محمد فائق وزيـر الإعـلام في عهد الرئيس عـبدالناصر يؤكد:
غيـاب الاستقلال هـو العـائق الحقـيقي للوحـدة العربيـة
تاريخ النشر :٢٤ يوليو ٢٠١٠
القاهرة - مــــن: وكالة الصحافة العربية أكد محمد فائق، وزير الإعلام المصري في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أن غياب الاستقلال هو العائق الأساسي للوحدة والأمن القومي، والبعد العربي هو أحد الثوابت الأساسية لمشروع الوحدة، وأن الاشتراكية وتوازن المجتمع والعدالة الاجتماعية موضوعات ملحة.. وأن السادات كان يضفي اللمسات الإعلامية على انقلابه.. مشيرا إلى أن الفترة الماضية التي تمثل 40 عاماً من غياب عبدالناصر ومثلها من الحضور ظل فيها يمثل حضوراً مستمراً.. مؤكداً أن شبح عبدالناصر يطارد كل الذين هاجموه.. تحدث عن الكثير خلال تلك الحقبة المهمة والفاصلة في حواره مع (وكالة الصحافة العربية) بالقاهرة الذي ننفرد بنشره:
} هل تعتقد أن مشروع عبدالناصر لايزال يصلح في الظروف الراهنة؟
- بالعكس، التطورات العالمية تؤكد أن فكر ومبادئ عبدالناصر مطلوبان بالزمن، إليك مثلاً موضوع الوحدة، وكان في ذلك الوقت مطروحاً على أنه قوة، أما الآن فأصبح ضرورة وأصبحنا في عالم ليس فيه مكان للكيانات الصغيرة، يمكن أن يكون مشروع الوحدة في حاجة إلى تعديل للأسلوب، أعني أن تطرأ التعديلات على الأسلوب الذي يحقق الوحدة وأظن أن التيار القومي درس ونقد نفسه وحاول أن يطور هذا البعد، بعد الوحدة الدستورية.
} يوصف عهد عبدالناصر بأنه عهد شمولي.. ما تعليقك؟
- عهد عبدالناصر كان عموماً مع الديمقراطية؛ بدليل أنها جاءت أحد أهداف الثورة، لكن ربما يكون عبدالناصر قد أعطى الديمقراطية بمعناها الاقتصادي والاجتماعي اهتمامه الأساسي بسبب الخلل الخطير في توازن المجتمع.. وربما للخلل نفسه لم يعط عبدالناصر للحقوق السياسية والمدنية القدر نفسه من الاهتمام، وربما بسبب الظروف والمتغيرات الثورية التي جرت في بداية الثورة كانت الحاجة لتركيز السلطة، وربما تكون هذه المتغيرات والظروف قد جعلت عبدالناصر يلتزم بفكرة التنظيم الواحد، لكنه لم يكن من ثوابت فكر عبدالناصر، بل كان يفكر فعليا في مسألة التعددية، وعندما بدأت فكرة التنظيم الطليعي باتت نواة تنطلق منها حرية الأحزاب، عموماً إذا عملنا بنفس مقاييس مرحلة التحرر الوطني التي كانت فيها قضية التحرر قضية محورية، فإن قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان تكون الآن هي قضايانا المحورية باعتبارها قضية العصر.
الوحدة العربية
} هل تعتقد أن الوحدة العربية في ظل الوضع الراهن في المنطقة ممكنة؟
- أنا أحتاج لدولة قطرية قوية، فغياب الاستقلال هو العائق الأساسي للوحدة، أولاً نبدأ بالقفز فوق كل شيء ممكن، ثم ننظر لمواضيع تجمعنا، استراتيجية واحدة، أمن قومي واحد، لا يوجد أمن قطري وإنما أمن قومي، ومن باب أولى الاعتماد المتبادل بين الدول العربية وبعضها، والأمن القومي والبعد العربي هما أحد الثوابت الأساسية لمشروع الوحدة، وبغير مشروع الوحدة سيكون البديل هو التشرذم الهائل الذي وصلنا إليه الآن.
} الاشتراكية كانت حلم عبدالناصر.. وكما تسميها (الاعتماد المتبادل بين الدول العربية).. كيف تراها مع المتغيرات الدولية والإقليمية في إطار ما يسمى بالعولمة؟
- الاشتراكية وتوازن المجتمع، والعدالة الاجتماعية موضوعات ملحة، كما أن الحد من إطلاق آليات السوق إلى مداها موضوع ملح، وتصور أن آليات السوق ستوازن نفسها أوتوماتيكيا غير صحيح، فالبعض يطلق على التدخل للحد من آليات السوق الطريق الثالث، والعالم الآن يحارب الفقر، ويربط التنمية بحقوق الإنسان، وأول من تكلم في تنمية الإنسان نفسه هو عبدالناصر.. وبالنسبة لفكرة العولمة في بعدها النظري فهي شيء جميل، والاعتماد المتبادل بين الشعوب لإدارة الكون لصالح الكون يختصر إلى دول معينة تأخذ مكاسب وتترك السلبيات للدول الأخرى، وأصبح ضروريا الآن مقاومة الهيمنة التي هي جزء من العولمة.. والسؤال: كيف تحافظ على هويتك ولا تخضع للهيمنة المطلقة؟ إنك تحتاج للحفاظ على الهوية ومقاومة الهيمنة.. ومشروع الوحدة هو الإجابة للمستقبل.
الثورات الإفريقية
} بوصفك مسئولاً عن ملف إفريقيا.. هل توافق على حق تقرير المصير للسودان؟ وماذا عمن خلفك؟
- بكل تأكيد، فلم يكن ممكناً الاحتفاظ بالسودان بحق الفتح، علماً بأن الاعتراف بحق تقرير المصير للسودان هو الذي سمح لنا بالانطلاق في إفريقيا، وكان هناك أمل في الوحدة على أن تكون تطوعية وهذا هو الفارق بين ناصر وصدام.. أما بالنسبة لمن خلفني في ملف السودان فهو صلاح سالم الذي كان عديم الخبرة، إلا أنه شخص ذكي جدا، وفعل أشياء تحترم وأخرى سيئة، إلى أن أسند الملف لزكريا محيي الدين، وأنا معه، وكنت آمل أن نحتفظ بوحدة طوعية مع السودان.
} وكيف انطلقتم من السودان إلى إفريقيا في عهد عبدالناصر بوصفك المسئول وقتها؟
- بالفعل كان السودان نقطة البداية في اهتمامات الثورة بإفريقيا، فقد قرر عبدالناصر بحسه العميق الموافقة على حق السودان في تقرير مصيره، وخلافاً لكل التوقعات بأن نظاما عسكريا سيكون أكثر تشدداً في مصر في المطالبة بحقه في السودان بعد أن أعلن فاروق نفسه ملكا على مصر والسودان، فاجأ عبدالناصر الإنجليز أنفسهم بالموافقة على إعطاء السودان حق تقرير المصير.. وطلب توقيع اتفاقية مصير السودان قبل توقيع اتفاقية الجلاء عن مصر، وكانت خطوة "جريئة" وواعية من عبدالناصر الذي أراد شمول معركته ضد الاستعمار من بلدان محررة، فكان المكسب الذي حققه هو خروج الإنجليز من السودان في يناير 1956 وتأكد حق تقرير المصير في افريقيا من موقف مصر إزاء السودان الذي أصبح رابع دولة افريقية مستقلة بعد مصر وليبيريا وإثيوبيا.
} النظرة الناصرية لإفريقيا كانت بعيدة ومهمة.. هل هي الآن كما كانت؟
- إفريقيا مكون أساسي ومهم جدا، ولاتزال الدوائر الثلاث التي تحدث عنها عبدالناصر هي التي يسير عليها إلى حد كبير البعد العربي والافريقي والإسلامي، وافريقيا تتقاطع فيها الدوائر الثلاث، وثلثا العرب في افريقيا، و15 دولة عربية أعضاء في منظمة الوحدة الافريقية، والبعد الافريقي بالغ الأهمية لنا كعرب، وفي عام 1956 استوعب عبدالناصر درس فشل مصدق في تأميم البترول، فقد دخل مصدق معركته في التأميم كحركة داخلية، ولم يشرك الخارج فيها، ودخل عبدالناصر معركته ضمن حركة عالمية واسعة كانت باندونج أساسية فيها، وكان البعد العربي والإفريقي والدولة مقدمات دافقة أظهرت الفيتو الروسي، وموقف أيزنهاور المختلف، وكانت نتيجتها وقوف الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد العدوان.
} كانت لعبدالناصر مقولة شهيرة بعد 1967 وهي: "لا أريد أن تنتكس إفريقيا بنكستنا".. لماذا قالها؟
- عندما كان عبدالناصر يستعد للسفر إلى الخرطوم في 1967 وكان ذلك في شهر أغسطس، وقبل يوم واحد من تصفية مقر المشير عامر في الجيزة، وصل إلي خطاب عاجل من جون جو وكان رئيس المجلس العسكري الحاكم في نيجيريا يستغيث فيه، لأن طائرات من "بيافرا" تغير يوميا على لاجوس العاصمة، وهو ليس لديه مدفعية مضادة للطائرات ولا طائرات مقاتلة تستطيع الدفاع عن سماء لاجوس.. وأن استمرار هذا الوضع بالغ الخطورة، وأنه استغاث بالعالم ولم يغثه أحد سوى الروس، وأرسلوا إليه ميج 19 من دون طيارين ورجا عبدالناصر أن يطلب إلى الدول الصديقة له إرسال طيارين، تلقيت الخطاب وأرسلته لعبدالناصر ولم أعلق عليه على غير العادة، طلبني عبدالناصر، وقال لي عبارة لن أنساها في حياتي.. وأنا أعلم ما نحن فيه من هزيمة.. والمشاكل الداخلية التي يواجهها والاستعداد للخرطوم قال لي: "لا أريد أن تنتكس افريقيا بنكستنا".. واستطرد: "لابد أن تنهي نيجيريا عملية انفصال بيافرا.. إنها عملية أساسية من أجل تحرير أرضنا، علينا أن نساعدهم فوراً.. إنهم يريدون إخافة هذه الأنظمة ليسهل عزلنا"، وفوضني الرئيس بسلطات رئيس الجمهورية في هذا الموضوع، وأرسلنا طيارين مصريين بمختلف الأطقم اللازمة لهم.. ونجحت نيجيريا في القضاء على انفصال بيافرا.. وكانت مصر أول دولة يزورها رئيس نيجيريا بعد إنهاء الانفصال اعترافاً بدور عبدالناصر في هذه العملية، وتدفقت بعد ذلك المساعدات على نيجيريا.
} هل تعتقدون أن ما يتم اليوم من تواصل مصري - إفريقي هو امتداد لمشروع عبدالناصر رغم أنه حاليا ليس بالحجم المطلوب؟
- لايزال لنا رصيد كبير في افريقيا.. ولايزال يُنظر إلى عبدالناصر كبطل لتحرير إفريقيا، فقد استطاع أن يكشف وجه مصر الإفريقي بعيداً عن أطماع التوسع الإمبراطوري في القارة وكان واضحاً أننا معهم في حركة واحدة ضد الاستعمار.. وأن أي خطوة أو نجاح تحققه دولة افريقية يجد صداه لدينا، وكان الإعلام أيضاً يعكس هذه الصورة، وأذكر مثلاً في حكاية الإعلام ما فعله عبدالناصر مع عبدالرشيد شرماركي وقد كان رئيس وزراء الصومال وحاول أن يسير بالصومال في اتجاه وطني تحرري، وكان عبدالرشيد في أوروبا، وطلب أن يزور مصر وأثناء محادثاته مع عبدالناصر شرح له مشكلته مع الشركات الإيطالية التي تحتكر محصول الصومال الرئيسي وهو الموز، وكيف أن هذه الشركات امتنعت عن شراء المحصول بعد جمعه، وتركت أسعاره تهبط هبوطاً شديداً الأمر الذي هدد الصومال بكارثة لا يتحملها اقتصاده، وكان هذا أسلوباً معروفاً تتبعه الشركات الغربية في مواجهة الحكومات الإفريقية التي تنتهج سياسات استقلالية، ورد عبدالناصر قائلاً: إن مصر ستدخل مشترية لمحصول الصومال من الموز، وسيطرح الموز الصومالي للاستهلاك المحلي داخل أسواقنا، وسنقوم بتصدير محصولنا من الموز المصري فلدينا القنوات القادرة على ذلك، وسأله عبدالناصر عن مجموع محصول الموز، فقال له عبدالرشيد شرماركي الرقم، فأكد عبدالناصر أن مصر ستشتريه كله، وجاء هذا العرض مفاجأة لعبدالرشيد نفسه.
} توليت وزارة الإعلام مجدداً في عهد الرئيس السادات بعد استقالة هيكل.. من الذي رشحك للعودة؟
- الرئيس السادات هو الذي رشحني، ولو لم أبادر إلى الاستقالة في 15 مايو لوصلت إلى قمة السلطة.. فالسادات كانت لديه قناعة بأن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق اللعبة السياسية، وأن المشكلة لم تكن بين مصر وأمريكا بل بينها وعبدالناصر، وبما أن عبدالناصر مات فيمكن أن تحل مع الأمريكان.. لذلك عمد السادات إلى تأجيل الحرب رغم أن توازن القوى في 1971 كان أفضل بالنسبة لمصر من 1973، فلما رفض السادات تفعيل اتفاقنا في مجلس الدفاع بشن الحرب استقلت.
} قيل إن استقالتك مرتبطة بمحاولة منع السادات من دخول مبنى التليفزيون؟
- هذا لم يحدث ومحض خيال، ولا أساس له من الصحة، فصحيح أنني أعلنت استقالتي قبل أن يقبلها السادات، احتجاجا على تأجيله قرار الحرب بعد أن اتفقنا عليه وحددنا ربيع 1971 موعدا مبدئيا وتركنا له تحديد اليوم والساعة مع الفريق محمد فوزي فريق الدفاع، وبالخطة "جرانيت 1"، التي وضعها عبدالناصر، التي كانت تتضمن السيناريو الذي حدث في 73 كاقتحام خط بارليف وتذويب الساتر الترابي بخراطيم المياه والعبور بالزوارق المطاطية كما شرح الفريق فوزي في كتابه.
} ليس صحيحاً إذًا أنكم خططتم للإطاحة بالسادات.
- إطلاقاً.. بل السادات كان يرغب في الخلاص من رجال عبدالناصر، معتقداً أن هذا سيسهل تعاونه مع أمريكا لحل المشكلة، وأن فكرة أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا المنسوبة إلى محمد حسنين هيكل هي فكرة السادات أساساً، وعما ذكره هيكل في كتابه "خريف الغضب" متضمناً أننا وضعنا هواتف كل من يتصل بهم السادات تحت المراقبة أي أن هاتف منزله كان مراقباً بشكل غير مباشر.. فلا علاقة لي بهذا لأني غير مسئول عن رقابة الهواتف كوزير للإعلام، ولا حتى الفريق فوزي، وزير الدفاع، فإن معلوماتي تقول: إن هذا غير صحيح وانه تم اختراع مثل هذه الحكايات لتبرير انقلاب القصر.. فالسادات لم يراقب إطلاقاً فلم يثبت أبداً أن وضع هاتف السادات تحت المراقبة.. ولم يوضع هيكل أيضاً تحت المراقبة.
العدد : ١١٨١٠ - السبت ٢٤ يوليو ٢٠١٠ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٣١ هـ