منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدو مخلوف
عضو فعال
عضو فعال
عبدو مخلوف


تاريخ الميلاد : 28/06/1991
العمر : 33
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 153
نقاط : 447
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
الموقع : abdouoppj@yahoo.fr
العمل/الترفيه : طالب + ممارسة الفنون القتالية

التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Empty
مُساهمةموضوع: التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات.   التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات. Emptyالخميس ديسمبر 13, 2012 8:39 pm



التحولات السياسية وانعكاساتها على دور الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في عصر العولمة.

الأستاذ: جـمال مـنصـر
menacjamel@yahoo.fr
قسـم العـلـوم السـياسـية
جـامعة باجـي مـختـار عـنابة




مداخلة مقدمة في الملتقى الوطني:

التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات.


الـشلـف يومي :16/17 ديسمبر 2008
تـقـديـم:
يبدو عمل الدولة أوسع من العمل الذي تقوم به أية مؤسسة إنسانية أخرى، وتنطوي تحته مهام لا تعد لها في شمولها أو تعددها مهام أية مؤسسة اقتصادية أو ثقافية، لذلك يعتبر البحث في الأدوار التي تؤديها الدولة لمجموع المواطنين الذين تتكون منهم، من أهم الموضوعات التي يركز عليها الباحثون في العلوم السياسية. وإن المدى الذي تذهب إليه الدولة في أداء أدوارها يتوقف إلى حد بعيد- خاصة في الفترات السابقة- على الفلسفة السياسية التي تعتنقها لنفسها، والتي تحاول أن تضعها موضع التنفيذ الفعلي. وقد شهدنا تغيرا حاسما حينما تولى هتلر الحكومة، فوجه الآلة الحكومية والدولة كلها وجهة جديدة، ولا نتجاهل ما أحدثته الثورة السوفياتية من تحول في أدوار الدولة هناك.
ورغم هذا التغير الذي يطرأ على أدوار الدولة بين فترة تاريخية وأخرى، فإن هذه الأدوار كثيرة ومتنوعة حتى في مدينة صغيرة كأثينا، لم تكن تحكم أكثر من مليوني نسمة. ويبدو لنا هذا في تحليل أرسطو للوظائف الحكومية في كتابه عن " الدستور الأثيني" فيذكر لنا أن هذه الوظائف شملت الشؤون العدلية والمالية والضرائب والمحاسبة والميزانية والبوليس والجيش.1 وهذا يرشدنا إلى أنه رغم تغير الحضارات وتعاقب الدول، تبقى للدولة أدوار دائمة في كل زمان ومكان كوظيفة الأمن والوظيفة العدلية، أما الأدوار الأخرى المتعلقة بالجوانب الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية فهي موضع خلاف، إذ توجد ثلاثة مذاهب تختلف فيما بينها حول قيام الدولة بالتدخل في هذه المجالات من عدمه وإلى أي مدى يسمح لها بهذا التدخل؟
إذا ما رجعنا إلى الأدبيات المعاصرة التي عنيت بدراسة الدولة ووظائفها الجديدة في عصر العولمة، سنلحظ اهتماما وتركيزا واضحا على مجموعة الوظائف الاقتصادية للدولة، وربما يرجع ذلك إلى ازدياد أهمية العوامل الاقتصادية في الواقع المعاصر، وهو ما يدعو إلى التساؤل في الوقت ذاته عن الأدوار الاجتماعية للدولة، نظرا للعلاقة التلازمية بين الجانبين الاقتصادي والاجتماعي خاصة إذا ارتبط الأمر بمفهوم التنمية.

وعلى هذا الأساس تحاول هذه الورقة الإجابة عن الإشكالية الآتية:
هل ستؤثر التحولات السياسية المرتبطة بظاهرة العولمة في أدوار الدولة التنموية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ؟





01/ حركية عولمة السياسة وموقع الدولة ضمنها.
تنوعت وتعددت انعكاسات ظاهرة العولمة على المجال السياسي داخليا وخارجيا على حد سواء. ولعل من أبرز هذه الانعكاسات صعوبة الفصل- وعلى نحو متزايد- بين ما هو داخلي وما هو خارجي وقد أدى ذلك إلى ظهور الفكرة التي عرفت بسياسات الترابط"LinKage Politics"بمعنى الترابط بين الأوضاع الدولية العالمية والأوضاع المحلية الداخلية والعكس.2 لكن على رغم تزايد الاهتمام بظاهرة العولمة عموما إلا أن البحث في البعد السياسي للعولمة ودراسة حركة عولمة السياسة غير متقدم في البحوث والدراسات السياسية، وعلماء السياسة،على غير العادة لم يبذلوا الجهد المطلوب لدراسة تأثيرات العولمة في السياسة،وكيف تتم عولمة العالم سياسيا ويقول "زبيغنيو بريجنسكي" تعليقا على هذا التردد من قبل علماء السياسة تجاه الإحاطة بالظواهر والمستجدات السياسية العالمية المعاصرة: "إننا في عالم جديد إلا أن علماء السياسة لا يزالون منشغلين بدراسة وتحليل العالم القديم الذي تم تجاوزه في الواقع، وعندما يبدأ هؤلاء العلماء بالتركيز على المعطيات والوقائع السياسية الجديدة يكون العالم قد تغير وتم استبداله بعالم جديد آخر".3 وبناء على ما قاله بريجنسكي-وعلى معطيات أخرى-تبدو السياسة ككل الظواهر الحياتية ليست بمنأى عن العولمة التي تكتسح كل المجالات الحياتية الأخرى، لذلك أصبح من الضروري معرفة مدى تأثير العولمة في المعطيات السياسية كالدولة والحكومة والقرارات السياسية، الداخلية منها والخارجية.
وفي هذا الصدد، يبدو أن العولمة السياسية تشمل مضامين عديدة، لعل أهمها، تقليص فاعلية الدولة أو تقليل دورها، واعتبار الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات العالمية شريكا للدولة في صنع قراراتها السياسية، وهذا يعني أن مبدأ السيادة آخذ بالتآكل نتيجة علاقات الدول فيما بينها في مختلف مجالات الحياة لذا فالعولمة السياسية تعني: " نقلا لسلطة الدولة واختصاصاتها إلى مؤسسات عالمية تتولى تسيير العالم وتوجيهه وهي بذلك تحل محل الدولة وتهيمن عليها".4 وهي تعني أيضا الدعوة إلى اعتماد الديمقراطية والليبرالية السياسية وحقوق الإنسان والحريات الفردية. وهي إعلان عن نهاية الحدود. وبروز المجال السياسي العالمي الذي يعني التفكير في العالم وتخيله كوحدة سياسية واحدة، وإن كان العالم كما هو على أرض الواقع ليس وحده سياسية واحدة. بل هو مجموع وحدات سياسية بعضها منفصل، منعزل و متفاعل مع بعض.
إن الاتجاه المتزايد نحو بروز المجال السياسي العالمي يخلق ظاهرة أخرى من ظواهر العولمة السياسية هي أن السياسة في كل أرجاء العالم أصبحت مرتبطة بالسياسة في كل أرجاء العالم. وتشير هذه الفكرة إلى أمور كثيرة مثل أن القرارات التي تتخذ في عاصمة من العواصم سرعان ما تنتشر إلى كل العواصم. والتشريعات التي تخص دولة تستحوذ على اهتمام كل الدول، والسياسات التي تستهدف قطاعات اجتماعية في مجتمع من المجتمعات تؤثر تأثيرا كبيرا وحاسما في كل المجتمعات، والأخبار والأحداث السياسية المحلية والإقليمية تستحوذ على اهتمام العالم بأسره وتنتقل بسرعة من شرق الكرة الأرضية إلى غربها أو العكس، وتخلق بذلك ردود أفعال عالمية تتجاوز الحدود السياسية التقليدية.
كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن ظاهرة العولمة قد تواكبت مع التحول الذي طرأ على صورة النسق العالمي من صورة النسق ثنائي القطبية إلى صورة جديدة راحت تعرف بالنسق أحادي القطبية "Unipolaire System" الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية.
إن سقوط الاتحاد السوفياتي لا يمثل سقوط دولة عظمى فقط وإنما سقوط الأيديولوجية الاشتراكية التي كانت تحمل نوعا من النزوع إلى تطبيق النظام الاجتماعي الاشتراكي، وساهم سقوطها في تراجع الأنساق السياسية المغلقة، التي كانت تحتكر الحقيقة السياسية وظهور أنساق سياسية مفتوحة. تتعدد فيها الأصوات وتبرز المعارضة وتتناسق الأحزاب والجماعات السياسية.
كما ساهم سقوط الأيديولوجية الاشتراكية في بروز ظاهرة أصبح المحللون السياسيون يطلقون عليها " نهاية السياسة" وهم يقصدون بذلك أن السياسة بمعناها القديم في المجتمعات الديمقراطية لم تعد تمارس كما كان الحال من قبل، ونعني على وجه التحديد التنافس بين قوى اجتماعية لها رؤاها المتعددة والتي تعبر عنها الأحزاب السياسية، ويمكن القول أن هذه الظاهرة يمكن ردها إلى أسباب متعددة، لعل أهمها اختفاء الفروق الحاسمة بين اليمين واليسار.5 وأخيرا إن سقوط الاتحاد السوفياتي ساهم في اندماج أكثر للشعوب التي كانت تحت المظلة السوفيتية بالعالم مما ساهم بشكل أو بآخر في ازدياد الترابط بين دول وشعوب العالم هذا الترابط الذي تعبر عنه العولمة اليوم. مما زاد بشكل ملحوظ من نمو ونشاط المنظمات الدولية غير الحكومية التي تركز اهتماماتها على قضايا ذات طابع عالمي مثل حقوق الإنسان وتحقيق السلام. وغني عن البيان أن مثل هذه المنظمات ذات الطبيعة عبر القومية قد تتخذ كأداة للتأثير والضغط على صانعي السياسات العامة في الدول الأخرى، على مقتضى مصالح وأهداف الدول الكبرى وقوى العولمة، وهو ما نلمسه بوضوح في مجالات حقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر.
ورغم كل مظاهر عولمة السياسة إلا أن السياسة ستظل إلى وقت طويل محلية أكثر مما هي عالمية وسيظل المجال السياسي المحلي أكثر حضورا من المجال السياسي العالمي. ومهما انكمش العالم ومهما ازداد ترابطا، ستظل الدول الصغيرة منها والكبيرة مهمة ومحورية وستؤدي أدوارا حيوية وستتكيف مع متطلبات العولمة كما تكيفت معه الكثير من التغيرات في العالم على مدى عشرات العقود الماضية.
وبناء على ما سبق فإنه ليس غريبا أن يعاد النظر في الأدوار السياسية للدولة الوطنية، خاصة و أن هذه الأدوار بدأت تعرف تغيرا حقيقيا على المستويين الداخلي والخارجي .
و في هذا الإطار يرى دعاة العولمة أن مفهوم الحكم "Governance" هو الأكثر تعبيرا عن وتناسبا مع حقائق الواقع السياسي الوطني والدولي في الوقت الراهن، إذ لم تعد الحكومات وحدها هي التي تحتكر الوظائف السياسية في الدولة ( وظائف الحكم ) و إنما باتت تشاركها في هذه الوظائف جهات عديدة أخرى داخلية وخارجية، ومن ثم يمكن القول أن الحكم كنشاط لم يعد مقصورا على الحكومات ككيانات رسمية تستند في ممارستها لمهام الحكم إلى سلطة رسمية وإنما أصبحـت ممارسـة الحكـم متاحـة أمـام العـديد من القوى غير الرسمية سواء كانت وطنية
أو خارجية .6 ويرى البعض أنه ينبغي في هذا الصدد البحث عن صيغ جديدة لمفهوم السيادة الوطنية – في ظل حالة الانحسار التي تعرفها الدول الوطنية بفعل العولمة – و لعل إحدى هذه الصيغ ما يتم التعبير عنه بإيجاد "هيئة حاكمة – دون حكومات" تضبط آليات عمل العولمة . هذه الهيئة الحاكمة الدولية تعرفها جوزيفا لاروش بأنها : "تبدو كمجموعة من الضوابط الناتجة عن تعددية القوى والمكونات الفاعلة في إطار العولمة و التي أصبحت نشاطاتها متداخلة جدا ."7
و عندما تمارس هذه الهيئة الحاكمة الدولية مهامها يمكن أن تأخذ الإدارة العالمية الجديدة عدة مسارات واتجاهات مستقبلية محتملة :8
الاتجاه الأول : هو الاتجاه نحو السوقنة ؛ والذي يتضمن سيطرة الاقتصاد على السياسة حيث تسير السياسة بقوانين السوق ويتحكم منطق حرية السوق في الدولة، هذا الأمر يعني في المرحلة الأولى تجاوز الدولة ثم تهميشها وأخيرا انحسار دورها في الشأن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن ثم السياسي على الصعيد العالمي، ومن هنا يتضح أن الدور الأساسي للدولة – إذا أرادت الاستمرار- هو استعادة أولوية السياسة على الاقتصاد .
وفي هذا الصدد يقول كل من هانس بيتر- مارتن وهارالد شومان في كتابهما "فخ العولمة":"إن استعادة الإرادة السياسية، أعني أولوية السياسة على الاقتصاد هي المهمة المستقبلية الأساسية، فقد صار جليا استحالة الاستمرار في السير على هدى التوجه السائد الآن. فالتكيف الأعمى مع التغيرات التي تفرزها السوق العالمية يقود المجتمعات إلى فوضى لا مناص منها، إنه يقود إلى هدم البنى الاجتماعية، هذه البنى التي تشكل سلامتها ضرورة حتمية لهذه الدول، ولا طائل من انتظار ما تقدمه الأسواق و الشركات العابرة للقارات من حلول لمواجهة القوة التدميرية الآتية من أولئك الذين سيدفعهم التهميش والخسران إلى التطرف، فلا الأسواق ولا الشركات العابرة للقارات لديها الحلول لمواجهة هذه المخاطر... وسيكون من أهم الواجبات التي يتحتم على السياسيين النهوض بها، إصلاح الدول و إعادة أولوية السياسة على الاقتصاد ."9
الاتجاه الثاني:هو الاتجاه نحو الوحدنة والذي يبدأ بالاتجاه العالمي نحو التنسيق بين القوى الإقليمية والمؤسسات العالمية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية لإدارة شؤون العالم، على صعيد تطبيق التشريعات والسياسات وتحمل المسؤولية تجاه أمن، استقرار ومصير العالم .
ومن الجدير بالذكر أن جميع هؤلاء النشطاء قد أثبتوا أن الدولة الوطنية، ليست هي الأداة أو الوسيلة الوحيدة في إدارة السياسات العالمية، بل إن الدولة "المعولمة " أصبحت فاعلا من مجموع فواعل أخرى دون أن تفقد كليا دورها كراع للمصلحة العامة.10
ومن ثم فالتحول الذي حدث يتمثل في التحول من السيادة المطلقة إلى السيادة النسبية، وتبعا لذلك تمارس الدولة وظائفها في بعض المجالات بوصفها صاحبة السيادة والسلطان المطلق، وفي مجالات أخرى تمارس هذه الوظائف بوصفها تتمتع بالسيادة والسلطان النسبي، فالحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي وحماية الملكية العامة والخاصة تدخل في نطاق الوظائف التي تتمتع فيها الدولة بالسيادة المطلقة أو شبه المطلقة، في حين أن الوظائف التي تدخل في نطاق فرض الضرائب وتحديد التعريفة الجمركية على سبيل المثال، فإنها ستواجه بالعديد من القيود الخارجة عن نطاق سيطرة الدولة وتحكمها.
إن هذا الواقع الذي أفرزنه العولمة، يفرض على الدولة الوطنية في المجال السياسي الاضطلاع بالأدوار الآتية:
01 – الدور التطويري للدولة في ظل العولمة، ويشمل هذا الدور تطوير مؤسسة الدولة ذاتها والمؤسسات السياسية التابعة لها، هيكليا،وظيفيا وفكريا.
02- إعادة تنظيم العلاقة بين السياسة والمجتمع، فإن كانت فترة الحرب الباردة قد شهدت اتساعا للحيز السياسي الرسمي بحكم الواقع القائم آن ذاك، فإن المرحلة الحالية تشهد اتساعا ملحوظا لنطاق المجتمع المدني وانحسارا نسبيا للنطاق السياسي الرسمي، والأمر يتطلب الوصول إلى صيغة متوازنة بين النطاقين تكفل تحقيق التكامل والتوافق والانسجام فيما بينهما بما يؤدي إلى زيادة كفاءة و فعالية الإدارة السياسية للمجتمع .11
فالتحول الديمقراطي الناجح يحتاج إلى مجتمع قوي، ناضج و حديث، ولا يتعارض على هذا النحو مع وجود دولة قوية . بل على العكس يحتاج التطور الديمقراطي إلى دولة قوية منفتحة وحديثة .
03- الوظيفة التنظيمية للدولة وتدورحول قيامها بتنظيم عملية تحمل الالتزامات والمسؤوليات كفاعل دولي.12 بما يتلاءم و الحفاظ على كيانها الذاتي و يوفر لها القدرة على الوفاء بهذه الالتزامات والمسؤوليات تجنبا لأية ضغوط خارجية، هذا بالإضافة إلى ضرورة قيامها بتنظيم علاقاتها بالفاعلين الآخرين من غير الدول، بما يؤدي إلى زيادة قدرتها و كفاءتها في التعامل مع هؤلاء الفاعلين، وبما يساعدها على استيعاب المتغيرات النابعة من هؤلاء الفاعلين و المؤثرة عليها.13



02/ الدولة والتنمية: بين التنظيم والتدخل.
اختلفت الطروحات والمذاهب في تقدير دور الدولة، بناء على درجة التدخل التي يمكن أن تصلها الدولة في مجالات الحياة المختلفة، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى المذاهب الآتية:
أولا: المذهب الفردي
يعرف المذهب الفردي في مجال السياسة والاقتصاد باسم بديل عنه وهو" حرية الفرد في العمل" التي تدل عليها العبارة الفرنسية، " دعه يعمل، دعه يمر "Laissez faire , laissez passer" فهذه العبارة تعني أن يترك الفرد وحده يفعل ما يحب لأنه هو خير حارس لمصالحه الخاصة وهي توحي بأنه ينبغي ألا تتدخل الدولة في أفعال الفرد، حتى يكفل للفرد خير مجال لحرية تصرفه وتنمية قدراته ومصالحه، فوظائف الدولة تنظيمية بطريقة سلبية.
ولذلك يعد المؤيدون للنظرية الفردية الدولة شرا ضروريا، وإذ أنها شر ضروري فمن المرغوب فيه ألا يسمح لها إلا بأقل ما يمكن من التدخل، وعلى هذا النحو يقيد مجال نشاطها إلى أضيق حد ممكن، ويجب على الدولة أن تتدخل فقط عندما يعتدي الفرد على مصالح الأفراد الآخرين أو يهدد بالخطر السلام العام. ويقول جون ستيوارت ميل في ذلك:
" إن الحرية الوحيدة التي تستحق الاسم هي حرية السعي لتحقيق خيرنا الخاص طالما لا نحاول أن نحرم الآخرين أو نعوق جهودهم عن الحصول عليه. فكل فرد هو الحارس المناسب لصحته الخاصة سواء كانت بدنية أو عقلية أو روحية بالسماح لكل فرد أن يعيش حسبما يبدو صالحا للباقين."14
ويقول هربرت سبنسر:" الفرد ليس له سوى حق واحد، وهو حق الحرية المتساوية مع كل فرد آخر، وليس للدولة سوى واجب واحد، وهو واجب حماية ذلك الحق ضد العنف والغش"15
وهكذا ظهر المذهب الفردي الذي يقوم على أساس إعلاء، شأن الفرد، فالفرد في نظره هو الحقيقة الأولى التي سبقت قيام المجتمع المنظم، وهو الغاية من وجود هذا المجتمع لذا قرر أنصار المذهب الفردي أن أدوار الدولة تقوم على أساس فكرة الدولة الحارسة التي تقتصر وظيفتها على مجرد الوظيفة البوليسية التي تتركز فقط في المسائل الآتية:16
01- كفالة الأمن الداخلي، وذلك بالدفاع عن الأفراد ضد أي اعتداء خارجي.
02- صيانة الأمن الداخلي، وتوفير الأسباب التي تساعد على استتبابه.
03- الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد وذلك بإقامة مرفق القضاء
أما ما عدا ذلك من الأعمال وأوجه النشاط فهو محظور على الدولة، التي تبقى مسؤوليتها الأولى حراسة ما يتمتع به الأفراد من حقوق وحريات والمحافظة عليها وتقديسها والامتناع عن أي تدخل من شأنه أن ينال منها أو أن يضعف من كيانها.
ولتدعيم هذه الأفكار ساق دعاة المذهب الفردي العديد من التبريرات، وتتمثل أهمها في:
01- التبرير السياسي: يقرر أنصار المذهب الفردي أن الفرد هو الحقيقة الأولى السابقة على قيام الدولة وهناك حقوق وحريات تتلازم مع الفرد وتلتصق به ولا يمكن أن تنفصل عنه لذلك يتعين على الدولة ألا تتدخل أو تحد من هذه الحقوق والحريات الفردية من جهة، وأن تعمل على إنماء هذه الحقوق والتمتع بها من جهة أخرى. ومن ثم، فإن الواجب الأول للدولة هو أن تخلق الظروف التي تساعد الأفراد على ممارسة حقوقهم وحرياتهم بصورة حقيقية ومنظمة وإلا ضاع الهدف الذي قامت من أجله الدولة.
02- التبرير الاقتصادي: يستند إلى كون النظام الاقتصادي الحر يؤدي على كثرة الإنتاج وتحسينه نتيجة للمنافسة التي تحدث بين الأفراد من ناحية، ولأنه سيحفز الأفراد على الابتكار وبذل الجهد الخلاق تحقيقا لمصالحهم الشخصية من ناحية ثانية. ولن تتحقق هذه المزايا إلا بترك الحرية الكاملة للنشاط الفردي، ومنع الدولة من التدخل في مجالاته، ويعتقد الفرديون أن القوانين الطبيعية كفيلة بإحداث التوازن في الحياة الاقتصادية، وهم لهذا يحثون الحكومات على إلغاء الضرائب أو تخفيضها إلى أدنى حد.
03- التبرير النفسي: يبرر المذهب الفردي من الناحية النفسية، بأن المواهب والقدرات الفردية لا تظهر إلا إذا وجد الحافز الشخصي الذي يحركها، ومن هنا كان تدخل الدولة في حرية التصرف لدى الفرد يدمر إقدامه على الشروع في الأعمال واعتماده على نفسه، وهو يضعف إحساسه بالمسؤولية ويمتص أنشطته ويشل شخصية، وإن الفرد يستطيع أن ينمي شخصيته فقط في جو من الحرية الكاملة للعمل.
وبالإجمال فإن الفردية من وجهةالعدالة السياسية تقوم على محاولة آلية لفصل الحقوق الفردية والاجتماعية فصلا كاملا، وهي على أساس اقتصادي تغفل المنافع الواضحة للتعاون والجهود المنظمة. لذلك حتى الدول التي تبنت المنهج الذي تميله الفردية لم تكن مجرد دول بوليسية بل تحولت من الفردية التقليدية إلى الفردية الحديثة والفارق بينهما يكمن في أنه بينما أكدت الأولى بشدة على الفرد الذي قدسته ووضعته فوق كل اعتبار، فإن الفردية الحديثة تنازلت عن هذا المفهوم وركزت بدلا منه على المؤسسات الاجتماعية المختلفة في المجتمعات التي ينتمي إليها الفرد ويتحرك في إطارها والتي أصبحت تستقطب اهتمامه وتستحوذ على جهوده وطاقته.
فالفرد كما تقول النظرية الفردية الحديثة لا يساوي شيئا إذا عزل عن هذا الإطار الإجمالي، ففيه وحده ومن خلاله يستطيع أن يثبت نفسه وأن يؤكد تفوقه وامتيازه كما أنه بالتنظيمات الاجتماعية وليس بغيرها يمكن حماية الحريات الفردية وتحقيق الرفاهية للجميع.17
لقد كان المعنى السياسي الهام الذي تبلور عن هذا التراجع، هو أن الحساسية الشديدة بين الفرد والدولة والتي بالغ أصحاب المذهب الفردي التقليدي كثيرا في تصويرها لم تعد قائمةبنفس الدرجة وبالتالي فإن تدخل الدولة في مجالات لم تطرقها من قبل،لم يعد موضع معارضة أو تنديد من جانب الفرديين الجدد، على خلاف ما كان عليه الحال مع أسلافهم من المتطرفين، لذلك أصبحت حتى أكثر الدول رأسمالية، تتبنى المزيد من سياسات التدخل الحكومي، وتوسعت بذلك وظائف الدولة لتشمل:
- الإشراف على تنظيم المرافق العامة والصناعات ذات المساس المباشر بالمصالح الحيوية للجماهير.
- إصدار التشريعات الكفيلة بتنظيم العمل وحمايته، كالأخذ بمبدأ تعويض العمال عن إصابات العمل ووضع حد أدنى للأجور، وحد أقصى لساعات العمل.
- الإشراف على مشاريع الضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية باعتبار أن ذلك هو الإجراء الضروري لحماية مواطني هذه الدول من العلل والأمراض الاجتماعية التي تؤثر في أحوالهم المادية والنفسية وتؤدي إلى تدهور قواهم الإنتاجية.
- رعاية التعليم وتشجيعه وغالبا ما تتمثل هذه الرعاية في شكل توسع في إقامة المدارس والجامعات، ومراكز البحث العلمي المتخصص، وربط هذه المراكز بمؤسسات الإنتاج لكي يكون العلم في خدمة الحياة والمجتمع.
وهكذا اتضح أن اقتصار مهمة الدولة على حراسة الحقوق والحريات الفردية دون تدخل إيجابي من جانبها لدعم هذه الحقوق أو تطويرها أو توسيع نطاقها، هو ادعاء غير منطقي وغير واقعي، فقد أدت ظروف التطور الاجتماعي التي تمر بها معظم الدول في العصور الحديثة إلى مطالبة الدولة بالتدخل لتوفير طائفة من الحقوق الجديدة للأفراد تعرف بالحقوق الاجتماعية.
ثانيا: المذهب الاشتراكي.
يتناقض المذهب الاشتراكي مع المذهب الفردي في الأساس الذي يقوم عليه، وذلك لأنه إذا كان الفرد يعتبر حجر الزاوية التي قام عليها المذهب الفردي وهدفه وغايته، فإن الجماعة هي غاية المذهب الاشتراكي.
وإذا كانت الدولة في المذهب الفردي تعمل على إعلاء شأن الفرد وحماية حقوقه وحرياته وإطلاق نشاطه وقدراته ليحقق مصلحته الخاصة، دون أن تخرج على الحدود الضيقة التي تمارس فيها وظائفها كدولة حارسة، فإنها تضطلع بأعباء جسيمة وتقوم بمهمة ثقيلة في المذهب الاشتراكي، إذ أنها تمتلك جميع وسائل الإنتاج وتديرها في سبيل المساواة الفعلية بين الأفراد.
فالفكرة الأساسية في المذهب الاشتراكي تكمن في تدخل الدولة لتستغل موارد الإنتاج لا من أجل ربح طبقة الرأسماليين، ولكن من أجل الخدمة العامة للشعب وتتدخل الدولة بصفتها هيئة غير منحازة إلى أي طبقة معينة، ومهمتها الأساسية هي خدمة مصلحة الشعب العامة عن طريق توزيع الثروات وتحقيق الأمن والاستقرار السياسي.18 وبذلك يفسح المذهب الاشتراكي المجال للدولة لكي تنطلق خارج الحدود التقليدية التي كان المذهب الفردي قد رسمها لممارسة وظائفها، إذ تمتلك الدولة جميع وسائل الإنتاج من زراعة وتجارة وصناعة، وتقوم بإلغاء الملكية الفردية، وتتولى الشؤون الاقتصادية والتعليمية والصحية، من أجل تأمين أفراد الشعب اقتصاديا صحيا واجتماعيا.ولهذا يتعاظم دور الدولة الاشتراكية وتتضخم المهام التي تقع على عاتقها، فتعمل على تدعيم جهازها التنفيذي، وتقوية إدارته وزيارة سلطاته، لكي ينهض بهذه الأعباء الضخمة ويضطلع بتلك المسؤولية الجسيمة، مما يؤدي في النهاية إلى هيمنة السلطة السياسية على مقدرات الدولة.
وقد استند أنصار المذهب الاشتراكي إلى عدة حجج وأسانيد لتبريره، يمكن إجمالها فيما يأتي:
01- تحقيق المذهب الاشتراكي للعدالة، وذلك بالقضاء على ظلم النظام الرأسمالي المتولد عن المذهب الفردي، للطبقة العريضة الكادحة من العمال.
02- يؤثر المذهب الاشتراكي مصلحة المجتمع ويعليها فوق مصالح الخاصة، و يضحى بالمصلحة الفردية من اجل تحقيق المصلحة العامة.
03- حقق تدخل الدولة نجاحا باهرا في المجالات التي كانت مقصورة على النشاط الفردي في ظل النظام الرأسمالي، والتي لا يقدر النشاط الفردي على تحقيقه بإمكانياته المحدودة.
04- في ظل الاشتراكية لا يكون الربح هو المنظم للنشاط الاقتصادي، وإنما يقوم التنظيم على ما يسمى "التخطيط"، فيجب أن يكون في كل مجتمع اشتراكي هيئة تسمى عادة هيئة التخطيط تقرر سنة بعد سنة أنواع الحاجات التي سوف تنتجها والنسب التي بها تنتج، وغياب التخطيط تترتب عنه الفوضى الشديدة التي ينزلق إليها النظام الاقتصادي من وقت إلى آخر.19
05- دور الدولة الاشتراكية لا ينحصر في توجيه الاقتصاد الوطني وخدمة المصلحة العامة فقط بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فالدولة تعمل جاهدة لزيادة الإنتاج واستثمار الأموال الطائلة في المشاريع التي لا يمكن جني ثمارها إلا في المدى البعيد، وإذا كانت الأموال التي يستثمرها القطاع الخاص في المشاريع تجلب الأرباح في المدى القصير، فإن الدولة لا تستعمل هذا المقياس، وإنما تراعي مقياسا آخر وهو مضاعفة الإنتاج وتوسيع النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، بحيث يجد كل مواطن بلغ سن العمل الفرصة للشغل وقضاء حاجاته بسهولة.20
ومع أنه من الصعب تعداد جميع الوظائف التي تقوم بها الدولة في المذهب الاشتراكي إلا أننا نحاول تلخيصها فيما يأتي:
- المحافظة على الأمن الذي يعتبر من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الدولة التي عليها تأمين المواطنين من أي عدوان خارجي بالإضافة على توفير الأمن الداخلي.
- الإشراف على التنمية الاقتصادية من خلال إقامة المشاريع الصناعية والبحث عن مصادر جديدة لتمويلها وتطوير الزراعة، تحسين وسائل النقل وإقامة المنشآت القاعدية اللازمة لذلك، والعناية بالمؤسسات السياحية التي تقيمها الدولة.
- التنشيط الثقافي والاجتماعي، الذي يعتبر من أهم اختصاصات الدولة، من خلال توسيع النشاطات الثقافية وضمان التعليم للجميع مجانا، بالإضافة على الرعاية الاجتماعية لمختلف فئات المجتمع في مجالات كثيرة منها الصحة، الضمان الاجتماعي...
ولقد اقتربت الأنظمة الليبرالية من المثال الاشتراكي عندما تحولت إلى ما يعرف بدولةالرفاه 21حيث تضطلع الدولة بتقديم الخدمات العامة ليس انطلاقا من التسليم بمسؤولية الدولة عن أمن المواطنين وحسب، بل عن توفير سبل العيش والعناية برفاههم المعاشي والصحي والثقافي أيضا وفي ذلك توسيع لدور الدولة في مسار المجتمع في مختلف الميادين.
أما الدول التي تبنت المذهب الاشتراكي فقد تخلت عنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واندثار المعسكر الشرقي، ولا زال أغلبها يعيش الآن مرحلة " التحول" إلى النظام الليبرالي المعتمد على المذهب الفردي. الذي يشهد هو الآخر في الآونة الأخيرة دعوات لمراجعته خصوصا بعد الأزمة المالية الحالية التي قد تعيد النظر في كثير من الأفكار والطروحات الرأسمالية.
ثالثا: المذهب الاجتماعي.
يمثل المذهب الاجتماعي"Doctrine Sociale" موقفا وسطا بين المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي، إذ لا يذهب إلى ما ذهب غليه لمذهب الفردي من إطلاق الحرية لنشاط الأفراد دون قيود، مع تحديد نشاط الدولة في مجالات محددة لا تتخطاها.
كما أنه لا يوافق المذهب الاشتراكي في إعطاء الدولة حق التدخل في كافة المجالات التي كان المذهب الفردي يحظر عليها ارتيادها. وإنما يسمح للدولة بالتدخل بقدر معين لتحقيق مصلحة الجماعة وتحقيق أهدافها، مع ترك الأفراد يتمتعون بحقوقهم الفردية دون إلغائها، باعتبارها منح يحددها القانون، ويعد لها، ويبين مضمونها وشروط ممارستها وليس باعتبارها حقوقا طبيعية مقدسة لا يجوز المساس بها.22
وقد أقر المذهب الاجتماعي حق الدول في التدخل في العديد من الأنشطة التي يحظرها عليها المذهب الفردي، سواء في المجال الاقتصادي أوفي ميدان التعليم والصحة العامة.
وعلى هذا الأساس، يكون للدولة- في ظل المذهب الاجتماعي- دور إيجابي في المجالات المختلفة للأنشطة لا مجرد دور سلبي كدولة حارسة كما كانت في ظل المذهب الفردي ولكنه لا يصل إلى حدود دورها في نطاق المذهب الاشتراكي حيث تملك وسائل الإنتاج وتقوم بإلغاء الملكية الفردية.
وتتدخل الدولة بطريقتين أساسيتين: أحيانا تكتفي بتنظيم فعاليات الأفراد، وأحيانا تسيطر هي نفسها على هذه الفعاليات وتأخذها على عاتقها بشكل مصلحة عامة أو مشروع وطني.23
فالدولة تنظم وتراقب الفعاليات التي من شأنها أن تكون خطرا على الأفراد وعلى النظام العام وإلى جانب التنظيم تلجأ الدولة على طريقة المصلحة العامة والمشروع الوطني.كما هو الحال مثلا مع المشروعات الكبرى كالسكك الحديدية،توزيع الغاز والكهرباء والمساعدة والأعمال الخيرية التي كانت فيما ممضى متروكة إلى حد كبير بين أيدي الأشخاص المحسنين.
بيد أن المذهب الاجتماعي، لا يعد في نظر الكثيرين مذهبا قائما بذاته، له أصوله وقواعده المحددة، وإنما يمثل في الحقيقة مجموعة مذاهب أو نظريات لبعض المفكرين مثل أوجست كونت الذي أسس المدرسة الوضعية في القانون "Ecole positiviste" والعميد ليون ديجي"L. Duguit" صاحب نظرية التضامن الاجتماعي الشهيرة.
وتتلخص نظرية ديجي في أن الفرد يشعر بالرغبة في الحياة المشتركة والتضامن مع باقي الأفراد لإشباع حاجاته الخاصة عن طريق تبادل الخدمات والمنافع، رغم أنه يتمتع بذاتية وميول خاصة. وهذا التضامن الاجتماعي هو الذي يحدد نشاط الأفراد وحقوقهم، وأن عليهم أن يتعاونوا لتطوير وتدعيم هذا التضامن الاجتماعي فيما بينهم.24
وبناء على ذلك، تقوم الدولة بتحديد وتنظيم الحقوق الفردية طبقا لمقتضيات التضامن الاجتماعي، فتخطط الدولة وتضع مؤشرات للقطاع الخاص، بل تدخل بنفسها كمنتج أحيانا .
وهذا يساهم دون شك في نفي الفروق العظيمة في الدخل، فلا نجد ثروة عظيمة من ناحية وفقرا مدقعا من ناحية أخرى، مما يساعد على الاستقرار والتقدم.25 فالمذهب الاجتماعي يفتح الطريق أمام المواهب الفردية ولا يتركها تضيع بسبب افتقاد الفرصة، وذلك عن طريق توفر التعليم المجاني ووجود نظام رحب في الخدمات الاجتماعية المختلفة كالصحة، المنح الدراسية الضمان الاجتماعي...
ولقد أحدث المذهب الاجتماعي أثرا ملحوظا في دول العالم المعاصر- ومنها الرأسمالية- إذ انتهجت معظمها سياسة التدخل"L’interventionnisme" في الكثير من الميادين ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وتبدو فرنسا المثال الواضح في هذا المجال.
03/ الدولة و التنمية: واقع جديد... أدوار جديدة.
مع التغيرات السياسية التي سبقت الإشارة إليها لا يمكن إغفال دور الدولة في التنمية خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لأنهما الأكثر بروزا في أي حديث عن التنمية وهذا ما سنتناوله في العنصرين الآتيين:
أولا: الأدوار الاقتصادية.
خضع دور الدولة وتدخلها في الشؤون الاقتصادية أو عدمه، لجدلية تاريخية طويلة عبر مسيرة الرأسمالية فلقد أسهمت الدولة الحديثة منذ قيامها في تطور الرأسمالية. إذ ساعدت على تحقيق التراكم الرأسمالي وإقامة الصناعات على نحو مباشر وغير مباشر في البداية، فاتسع نطاق تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وأخذ إجراءات واتجاهات متعددة تصب في خدمة استكمال بناء مرحلة التراكم الرأسمالي وإقامة الصناعات.
وبعد أن تم استكمال بناء الرأسمالية، دخل دور الدولة مرحلة جديدة، حيث أصبح تدخلها في الحياة الاقتصادية يشكل عبأ على الرأسمالية. مما أدى إلى الدعوة إلى تقليص هذا الدور بعد أن تخطى الاقتصاد الرأسمالي مرحلة تحقيق التراكم. وظهر تعبير "الدولة الحارسة" الذي يشير إلى اختصار وظيفة الدولة في تهيئة المناخ المناسب للأفراد ضمن المجتمع ليمارسوا أعمالهم بحرية تكاد تكون تامة.26
وتوضيحا للدافع الخفي الذي يقف وراء تبني دعاة العولمة لهدف إضعاف الدور الاقتصادي للدولة، يرى البعض أن القوى الرأسمالية في مراحل نشأتها الأولى قد اتخذت من الدولة الوطنية أداة لتحقيق أهدافها، إذ أسهمت أجواء الأمن والديمقراطية والاستقرار السياسي، التي كفلتها الدولة في انتعاش القوى الرأسمالية محليا، ثم اتخذت الرأسمالية من القوة العسكرية للدولة أداة لتوسيع نطاق سيطرتها عالميا من خلال مرحلة التوسع الاستعماري. أما الآن فقد استشعرت الرأسمالية أنها قد وصلت إلى مرحلة النضج وإمكانية الاعتماد على الذات، ومن ثم لم تعد بحاجة إلى دور الدولة بل أكثر من ذلك، لقد أصبحت الدولة –من منظار القوى الرأسمالية –تمثل قيدا أو عائقا يكبل حركة الرأسمالية ويعرقل جهودها قي تحقيق أهدافها، ومن ثم جاءت الدعوة إلى إحلال الشركات متعددة الجنسيات محل الدولة. وهكذا تحددت مهمة الدولة في عصر العولمة - من وجهة نظر الليبراليين الجدد - في كونها مجرد مضيفة للشركات متعددة الجنسيات.27
وهكذا أخذت الشركات متعددة الجنسيات تحل تدريجيا محل الدولة، إذ لم تعد حدود الدولة الوطنية هي حدود السوق الجديدة، بل أصبح العالم كله مجالا للتسويق، سواء كان تسويقا لسلع تامة الصنع أو لمستخدمات وعناصر الإنتاج أو لمعلومات وأفكار، فقفزت بذلك فوق أسوار الدولة، وأخذت هذه الأسوار تفقد قيمتها الفعلية، بل أصبحت أكثر فأكثر أسوارا شكلية، سواء تمثلت في حواجز جمركية أو حدود ممارسة السياسات المالية والنقدية، أو حدود السلطة السياسية أو حدود بث المعلومات والأفكار.
والشركات متعددة الجنسيات لا تقوم بإحداث هذه التغييرات والتعديلات وحدها، بل تستعين بجهود هيئات ومؤسسات أخرى، منها المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين ومنها وكالات الأمم المتحدة ومنها مختلف وسائل التأثير في الرأي العام.
وفي معرض دفاعهم عن هذه الأفكار، يقول أنصار العولمة أن الاقتصاد المعولم بتحرره من السياسة يسمح للشركات والأسواق و عوامل الإنتاج بأن تحظى بقدر وفير من الأفضلية، دون أن يشوهها تدخل الدولة ويزعمون أن التجارة الحرة والشركات متعددة الجنسيات وأسواق رؤوس الأموال العالمية قد حررت الأعمال الاقتصادية من قيود السياسة، وهي قادرة على تزويد الناس في أرجاء العالم بأرخص المنتجات وأكثرها كفاءة.28
وتستهوي هذه الأفكار العديد من الاقتصاديين والسياسيين في العالم الثالث، الذي اختارت معظم دوله طريق التخطيط الاقتصادي واستأثرت بسلطة سياسية متعاظمة استخدمتها من أجل فرض خياراتها على المجتمعات، فاستحوذت على كل المقدرات والموارد الاقتصادية وأخذت على عاتقها توفير كافة الخدمات وإعالة أهل الكفاف، إلا أنها في التنفيذ عجزت عن تقديم هذه الخدمات بالشكل وبالمستوى المطلوب وتعثرت خطط النمو الاقتصادي وعجزت عن المنافسة وشاعت ممارسات الاقتصاد السري والسوق السوداء، وحالات التهرب من الضرائب وعدم احترام القوانين.29 وهذه السمات قد يعبر عنها اسم"الدولة الرخوة The soft State و هو اسم استخدمه غنار ميردال""Gunnar Myrdal في أواخر الستينيات من القرن الماضي.30
كل هذه العوامل دفعت الدولة الوطنية في العالم الثالث إلى التخلي عن التزاماتها التقليدية أو التحلل من كثير من وظائفها الاقتصادية، وسعت إلى قصر أدوارها على الأمن والرقابة والعدالة وجاءت إفرازات العولمة لتعزز هذا التوجه وتدفع به قدما.
وبذلك ستكون دول العالم الثالث الأكثر تأثرا بالتحديات التي تفرضها العولمة، نتيجة ضعف أجهزتها وهشاشة مؤسساتها في بعض الحالات، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مع نقص إمكانات الدولة وعدم توفر القدرات المناسبة للتصدي للمشكلات، فضلا عن تدني القدرات التقنية للكثير من دول العالم الثالث. بينما تقوم الدول الرأسمالية في النظام الرأسمالي العالمي بالعمل على تأمين سلامة نظامها وتوسيعه، عبر تحقيق حرية التجارة الخارجية وحرية انتقال رؤوس الأموال.
لقد شكلت الدولة الوطنية العنصر الأساسي في مفهوم الاقتصاد الدولي، وتشكل الشركات متعددة الجنسيات العنصر الأساسي في مفهوم العولمة.ورغم ذلك لازالت الدولة في عصر العولمة مطالبة بأداء الأدوار الاقتصادية الآتية:
01 –وضع القواعد القانونية المنظمة للنشاط الاقتصادي وتوفير الضمانات القانونية والإدارية لقيام القطاع الخاص بدوره في النشاط الاقتصادي مع متابعته، ووضع الضوابط اللازمة لامتثاله للقواعد القانونية المنظمة لنشاطه. ومن ثم فوضع القواعد القانونية وحده لا يكفي، وإنما لابد وأن يرتبط به القيام بمهمة المتابعة ووظيفة الضبط الملزم للامتثال لهذه القواعد.
02 – توفير الظروف الملائمة للمنافسة و منع الاحتكار، وذلك من خلال مبدأ الشفافية في المعاملات والمعلومات، فلا يمكن للدولة الوطنية - مثلا- أن تحمي المهن التي تندثر نتيجة التطور والتقدم التقني والمنافسة العالمية، إنما يمكنها إدارة التحول بشكل يدفع العاملين إلى التكيف مع الأوضاع الجديدة. والسعي إلى مقاومة الفساد.31
03 – وضع منظومة من السياسات المالية والنقدية المرنة، القادرة على تمكين الدولة من إدارة النشاط الاقتصادي وتوجيهه، بما يحقق الأهداف المطلوبة للدولة ككل، ويعالج أي خلل في التوجهات الاقتصادية التي يمكن أن تحدث لنظام اقتصاد السوق.
04 – إدارة الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية المحتملة، من خلال وضع منظومة من السيناريوهات المحتملة وتطويرها باستمرار، وإعداد فرق لإدارة الأزمات الاقتصادية المتوقعة والمحتملة.
وقد خصص البنك الدولي تقريره السنوي عن التنمية في العالم عام1997 لموضوع"الدولة في عالم متغير" وحدد التقرير الأدوار الاقتصادية للدولة على النحو الآتي:
- إيجاد قاعدة أساسية من القانون وحماية حقوق الملكية.
- توفير بيئة مناسبة للسياسة العامة تتسم بالشفافية والمرونة وعدم الفساد.
- الاستثمار في البشر والأبنية الأساسية.32
إن هذه الأدوار المحددة تمكن الدولة من مواجهة انفتاح الأسواق وانتقال رؤوس الأموال والمشكلات الاقتصادية المستجدة. حتى تظل الدولة حارسة للصالح الوطني العام بدلا من أن تكون حارسة لرأس المال العالمي ومصالح الشركات متعددة الجنسيات.
ثانيا: الأدوار الاجتماعية.
ظلت الدولة كصورة من صور التنظيم السياسي والقانوني للسلطة السياسية في المجتمعات تضطلع بدورها عبر العصور من خلال استهدافها تحقيق الخير العام لأعضاء المجتمع ككل. وهذا ما يصطلح عليه" بوظائف الرفاه العام "، التي يقصد بها جميع وظائف الدولة التي يؤدي قيامها بها إلى التحسين المباشر للأحوال التي يعيش المواطنون أو يعملون في ظلها، كتحسين الصحة والسكن والضمان الاجتماعي وما شابهها من متطلبات الحياة الكريمة. وهذه الوظائف هي التي تجعل الدولة أداة للخدمة لا أداة للسيطرة.33
وقد وجدت هذه الفكرة قبولا واسعا خاصة منذ بدايات القرن العشرين.34 فكانت الدولة تحرص على الرعاية الاجتماعية لمواطنيها، فيما يتصل بتوفير الغذاء والإسكان والتعليم والرعاية الصحية والحد الأدنى للأجور. كما واكب ذلك أيضا تبني سياسات الضرائب التصاعدية التي تستهدف إعادة توزيع الدخل على المستوى الوطني تحقيقا للعدالة الاجتماعية.ودعما للطبقات المتوسطة التي تعتبر عماد الاستقرار والتوازن في المجتمع، وقد أدى هذا الاتجاه والسياسات التي تولدت عنه إلى إيجاد ما عرف بمصطلح" دولة الرفاه"( Walfer State) في الولايات المتحدة الأمريكية ونظم الاشتراكية الديمقراطية في دول أوربا الغربية.35
ويمكن القول بأن العوامل الباعثة على الأخذ بهذه السياسات – خلال القرن الماضي –والتي كانت تتمثل في الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي وانتشار النزعات الديمقراطية الجماهيرية، وزيادة قوة النقابات العمالية، فقدت تأثيرها فلم تعد تحظى بنفس القدر من الاهتمام في ظل العولمة. حيث أخذ رأس المال الأجنبي يمارس ضغوطا متزايدة على الحكومات لخفض الضرائب، وأصبح تقليص الإنفاق الحكومي على برامج الرعاية الاجتماعية يمثل السمة الغالبة على كافة برامج الإصلاح" Reform" الاقتصادي في دول الشمال، وبرامج التكيف "Adjustment" في دول الجنوب، وكذا برامج التحول "Transition" في دول الكتلة الاشتراكية السابقة.36
وإذا كنا اليوم نتحدث عن عالم يزيد تكامله وتقل عدالته، فإننا نتحدث في اللحظة نفسها عن الحاجة إلى الوظيفة الاجتماعية للدولة. يصدق هذا التحليل بالأساس على دول العالم الثالث حديثة الوفود إلى الساحة الرأسمالية، والتي أورثها إطلاق قوى السوق مشاكل جسيمة لا قبل لها بها، لكن دول العالم المتقدم العريقة في التقاليد الرأسمالية، غير معفية بالكامل من مشاكل من النوع نفسه، ففي دول الاتحاد الأوربي- قبل توسيعه مؤخرا- مالا يقل عن 18 مليون عاطل، كما أن 17 % من سكانه يعيشون تحت خط الفقر.37
وأوضاع كهذه تتطلب من الدولة الوطنية الاضطلاع بمجموعة هامة من الوظائف الاجتماعية يمكن إيجازها فيما يأتي:
01 – تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في المجالات المختلفة من خلال آليات و وسائل جديدة تقوم على أساس الشراكة بين الدولة والمواطنين وقوى المجتمع المدني، ومن خلال الأسلوب اللامكزي في تحديد الاحتياجات توفير الوسائل والسبل الملائمة لتلبية هذه الاحتياجات، و هو ما يعني إحياء دور المجتمع المدني في مجال تقديم هذه الخدمات.
02- تطوير نظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات بما يتلاءم والظروف الجديدة وابتكار الوسائل الملائمة لإدارة واستثمار أموال التأمينات الاجتماعية، بما يؤدي إلى توفير موارد جديدة لتمويل نظم هذه التأمينات.
03- الاهتمام بمشكل الفقر من خلال توفير آليات نابعة من خبرة المجتمع من خلال التكافل الاجتماعي والتحول من أسلوب تقديم الإعانة إلى أسلوب المساعدة على الخروج من دائرة الفقر.38
04- علاج الجوانب الاجتماعية لمشكلة البطالة، من خلال التعامل مع المجتمعات المحلية وتحديد طبيعة المشكلة لكل مجتمع محلي، والبحث عن أساليب نابعة من هذه المجتمعات المحلية لعلاج مشكلة البطالة بها.
05- إدارة الصراع الاجتماعي في أبعاده ومستوياته الجديدة المتداخلة والمعقدة وبما يؤدي إلى تقليل حدة العنف الاجتماعي لأقل درجة ممكنة، وهو ما يحقق الدرجة الملائمة من الاستقرار الاجتماعي، وذلك عن طريق الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص وقوى المجتمع المدني.39
06- الاستثمار في مجال تنمية الموارد البشرية في التعليم والتدريب، لأن الدولة الوطنية تحتاج إلى مزيد من العلم والمعرفة والخبرة خاصة في مجالات الاستثمار والإنتاج، من أجل مواجهة التحديات الناشئة عن تطبيق آليات السوق. مما يتطلب دعم جسور التعاون بين مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث العلمي من جهة وبينها وبين المجتمع ومؤسساته المختلفة من جهة أخرى. بالإضافة إلى تنمية وتشجيع ملكات الإبداع بمختلف الحوافز المادية والأدبية.40 ولأن محور الانقسام الاجتماعي قد صار بين من يعلمون ويعرفون ومن لا يعلمون ولا يعرفون، فإن قيام الدولة بتوفير الفرص المتكافئة للراغبين في التعليم والقادرين عليه واكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لعصر العولمة، يمثل جوهر تحقيق العدالة الاجتماعية في هذا العصر.
ولاشك أن الحديث عن دور الدولة في مجال التعليم، يدفعنا للتساؤل عن الوظيفة الثقافية للدولة في عصر العولمة . وفي هذا الإطار لابد من التذكير أن العولمة تشكل تحديا للسيادة الثقافية للدول، مما يستتبع تأثيرا على خصوصيتها الثقافية. لذا على الدول اليوم أن تعمل جاهدة من أجل تجديد ثقافتها وجعلها أكثر فعالية في ضوء العولمة، التي أصبحت خلالها المنافسة بين النماذج الثقافية على مستوى القيم والإنتاج والتنظيم قوية قوة المنافسة الدائرة بين النماذج الاقتصادية المختلفة.
وعلى هذا الأساس، تسعى الدول إلى المحافظة على ثقافاتها والحيلولة دون تذويبها. ولن يكتب للدولة الوطنية النجاح في مسعاها هذا، إلا إذا قامت بأداء الأدوار الثقافية الآتية :41
01- أن تنمي في داخلها قيم الحرية و الانفتاح و الحوار و العدالة، ذلك أن هذه القيم هي التي تجعل ثقافة ما أكثر جاذبية من غيرها.
02- خلق تزاوج فعال بين الثقافة والتقانة الحديثة، مما يجعل الثقافة سلعة ذات جاذبية عالية يصبح من السهل قبولها والتعامل معها .
03- على الدول التي تهدف إلى مواجهة التهديدات الثقافية للعولمة تقليل اعتمادها على الخارج عن طريق العمل من أجل تقديم منتوج ثقافي يكون الأرقى والأجود .
04- الدول التي تتكون من مجموعات عرقية وثقافية مختلفة عليها العمل على تفعيل التنوع الثقافي فيها بالشكل الذي يساهم في إغناء الثقافة الوطنية، ويحول دون إثارة الصراعات والانقسامات العرقية والثقافية التي نجدها اليوم أكثر بروزا.42
وما يمكن استنتاجه أنه مع مفاهيم العولمة والطابع الكوني للاقتصاد وانتشار القيم الديمقراطية لم تعد الدولة المورد الوحيد للخدمات الاجتماعية، بل دخل القطاع الخاص، وزاد دور الفواعل الأخرى، وأضحى واجبا على الدولة إحداث مزيد من التغيير لتتلاءم مع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** فضاء جامعة 08 مــــــاي 1945 ******* :: قسم خاص بالملتقيات والمنتديات-
انتقل الى:  
1