طارق زيادة صالح سوار الدهب: إن طبيعة الإجابة على التساؤلات التى تفرضها (إنماط التحول التنموي) ستساهم فى تشكيل الملامح العامة لسودان مرحلة مابعد الحرب والأبعاد التنموية الاقتصادية والسياسية بل وحتى المجتمعية والثقافية التى ستستند عليها انماط هذه التحولات . هل انتهت الحرب عبر التسوية الشاملة (ذات الطبيعة المتعددة) ؟ وهل كان الحل حلاً تفاوضياً تساومياً (ذو طبيعة تاريخية)=روعيت فيه المصالح المشروعة لكل الاطراف المتصارعة ؟ أم هو حل (صفرى) يقوم على حرمان الاطراف الاخرى بصورة تلقائية من المشاركة فى عبء صناعة المستقبل والتعبير المشروع الذى يضمن أدوارها الثقافية والمجتمعية والسياسية بل وحتى فى حقها فى الوجود الحر والمستقل .
مدخل نظري أولى : هل من نمط تحول منهجي للتنمية ما بعد الحرب ؟
* مما لاشك فيه انه كل ماكانت المنهجية الثقافية للتحول التنموي تؤسس للإنتقال من:المفهوم الثنائى الى المفهوم الشمولي الجماعي ،المفهوم الاقصائي الى المفهوم الاستيعابي. كل ماكان الحل الثقافى التنموي لما بعد الحرب قابلاً لإمكانات تعددية تقوم على فكرة ثقافة المساومة التاريخية والاستدامة البنيوية .وهذين العاملين لايمكن تبين اثرهما دون التعامل مع السؤال المركزي : ماهى محورية الأرتباط بين البنية السياسية والاقتصادية للمشروع التنموي لما بعد الحرب ... القوى السياسية والمجتمعية التى ساهمت فى انجاز التحول ، هل هى قوى ذات مطامع رأسماليه وإقتصادية للاستثمار فى مشروع السلام والتنمية لما بعد الحرب (وطنية وعالمية) ام هى قطاعات فئوية حديثة (تنظيمات نقابية وسياسية ومؤسسات مجتمع مدنى) أم هى قوى حزبية وأيدلوجية ؟ ام مليشيات الامر الواقع العسكري وتوازناتها الراهنة؟ ام ان هنالك عوامل (عبر) وطنية تتمثل فى قوى دولية واقليمية ضاغطة باساليب دبلوماسية وسياسية اوعسكرية وإقتصادية فمستوى مصالح هذه القوى تحدد مستوى الحل واسلوبه ودرجة استدامته . فالمساومات التاريخية قد تقوم احياناً على التسوية الايدلوجية والسياسية ذات الطابع الاقتصادي الاستراتيجى الضامن لإستمرارية المصالح الاقتصادية المتنفذة المحلية والدولية :النخب السياسية المستفيدة من الظاهره النزاعية الوطنية (= تشمل المناخ الأيدلوجي الثقافي السائد والمؤسسات والقوى التى تعيد انتاج علاقاته العنفية) فهى قد تعمد غالباً الى ترتيب الصفقات السياسية والاقتصادية مع القوى الدولية الراعية لمشروعات الرؤى (المؤدلجة) للتسوية على حساب جماهيرها الشعبية .
والحلول البراغماتية (= أو العملية المكرسه للأمر الواقع) قد تجد نفسها فى حالة تقابل مع الحلول المبدئية (او الراديكالية) والتى تطمح الى تغير اسس الامر الواقع . ومن هذا التقابل التفاعلى تنشأ أنماط للتسوية الثنائية الجامدة التى تغذيها =
1. الطبيعة الجغرافية السياسية والإقتصادية السودانية (التركيبة السياسية والإقتصادية والأثنية): العملية السياسية تتم فى إطار المطابقة بين المصالح النخبوية الفئوية والمصالح الكلية الإثنية على أساس التكتل الإثنوجغرافي الإقليمى أو الجهوى ... فالعملية الإقتصادية لاتتم فى إطار علاقات السوق الموضوعية الليبرالية بل فى إطار المنافسة الأيدلوجية والإثنية . فالأصل الثقافى ينبغى له أن يقيم العلاقة التفاعلية الناقدة والمتجاوزة للجغرافية السياسية والإقتصادية السودانية من حيث : تناول ثقافة التركيب السياسي والإقتصادي والإثنى فى إتجاهات ثقافية نافيه لأُطر المطابقة بين المصالح النخبوية الفئوية والمصالح الكلية الإثنية القائمة على أُسس التكتل الإِثنو ? جغرافي القليمي والجهوي ، والمعالجة الثقافية ينبغى أن تتجاوز هذا الواقع لتؤسس لثقافة السوق الوطنية الإندماجية على حساب ثقافة (الكارتيل) الإثني والجغرافي فى إطار علاقات سوق تثاقفي موضوع ليبرالي يعالج هذه التناقضات التى أفرزتها ثقافة الدولة الوطنية (الكولونيالية) بكل مدلولاتها السلطوية المرتبطة بمركزية (المتربول الإمبريالي) .
2. الدولة الوطنية مابعد (الكولونيالية) هى أساس العمليتين السياسية والإقتصادية (= بالمعنى البيروقراطي والسلطوى) . على الرغم من النمط التاريخى : الموضوعى والإجرائي المشوه والتابع لمفهوم الدولة السودانية وذلك على حساب المبادرات الفردية والمجتمعية والمؤسسات الشعبية والمدنية ذات الطابع الإقتصادي أو الإجتماعي بل وحتى السياسي وهاتين الخاصيتين يقودان إذا لم يتم تداركهما الواعى إلى قيام فكرة مشروع تسوية السلام والتنمية السودانى :
* على أسس ثنائية (إستقطابية )على قاعدة توزيع المغانم السياسية والإقتصادية .
* على بطء وشكلانية الصيرورة السياسية والإقتصادية ، ذلك لأن المصالح الحقيقية للقوى المتصارعة (الحكومة السودانية ، الحركات الشعبية المتمردة) قد تتعارض مع الإصلاح الحقيقى . وفى هذه الحالة يكون الحديث عن الأبعاد الإقتصادية المتكاملة للتنمية والسلام والديمقراطية والشفافية والمحاسبة لايتجاوز حدود الخطاب السياسي للأغراض المحلية ليس بأُفقها الوطني بل الأيدلوجي والحزبي المحدود .
سيتم إذاً تناول هذا الموضوع البحثى من خلال : مقاربة مجموعة من الأبعاد المؤثرة عليه ، وملامستها بنموذج التحول السودانى من الحرب الأهلية إلى بناء السلام والتنمية ، تدرجاً يتعامل مع هذا البناء إبتداءاً من مستوى المدخل الفردي الإنساني والجماعى المجتمعى وإنتهاءاً بالمدخل المنهجي الكلى لنظريات التنمية والسلام لما بعد الحرب الأهلية ، وتقاطعات هذا التدرج تعنى التصدي لما تفرضه علاقتها بالمداخل المقترحة بتناول (سيناريوهات) الأبعاد الإقتصادية لتنمية مابعد الحرب . فالأبعاد الإنسانية لهذه التنمية تعنى التعامل مع البنية النفسية والذهنية والثقافية والإجتماعية التى تكفل استمراريتها .
والأبعاد الاقتصادية لمشروع التنمية المتوقعه ينبغى أن يستند على بِنى هذه القواعد الانسانية النفسية والذهنية لتتكامل عبر منهج إقتصادي كلى يخاطب إستحقاقات السلام والتنمية بأبعادها الداخلية والخارجية التى تكفل إِستدامتها ، وهذين البعدين الموضوعيين ينبغى أن يتكاملا مفاهيمياً ووظيفياً ليؤسسا فى الإطار الوطنى لخارجهما : السياسي والعسكري (= ضمن أي نسق سيختار السلام والتنمية التعبير عن نفسه : فى إطار علاقات التصارع العنفى العسكري أم التصارع السلمي السياسي) وهذا تحديداً ما سيتجلى فى الأبعاد السياسية لهذه التنمية المتمثله فى أثر هيكل السلطة السياسي والعسكرى على عملية البناء الإقتصادي للتنمية مابعد الحرب التى تشهدها الدولة والمجتمع .
والإنطلاقة من هذه المنهجية المفتاحية فى التعامل مع أوضاع مابعد الحرب ، هى التى ستحدد درجة النجاعة الإقتصادية التنموية والسياسية المجتمعية لإرساء أسس الحل السلمى الشامل والمستدام .
أولاً : الأنماط الثقافية للتنمية بالمجتمع والدولة مابعد الحرب الأهلية
إن الظاهرة الإنسانية النزاعية (= خصوصاً فى تموذجها الإحترابى الأهلى ) ، ذات آثار مباشرة وغير مباشره بل (متعديه ولازمة) تطال الجوانب الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية بالتدمير الإستنزافى، بل وحتى الجوانب الثقافية والفكرية والأخلاقية والسلوكية بالإستلاب الحربى العدوانى ...
إن إعادة تشكيل هياكل المجتمعات القيمية والثقافية لمرحلة مابعد الحرب لصالح أنماط جديدة وقوى إجتماعية جديده تستبدل سوسيولوجيا الحرب ( ثقافة الحرب ، والقوى المستفيدة من الحرب التى أنتجت بنية سياسية وعسكرية تأسست مصالحها على الحرب ) ، بسوسيولوجيا التنمية وإعادة الإعمار (: فمرحلة النزاع ينبغى أن تكون المرحلة الإنتقالية التى تحمل عناصر الوعى باهمية الإستقرار والتنمية ) إستشرافاً لمرحلة التنمية لما بعد النزاع بما تعنيه هذه السوسيولوجيا التنموية الإعمارية : معالجة مشاكل التشوهات الإجتماعية التى تعيد إنتاج مشاكل النزاع ، والتصدى لإشكاليه الإدماج الإجتماعى وماتستوجبها ضرورات البناء المؤسسى والمفاهيمى لفكر السلام والتصالح والتنمية ، وخلق المؤسسات الدستورية والسياسية والإجتماعية (فالتنمية ليست سلعة جاهزة ، إنما هى صيرورة إنتاجية خدمية يلعب فيها المجتمع المعنى الدور الأساسى) ... وهذه التبعات التنموية لمرحلة مابعد الحرب تتم فى إطار العلاقات الإجتماعية والإقتصادية والأيدلوجية فى اللحظة التاريخية التى تشهدها الظاهره النزاعية الإنسانية ، والتى تعرف صيرورة جدلية بمستويات متعددة ومتباينة للعلاقة بين محوريها : النزاع ، السلام ومن ثم التحول من النزاع إلى السلام، التنمية ...
إن التحول من أوضاع النزاع إلى السلام وإنتقال الأوضاع فى إطار المجتمع السودانى إلى مابعد الحرب أو التنمية كآلية لبلوغ هذا الهدف تعنى إستبانة موقع النزاع والمدى الذى تبلغه مستوياته والإمكانات (الواقعية) المتاحة أمامه للتوصل لأوضاع تترابط منهجياً وتاريخياً لتحديد قابليتها للإستمرارية أى لكيفية التحول من الحالة الراهنة إلى وضع سلام يُفضى إلى تنمية مستدامة. والتحول نحو هذا الأمر يتم بالنظر :-
للمدى البعيد للنزاع (= بأبعاده التاريخية) ، وللتحول من النزاع إلى السلام (بأبعاده البنيوية).
وهذا النظر سيتم بالشروط الواجب التعامل معها لإنجاح التحول من النموذج السودانى (المنشود) الذى ينبغى أن تتلازم فيه كل معالجات الظاهرة التزاعية =
المقترب التاريخى: وهو من الناحية (الشكلانية الخارجية) يركز على مراحل الإجراءات التى ينبغى إتباعها فى التعامل ، إقراراً أو إنكاراً ، ظاهراً أو سراً ، من خلال إجراءات تتم على المدى البعيد ، تأخذ وقتاً وتتم على مراحل تاريخية إجتماعية بنبغى أن تأخذ حظها الموضوعى:-
* وعي يستوجب عملية سوسيوتعليمية .
* تناصر يستوجب عملية آيديوسوسيولوجية .
* توفيق يستوجب عملية آيديوسياسية .
وهذه المعادلة، هى معادلة دينامية وظيفية تاخذ زمناً (عمليايتاً) تاريخى على مراحل: بعيدة ومتوسطة المدى، وتستلزم إجراءات مؤسسية (= دستورية وسياسية ، ومعالجات إقتصادية وإجتماعية وثقافية ) ، المفهوم هنا أقرب إلى الحرص على إمتلاك الإرادة الوطنية السودانية لإدارة تحديات مابعد النزاع بمراحله المختلفة ، وقواه الإجتماعية المتصارعة ، وإكسابها الأبعاد المؤسسية والمجتمعية فى التعامل مع مفردات الظاهرة النزاعية ...
* الوعى السوسيوتعليمى ، يعنى الإمكانية المتجددة لمخاطبة عوامل تشكل الظاهرة النزاعية منذ بداياتها الضامرة أو الساكنة فى المراحل غير المعبر عنها (إستاتيكية) ، فهذه العناصر المستنرة تكمن داخل بنية النظام ولكن هنالك عدم وعى بها ، وجهل بأسس عدم التكافؤ الذى يعيد إنتاج إسس النزاع ... الجهل أو(= التجهيل) سيتم محاصرته بالفعل التعليمى (التوعوى) ، بما يُوصل الى الإقرار بأوضاع اللامساواة ، والتنبيه بضرورة معالجة هذه الأوضاع التى تغذيها . لابد إذاً من الحرص كخطوة إجرائية أولى ، إذا ما أردنا مشروع سلام وتنمية قابل للحياة من إشاعة وتعليم ناقد ووعى سوسيولوجى معرفى عام يضمن الإعتراف البناء بالحقائق السوسيولوجية الواقعية ...
* ولابد من إستتباع هذه الخطوه بالمناصرة الإيدوسوسيولوجية التى توضح حالة الوعى العام بأوضاع التمايز والمغايرة واللامساواة المُفضية للشفافية التى تزيل الموانع التى تعيق عملية الإعتراف ، حسب المفكر الإيطالى(غرامشى) هنالك دوماً مثقفون عضويون فى إطار الطبقات الإجتماعية والفئات المهمشة التى تعانى من أوضاع الغبن، وفى إطار النخب المهيمنة التى تمارس أيدلوجيا الهيمنة التى تكرس الأوضاع القائمة وتعيد إنتاج علاقاته الواقعية لمصلحة ضمان سيادتها السياسية وتفوقها الإقتصادي ، بإستخدام : القمع المادى (= السلطة السياسية المادية العسكرية والامنية ) ، والمعنوى (السلطة الرمزية: الأيدلوجيه والأدبية والفنية وحتى الثقافية والإعلامية ، التى تعزر من ثقافة الإستلاب والتهميش) ، وبإستخدام هذه الآلية ببعدها المادى والمعنوي تتم صناعة شرعية الهيمنة بطرفيها = المُهيمن والمُهمش أو فلنقل بمصطلح (سياسوى أكثر وضوحاً ) بين دعاة المحافظة على الأوضاع القائمة وبين الساعون لإحداث التغييرات الوظيفية والبنيوية على كل الأسس القديمة أو التقليدية للمجتمع ... أين سيقع النموذج السودانى لمشروع تسوية السلام والتنمية من هذه الفرضية ، خصوصاً فى إتجاه مايمكن أن تحدثه من تغييرات إقتصادية جذرية وتحولات إجتماعية محورية ...
* والتنمية التالية لهذا التتابع الإجرائى تقود إلى التوفيق السوسيوسياسى : فالوعى المنشئ للإدراك بأوضاع التمايز واللامساواة والمغايرة سيؤسس لتغالبية جديدة بين قطاعات إجتماعية مهيمنة وأخرى مهمشة تقوم بينهما جدلية تغالبية إما: فى إطار صراعى إحترابى أو فى إطار توفيقى تسالمى ... وبما أن التحول (السودانى) المنشود لمشروع تسوية السلام والتنمية يطمح للنمو فى الإطار التوفيقى السلمى (السودانى)، أو هكذا ينبغى أن يكون !! فإن ذلك يعنى الإعتراف المتبادل ، ويعنى نبذ ظاهرة الإقصاء وإمكانية التعايش مع الآخر ، بما يعنية ذلك من الوصول إلى نتيجة مفادها إستحالة فرض ثقافة الهيمنة ،وعدم إمكانية إستمرارية ثقافة الإستلاب:ضرورة العمل المشترك لتحقيق الأهداف المشتركة بوسائل وإجراءات دستورية وسياسية وإجتماعية وإقتصادية بل وحتى فكرية وثقافية لتصبح أوضاع اللامساواة عبر التوفيق التفاوضى (الشامل) الذى يسد الطريق أمام إمكانات الإنتكاسة . والواقع ان جوهر معادلة الوعى ، المناصرة، التوفيق تؤثر مباشرة على الأبعاد الإقتصادية للتنمية فى الدولة والمجتمع مابعد الحرب ، من خلال تشكيلها للقاعده النفسية والإجتماعية (= أوالإنسانوية) للبعد الإقتصادي للعملية التنموية والتى يتم تفصيلها بالإنتقاد فى بنية (مجتمع مركب متعدد بكل إشكال التعدد) فى لحظة تاريخية ما بالدينامية الوظيفية من علاقات اللاوظيفى (الساكن، الإستاتيكى:عناصر لاوظيفية كامنة من عدم الإستقرار ، التوتر القائم على أسس ثقافية وعرقية وطبقية )إلى علاقات الوظيفي (الديناميكى بعلاقاته التفاعلية والترابطية ) ...
الإعتراف بالآخر عبر التوفيق السلمى وتحريك هذه العناصر اللاوظيفية المهددة للإستقرار الإجتماعي إلى عناصر وظيفية ديناميكية نبائية (= تحويلها إلى مؤسسات إجتماعية وظيفية ، تتم مأسسة العنف المستتر والظاهر إلى قواعد لعبة إجتماعية وسياسية توفيقية ) تقوم على الرضا والتداول والإعتراف بالآخر والسلام الإجتماعى المستدام ..
المقترب البنيوى وفيه يتم التعامل مع عناصر النزاع من الناحية (الداخلية) ومن منطقه الداخلى ، والعناصر البنيوية المفضية للنزاع بهدف معالجتها جذرياً ، والمتمثلة فى عدد من النوازع النفسية والإجتماعية للمخاطبين بالفعل التسالمى أو التنازعى ، المفهوم أقرب لتحويل النزاع ، بإعتباره ظاهره بشرية : سيكولوجية ، وسوسيولوجية ، من خلال مسبباتها المنطقية والموضوعية وتأثيرها على الفاعلين فى النزاع ، أفراداً وجماعات ومؤسسات مجتمعية بالإتجاه نحو السلام ، بالتجاوز والتحويل بمفهوم أكثر شمولية داخلية بنيوية وإحاطه من نظرية المدى الطويل المؤسساتية الخارجية الأقل شمولية ، وذلك من خلال تحديد : الإطار النفسى للفاعلين فى النزاع ، والإطار الإجتماعى الذى يتحرك عليه هؤلاء الفاعلين والتفاعل بين هذين الإطارين يعبر عن الطبيعة الدينامكيه للصيرورة الإجتماعيه للظاهرة النزاعية بمراحل تاريخية تؤثر على علاقات ونظم إجتماعية فالنزاع هو خلل فى العلاقات الإجتماعية يعبر عن نفسه فى أحداث نزاعية عنفية ، ففى أوقات التوتر يقل التواصل الداخلى (الوطنى) على حساب أطراف عالمية (خارجيه) تعمد على تغيير إطار العلاقات التبادلية التى كانت سائدة قبل النزاع ، وهذا التغيير يطال أشكال التنظيم الإجتماعى ، ويحول العلاقات التواصلية إلى الإستقطاب الحاد مما يستدعى إعادة تنظيم التحالفات الإجتماعية ...
إن تداخل قضايا النزاع ، السلام ، التنمية ، هو تداخل مفاهيمى (نظرى) وتداخل إجرائى (سياسيات ) ، وهو فى نفس الوقت ذو طبيعة إمتدادية متصلة تبين أهمية التنمية فى الربط بين حلقتين : النزاع والسلام (= السلام لايبدأ بنهاية النزاع ، والنزاع لاينتهى ببداية السلام : تداخل) ، وأهمية التنمية تظهر فى كونها حلقة وصل تدعونا للتمييز بين أشكالها غير المتوازنة والتى هى من أهم مسببات النزاع ، وهذا الخلل قد يأخذ شكلاً = إقليمياً (أساسه جهوى جغرافى ) أو إجتماعياً (أساسه طبقى) أو إقطاعياً (أساسه القطاعات الإنتاجية المختلفة) أو نوعياً (أساسه الفوارق بين الرجال والنساء ) او إثنياً (أساسه عرقى)....
ولكن عملية الإنتقال بالنزاع إلى مرحلة السلام والتنمية تمر بعدد من العقبات والتناقضات الإنسانية التى تعترضها وتُلقى بتبعاتها على الأبعاد الإقتصادية لهذا الانتقال =
* فالتناقض بين الذاتى والمجتمعى فى جهود مشروع تسوية السلام والتنمية تتم بدافع تغير جوهره : فردى مجتمعي ، أو بمعنى آخر هى عمليات تخضع لضوابط وآليات مجتمعية تُعلى من المصلحة العامة ، صحيح أن جوهر هذا التناقص ودافعه نحو السلام هو دافع فردى شخصانى يتحدد من خلال إحتياجات أساسية لأفراد عانوا من فقر ، نزوح، تهجير تولد الحاجه للسلام والتنمية لحل المشاكل الفردية ، وحتى يتم تحاشى هذه العقبة فإن الحل يكمن فى ضرورة أن توازن التجربة السودانية الساعية للتحول نحو السلام والتنمية = بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية ، وذلك من خلال = مشاكل الفرد هوى نتيجة لسياق مجتمعى، وإحتياجات الأفراد يمكن تلبيتها ببناء إحتياجات سلام وتنمية تخاطبها لمشروع يزيل هذا التناقض بين الدوافع الفردية والإجتماعية ...
* وهنالك تناقص آخر ، هو بين الإستقلالية والتعاون ينشأ فى سياق العملية (النزاعية) نفسها التى تُقوض ثقة الفرد فى نفسه مما يدمر النسيج الإجتماعى مما يدفع إلى إمكانية نشوء نزوع فردي منتفى عن الحاجة للتعاون المجتمعى ، ولتلافى هذه المعضلة بنبغى أن تأخذ الرؤية السودانية فى الإعتبار أن = التمكين الفردى (للمتأثرين بأوضاع الحرب الاهلية) يعنى التمكين المجتمعى (للهيكل الإجتماعى المتأثر بتبعات الحرب السياسية والإقتصادية على وجه الخصوص ) فى إطار معادلة تكاملية تبادلية تتجه نحو الأفراد والمجتمع لصالح = الشخصية المستقلة المتمكنة (دعم متبادل) للنسيج الإجتماعى المتعاون المتمكن ...
* وتأتى من بعد ذلك إشكالية تناقض عاملى العدالة والمصالحة ، ذلك أن مرحلة مابعد النزاع وبناء السلام فى الدوله والمجتمع ، تقتضى العدالة التى قد تؤدي بدورها إلى المحاسبة (=إدانة الظلم والقصاص للمظلومين) والمصالحة الإجتماعية التى تقتضى (=الرأفه والمسامحة التى تشجع على الجاوز) بعد حدوث المساومة التوفيقية للنزاع ، إن الإجابة على تساؤل كيف يتم النظر للتاريخ النزاعى بهذين البعدين المتناقضين فى المشروع الراهن للتسوية السلمية السودانية يقود إلى محورية أن يتم تناول العدالة والمصالحة بإعتبارهما وجهين لعملة واحدة ، بحيث تقدم العدالة بطريقة تؤدي إلى كسب الأطراف المعتدية (الظالمة) وإزالة أحقاد الأطراف المظلومة على قاعدة السلام العادل والتنمية المتوازنة ...
* وكمحصلة لتناقضات مابعد النزاع يأتى تفاعلى الصيرورة والنتيجة ، فكمية ونوع المظالم التى حدثت بسبب الحرب الأهلية ، جعلت قطاعات مؤثرة من السكان تستعجل النتائج بغض النظر عن كيفية تحقق هذه النتائج ، فالمفترض أن تتكامل صيرورة الوسيلة وصيرورة التنمية المؤدية إليها ، وأيضاً أن لاتدفع طول وتعقد إجراءات الوسيلة الى ضياع أهدافها أو فقدانها لمعانيها ، ومن خلال التكامل مابين الصيروره والنتيجة أو مابين الوسيلة والغاية ، يمكن للنموذج السودانى أن يبلغ أهدافه بالنظر للصيرورة ليس فقط كوسيلة او آلية (مجردة من المعانى) ، بل التعامل معها بإعتبارها هدف مبدئى أيضاً يتم الإلتزام فيه بنفس المضامين المبدئية والأخلاقية التى يتم توخيها من النتيجة فلا يمكن تصور تحقيق العدالة مثلاً بوسيلة غير عادلة ، والواقع المأمول من مشروع السلام الإجتماعي السودانى المستدام ، هو أن يتعامل مع عملية بناء السلام والتنمية بإعتبارهما بنية نفسية وإجتماعية وإقتصادية (إنسانية) وليست شكلاً سياسياً إجرائياً بين أطراف سلطوية ، ولتحقيق هذه المهمة المركزية ينبغى إعطاء حقوق الإنسان موقع الصدارة فى عملية الإعمار وإعادة بناء الإقتصاد السودانى بعد الحرب ، بإستصحاب متكامل لهذه الحقوق الإنسانية بأبعادها = النفسية والإنسانية ...الإجتماعيه والإقتصادية ...المدنية والسياسية ....
ومن التقاطعات الإنسانية، لهذه الحقوق كإرساء قواعد العدالة والمساواة والمحاسبة والعدالة الانسانية ، إلى تلك التطلعات الإجتماعية والإقتصاديه التى تدعو لمراعاة قواعد الشفافية فى التعاقدات الإقتصادية وعدم التمييز النوعى والعرقى والدينى إلى تلك التطلعات السياسية التى تدعو إلى إشراك السودانيين بمختلف فعالياتهم وتنظيماتهم فى عمليةصنع القرار وإحترام مبدأ سيادة القانون ... من خلال كل ذلك يتشكل السيناريو الإنسانى للأبعاد الإقتصادية للتنمية مابعد الحرب في المجتمع والدولة...