الإخوان المسلمون والفكر السياسي فى الإسلام ... ___________________________________________

فى البداية ولتحديد الفكر السياسى فى الإسلام ، وعملية بناء الدولة وفقا له يستحسن أن نقدم تعريفا لماهية السياسة ولماهية الدولة :
أ) مفهوم السياسة
للسياسة تعريفات متعددة منها :
- أنها فن الحكم وتسيير الدول
- أو هى القوة او القدرة على الوصول إلى المراد .
- أو هى فن التنازلات المتبادلة والاجماع
ويعرفها الامام ابن القيم فى (السياسة الحكيمة) قائلا :
السياسة ما كان فعلا يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وإن لم يضعه رسول ولا نزل به وحى ، فأى طريق استخرج به العدل فهو من الدين .
ب) مفهوم الدولة :
الدولة هى الجهة التى تملك شرعية استخدام القوة أو السلطة
أو هى الهيئة السياسية المستقلة بتنظيم الحياة العامة على مساحة من الأرض عبر مؤسسات دائمة ، والسلطة هى القوة المشروعة .
التربية عموما :
إذا كانت التربية تعنى تنمية جوانب الشخصية الإنسانية ، تنمية متوازنة ومتكاملة ، فإن التربية السياسية تعتبر بعدا رئيسيا من أبعادها ، باعتبار ان الإنسان كائن سياسى ، وكما أن للتربية وظائف فكرية ، او خلقية واقتصادية ، فإن لها أيضا وظيفة سياسية تقوم بتحقيقها المؤسسات التعليمية .
أولا: التربية السياسية :
هى التى تعد المواطنين لممارسة الشئون العامة فى ميدان الحياة عن طريق الوعى والمشاركة ، وعن طريق اعدادهم لتحمل المسئولية ، وتمكينهم من القيام بواجباتهم والاستمساك بحقوقهم ، وهى التى تقوم بعملية نقل القيم والمعتقدات السياسية من جيل إلى آخر ، وتبدأ فى مرحلة مبكرة من العمر ، وتستمر طوال سنوات الحياة .
أهمية التربية السياسية :
وهى ضرورة للمجتمع المصرى الذى ظهرت فيه عوامل عديدة ومتداخلة ( مشكلات عدم الانتماء واللامبالاة والاحجام عن المشاركة الساسية ، والادمان وغيرها) ، إذ أن العنصر التربوى الأساسى الذى يشعر الفرد بقيمة المواطنة الحقة ، ثم تبث فيه صفاتها ويركزها حتى تتحول إلى الوطنية الصادقة ، وهى التى تنمى الشعور بالانتماء والمسئولية ، والاعتزاز بالشخصية الوطنية والقومية للفرد والجماعة على حد سواء ، وهذه مطالب ماسة وأكثر الحاحا فى مجتمعنا ، وتفهم مشكلات مجتمعه ، وهى أيضا ضرورة لإنماء الوعى السياسى والاجتماعى – الضرورى لعملية التنمية – الذى لا يوجد ولا يتنامى إلا إذا تهيأ لأهم عناصره وهو عنصر التربية السياسية جو ملائم لنموه .
التيارات السياسية فى مصر منذ عهد اسماعيل حتى 1954م :
سادت تلك الفترة عدة تيارات سياسية بجانب جماعة الإخوان المسلمين أهمها :
1- التيار الاصلاحى الدينى ( جمال الدين الأفغانى – محمد عبده ، رشيد رضا ...)
2- التيار الليبرالى المتأثر بالغرب والثورة الفرنسية خاصة ( لطفى السيد – يعد زغلول)
3- التيار الاشتراكى الذى بدأ يقوى فى الأربعينات حتى هيمن فى الستينات.
قامت جميعها بدور فى التربية السياسية فى مصر ، غير انها لم تخل من خلل وأوجه قصور ، كما انها كانت جزئية ، بمعنى انها لم يكن لها منهاج للنهضة ينتظم شئون الحياة كلها – ما عدا التيار الاصلاحى – انطلقت من منطلقات غير اسلامية مما أفقدها فاعليتها فى مجتمع من خصائصه الأساسية : العبادة والتدين
دور الجماعة
قامت من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاجتماعية والخلقية مستمدة من الإسلام ، واعتمدت التربية والإصلاح السياسى سبيلين أساسيين لتحقيق تلك الأهداف .
ويقول المرشد الأول : ( يجب ان تكون دعامة النهضة التربية ، فتربى الأمة أولا ، وتفهم حقوقها تماما ، وتتعلم الوسائل التى تنال بها الحقوق ، وتربى على الإيمان بها ، ويبث فى نفسها هذا الإيمان بقوة ، أو بعبارة أخرى تدرس منهاج نهضتها درسا نظريا وعمليا . ومن اجل هذا يجب ان تعد البلاد التى تود النهضة مدرسة : طلبتها كل المواطنين ، وأساتذتها الزعماء وأعوانهم ، وعلومها الحقوق والواجبات العامة ، ومن اجل ذلك أيضا يجب ان ينظم امران هما :
المنهاج والزعامة ، على هذه القواعد بنى مصطفى كامل وفريد ومن قبلهما جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده نهضة مصر ، ولإفهام الناس هذه الحقيقة قامت جمعية الإخوان المسلمين. (مذكرات الدعوة والداعية)
والدلالة البارزة فيما سبق هى :
ان وسيلة النهوض المصرى عند الإخوان المسلمين – هى التربية السياسية للمواطنين جميعا ، وان الجماعة قامت لهذا الغرض ، واستمرت تقوم بهذا العمل رسميا فى مصر منذ عام 1928م حتى 1948م ، ومن عام 1950 حتى 1954 ، وتذكر الدراسات ان شعب الإخوان كانت مدارس للوطنية وانهم قاموا بعدة خدمات سياسية قومية منها :
1- محو الأمية السياسية من الأوساط الشعبية فى المدن والقرى .
2- حث الأوساط الشعبية على المشاركة فى الأعمال الوطنية ، وربط تلك الأوساط بالحياة الاجتماعية .
3- تنوير الأذهان بحقيقة ما يدور فى الموقف السياسى .
4- إحياء روح الكفاح بين الشعب ن وتربية جيل مستعد للتضحية فى سبيل الدفاع عن الوطن .
ونستطيع القول ان الجماعة كانت (فى الفترة من 1928 حتى 1954) أكبر جماعة دينية سياسية فى مصر على مستوى الأهداف والتنظيم وجوانب الحركة .
وأنها كانت تيارا سياسيا جماهيريا فاقت شعبيته الكثيرين غيره ( وصل تعداده إلى نصف مليون من الأعضاء النشيطين عام 1948 وإلى حوالى مليون عام 1953 ، وانهم شكلوا جزءا لا يتجزا من الحركة الوطنية ، وانها كانت ذات دور سياسى مؤثر وحاسم فى تاريخ مصر ، تعدى ما كان لمعظم الأحزاب السياسية الرسمية فى مصر .
وأنها لم تمارس ذلك فى الماضى فقط ، بل استمرت فى ممارسة بعض نشاطها منذ عام 1976 (إعادة اصدار مجلة الدعوة – والمطالبة بعودة جماعتهم رسميا وتناول القضايا الوطنية سياسيا واجتماعيا ، والمشاركة فى انتخابات 1984 ، 1987 (36 عضوا) وفى عام 2000(17 عضو)وفى عام 2005(88عضو). مما يعنى أن لهم تأثيرا شعبيا وقد أعداو برنامج لحزب سياسى .
وبعبارة اخرى : إن غايتهم تنحصر فى :
الغاية : تنشئة جيل يفهم الاسلام فهما صحيحا ، ويؤمن بتعاليمه ، ويعمل على صبغ الأمة بالصبغة الاسلامية الكاملة فى كل مظاهر حياتها .
الوسيلة : تغيير العرف العام ن وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم .
ثانيا : الفكر الاسلامى : المنطلقات الحاكمة
لقد وضع الإمام البنا عددا من المنطلقات الحاكمة للفكر السياسى فى مشروع النهضة فمثلا يؤكد على حقيقة كون المسلم سياسيا من منطلق إسلامه فيقول : ( إن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا بعيد النظر فى شئون أمته مهتما بها غيورا عليها ، وإن هذا التحديد والتجريد امر لا يقره الإسلام ، إن على كل جمعية إسلامية ان تضع فى رأس برنامجها الاهتمام بشئون امتها السياسية ، وإلا كانت تحتاج هى إلى ان تفهم معنى الإسلام ) (رسالة المؤتمر الخامس)
ولمزيد من التوضيح والتأكيد نذكر الآتى :
1- شمولية الإسلام تفرض العمل السياسى :
ولتأكيد هذه الحقيقة ، يقرر شمولية الإسلام كدين ونظام حياة كامل يشمل بالقطع الجانب السياسى فيقول : (كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحى الاصلاح فى الأمة ، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الاصلاحيين.
وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين هيئة سياسية لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم فى الداخل ، وتعديل النظر فى صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم فى الخارج ، وتربية الشعب على العزة والكرامة ، والحرص على قوميته إلى أبعد حد ) (المؤتمر الخامس)
2- الدولة ممثلة للفكرة :
فيقول : ( اعتبار الدولة ممثلة للفكرة ، وقائمة على حمايتها ، ومسئولة عن تحقيق اهدافها فى مجتمعها الخارجى ، وإبلاغها إلى الناس جميعا ... دول إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعى ، وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة للناس )(بين الأمس واليوم)
3- لا يسع المسلم إهمال التنفيذ :
وتحت عنوان "نحن والسياسة" يؤكد سياسية الحركة كنهج صحيح للإسلام ، وتطبيق دقيق لمنهجه ، إصلاحا للأداة التنفيذية ، وإقامة للدولة الإسلامية ، وفى ذلك يقول : (إننا سياسيون ، يمعنى أننا نهتم بشئون امتنا ، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام تدخل فى نطاقه وتندرج تحت أحكامه ، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه ، وفريضة من فرائضه ، وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية لإصلاح الأداة التنفيذية فنحن كذلك )(المؤتمر السادس)
4- على الأمة مطالبة حكامها بحقوقها الإسلامية :
يحث الأمة على المطالبة بحقوقها الإسلامية منها السياسية فيقول : ( وكلمة لابد منها فى هذا الوقت هى ان الاخوان المسلمين لم يروا فى حكومة من الحكومات التى عاصروها ، من ينهض بهذا العبئ ، او من يبدى الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية ، فلتعلم الأمة ذلك ، ولتطالب حكامها بحقوقها الاسلامية ، وليعمل الاخوان المسلمون)(المؤتمر الخامس)
5- الاقناع ونشر الدعوة ، والنضال الدستورى ... الوسيلة الأسلم للمجتمع :
ويحدد لتحقيق هذه الغاية بنشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ومن خلال الاشتراك الفاعل فى الحياة السياسية فيقول : (اما وسائلنا العامة فالاقناع ، ونشر الدعوة بكل وسائل النشر ... ثم النضال الدستورى حتى يرتفع صوت الدعوة فى الأندية الرسمية ، وتناصرها وتنحاز اليها القوة التنفيذية ، وعلى هذا الأساس سيقوم مرشحوا الاخوان حين يجئ الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها فى الهيئات النيابية ، ونحن واثقون بعون الله من النجاح ما دمنا نبتغى وجه الله )" ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز" (الحج40)
6- الحكومة ركن من أركان الإسلام :
وأخيرا يشيد فى إيضاحه لموقف الإسلام من الحكم على حقيقة أن الحكومة ركن من أركان (النظام الإسلامى) فيقول : (وهذا الاسلام الذى يؤمن به الاخوان يجعل الحكومة ركنا من أركانه ، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الارشاد ، كما قال الخليفة الثالث " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " وقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم الحكم من عرى الاسلام والحكم معدود فى كتبنا الفقهية من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع ، فلاسلام حكم وتنفيذ ) .