العلم فان هده الظاهرة لها أصول تاريخية تعود الى البدايات الأولى من القرن 15م اي انها قديمةو مرت بمراحل متعاقبة الاان المصطلحشاع إستعماله و كان له صدى على نطاق واسع خاصة بعد نهاية القرن العشرين وهدا ماأكده رونالد روبيرستون في دراسته المسومة ب «تخطيط الوضع الكوني :العولمة باعتبارها الفهوم الرئيسي».
وظاهرة العولمة نتجت عن أسباب عديدة يلخصها الكاتب في : تحرير التجارة الخارجية بين الدول,وتزايد حركة التكامل الاقتصادي بينها ,اضافة الى زيادة الشركات التعدة الجنسيات و انتشارها و تعاظم دورها وكدا التحرر الاقتصادي و رفع القيود والحواجز عن هده الانشطة ناهيك عن التطورات التكلنوجية و التقنية الهائلة لاسيما في مجال العلام والاتصال و تتزايدحركة الخوصصة مقابل تراجع القطاع العام و هيمنة القيم اللبرالية.
وغم أن الغرب يعتبر العولمة ظاهرة حتمية ناجمة عن التطور الكبير الدي شهده النظام الرأسمالي العالمي الا أن بقية الدول وخاصة دول العالم الثالث لا تعتبرها ظاهرة حتمية و انما ظاهرة استعمارية جديدة مفروضة عليها لارتباطها بالهيمنة و القوة و تكريس حقيقة تعميق الهوة بين الشمال (المركز)و الجنوب (المحيط) .
ان هده الظاهرة كغيرها من السياسات أو الميكانيزمات التي يتحكم فيها الغرب لها أهداف عديدة منهاما يصنف ضمن المعلن واخر تحت غطاء خفي فالأول ينحصر عادة في تسهيل الحصول على المعلومات بوا سطة التقنية الحديثة ,وزيادة حجم التجارة العالمية من خلال المنافسة الحرة وإعادة تشكيل العالم على مستويات الانتاج و التمويل و التنمية البشرية حسب الأمريكي داني رودريك إضافة الى تحقيق مزيد من الديمقراطية والعقلانية الرشيدة في تسيير الموارد أما ماهو خفي فيكون في إيطار الإحتكارات و تكريس الهيمنة الأمريكية على إقتصاديات العالم و اختراق الهوية الثقافية و الوطنية للشعوب والغاء النسيج الحضاري و الجتماعي لها مما يفضي الى شيوع العمومية و القضاء على خصوصية كل شعب.و المتفحص لهدة الأهداف يجد أنها مرتبطة بجوانب و أشكال الظاهرة فتسهيل الحصول على المعلومات العالمية واختراق الهوية الثقافية يتصل بالشكل الثقافي للعولمة والتي تدور في حلقة لا تعدو أن تكون غزوا ثقافيا يكون من خلاله نشر الثقافة المهيمنة و تعميمها وتدويب الثقافات الاخرى ,أما زيادة حجم التجارة العالمية و تكريس الهيمنة الأمريكية فيرتبطان كهدفين بالشكل الإقتصادي للظاهرة والتي تعني سيادة نمط اقتصادي واحد يمثله نمط الإقتصاد الرأسمالي ,أما مايتعلق بتحقيق مزيد من الديمقراطية فهو واضح الإرتباط بالشكل السياسي لظاهرة العولمةوتأثيرها في الظواهر السياسية كا لدولة ,السيادة , الحكومات, القرارات...
أما بقية الأشكال فهي مرتبطة ضمنيا بهده الأهداف على اعتبارأن العولمة من خلال الشكل التكلونوجي تجعل العالم قرية صغيرة دون حدود جغرافية أو سياسية اما الشكل الإجتماعي فيتعلق بتجريد المجتمعات الضعيفة من داتها لتصبح مؤهلة لكسب هوية جديدة أكثر اتساعا تتماشى و الهوية الاجتماعية العالمية وهو مايشترط إنسلاخ هده المجتمعات من كل عاداتها وتقاليدها.
وتحاول العولمة ترجمة أهدافها و تجسيدها من خلال المؤسسات الإقتصادية و المالية الدولية كالشركات التعددة الجنسيات المتمركزة في اقوى الدول عالميا والتي تملك مجتمعة مايفوق عن172 شركة وتسعى من خلالها السيطرة على التكلونوجيا و الاقتصاد العالميين خاصة بعد تفكك الاقتصاديات لاشتراكية و تمركز الاقتصاد العالمي في الاقطاب المشكلة للنظام الدولي الجديد المتمثلة في الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاروبي واليابان أما صندوق النقد الدولي والدي من مهامه تصحيح الاختلالات في موازين المدفوعات للدول الأعضاء و تحقيق استقرار أسعار صرف عملاتها يلجأ الى تطبيق سياسات تجاه العالم الثالث كاعادة الجدولة التي تكرس ضمنيا عولمة ظاهرتي الفقر و التخلف و كدا سياستي التقشف المالي و الخوصصة وهدا كله في ايطار مهمة عولمة التمويل على غرار أهداف البنك الدولي للانشاء و التعميرالتي تقوم بعولمة الاستثمار و كدا منظمة التجارة الدولية التي تسعى الى عولة التجارة .
ان المطلع على كتاب الدكتور جندلي عبد الناصر الموسوم ب" التحولات الاستراتيجية في العلاقات الدولية مند نهاية الحرب الباردة" يجد الى جانب المادة الرصينة و الغزيرة التي جاء بها عن موضوع العولمة كما رأينا مجموعة موضوعات على قدر كبير من الاهمية من خلال الدراسة والتحليل مما يجعله كتاب دا قيمة علمية ومعرفية و منهجية كبيرة يستفيد منها القارئ أيا كان المختص او غيره.