نظرية الدولة واساس نشأة السلطة السياسية فيها
تمهيد
تعددت النظريات التي تعرضت لتفسير نشأة الدولة وسلطتها ويمكن رد هذه النظريات الى اصول واسس عامة، فلسفية ودينية واجتماعية وتاريخية وعلى هذا الاساس يمكن ان نميز ما يأتي:
اولا : النظريات الثيوقراطية:
التي ترد نشأة الدولة، ومصدر السلطة فيها الى الله، ونذكر منها نظرية الطبيعة الالهية للحاكم، ونظرية الحق الالهي المباشر او العناية الالهية.
ثانيا: النظريات التعاقدية:
التي ترج نشأة الدولة ، ومصدر السلطة فيها الى الارادة العامة للامة، ونذكر منها نظرية العقد الاجتماعي.
ثالثا: النظريات الاجتماعية:
التي ترد نشأة الدولة الى فكرة القوى الاجتماعية، او فكرة تطور الاسرة.
رابعا: النظريات التاريخية:
التي ترد نشأة الدولة الى مجموعة من العوامل تتفاعل على مر الزمن، ومن ثمرة هذا التفاعل تتكون الدولة.
ولاهمية كل من هذه النظريات، سنتناولها على انفراد في اربعة مباحث.
المبحث الاول
النظريات الثيوقراطية (الدينية)
يذهب اصحاب هذا الاتجاه في نشأة الدولة مذهبا دينيا يقوم على رد كل الظواهر الاجتماعية والسياسية والقانونية الى الله. فالدولة نظام قدسي فرضه الله لتحقيق الغاية من الاجتماع البشري، ومنتبي اعمالها الى تقديس السلطة العامة من حيث هي من حقوق الله وحده الذي تاتي منه الى الحكام.
وبذلك استخدمت النظريات الثيوقراطية لتوطيد سلطة الملوك والاباطرة لتبرير استبدادهم وعدم فرض اية رقابة على اعمالهم وذلك انهم غير محاسبي الا امام الله، لان طبيعتهم على الطبيعة البشرية، ورادتنهم تعلوا على ارادة المحكومين.
المبحث الثاني
النظريات العقدية
تقيم النظرية العقدية اصل نشأة الدولة على العقد الاجتماعي، على اساس ان الدولة وسلطتها مصدرهما الشعب.
ولهذا لا تكون الدولة وسلطتها الحاكمة مشروعتين الا اذا كانتا وليدتي الارادة الحرة للجماعة التي تحكمها.
ولذلك تنبذ هذه النظريات فكرة القوة كاساس لقيام الدولة، وترى ان اصل الدولة ومصدر السلطة هما الشعب.
وهذه النظرية معروفة في التاريخ منذ نادى بها فلاسفة اليونان، وكان "ابيقور" اول من دعا الى هذا الاتجاه، تلاه بعض رجال الدين في اوربان كما استغلتها الكنيسة في القرن السادس عشر لتقيد سلطة الملوك الزمنية.
ولقد برزت هذه النظرية في القرن السابع عشر وفي القرن الثامن عشر ووجدت من يدافع عنها امثال "هوبز" و "لوك" و"روسو" وقد افتقت النظريات التي قال بها هؤلاء المفكرون على ارجاع نشأة الدول الى فكرة العقد الاجتماعي، وان الافراد قد انتقلوا من الحياة القديمة التي لا يرغبون العيش فيها الى حياة الجماعة السياسية المنظمة بموجب العقد.
وما عدا ذلك اختلف فيما بينهم، نظرا لاختلاف التصورات الخاصة بكل نظرية بشأن الامور التالية وهي:
- حالة الفطرة السابقة على العقد.
- اطراف العقد.
- النتائج المترتبة على عملية التعاقد.
وسوف نعرض لوجهة نظر كل من المفكرين الثلاثة، وعم كل من هوبز ولوك وروسو بشأن الاصل التعاقدي للدولة، لكي تتضح كيفية قيام الدولة على اساس العقد الاجتماعي، وذلك في ثالثة مطالب متتالية، وهي كل من :
نطرية العقد الاجتماعي عند هوبز
نطرية العقد الاجتماعي عند لوك
نظرية العقد الاجتماعي عند روسو
المطلب الاول
نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز
يرى هوبز ان اصل وجود الجماعة المنظمة تكمن في العقد الذي نقل الافراد من حالتهم الفطرية غير المنظمة الى مجتمع منظم، يتكون من فئة حاكمة واخرى محكومة، كما كان له تصور خاص بالنسبة لحالة الافراد الاولى قبل دخولهم في الجماعة المنظمة لاطراف العقد الذي تم ** انتقالة الافراد الى ذلك المجتمع، وكذلك لمضمون ذلك العقد ثم لاثارة.
لقد صور هوبز حالة الفطرة في اطار العنف والصراع بين الافراد، فأراد الافراد الخروج من هذه الحاية الفوضوية والانتقال الى حياة افضل تتميز بالامن والاستقرار، فاتفقوا على ابرام العقد ليعيشوا في سلام.
اما بالنسبة لاطراف العقد، فقد قال هوبز بان هذه الاتفاق او العقد قد تم بين جميع الافراد ما عدا شخصا واحدا، حيث اتفق عليه المتعاقدون على ان يكون هذا الفرد هو صاحب السلطة الامرة ورئيسها.
اما عن مضمون ذلك العقد فيرى "هوبز" بان الافراد قد تعاقدوا على ان يعيشوا معا تحت امرة شخص واحد، ينزلونن له عن كل حقوقهم الطبيعية، ويوكلون اليه امورهم والسهر على مصالحهم وصيانة ارواحهم وهذا النزول تم من جانب واحد، بمعنى ان الحاكم لم يكن طرفا في العقد ولم يلتزم من ناحيته بشيء.
ولهذا تكون سلطة الحاكم مطلقة، وذلك لانه غير مسؤول امام الافراد ومن ثم لابد ان تقابل تصرافاته بالطاعة والخضوع من جانب الافراد، والا عدوا خارجين عن الاتفاق وكافرين بمبادئه.
وواضح من هذا ان "هوبز" يؤيد الحكم المطلق للحاكم، حيث جعله غير مقيد بالعقد، وكذل غير مقيد باي قانون، اذا جعله هو الذي يضع القانون ويلغيه حسب هواه، اي ان القانون اصبح اساسه ارادة الحاكم.
ولقد كان العقد من كل هذا تبرير سلطة الحاكم المطلق في بريطانيا في ذلك الوقت، حيث كان هذا الفقيه يعيش بين احضان العائلة الحاكمة.
المطلب الثاني
نظرية العقد الاجتماعي عند لوك
كان لوك من انصار المكلية المقيدة لا المطلقة، وقد ترك هذا طابعه على افكاره في فكرة العقد الاجتماعي.
فقد كان يرى ان حالة الافراد الفطرية السابقة لانتقالهم الى حياة المجتمع المنظم كانت تجري على القانون الطبيعي، بحكم كونهم جميعا احرار متساويين، والتزموا تبعا لذلك بان لا يتعدى احدهم على حياة الاخر او على حريته او على ماله.
لذلك لجأوا الى التعاقد هما كل من الافراد والحاكم، وترتب على ذلك التزام الحاكم باقامة السلطة التي تحميهم وتوفر لهم الحاية الافضل مقابل القدر الذي تنازلوا عنه من حقوقهم.
فاذا تنصل الحاكم من التزاماته والقيود المفروضة عليه في العقد، وقام باستعمال سلطته المطلقة، فانه يحق للافراد الذي تعاقدوا معه بالخروج عن طاعته.
ولهذا لا يرى لوك في ذلك العقد مبررا لاقامة سلطان مطلق. بل على العكس يفرض على كل من الحاكم والمحكومين التزامات متبادلة، ويعني للحاكم سلطة محددة هي الحماية والامن والمحافظة على حقوق الافراد لا في العبودية والاستبداد، وذلك لانه يرى بانه توجد حقوق للافراد سابقة على التعاقد، وهذه الحقوق لا يمكن التنازل عنها، من ثم تتقيد بها السلطة حتماً.
المطلب الثالث
نظرية العقد الاجتماعي عند (روسو)
يتفق رورسو مع كل من هوبز ولوك بان انتقال الافراد من حياة الفطرة الى حياة الجماعة قد تم بمقتضى عقد اجتماعي.
فبالنسبة بحالة الافراد في حياة الفطرة الاولى راي روسو ان الانسان يتمتع بحرية كاملة واستقلال تام، وانه كان سعيداً في حياته، وان الذي اضطر الافراد الى التخلي عن حالتهم الاولى هو تعدد المصالح الفردية، وتعارضها مع ازدياد وحدة المنافسة بين الافراد، ففسدت المساواة الطبيعية التي كانوا ينعمون بها في حاية الفطرة الاولى، وشقت حياتهم نتيجة قيام التنافر بينهم.
ولهذا تعاقد الافراد على انشاء مجتمع سياسي جديد يخضع لسلطة عليا، وبذلك وجدت الدولة مستندة الى العقد الاجتماعي الذي ابرمه الافراد.
ولكي يكون الاتفاق او العقد الاجتماعي الذي ينقل الافراد الىحياة الجماعة صحيحا ومشروعا، لابد ان يصدر على اجماع الارادات الحرة والواعية للافراد المكونين لهذه الجماعة.
اما بالنسبة لاطراف العقد الاجتماعي، فيرى روسو ان الافراد انما يبرمون العقد مع انفسهم على اساس ان لهم سفتين الاولى كونهم افراد مستقلين ومنعزلين كل منهم عن الاخر، والثانية كونهم اضعاء متحدين يظهر من مجموعهم الشخص الجماعي المستقل الذي يمثل مجموع الافراد.
ولهذا فان الحاكم ليس طرفا في العقد، وانما هو وكيل عن الارادة العامة، يحكم وفقاً لارادتها، وليس وفقا لارادته هو، لذلك فان للارادة العامة حق عزله متى ارادت.
اما بالنسبة لمضمون العقد فقد ذهب روسو الى ان الافراد قد تنازلوا بمقتضى هذا العقد عن جميع حقوقهم دون تحفظ لصالح المجموع.
الا ان هذا التنازل تقابله استعادة الافراد حقوق وحريات جديدة تتفق والمجتمع الجديد، تقررها الارادة العامة يفتقرض وجود هذه الحقوق والحريات لانا ما وجدت الا لحمايتها. وبذلك يسود العدل، ويتمتتع كل فرد بحقوق وحريات متساوية، ويقف كل منهم على قدم المساواة مع الاخر.
اما عن اثار هذا العقد فيرى روسو انه لما كان اصل الدولة والسلطة ارادة الجماعة اي الاتفاق الجماعي الذي تم بين جميع الافراد، ولما كانت السلطة مردها الارادة العامة ، ويعبر عن ارادتها، ولذلك ليس هذا الحاكم ليس هذا الحاكم الا وكيلا عن الارادة العامة، ومن ثم يكون للافراد حق عزله، اذا ما استبد بالسلطة او مس حقاً من حقوق الافراد.
تثمين فكرة العقد الاجتماعي:
لقد وجهت الى النظرية العقد الاجتماعي انتقادات عديدة منها:
- ان فكرة العقد الاجتماعي فكرة خيالية، وغير صحيحة من الناحية التاريخية، فلم يقدم لنا التاريخ امثلة لدول نشأت عن طريق العقد.
- ولهذه فان هذه النظرية تقوم على افتراض خاطيء، الا وهو ان الفرد كان يحيا حياة عزلة قبل قيام الدولة، وهذا غير صحيح، لان المجتماع حقيقة قائم قبل قيام الدولة بفترة طويلة جدا.
وبالرغم من كل هذا فقج لعبت نظرية العقد الاجتماعي دوراً هاماً في نشأة المذهب الفردي، واليها يرجع نظام الاستفتاء الشعبي، ولهذا كان لها الفضل الكبير في ترويج المباديء الديمقراطية، وتقرير حقوق الافراد وحرياتهم.
وقد سجلت هذه المباديء النظرية في دساتير عصر الثورات، فاصبحت نصوصا وضعية، عد ان اثرت في التكوين الفكري لرجال الثورة الفرنسية والامريكية.
المبحث الثالث
النظريات الاجتماعية
يصف بعض الفقهاء النظريات الاجتماعية بالعلمية، على اساس انها تخضع للتحقيق العلمي، كما انها تتخذ المجتماع موضوعا لها، وذلك على عكس النظريات التعاقدية التي بنيت على اساس افتراض خيالي لا يقبل الخضوع للتحقيق العلمي.
ومهما كان الوصف الذي توصف به هذه النظريات، فانها ترجع في حقيقتها الى عوامل اجتماعية وتاريخية
وتتضمن النظريات كلا من : نظرية التطور الاسري، ونظرية القوة. ونظرية التطور التاريخي، وسنبحثها في ثلاثة مطالب متتالية:
المطلب الاول
نظرية التطور الاسري
تقوم هذه النظرية على اسناد اصل الدولة الى الاسرة. ذلك لان سلطة الحاكم في الدولة ترجع الى سلطة رب الاسرة، فالدولة في اصلها كانت اسرة متطورة. ثم تطورت فكونت عشيرة، ثم تطورات هذه الاخيرة الى قبيلة، ثم تطورت القبيلة بدورها فكانت المدينة ، ثم الدولة في النهاية.
ولكن هذه النظرية قد زجه اليها الكثير من الانتقادات ، منها:
• اهها تفترض ان الاسرة هي الخلية الاولى في المجتمع، وهذا الفرض غير صحيح، لان لاجماعة البشرية وجدت قبل ان توجد الاسرة بالمعنى المعروف، وذلك لان غريزة الاجتماع والتكاتف ضد مخاطر الطبيعة هي التي جمعت الافراد في بداية التاريخ البشري.
• واذا نظرنا الى الدول التي ولدت في العصر لاحديث نجد انها لم تقم على هذه القاعدة، بل حلفت نتيجة تفاعل عوامل مختلفة فدولة الولايات المتحدة الامريكية مثلا قامت نتيجة تفاعل عوامل مختلفة. ولم تكن وليدة تطور اسرة معينة.
ولهذا فان نظرية التطور العائلي لا تصلح لتفسير اصل الدولة الحديثة. واساس السلطة السياسية الحديثة.
المطلب الثاني
نظرية القوة
تقضي هذه النظرية بان اصل الدولة نشأت عن طريق القوة والضعف فانها في مراحلها الاولى عبارة عن نظام اجتماعي معين فرضه شخص او فريق على الجماعة، مستخدمين القوة والاكراه الموصل الى هذه الغاية.
وبذلك فالدولة مجرد واقعة او حادث محدد، هو الصراع بين الجماعة المختلفة، ولا مكان فيها للتكييف القانوني.
والواقع انه اذا كان التاريخ يمدنا بامثلة كثيره، وخاصة بالنسبة للدول انتصار مبدأ الغلبة والقوة فيما يتعلق باصل نشأة الدولة، فانه لا يمكن ** النظرية، لانه ليس من سلطة تستطيع ان تحقق لنفسها الاستقرار والدوام القوة وحدها، بل يلزم ان تكسب رضاء الافراد وقبولهم لها، والا كان تخصيص جندي لكل مواطن ووراء كل جندي يجب وضع جندي اخر وهكذا.
وبالرغم من كل هذا فان السلطة السياسية تبقى في حاجة الى قوة ** تعد القوة بالنسبة لها ضرورة لبقائها، ولكن لا يمكن ان تستند هذه القوة وحدها بل يمكن القول ان السلطة حينما تلجأ الى القوة لتفرض ** افراد الجماعة، انما تبرهن على انها غير مشروعة من اساسها، وانها في طريقها ** والانهيار. وعلى هذا فان هذه النظرية، وان صلحت لتفسير نشأة بعض ** لا تصلح لتفسير نشأة كل الدول.
المطلب الثالث
نظرية التطور التاريخي
يتلخص مضمون النظرية بان الدولة قد نتجت عن تفاعل عوامل مختلفة عبر فترات طويلة من التطور التاريخي الذي ادى الى تجمع الافراد المتعايش معا، وتطورت الاحوال بعد ذلك بظهور فئة حاكمة لهذه الجماعة فرضت سيطرتها عليها، وقبضت على ناصية الامور فيها، مما ادى في النهاية الى نشأة الدولة.
ولهذا فلا يمكن تحديد مولدها بتاريخ معين، كما انه لا يمكن ان يرد نشأتها لعامل معين بالذات دون غيره، كالعامل الاجتماعي او الاقتصادي او السياسي او الديني او القوة.
بل ان نشأة الدولة ترد الى عوامل كثيرة تفاعلت فيما بينها حق قامت الدولة في النهاية.
وتعتبر النظرية الماركسية من ابرز الاتجاهات التاريخية الحديثة في تفسير نشأة الدولة واساسها، حيث ان تاريخ المجمعات البشرية هو تاريخ صراع الطبقات، وان الدولة لم تنشأ منذ الازل، فقد وجدت مجتمعات كثيرة كانت في غنى عنها.
ولكن التطور الاقتصادي – الاجتماعي حين بلغ درجة معينة فرض انقسام المجتمع الى طبقات، فاصبحت الدولة بحكم هذا الانقسام امرا ضروريات.
فالدولة تاريخيا ليست الا ظاهرة طبقية لم تنشأ الا تحت الحاح الحاجة الى لجم صراع الطبقات.
وقد كان للعميد "ديكي" وجهة نظر تكاد تتفق ونظرية التطور التاريخي، اذ انه يرى ان الدولة ليست الا ظاهرة اجتماعية تخضع لفكرة الاختلاف السياسي.
ولهذا فالدولة عبارة عن ظاهرة تاريخية، نتجت عن قيام طائفة من الناس بفرض ارادتها على بقية افراد المجتمع بواسطة القهر المادي، ولذلك فالدولة ظهرت نتيجة لظاهرة القوة، بيد ان القوة في نظر "ديكي" لا تتمثل في الضرورة في الصراع المادي فقط، ولكنها تتمثل في القوة الاقتصادية والدينية.
وبذلك تتفق نظرية "ديكي" من نظرية التطور التاريخي، ذلك لانه ترجع ** الدولة الى عوامل متعددة، وليس الى عامل محدد بذاته، كما انه تتفق مع نظرية ال** في ارجاع نشأة الدولة الى قوة الحكام وفرض ارادتهم على المحكومين، الا انها تختلف عنها بعدم تفسيرها لهذه القوة على انها القوة المادية فحسب، وانما قد تكون قوة دينية ا** اقتصادية.
تقدير النظريات:
نتيجة لك لهذا، نرى انه لا يصح الوقوف عند احدى هذه النظريات لتبرير اصل نشأة الدولة، فالدولة ليست في الواقع سوى ظاهرة اجتماعية. وقد اخذت صورتها الحاضرة نتيجة لتطور تاريخي طويل تحت تاثير عدة مؤثرات متباينة، سواء اكانت دينية او اقتصادية او اجتماعية او سياسية.
ولهذا يصعب وضع نظرية عامة محددة لبيان اصل نشأة الدولة بصفة عامة.
قراءة في كتاب :النظرية العامة في القانون الدستوري _ الفصل الاول
د. احسان حميد المفرجي , د. كطران صغير نعمة , د. رعد ناجي
تابع
الخطة
مقدمة
المبحث الأول: النظريات الغير قانونية
المطلب الأول : النظريات الثيوقراطية
المطلب الثاني: النظريات الطبيعية
المطلب الثالث: النظريات الاجتماعية (السوسيولوجية)
المبحث الثاني: النظريات القانونية
المطلب الأول: النظريات الاتفاقية
المطلب الثاني: النظريات المجردة
خاتمة
مقدمة:
اختلف علماء القانون والاجتماع والتاريخ حول أصل نشأة الدولة، وترتَّب على هذا الاختلاف ظهور العديد من الأفكار والنظريات التي وُضعت لتفسير هذه النشأة . ثم أن البحث عن أصل نشأة الدولة وتحديد وقت ظهورها يعد من الأمور العسيرة ، إذ لم نقل مستحلية ، ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة ، و هي في تطورها تفاعل مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة .
وقد قام البعض بتقسيم هذه النظريات إلى مجموعات نوعية متقاربة، فنجد البعض يقسِّمها إلى نظريات ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية , وذلك لقرب هذه النظريات أو بُعدها من الفكرة الديمقراطية , ويقسِّمها البعض إلى نظريات دينية وأخرى بشرية، وذلك من حيث إرجاع النشأة إلى البشر أو إلى قوى غير بشرية , ويرى البعض إرجاع هذه النظريات إلى اتجاهَين اتجاه نظري وآخر واقعي أو اتجاه غيبي وآخر علمي.
ولعل أفضل تقسيم لهذه النظريات هو التقسيم الثنائي وهو النظريات الغير قانونية والنظريات القانونية واتي بدورها تتفرع إلى عدة مطالب وفروع.
والإشكالية المطروحة:
ماهو الأصل والعوامل التي أدت إلى نشأة الدولة؟
المبحث الأول: النظريات الغير قانونية
المطلب الأول : النظريات الثيوقراطية .
درج الفقهاء في مصر على وصف هذه النظريات بأنها نظرياتٌ دينيةٌ، مع أن المعنى الحرفي للمصطلح الفرنسي لا يعني النظريات الدينية بل يعني النظريات التي تَنسِب السلطة إلى الله.
يرجع أنصار هذه النظرية أصل نشأة الدولة وظهور السلطة إلى الله ، وعليه فأنهم يطالبون بتقديسها لكونها من صنعه وحق من حقوقه يمنحها لمن يشاء،
فالحاكم يستمد سلطته وفقا لهذه النظرية من الله ، وما دام الأمر كذلك فإنه يسمو على المحكومين نظرا للصفات التي يتميز بها عن غيره والتي مكنته من الفوز بالسلطة ، لذلك فغن إرادته يجب أن تكون فوق إرادات المحكومين.
والحقيقة أن المتتبع للتاريخ يلاحظ أن هذه النظريات لعبت دورا كبيرا في القديم ، فلقد قامت السلطة والدولة في المجتمعات القديمة على أسس دينية محضة ، واستعملت النظرية الدينية في العصر المسيحي والقرون الوسطى
ولم تختف آثارها إلا في بداية القرن العشرين ، والسبب يعود الى دور المعتقدات والأساطير في حياة الإنسان ، حيث كان يعتقد ان هذا العالم محكوم بقوى غيبية مجهولة يصعب تفسيرها ، وهو ما ترك البعض إضفاء صفة القداسة على أنفسهم وإضفاء صفة الإلهية عليهم .
وبمرور الوقت بدأ الاختلاف بين أنصار هذه النظرية حول طريقة اختيار الحاكم ، وان كانوا متفقين على أن السلطة لله ، مما أدى إلى ظهور ثلاثة اتجاهات :
(1) نظرية تأليه الحاكم
وَجدت هذه النظرية مجالاً رحْبًا في العصور القديمة؛ حيث تأثر الإنسان بالأساطير، فظن أن الحاكم إلهٌ يُعبَد.. ففي مصر الفرعونية كان فرعون هو الإله (رع)، وقد سجَّل القرآن الكريم قول فرعون في قوله : ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ ( القصص: من الآية 38) وقوله تعالى : ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) ﴾ ( النازعات)، وفي بلاد فارس والروم كان الحاكم يصطبغ بصبغة إلهية .
وفي الهند القديمة، فإن لبراهما يعتبر شبه إله.
(2) نظرية الحق الإلهي المقدس المباشر
تعني هذه النظرية أن الحاكم ليس إلهًا ولا نِصْفَ إله, ولكنه بشرٌ يحكم باختيار الله عز وجل، فالله الذي خلق كل شيء وخلق الدولة، هو الذي يختار الملوك مباشرةً لحكم الشعوب، ومن ثَمَّ فَمَا على الشعب إلا الطاعة المطلَقة لأوامر الملوك، ويترتب على ذلك عدم مسئولية الملوك أمام أحد من الرعية، فللملك أن يفعل ما يشاء دون مسئولية أمام أحد سوى ضميره ثم الله الذي اختاره وأقامه .
فمن نتائج هذه النظرية أن الحاكم لا يكون مسئولا أمام أحد غير الله، وبالتالي منه يستمد سلطته. أما من حيث الأساس فإنها تختلف عن الصورة الأولى، ففي فكرة تأليه الحاكم لا توجد تفرقة بين الإله وشخص الملك، عكس فكرة الحق الإلهي المقدس حيث توجد بها هذه التفرقة وهذا راجع لدواعي تاريخية.
وقد سادت هذه النظرية أوروبا بعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين الدينَ المسيحيَّ, فخرج رجال الدين على الناس بهذه النظرية؛ وذلك لهدم نظرية تأليه الحاكم من ناحية, ولعدم المساس بالسلطة المطلقة للحاكم من ناحية أخرى .
(3) نظرية الحق الإلهي الغير المباشر
لم تعد فكرة الحق الإلهي المباشر مستساغةً من الشعوب, ومع ذلك لم تنعدم الفكرة تمامًا, وإنما تطوَّرت وتبلورت في صورة نظرية التفويض الإلهي الغير المباشر أو العناية الإلهية, ومؤدَّى هذه النظرية أن الله لا يتدخل بإرادته المباشرة في تحديد شكل السلطة, ولا في طريقة ممارستها, وأنه لا يختار الحكَّام بنفسه وإنما يوجِّه الحوادث والأمور بشكلٍ معيَّن يساعد جمهور الناس ورجال الدين خصوصا على أن يختاروا بأنفسهم نظام الحكم الذي يرتضونه ويذعنون له وهكذا، فالسلطة تأتي من الله للحاكم بواسطة الشعب والحاكم يمارس السلطة باعتبارها حقَّه الشخصي، استنادًا إلى اختيار الكنيسة الممثلةً للشعب المسيحي؛ باعتبارها وسيطًا بينه وبين السلطة المقدسة التي تأتي من لدن الله .
والنتيجة المتوصل إليها أنه لا يجوز مخالفة أوامر الحاكم، وإلا ارتكبنا معصية. وقد دعم هذه الفكرة الأستاذ /بوسيه/ لتبرير نظام الملوك القائم في فرنسا – القرن السابع عشر – وقد فرق بين *السلطة المطلقة * و *السلطة المستبدة* وهي التي تخالف التعاليم اللاهية.
وفي صياغة أخرى ترى الكنيسة الكاثوليكية في محاولة لبسط نفوذها، أن الله أودع جميع السلطات بيد البابا وهو ترك سيف السلطة الدينية، وخلع للحاكم سيف السلطة الزمنية، وبذلك لم تعد سلطة الحاكم مطلقة.....
وفي الأخير إن هذه النظرية يمكن اعتبارها ديمقراطية نوعا ما أو مطلقة بحسب صياغتها.
المطلب الثاني: النظريات الطبيعية
النظريات الطبيعية هي النظريات التي ترجع نشأة الدولة إلى البشر
ومن أهم هاته النظريات:
(1) نظرية الوراثة:
نشأة في ظل الإقطاعية وهي ترى أن حق الملكية الأرض وهو حق طبيعي ، يعطي لمالكي الأرض حق ملكية كل ما عليها وحكم الناس الذين يعيشون عليها والذين عليهم طاعة الملاك والرضوخ لسلطتهم ، فالدولة إذن وجدت نتيجة حق ملكية الأرض ومن اجل خدمة الإقطاعيين، لذا كانت تهدف إلى تبرير النظام الإقطاعي.
(2)النظرية العضوية:
هي من النظريات الحديثة، حيث ظهرت في القرن التاسع عشر، وهي لا تنتمي إلى مدارس القانون الطبيعي، لكن ترى أن قوانين الظواهر الطبيعية يمكن تطبيقها على الظواهر الاجتماعية مثل الدولة. فهي تشبه جسم الإنسان المكون من عدة أعضاء ، يؤدي كل عضو منها وظيفة معينة وضرورية لبقاء الجسم ككل.
نفس الشيء بالنسبة للأشخاص في الدولة ، حيث تؤدي كل مجموعة منهم وظيفة معينة وضرورية لبقاء كل المجتمع الذي يعمل وينشط كجسم الإنسان ، ولذا لابد من وجود مجموعة من الناس تحكم ، ومجموعة من المحكومين تؤدي وظائف أخرى مختلفة . فالدولة وجدت إذن كظاهرة مثلها مثل الظواهر الطبيعية وهي ضرورية لبقاء المجتمع.
(3)النظرية النفسية:
هي أيضا نظرية حديثة ، وترى أن الأفراد لا يخلقون متساوون ، بل هناك فئتين : فئة تحب السلطة والزعامة ، ولها جميع المزايا التي تمكنها وتأهلها لذلك بطبيعتها ، وفئة تميل إلى الخضوع والانصياع بطبيعتها أيضا ، ولذا فان العوامل النفسية الطبيعية هي التي تتحكم في ذلك .
لهذه الأسباب نشأة الدولة، غير أن النظرية عنصرية في الأساس، وقد وظفتها النازية للتمييز بين الأجناس ، خاصة بين الآريين المؤهلين لحكم الأجناس الأخرى.
(4)نظرية التطور العائلي
رائد هذه النظرية الفيلسوف اليوناني أرسطو، فهو يرى أن الإنسان كائنٌ اجتماعيٌّ بطبعه, ولا يستطيع أن يعيش منعزلاً، فهو يشعر بمَيلٍ غريزيٍّ للاجتماع, فيلتقي الذكر بالأنثى مكونَين بذلك وحدةً اجتماعيةً صغيرةً وهي الأسرة, وتتفرَّع الأسرة وتتشعَّب مكونةً العائلة, فالعشيرة، فالقبيلة، فالمدينة التي تكون نواة الدولة .
وتُعتبر هذه النظرية بحق أول محاولة فكرية لتفسير نشأة الدولة، والقائلون بها لا يرون الدولة إلا مرحلةً متقدمةً ومتطورةً من الأسرة، وأن أساس السلطة فيها يعتمد على سلطة رب الأسرة وشيخ القبيلة .
والسلطة السياسية في هذه النظرية ما هي إلا امتداد لتلك السلطة الأبوية، لذلك قد يطلق على هذه النظرية باسم نظرية السلطة الأبوية.
ويلاحظ تأييدا لهذه النظرية، أن الأديان جميعا تقر أن العالم البشري يرجع الى زواج آدم بحواء أي الى الأسرة ، هذا فضلا عن وجود أوجه تشابه عديدة بين الدولة والعائلة من حيث الروح والنظام والتضامن الجماعي ، لهذا قديما كان من المستصعب تصور عدم وجود هذه الرابطة العائلية التي تقيم فيما بعد /الوحدة السياسية/ وبعض الشواهد التاريخية تؤيد هذه النظرة.
لكن هذه النظرية وجهت لها العديد من الانتقادات أهمها :
1/ فيها مغالطة تاريخية ، بحيث علماء الاجتماع يؤكدون أن الأسرة لم تكن الخلية الاولي للمجتمع ، بل أن الناس جمعتهم المصالح المشتركة والرغبة في التعاون على مكافحة أحداث الطبيعة قبل أن توجد الأسرة ، لذا كانوا يلتفون حول العشيرة التوأمية ،، فأساس الصلة في هذه ليس الدم ولكن التوأم.
المطلب الثالث: النظريات الاجتماعية
(1) نظرية التغلب والقوة
تُرجِع هذه النظريةُ أصلَ نشأة الدولة إلى واقعة التغلب؛ حيث أن القانون الطبيعي يعني البقاء للأقوى؛ وحيث إن القوى البشرية في صراعٍ دائمٍ , وهذا الصراع يُسفر دائمًا عن منتصر ومهزوم، والمنتصر يفرض إرادته على المهزوم , والمنتصر النهائي يفرض إرادته على الجميع, فيتولى بذلك الأمر والنهي في الجماعة, ويكون بمثابة السلطة الحاكمة.. فتنشأ بذلك الدولة مكتملة الأركان.
وقد تمحورت هذه النظرية في ثلاثة اتجاهات معينة:
*نظرية ابن خلدون
* النظرية الماركسية
* نظرية التضامن الاجتماعي.
فكلا من هؤلاء الفقهاء يحاول تبرير نظرته حسب واقعه المعيشي
فأبن خلدون يدافع على فروضه الثلاث الذي استخلصها من تفسيره الذي سماه العقلاني للتحول من الحكم بالشريعة إلى الحكم الاستبدادي المطلق.
أما في النظرية الماركسية، فتنظر للتاريخ من الزاوية المادية، فالصراع عبر التاريخ كان على أساس طبقي..
وبناء على هذا ظهرت ثلاث أنماط من الدول عبر التاريخ كانت تخدم مصالح طبقات معينة وبذلك نصل إلى المجتمع المنشود .
اما في نظرية التضامن الاجتماعي : فمفهوم القوة عند أصحاب هذه النظرية لا تقتصر على القوة المادية ، وإنما أشمل من ذلكـ ، كقوة النفوذ الأدبي ، والقوة الاقتصادية والحنكة سياسية..الخ.
(3) نظرية التطور التاريخي
يرى أنصار هذه النظرية ، ومن بينهم برلمي وجار نر وسبنسر ، أن الدولة لم تنشأ نتيجة القوة أو التطور العائلي أو العامل الديني ..، ذلك أن الظواهر الاجتماعية ومن بينها الدولة لا يمكن رد نشأتها إلى عامل واحد ، فالدولة عندهم هي نتاج للتطور التاريخي وتأثيرات متعددة كان نتيجتها ظهور عدة دول تحت أشكال مختلفة ومتعددة تعبر عن ظروف التي نشأت فيها ، لذلك فإن السلطة في تلك الدول لا تستند في قيامها هي الأخرى على عامل واحد بل على عدة عوامل منها القوة والدهاء والحكمة والدين والمال والشعور بالمصالح المشتركة التي تربط أفراد الجماعة بعضهم ببعض ، فالدولة إذن وفقا لأنصار هذه النظرية ظاهرة اجتماعية نشأت بدافع تحقيق احتياجات الأفراد شأنها شأن الظواهر الأخرى.
وهذه النظرية تعد رغم عموميتها ، أقرب النظريات إلى الصواب.
المبحث الثاني: النظريات القانونية
المطلب الأول: النظريات الاتفاقية
وتعرف أيضا بنظريات العقد الاجتماعي.
ظهرت فكرة العقد الاجتماعي قديمًا كأساسٍ لنشأة المجتمع السياسي عند الإغريق، فالنظام السياسي في نظرهم هو نظامٌ اتفق الأفرادُ على تكوينه للسهر على مصالحهم, ومن ثم فلا يجوز أن يكون هذا النظام حائلاً دون تمتُّعهم بحقوقهم الطبيعية, ولا يتقيَّد الأفراد بالقانون إلا إذا كان متفقًا على هذه الحقوق الطبيعية..، ثم جاء النظام السياسي الإسلامي فأبرَزَ عملية التعاقد ورتَّب عليها أثرَها كما سنُبيِّن فيما بعد، ثم ظهرت هذه الفكرة في كتابات بعض المفكِّرين الغربيين منذ نهاية القرن السادس عشر، وكان من أبرز القائلين بهذه النظرية الفيلسوفان هوبز ولوك الإنجليزيان وجون جاك روسو الفرنسي .
وقد اتفق الثلاثة على أن العقد الاجتماعي يقوم على فكرتَيْن أساسيتين :
إحداهما: تتحصَّل في وجود حالة فطرية- بدائية- عاشها الأفراد منذ فجر التاريخ .
وثانيتهما: تتبدى في شعور الأفراد بعدم كفاية هذه الحياة الأولى لتحقيق مصالحهم، فاتفقوا فيما بينهم على أن يتعاقَدوا على الخروج من هذه الحياة بمقتضى عقدٍ اجتماعي ينظِّم لهم حياةً مستقرةً, أي تعاقدوا على إنشاء دولة , وبذلك انتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ..ومع اتفاقهم في هاتين المقدمتَين فقد اختلفوا في حالة الأفراد قبل التعاقد وبنود هذا التعاقد، فاختلفت بذلك النتائج التي رتَّبها كلٌّ منهم على النظرية...
إذن ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية بعيدة، استخدمها الكثير من المفكرين في تأييد أو محاربة السلطان المطلق للحاكم.
هذه النظريات ترجع إلى القرن السادس عشر ، والتي ساهم في صياغتها وإبراز مضمونها كل من هوبز ، ولوك ، و روسو .
أولا : نظرية هوبز : ( من أنصار الحكم المطلق )
ان الفترة التي عاش بها هوبز وما رافقتها من اضطرابات في كل من إنجلترا وفرنسا كان لها بالغ الأثر على الفكرة الذي عبر عنها بتأييده المطلق للحاكم .
اغلب كتاباته تمثل الدفاع عن الملك وحقه في الحكم ضد أنصار سيادة البرلمان.
ابرز هوبز بحق الملك المطلق في الحكم من خلال طبيعة العقد الذي ابرم بين الأفراد للتخلص مما رتبته الطبعة الإنسانية ونزعتها الشريرة التي قاساها الأفراد في الحياة الفطرية قبل إبرام هذا العقد..
من خلاله يتنازل الفرد عن حرياته وحقوقه الطبيعية للسلطة التي أقامها ايا كانت مساوئها واستبدادها . لان السلطة وفي وجهة نظره مهما بلغت من السوء فلن تصل إلى حالة الحياة الطبيعية التي كانوا يعيشونها. بل إن وضع أي قيد على الحاكم، أو ترتيب أي التزام عليه يجعل العقد الاجتماعي قاصرا عن تحقيق الغرض المنشود.
وهكذا يتمتع الحاكم على الأفراد بسلطة مطلقة ، ولا يحق للأفراد مخالفة هذا الحاكم مهما استبد أو تعسف .
ثانيا : نظرية جون لوك : ( من أنصار الحكم المقيد )
إذا كان لوك يتفق مع هوبز في تأسيس المجتمع السياسي على العقد الاجتماعي الذي ابرم بين الأفراد لينتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ، إلا انه يختلف معه في وصف الحياة الفطرية والنتائج التي توصل إليها .
الحياة الفطرية الطبيعية للأفراد كما يصفها لوك فهي تنصح بالخير والسعادة والحرية والمساواة ، تحكمها القوانين الطبيعية وبالرغم من وجود كل هذه المميزات لدى الفرد إلا أن استمراره ليس مؤكداً وهذا بسبب ما يمكن أن يتعرض له من اعتداءات الآخرين . وهذا ما يدفع الإنسان إلى الحرية المملوءة بالمخاوف والأخطار الدائمة والانضمام إلى مجتمع ما مع الآخرين من اجل المحافظة المتبادلة عن أرواحهم وحرياتهم واملاكهم .
فهذه النظرية تقر بأن العقد الذي ابرم بين الأفراد وبين الحاكم لإقامة السلطة لا يمنح الحاكم السلطة المطلقة.وإنما يمنحه سلطة مقيدة بما يكفل تمتع الأفراد بحقوقهم الباقية والتي لم يتنازلوا عنها.إضافة إلى أن الحاكم في نظرية لوك طرف في العقد مثل الفرد. وما دامت أن شروط العقد قد فرضت على الحاكم الكثير من الالتزامات، فهو مقيد وملتزم بتنفيذ الشروط، وأجاز للأفراد مقاومته وفسخ العقد.
ثالثا: نظرية جون جاك روسو :
روسو لوك
الحياة الفطرية حياة خير وسعادة يتمتع بها الأفراد بالحرية والاستقلال والمساواة الحياة الفطرية حياة خير وسعادة يتمتع بها الأفراد بالحرية والاستقلال والمساواة
يختلف مع لوك على أسباب التعاقد وأطرافه ومن ثم النتائج التي تترتب على ذلك . يختلف مع روسو على أسباب التعاقد وأطرافه ومن ثم النتائج التي تترتب على ذلك .
يرجع إلى فساد الطبيعة والحياة العصرية، وذلك كمظهر الملكية الخاصة وتطور الصناعة من إخلال بالمساواة وتقييد الحريات فسر رغبة الأفراد في التعاقد على أساس ضمان استمرارية المساواة والحريات العامة وضمان السلم الاجتماعي .
وبالتالي ومن خلال نظرة روسو كان لابد للأفراد السعي للبحث عن وسيلة يستعيدون بها المزايا ، فاتفق الأفراد فيما بينهم على إبرام عقد اجتماعي ، هذا العقد يقوم الأفراد من خلاله بالتنازل عن كافة حقوقهم الطبيعية لمجموعة من الأفراد الذي تمثلهم في النهاية الإرادة العامة . هذا التنازل لا يفقد الأفراد حقوقهم وحرياته لان الحقوق والحريات المدنية استبدلت بتلك الطبيعية المتنازل عنها للإرادة العامة .
* الحكومة لا تقوم على أساس تعاقد بينها وبين المواطنين وإنما هي هيئة من المواطنين مكلفة من قبل صاحب السيادة بمباشرة السلطات الذي له أن يستردها وان يمنحها إلى أشخاص آخرين .
الانتقادات التي تعرضت لها النظرية العقدية :-
1- الخيالية : لان التاريخ لا يعطينا مثلا واحدا واقعيا بان جماعة من الجماعات قد نشأت بواسطة العقد .
2- غير صحية من الناحية القانونية :
3- غير صحيحة من الناحية الاجتماعية: تفترض أن الإنسان كان في عزلة قبل نشأة الجماعة وهذا قول غير صحيح لان الإنسان كائن اجتماعي .
المطلب الثاني: النظريات المجردة
سميت هذه النظرية أو الاتجاه بالنظريات المجردة للعديد من الأسباب أهمها لعدم خروجها من طور التنظير ورفوف الأوراق الى ارض الواقع ، ملت التسمية لروعة البناء النتظيري وهشاشة أو استحالة تطبيقها أو إيجادها – إن وجدت في أرض الواقع . فكل هذه الأسباب كانت دافع لتجريد هذه النظريات في هذا الاتجاه.
ومن أهم النظريات المجردة ::
1- نظرية الوحدة
2- نظرية النظام القانوني
3- نظرية السلطة المؤسسة
4- النظرية المؤسسة. لهوريو
وسندرس كل هذه النظريات على إنفراد مع ذكر مالها وما عليها .
أولا : نظرية الوحدة ( جينلك )
بداية يحاول الفقيه جينلك أن يفرق بين المصطلحين * العقد* و * الفونبارك* ، فالعقد من الناحية القانونية هو تطابق إرادتين على أساس الرضا واتفاق على المحل إذ وجدت المصالح، فالمصالح المتبادلة هي التي دفعت بالتعاقد ، فالبائع مثلا قد يحصل على مال و المشتري يحصل على أشياء غير التي دفعت للبائع ، إلا انه قد تم الاتفاق على ذلك من قبل ، أما الفونبارك فهو تطابق أو تعدد العديد من الإرادات ، فالعلاقة متباينة الإرادات من اجل تحقيق هدف واحد ألا وهو إنشاء دولة.
فعلا هذه الفكرة مبهرة من العديد من النواحي:
فعلى المستوى الداخلي ، على أساس الفونبارك يمكن تبرير إنشاء شركات المساهمة المتعرف عليها في القانون التجاري ، اما على مستوى القانون العام نجد هذه النظرية تتماشى مع الأنظمة الدستورية المعاصرة و بالأخص الأنظمة البرلمانية . كالاتفاق الحاصل بين الحكومة والبرلمان .
أما على المستوى الدولي ، فإن هذه الفكرة تتماشى مع فكرة الاتحادات ، والاتفاقيات . وهذا الاتجاه هو أكثر اعتمادا في الوقت المعاصر .
إلا أن حسب المنطق فإن هذه النظرية تبرر نشأة السلطة السياسية وليس نشأة الدول . وكذا لا يمكن أن نتصور لنشؤ دول بفضل إرادات مختلفة دون أن يوجد نظام قانوني منشئ.
ثانيا: نظرية النظام القانوني.
صاحب النظرية * هنري كلسن* إذ يعتبر أن الدولة هي نظام تسلسلي للقواعد القانونية تستمد صحتها من قاعدة قانونية مفترضة.
فهذا النظام التسلسلي أو الهرمي ، يعتبر أن كل قاعدة أعلى ملزمة للقاعدة الأدنى ، فهكذا كل قاعدة تستمد صحتها من قاعدة أعلى منها درجة الى أن تصل الى الدستور الذي يستمد هو الآخر صحته من دستور سابق . وهذا ما يعرف لدى فقهاء القانون الدستوري بمبدأ /دستورية القوانين/، فالقاعدة الدستورية أو القاعدة الأساسية المفترضة لا يجوز أن نسال من أين تستمد صحتها الإلزامية، فيجب الاعتقاد بهذه القاعدة والإذعان لها . إلا أن هذه النظرية لم تسلم من الانتقادات أهمها للفقيه ريني في كتابه الحتمية القانونية الصادر سنة 1928 . فانه يسلم بفكرة الهرم القانوني ، إلا انه يعتبر أن الدستور الاول ليست له قوة فرضية وإنما قوة واقعية تستمد من الجمعية التأسيسية ، فمثلا الثورة الفرنسية استمدت قوتها من الجمعية الوطنية ، فالإرادة الشعبية واقعية وليست مفترضة واقعة خارج القانون.
أما المدرسة الماركسية، تعتبر أن الدولة ما هي غلا مرآة للنظام الاقتصادي والاجتماعي الموجود . وبالتالي القول بالقاعدة الافتراضية الملزمة لا سند له من الصحة.
ثالثا: : نظرية سلطة المؤسسة.
حسب منظري هذه النظرية ، أن الدولة غير موجودة ولا كيان لها إلا حينما تؤسس و تنظم سلطاتها القانونية ، فلا يتم هذا كله إلا بطريقين . أولا بنقل الدولة من سلطة سياسية أي سيطرت شخص أو شخصين الى كيان مجرد .
أما المرحة الثانية وضع دستور وهكذا ستتحول الدولة من دولة فعلية الى دولة قانونية .
رغم صحة هذه النظرية في العديد من الجوانب إلا أنها لا تتماشى مع الدول ذات الدساتير العرفية التي لا توجد فيها قوانين عليا تنظمها.. رغم كل هذا فإنها تعتبر كيان ، فإذا أخذنا فحواها فإنه يستحيل أن تقام دولة لعدم وجود دستور.
باختصار فإنه توجد الدولة بوجود الدستور، فلا يتصور قيام دولة بدون دستور، وهذا يكذبه الواقع.
رابعا: نظرية المؤسسة // هوريو//
حسب هوريو فإن الدولة جهاز اجتماعي وسياسي وأن تشكيلها قد يتم على مرحلتين :
المرحلة الأولى: تقبل الأفراد لإقامة مشروع دولة معتمدة من مجموع المثقفين.
المرحلة الثانية : إنجاز هذا المشروع بدعوة الأفراد للانخراط والانضمام.
فالدولة حسب هوريو مؤسسة للمؤسسات ، ولا يتم هذا التأسيس إلا بمراحل ، مرحلة الفكرة الموجهة ، وقد يتم ذلك بوجود أفراد يتصورون فكرة المؤسسة ووسائل إنجازها ثم فيما بعد هناك مرحلة الانضمام باستثناء جهاز معتمدين على النصوص القانونية الموجودة سابقا، وأخيرا هناك مرحلة نشر الدستور ، بحيث يكرس ما هو قائم ويعدل حسب مقتضيات الحاجة ودليله على ما يقول : قيام الدولة الجزائرية إذ يرى أن مرحلة الفكرة الموجهة بدأت بظهور القادة و الزعماء التاريخيين ، ثم بدأت مرحلة الانضمام بموافقة الشعب والالتفاف حول الثورة ومبادئها ثم بدأت مرحلة نشر الدستور بميثاق طرابلس .
وحسب المنطق واعتقاد بعض رجال القانون فإن قيام الدول كقاعدة عامة لا يقوم على أساس هذا التسلسل المذكور، كما انه صح القول بالنسبة للدولة الجزائرية. فإنه لا يصح بالنسبة لباقي الدول، بل توجد مغالطة تاريخية، إذ أن الدولة الجزائرية كانت موجودة مع العثمانيين والأمير عبد القادر..إلا أنها شاهدت نوع من الضعف والاضمحلال مع الاستدمار الفرنسي..
الخاتمة:
كل هاته النظريات لم تسلم من الانتقادات إذ يعني عدم وجود نظرية صحيحة تماما ومثالية وإنما تباينت من حيث الصحة والعمومية لدى العلماء
ولئن اكبر مؤثر للتباين هو الواقع المعيشي والاجتماعي لهم.
وإذا كان لابد من تفضيل نظرية معينة من بين النظريات، فلا شك أن نظرية التطور التاريخي هي الأكثر واقعية..
المراجع
الوجيز في القانون الدستوري / للدكتور الأمين شريط
القانون الدستوري والنظم السياسية / للـسعــيد بـــوالـشعـير
شرح في القانون الدستوري / فوزي اوصديق