الرأي العام

الرأي العام
أصبحت جل الدول وأنظمتها السياسية تعطي للرأي العام مكانة خاصة، وذلك عبر إقامة مراكز متخصصة، وفاعلة لدراسة الرأي العام، بهدف إدارته والتفاعل معه، لأن هذا يضمن لها الحفاظ على استقرارها السياسي والاجتماعي.
يلعب الرأي العام دورا كبيرا في عملية صنع القرارات داخل الدولة، إلا أن هذا الدور يبقى رهينا بمدى تمتع المجتمع بمعطى الحريات العامة، وكذلك بطبيعة النظام السياسي والفلسفة التي تحكم هذا النظام، فالحريات العامة هي التي تصون وتكفل الرأي العام، والنظام السياسي هو الذي يحدد حجم ومدى تفاعله مع آراء المواطنين وتوجهاتهم. يوجد الرأي العام كإحدى القوى السياسية الفعالة داخل الحقل السياسي، حيث يعطي تفسيرا لكل حدث سياسي أحرزه المجتمع، ويقوم بدور مركزي في خلق الثقافة السياسية، وبلورتها وتطويرها، وبالتالي فهو يقوم بالتأثير في السلوك السياسي ويساهم في تحقيق التكامل القومي من خلال بلورة الهوية القومية وتقوية الترابط الحضاري وتحقيق التعبئة الاجتماعية والاتصال السياسي.
1- مفهوم الرأي العام:
1- هناك من المفكرين من نظر إلى الرأي العام نظرة أكثر شمولية واعتبره" مجموعة الآراء والأحكام السائدة في المجتمع والتي تكتسب صفة الاستمرار والتي قد تختلف في وضوحها ودلالاتها، لكنها تصدر عن اتفاق متبادل وإدراك بين غالبية الأفراد، ذوى العلاقة، رغم اختلافهم في فهم أبعادها وإدراك درجة تمثيلها لمصالحهم المشتركة".
2- عرفه "فلويد أولبورت" في مؤلفه "نحو علم للرأي العام" Towards a science of public opinion بأنه:
"تعبير حجم كبير من الأفراد عن آراءهم في موقف معين إما من تلقاء أنفسهم أو بناء على دعوة توجه إليهم، تعبيرا مؤيدا أو معارضا لمسألة أو شخص معين أو اقتراح دي أهمية واسعة...بحيث تكون نسبة المؤيدين أو (المعارضين) في عدد ودرجة اقتناعهم وثباتهم واستمرارهم...كافية لاحتمال ممارسة التأثير على اتخاذ إجراء معين، بطريق مباشر أو غير مباشر اتجاه الموضوع الذي هم بصدده".
3- ونظر إليه سعد عبد الرحمان باعتباره "محصلة للاتجاهات النفسية الاجتماعية ذات الدرجة العالية سالبة كانت أو موجبة، لأفراد جماعة منظمة، متمايزة التركيب اتجاه مشكلة محددة، تمثل نوعا من التوتر وعدم الاتزان في المجال النفسي الاجتماعي للجماعة".
2- خصائص الرأي العام:
-الرأي العام يفترض وجود "جماعة واسعة"، قد تكون هذه الجماعة هي كافة أفراد المجتمع فيكون رأي عاما للمجتمع، وقد تكون جماعة جزئية تمثل قطاعا محددا أو عدة قطاعات من المواطنين فيكون "رأي عاما خاصا"
-وجود قضية معينة ذات أهمية تتطلب إبداء الرأي اتجاهها، ويشترط في هذه القضية أن تكون موجودة، في بيئة الجماعة ومتصلة بمصالحها، وأن تخلق حالة تأزم فعلية لها.
-وجود رأي للجماعة اتجاه تلك القضية سواء بالقبول أو الرفض، والذي يفصح عنه شفاهة أو كتابة، فالرأي العام يفترض عملية تفاعلية عقلية أو انفعالية بين أفراد الجماعة المعنيين وبين القضايا المعنية.
-الرأي العام تعبير عن سلوك موحد لأفراد الجماعة المعنية، وهو بذلك لا يعبر عن علاقة جمعية لسلوك أفراد الجماعة (مجموع سلوكياته)، بل هو محصلة تفاعل تلك السلوكيات.
-الرأي العام في وجوده النهائي (النتيجة المعلنة)، تعبير عن طاقة عامة تساوي في شدتها وقوتها محصلة طاقات الأفراد المتفاعلين في الموقف المعني، وقد تكون الطاقة إيجابية مساندة وقد تكون سلبية مدمرة.
3- نشأة الرأي العام وتطوره:
دراسة الرأي العام وقياس اتجاهاته وعوامل تكوينه، حديثة النشأة، إلا أن هذه الظاهرة قديمة من حيث الوجود. هذا وقد تعرض عديد من الفلاسفة عبر مراحل التطور الفكري لمفهوم الرأي العام وأبرزوه بشكل أو بآخر. وكان في بعض الأحيان يشكل محورا رئيسيا من محاور فكرهم، فاليونان عندما كانوا يجتمعون في جمعياتهم وساحاتهم العامة للحوار حول مسألة معينة، كانوا يستهدفون وجهة النظر النهائية التي سوف تفوز في النهاية، وهذا تأكيد على إبراز الرأي العام كسلطة عليا عندهم، وتجدر الإشارة أيضا في هذا الصدد إلى أن كل من أفلاطون وأرسطو كانا يتحدثان عن الرأي الجماهيري Mass Opinion وأهميته..حيث شكك أفلاطون في قدرة الجماهير وكفاءة رأيها..
أما الرومان فقد كانوا يتحدثون عما أسموه" صوت الشعب" حيث يقولون " صوت الشعب من صوت الله"Vox die vox populi .
ويستعرض "بول بالمر" Palmer تاريخ المصطلح فيقول" يذهب كثير من الباحثين إلى أن الرأي العام في العصور الوسطى كان سلبيا... ولعل ذلك يرجع إلى السيطرة المطلقة للأحكام والمعتقدات الدينية... ومع ذلك فقد عرف العالم المسيحي عبارة الاتفاق العام commanis Sensus، التي كان يستعملها أنصار البابا وخصومهم أنصار الإمبراطور لتعبير عن التقاليد السائدة والاتجاهات العامة للرأي العام في المناطق المختلفة المتنازع عليها.
أما التراث الإسلامي فقد تحدث هو الآخر عن "آراء الرعية" التي تحيلنا بشكل أو بآخر على الرأي العام، وقد نص القرآن الكريم على مبدأ الشورى" وأمرهم شورى بينهم" وكذلك قوله تعالى:" وشاورهم في الأمر" وقد روى ابن ماجى عن عبد الله بن عمر عن الرسول"ص" أنه قال:
" اتبعوا السواد الأعظم". وهذه الإشارات تحيلنا على أهمية الاهتمام برأي الرعية الذي يشكل في نهاية المطاف رأيا عاما.
وفي عصر النهضة وحتى الثورة الفرنسية نجد أن الحديث كان منصبا حول " الإرادة العامة" وخاصة لدى" روسو"، أما بعد ذلك فقد أصبح الحديث عن الرأي العام، حديثا واسعا، وإن كان يختلف الاهتمام به من مجتمع للآخر، فنجده يحضى باهتمام كبير في المجتمعات الغربية، وبينما نجده معدوما ومحاصرا في المجتمعات المتخلفة أو النامية، ونجده موجها ومنظما في المجتمعات الشمولية.
4- الرأي العام ووسائل الإعلام:
« وسيلة الإعلام ، هي مجموعة من الدعائم (*) المتجانسة بمعنى التي تتعلق بشكل معين من الاتصال ».
« un media et un ensemble de supports homogènes, c’est-à-dire revenant d’un même mode de communication).
لاقت وسائل الإعلام الاهتمام الكافي من طرف الباحثين في ميدان الاتصال، وعلى رأسهم المنظر ( Mac Luhan) الذي قدم طرحا خاصا بعمل وسائل الإعلام، و الذي لخصه في عبارتين الأولى تقول بأن الرسالة هي الوسيلة ( le message c’est le media)، فالوسيلة الإعلامية تحمل رسالة، ولكن في الأساس قبل كل شيء نعد اتصالا، فالرسائل كمحتوى لعملية الاتصال ما هي إلا خدعة تصرف انتباهنا عن إدراك تأثير الوسيلة الإعلامية التي تمارسه علينا و هذا ما يقرره الباحث (M.Luhan) عندما يعتبر بأن محتواها يحجب عنا طبيعتها لذلك فإن وسائل الإعلام ليست أوعية سلبية، بقدر ما هي عمليات إيجابية، لهذا فإن هذا الباحث يذهب بعيــدا عندما يعتبر بأنها تقــوم بتشكيل الفرد وصياغته، فهي امتداد لحياتنا الحسية ومنه فان لكل وسيلة إعلامية مميزاتها الخاصة. أما الطرح الثاني فيتمحور حول وظائف وسائل الإعلام الثقيلة أين ينظر إليها الباحث (B.Cathelat) من زاويتين: جانب الوظائف النفسية، وجانب الوظائف الاجتماعية. يرى هذا الباحث أن وسائل الإعلام هي مصاف ثقافية، بحيث تعد نواقل غير حيادية للمعلومات و يمكن حصر هذه الوظائف في خمس نقاط أساسية :
1- وظيفة الهوائي (antenne) : تلعب الوسيلة الإعلامية دور المغذي بالمعلومات الجديدة وتعد محفزا قويا، بل تمس حتى أنماط العيش، و هنا يبدو دور التلفاز قويا جدا .
2- وظيفة التضخيم( Ampli) : بحيث تطرح مسائل التغيير للنقاش، و تقوم بتضخيمها لغرض الحصول على الردود الاجتماعية، و هنا يبدو دور الصحافة و المذياع كبيرا .
3- وظيفة التوجيه (Focus) : تقوم وسائل الإعلام باقتراح أنماط فكرية، أنماط عيش، أفكار تجديدية للتكيف مع حركية العالم، هنا دور المجلات، و صحافة الرأي يبدوا جليا .
4- وظيفة الموشور ( Prisme) : هي وظيفة بيداغوجية تغذي الطرف المستقبل، بأنماط سلوكية، المواقف العصرية، و تعمل كمدرسة للتغيير، دور الصحافة و المجلات المتخصصة يبدوا واضحا .
وظيفة الصدى ( Echo): تعبر و تدعم و تقوي أنماط العيش، و الفكر المهيمن، هنا يبدو دور الصحافة المحلية.

موضوع مهم جدا بارك الله فيك اخي عبدو مخلوف