اختفاء "اليد الخفية" لآدم سميث

من المفارقات أنه في الوقت الذي كانت فيه صورة آدم سميث تظهر على أوراق النقد التي يصدرها بنك إنجلترا من فئه 20 جنيها استرلينيا، كان قطاع الخدمات المالية يبدو معفياً من قوى السوق التي تحدث عنها. آدم سميث، اقتصادي القرن الثامن عشر، هو الذي قال إن اليد الخفية للمنافسة ستخفض الأرباح الزائدة في الشركات إلى مستويات عادية. ومع ذلك يبدو أن المؤسسات المالية تتحدى هذه النظرية التقليدية. فالبنوك التجارية تسجل نتائج قياسية، والحوافز من فئة 50 مليون دولار أصبحت تعرف طريقها إلى جيوب كبار المصرفيين في بنوك الاستثمار، وأصبح مديرو صناديق التحوط وصناديق الشراء بالكامل يتقاضون مبالغ تفوق المعدلات المتعارف عليها.

من المغري أن يتم إسقاط ذلك باعتباره مجرد طفرة دورية أخرى. لكن هناك اتجاها قويا يرتكز عليه ذلك. إن تلطيف النتائج من خلال دورات صغيرة يكشف المستويات المرتفعة للربحية لربع قرن. ومستويات الأرباح والتعويضات افترقت عن تلك الموجودة في قطاعات أخرى. وعلى النقيض لما كنا نتوقعه من تعاليم سميث، أصبحت عائدات قطاع الخدمات المالية ذات قدرة ملحوظة على التكيف مع الضغوط من العملاء والمنافسين.

وأحد أسباب ذلك هو أن منتجات أسواق المال أصبحت معقدة بدرجة كبيرة جعلت قوى السوق تبدو غير منطبقة عليها. ففي حين نجد في نشاط الأوراق المالية التقليدية أن العمولات والرسوم ظلت تحت ضغط بطريقة يمكن أن يعترف بها سميث، يتبين أن العكس صحيح في تداولات المشتقات الهيكلية. ويصعب على العملاء فهم تكوين عمليات التداول هذه، والأصعب من ذلك هو تحدي الأسعار، لأنها غالباً محمية باتفاقيات المحافظة على السرية.

وهناك سبب ثان، هو أن هذا القطاع تحول من كونه وكيلاً لجهة رئيسية ليصبح هو الجهة الرئيسية لكن بطريقة ملتوية. لقد ظلت الالتزامات المالية في ارتفاع منذ رفع القيود في "وول ستريب" عام 1975، عندما بدأت بنوك الاستثمار تتحرك بعيداً عن النهج القديم للعمل كوكيل، حين كانت تقدم خدمات للعملاء مقابل رسوم، وتحولت إلى مؤسسات أصيلة جديدة يتضمن عملها التزامات مالية. هذا الاتجاه تسارع عام 2003 بعدما أعطت تسويات "وول ستريت" لفضائح الاكتتاب العام موافقة صريحة على هذه النشاطات.

وفيما كان هناك نقاش مستفيض حول النظم الثقيلة التي فرضها قانون ساربانس ـ أوكسلي لعام 2002، إلا أن تسوية بنوك الاستثمار مع هيئة الأوراق المالية والبورصة بعد عام من ذلك كانت أكثر سخاءً وحتى أكثر أهمية. وإذا أخذنا المزاج السائد في ذلك الوقت نجد أن السلطات كانت تستطيع أن تطالب بفصل استشارة العميل والتداول الخاص الذي أقروه بالفعل كأنموذج عمل متكامل.

وهذا الأمر جعل المؤسسات المالية القادرة على الجمع بين العمل لصالحها والعمل لصالح العميل في موقف قوي. ونتيجة لمعرفة ما يفعله عملاؤهم، كان لهم ميزة توافر المعلومات التي منحتهم ميزة حيوية على مستخدمي السوق الآخرين. وأعطتهم تسوية عام 2003 رسالة بأن دمج العميل مع العمل الخاص أمر يعتبر مقبولاً طالما أن هناك ضوابط أمنية جيدة. وقاموا بتقوية الأقسام التابعة لهم، الخاصة بتطبيق الأنظمة، وتشديد الضوابط الداخلية ورفعوا التزاماتهم المالية.

الطريقة الملتوية هي الاستثمار المشترك مع العملاء. وجاءت الفكرة من صناديق الشراء بالكامل وصناديق التحوط. وفي مقابل إدارة صناديق شراء بالكامل والمشاركة في الخطر، فإن مديري شركات الأسهم الخاصة يحصلون تقليدياً على رسوم إدارة وحصة في أداء الصندوق. ومع نمو صناديق التحوط، تمسكوا بهذه الفكرة وأصبح فرض رسوم إدارة بنسبة 2 في المائة من رأس المال الذي تم الالتزام به و20 في المائة على الأرباح التي تزيد عن معيار معين متفق عليه، هو الإجراء المتبع.

وبمجرد موافقة السلطات على الدمج، احتشدت البنوك الاستثمارية والبنوك التجارية في قطاع صناديق التحوط والشراء بالكامل، مستخدمة أموالها الخاصة في التمويل وشراء مؤسسات ذات وضع راسخ. وكانت النتيجة أن قسماً مقدراً من قطاع الخدمات المالية شارك في الاستثمار مع العملاء ودفعت لهم مبالغ من خلال الفوائد المرحلة. وبينما هناك بعض الأدلة القليلة على أن "اثنين و20" تتحول باتجاه "واحد وعشرة"، فإن فكرة تعديل الفائدة بين مقدمي الخدمة والعميل توفر مقاومة كبيرة لقوى السوق التقليدية.

أنموذج العمل الجديد يعني أن تحقيق أرباح في المستقبل سيكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بدورة السوق، وبدرجة أقل باليد الخفية. والمفارقة أننا يمكن أن نرى في نهاية الأمر وضعاً تعطي فيه البنوك المشورة مجاناً مقابل الحصول على سيل من العملاء. وفي حين يمكن أن يعتبر ذلك نصرا نهائيا لليد الخفية، إلا أن نظرة سريعة إلى العائدات التي تحققت في الجانب الرئيسي من العمل التجاري يجب أن تمل على التذكير بأن هناك شخصا ما، في مكان ما، لا يزال يدفع الثمن.