لغة الجهاد وكلمات العنف :
يبحث المؤلف من خلال الكلمات على الأنماط الفكرية التي تتخفى وتختبىء وراء الألفاظ – ففي وضعية
الصراع تصبح الخطابات مليئة بالمعاني – فالخطاب هو أداة للتذكر والنسيان ولإعادة تمظهر الذاكرة الجماعية فيركز هنا على قاموس العنف الذي له ملفوظاته الخاصة به .
فكلمة مجاهد مثلا الوجه العتيق للسياسة الجزائرية ، هوصنف يجر وراءه نظاما كاملا من الرموز هذا النظام الذي استعمل في البداية لتقديس مؤسسة الحرب من طرف النظام الرسمي وصنف من طرف المعارضة الذي ربطته ببنية ميثولوجية تضمن لها الفعالية . فسلوك العنف ليس بعملية عقلانية فهو ينتج لنفسه خطابا وكلمات ترو ج له وتجمل صورته إزاء من يسيء لها .
إن هدفه الأول هو إعطاء عناصرأولية من خلال كلمات تفيد في شرعيته وضوروته ، ليس هذا وحسب بل ينبغي أن ينظر إليه أيضا كفعل مؤهل للحل .
نفس المجهود نجده عند الطرف الخصم الذي يرى في العنف على أنه غير شرعي بحيث يتحدث هذا الطرف على ضرورة التهدئة والاستقرار ، فما يعد جهادا عند هذا يعد إرهابا عند ذاك .
إن الشهداء والمجاهدون لحرب التحرير ينازعهم في مكانتهم المجاهدون والشهداء لهذه الحر ب الثانية .
لماذا يتنافس الطرفين على نفس الأصناف من الكلمات وليس غيرها ؟ لا يتعلق الأمر هنا بالشهيد والمجاهد الذي ينتسب إلى الاسلام ، إن المدعي هنا في الحقيقة هو يتخاصم مع ايديولوجية رسمية تحتكر ما لا يجب احتكاره ، فالسلطة كخصومها المسلحين يعتبرون هذه المكانة رهان رئيسي .
إن الشهيد مكان مشترك TOPOS ، وفي مركز كل التمثلات ونظاما مرجعيا ، لذلك يحتسب بالنهاية كل خصم ضحاياه شهداء .
المخرج من العنف :
لتقديم قراءة للمفهوم المصالحة السياسية يفكك المؤلف مصطلح الذاكرة الجماعية بمنهجية أنثروبولوجية
لأجل استبيان حقيقة الأرضية التي تعمل عليها المصالحة الوطنية ، إن الذاكرة الجماعية هي نتاج للتذكر والنسيان المتبادل معا ، وإن العفو ما هو إلا الشكل المؤسساتي للنسيان، بمعنى آخر الذاكرة الجماعية ليست بالضرورة ناتجة عن النسيان المتبادل فالعفو وحده لا يمكنه بحال محو مختلف الذاكرات وذلك بسبب التخاصم والتناحر ومن ثمة الحؤول دون تشكل ذاكرة موحدة تساعد على ظهور ” فكر اجتماعيا”
M.HALBWCH. إن بناء الذاكرة الجماعية يتم وفق ما يطلق عليه المختصون إسم التشفير الداخلي
L’encodage كيف ذلك ؟
إن ذكرى ما لا تصبح ممكنة إلا إذا خزنت في الذاكرة وحتى يتم لها ذلك ينبغي أن تشفر ، فالتشفير هو عملية نقل وتسجيل بحسب شيفرة معينة وذلك بعلاقتها مع ثقافة ممتثلة لإجراءات ذاتية .
اجراءات هذه تخضع بدورها لمسارات الأفراد والتواريخ الشخصية ، فحدث ما لا يمكن مثلا تذكره بنفس الكيفية من طرف شخصين شاركوا فيه وذلك لكون كل واحد منهما يشفره وفق مساره الخاص .
كيف يؤثر ذلك على الذاكرة الجماعية ؟
إن عملية التشرذم الاجتماعي تستمر إذا كانت أجزاء المجتمع يختلفون في الرؤية إزاء الأحداث المشتركة .
فكلمة القتل واغتصاب التي تقرء عند البعض في سجل الجرائم ، فإن كلمة قتل وسبي تقرء عند البعض الآخر في سجل الجهاد .
إن الطرفين في هذه الحالة يشكلان تصورا مختلفا ومتعاكسا عن الحاضر والمستقبل وذلك بسبب اختلاف السجل الذي يستقي كل طرف منه معانيه ، في هذه الحالة تصبح الذاكرة الجماعية عبارة عن خليط بين السجلين وهنا يصبح المستقبل في وضع اشكالي وغير أكيد .
إن ذاكرة القتل المتبادل بين الطرفين ينبغي استحضار ماضيها وتحويلها إلى آليفة .
فحتى يحصل النسيان لابد من مواجهة المعانات التي تتحول شيأ فشيأ و تأ خذ مكانة لا تنتمي لا الى نظام الغياب و لا الى الحضور و لا الى المستحيل عودته و لا الى الحقيقة .” ان الغضب يزول أو ينقص بحسب ردود الفعل المتبادلة بين الطرفين كما يمكن أن يزول تماما اذا ما اعترف المهاجم بأخطائه بشكل فجائي أو اذا ما اعترف المدافع بأن لم يتصرف بشكل صحيح في سياقات سابقة”D.LeBRETON ان التسامح و النسيان لا يمكنهما التعايش لأنهما لا ينتميان الى نفس السجل .فما يؤخذ على الدولة هنا أنها تريد مصالحة بالمؤسسات و ليس تسامحا واعترافا بالخطأ في مابين الأشخاص.
الخلاصــة :
على سبيل الخلاصة يعقب المؤلف على الأطروحات و الدراسات التي حاولت تحليل ظاهرة العنف التي أصابت الجزائر في أزيد من عشرية من الزمن .فيرى في كل من من المقاربة البسيكولوجيةالتي تعيد مسألة العنف الي الطبيعة القلقة للانسان الجزائري .أ والتفسير الاقتصادي الذي يعتبر العنف نتيجة طبيعية للفقر و البأس الذي يرزح تحته الشعب الجزائري. أ و الأطروحات السياسويةالتي ترجىء أصل الاقتتال الداخلي الى افلاس في مسألة الشرعية
والعدالة و التمثيل. أ و تلك التي ترى في الدين الأصل المباشر في العنف .كل هذه الأطروحات من وجهة نظر المؤلف هي ذات اتجاه يفضل طريقة التساؤل في لماذا ؟ حصادها لايتعدى التفسيرات ذات النزعة الجوهرية و التعليلات الميكانيكية .الانسان فيها مجرد حيوان مطيع لقوانين ” ايثولوجية ” يمتثل فيها لمنطق الأعراف و العقائد أو حتى” بليد ثقافي”سلوكه مبرمج ومحدد بثقافته.
ان الاتجاه التفسيري الذي يشتغل عليه المؤلف ويحبذه هوذاك الذي يتسائل بكيف؟ الذي لا يهدف الى تقديم نبوءات أو اقامة حقائق كلية بقدر مايقدم أدوات و وسائل .
إنه من الصعب- يقول المؤلف في هذا الصدد- فهم لماذا الجزائريين في التسعينيات لم يستطيعوا ردع العدوان بطريقة توافقية في ما بينهم ؟ و لماذا تغتصب شابة ؟.بل يصبح من الغموض بمكان معرفة لماذا تتم عمليةالاغتصاب ببرودة دم أمام الأقارب و يتبع ذلك الفعل ببتر الأعضاء التناسلية ؟
ان تفضيل مقاربة تقدم الفعل في الخطاب يعد أول احتياط يمكن من تجاوز الفعل الى التمثل الدىيضفيه الفاعلين على أفعالهم .ان دراسة العنف السياسي تقتضي تبني مقاربة تأويلية تسمح بالاقتراب و اختراق الرابطة الاجتماعية من مختلف جهاتها دلك أن الصرع في الأصل ماهو الا وجه ثان لبناء هده الرابطة وأن المهمة المبدئية للحضيرة فيه تتمثل في توفير الوسائل الممكنة لتسير هدا الصراع وبالتالي فان أي خلل يطال هدا الدور سينعكس سلبا علي الرابطة الاجتماعية التي ستشحن بدورها الصراع و تحوله الى . عنف مفتوح
الهوامش
1- LEGENDE.P ; le crime du caporal Cortie, paris FAYARD 1989 p133
2- LEMPERT. B ; critique de la pensée sacrificielle, paris SEUIL, 2000 p53
3- Geertz .C ; savoir local savoir global, paris 1996p57
4- LEBRETON .D, les passions ordinaires anthropologie des émotions, paris ARMOND COLLIN 1998 p102
مصدر الدراسة