كون كوخلين – التلغراف (التقرير)
في مطلع هذا الأسبوع، جذب الإعلان رفيع المستوى للحكومة عن أن بريطانيا سوف تقوم بإحياء وجودها العسكري “شرق السويس”، اهتمامًا كبيرًا. ولكن، المفارقة هنا هي أن البريطانيين لم يتركوا المنطقة حقًا.
ورغم أنه، وفي عام 1968، صدر القرار الكارثي بإغلاق كافة المواقع العسكرية البريطانية شرق قناة السويس، إلا أنه، وخلال العقود الأربعة التي تلت ذلك، غالبًا ما كان التركيز الأساسي للنشاط العسكري للمملكة المتحدة متواجدًا في المنطقة ذاتها التي كان من المفترض أن يتم إخلاؤها.
وفي أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح صناع السياسة البريطانية مهووسين بمعالجة مخاوف دول الخليج؛ وخاصةً لأن هذه الدول كانت من بين مصدري الطاقة الرئيسيين في العالم. وطوال الثمانينيات، قدمت بريطانيا دعمًا سريًا لصدام حسين لمنع غزو بلاده من قبل قوات آية الله الخميني. وعندما ارتكب صدام في وقت لاحق سوء تقدير خطير، وغزا الكويت في عام 1990، أرسلت بريطانيا جرذان الصحراء الأسطوريين لتحرير الإمارة.
وخلال التسعينيات، طار سلاح الجو الملكي (RAF) بشكل متواصل فوق العراق، لفرض منطقة حظر الطيران التي أنشئت لحماية الأكراد والشيعة هناك. كما تم نشر كاسحات الألغام البحرية الملكية للحفاظ على حرية المرور عبر مضيق هرمز، وهو الممر المائي الذي يوفر الوصول إلى الخليج ومستودعات النفط. وعندما تجاهل صدام باستمرار شروط وقف إطلاق النار التي أنهت حرب الخليج الأولى، ساعد توني بلير في شن حرب أخرى على العراق، وهو ما يؤدي بنا إلى نتيجة أنه، ولأكثر من عقد من الزمان، تواجدت القوات البريطانية باستمرار تقريبًا في منطقة الخليج، وهذا التواجد يمتد ليشمل الحملة الحالية ضد “الدولة الإسلامية” (داعش)، التي تسعى لإنشاء دولة مستقلة في شمال سوريا والعراق.
وبعد أخذ كل هذا بعين الاعتبار، وفي أعقاب إعلان الحكومة مطلع الأسبوع عن أنها ستقوم بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في البحرين، نجد أنفسنا مضطرين لطرح السؤال التالي:
ما الذي جعل بريطانيا تحتاج كل هذا الوقت الطويل لاتخاذ هذا القرار؟
عندما أمر دينيس هيلي، وهو وزير الدفاع آنذاك، بإغلاق القواعد البريطانية في الخليج، قال إنه “فعل ذلك؛ لأنه لم يكن يريد أن تكون بريطانيا بمثابة مربية للدول العربية المستقلة حديثًا”.
ولقد تسبب هذا القرار حينها باضطراب هائل، حيث أعربت الأسر الحاكمة في دول مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة عن استيائها من أنه، وبعد أن قامت بدور الحامي لمدة 200 سنة تقريبًا، قررت بريطانيا التخلي بكل سرور عن دورها.
وفي الواقع، كان أمن منطقة الخليج دائمًا، وبلا شك، حيويًا، والدليل هو أنه، ومع خمود التزامات بريطانيا ما بعد الإمبراطورية، وصل الأمريكيون، الذين استغلوا بسعادة الفرصة لتعميق العلاقات مع هذه الدول المنتجة للنفط.
وأنشئت شبكة من القواعد الجوية الأمريكية هناك، جنبًا إلى جنب مع قاعدة بحرية للأسطول الخامس في البحرين. وفي الحقيقة، من يحتاج إلى بريطانيا إذا كان ذلك الأسطول الأمريكي وحده لديه من السفن الحربية أكثر مما لدى البحرية الملكية برمتها؟
ومع ذلك، فقد كان الواقع الغير معترف به هو أنه، وبينما قامت واشنطن بجميع مهمات الحفاظ على أمن دول الخليج، لم تكن بريطانيا بعيدةً فعلًا. وحتى يومنا هذا، يتراوح الوجود العسكري للمملكة المتحدة في الخليج من الكويت في الشمال الغربي، إلى سلطنة عمان في أقصى الجنوب الشرقي.
وكانت المشكلة في الماضي هي أن العديد من عمليات الانتشار هذه تمت للاضطلاع بإجراء إصلاحات مؤقتة، وللتعامل مع المشاكل على المدى القصير، مثل مشكلة داعش. وعندما كانت تأتي الفرصة لتحقيق التزام طويل الأجل، كان الوزراء البريطانيون أقل رغبة بتحقيق ذلك.
دول الشرق الأوسط التي تمتلك فيها المملكة المتحدة، أو بإمكانها إن تمتلك فيها، وجوداً عسكرياً
ويعود الفضل جزئيًا في حقيقة أن سياسة الحكومة الرسمية باتت تميل الآن للحفاظ على وجود عسكري دائم في المنطقة إلى جهود الجنرال السير سيمون مايال، وهو كبير مستشاري وزارة الدفاع في الشرق الأوسط، والذي يرجع إليه الفضل في كونه مهندس إعلان نهاية هذا الأسبوع.
ووفقًا لما يشير إليه السير سايمون، وفي حين لم يكن لبريطانيا وجود دائم في المنطقة لمدة 40 عامًا “كان هناك في الواقع تواجد عسكري بريطاني في المنطقة بشكل أو آخر خلال كل عام على مدى العقود الأربعة الماضية. وكانت المسألة ببساطة هي تقديم التزام ثابت لأصدقائنا في الخليج بأننا سوف نبقى هناك”.
وقد تم الآن اتخاذ القرار؛ حيث أعلن وزير الخارجية، فيليب هاموند، أن بريطانيا، جنبًا إلى جنب مع حلفاء أوروبيين آخرين مثل فرنسا، على استعداد للقيام بدور أمني أكبر في الشرق الأوسط مع توجه الولايات المتحدة تجاه آسيا.
ولهذه الغاية، سوف تنتقل البحرية الملكية إلى قاعدة جديدة تكلفتها 15 مليون يورو في البحرين، وهي القاعدة التي من شأنها تمكين السفن الحربية البريطانية، مثل المدمرات من نوع 45 وحاملات الطائرات من نوع الملكة إليزابيث، من الانتشار في المنطقة لفترات طويلة.
وسوف يوفر هذا القرار أيضًا دعمًا للبحرين، التي تلقت بعض الانتقادات الدولية الشرسة لقمعها للاحتجاجات المناهضة للحكومة. وليس منذ فترة طويلة، كانت وزارة الخارجية قد حاضرت بانتظام بالعائلة المالكة السنية في البحرين حول ضرورة تسوية خلافاتها مع المحتجين من الأغلبية الشيعية.
ولكن، ونظرًا للفوضى التي تسبب بها دعم الحكومة للانتفاضات في أجزاء أخرى من العالم العربي، فقد يكون من المقبول على مضض الآن بأن هذا ليس الوقت المناسب للضغط على البحرين لتقديم المزيد من التنازلات، خاصةً وأن العديد من الاحتجاجات المناهضة للحكومة هناك تبدو من تدبير إيران.
ومن المرجح أن تشكل القاعدة البحرية الجديدة في البحرين مظهرًا واحدًا فقط من مظاهر النهج البريطاني الجديد؛ حيث إن المناقشات تجري حاليًا حول كيفية لعب الجيش دورًا أكبر في المنطقة؛ ويقال إن دولة الإمارات العربية المتحدة ستكون حريصة بشكل خاص على أن يكون لبريطانية وجود دائم على أراضيها.
كما أن سلاح الجو الملكي البريطاني، والذي كان سرب تورنادو التابع له على أهبة الاستعداد في المنطقة منذ نهاية حرب الخليج الأولى، يتطلع أيضًا إلى جعل وجوده في الخليج أكثر ديمومة.
وليس كل هذا سوى جزء من إعادة التفكير بالبصمة البريطانية عالميًا؛ حيث إنه، ومع انتهاء الدور القتالي طويل الأمد للقوات المسلحة في أفغانستان هذا العام، يبدو القادة العسكريون حريصون على إعادة هيكلة الانتشار العسكري البريطاني، حتى تكون المملكة المتحدة مستعدة بشكل أفضل لمواجهة تحديات المستقبل.
ومع تردد السياسيين تجاه التورط بريًا في الصراعات في الخارج، يحرص الجنرال السير نيك كارتر، وهو الرئيس الجديد للجيش، على إنشاء شبكة من قواعد تدريب عسكرية في جميع أنحاء العالم، لتزويد ضباطه بفهم أفضل لبؤر التوتر التي من المحتمل أن يندلع فيها الصراع، وأفضل طرق تجنب هذه الصراعات.
وبدلًا من التورط في حروب طويلة ومكلفة دون وجود الفهم الصحيح للعوامل المحلية، أو العواقب المحتملة من التورط، يطلب السير نيك من الحكومة إنشاء عدد من القواعد في جميع أنحاء العالم على غرار قاعدة البحرين.
وعلى وجه الخصوص، يود القادة العسكريون إنشاء مهمات تدريبية دائمة في بلدان مثل نيجيريا، ومصر. وهو ما من شأنه أن يسمح للضباط البريطانيين باكتساب معرفة تفصيلية عن المنطقة، وفي الوقت نفسه، مساعدة القوات المحلية من خلال تحسين قدراتها القتالية.
المصدر