في اليوم الأخير من خريف العام 1939، اقتحمت القوات السوفييتية بجبهة واسعة الأراضي الفنلندية. (Photoshot/Vostock Photo)
الحرب التي ما كان يجب أن تكون
1/12/2014 ألكسندر فيرشينين, خاص لروسيا ما وراء العناوين
لم تعتزم القيادة السوفييتية خوض هذه الحرب بالأساس، حيث كان من المتوقع أن يجري تبادل الأراضي التي أراد الاتحاد السوفييتي الحصول عليها لضمان أمن لينينغراد عشية " الحرب الكبيرة" المنتظرة. كما أن إقامة سلطة سوفييتية في فنلندا كانت تُرى سلمية وغير دموية، علماً بأن دول بحر البلطيق قامت قبل عدة أيام من سماع دوي المدافع في برزخ كاريليا، بإدخال القوات السوفييتية طواعية إلى أراضيها بالمعنى الحرفي للكلمة، بيد أن الأمر مع الفنلنديين لم يجر كما كان متوقعاً.
فقد رفض هؤلاء الموافقة على الشروط السوفييتية، ما كان يعني حربَ بلد صغير لا يزيد عدد سكانه على بضعة ملايين نسمة ضد قوة عظمى، أما البديل عن ذلك فكان فقدان فنلندا لاستقلالها.
في اليوم الأخير من خريف العام 1939، اقتحمت القوات السوفييتية بجبهة واسعة الأراضي الفنلندية، كان الثلج في منطقة كاريليا يغمر الإنسان حتى خصره، وانخفضت حرارة الجو إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر تقريباً، غير أن أحداً من قادة الجيش الأحمر لم يفكر بحملة طويلة سوف تُسمى فيما بعد "حرب الشتاء".
فوفق تصورات القادة الستاليين، كان الجيش الفنلندي يتكون من حوالي 10 فرق، ولم يكن أمامه أية فرصة ضد الجيش السوفييتي الذي يتفوق عليه بنحو ثلاثة أضعاف، أما ما هو الثمن الباهظ لهذا الخطأ الجسيم، فسرعان ما أصبح واضحاً تقريباً.
طوال شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 1939، نفذت القوات السوفييتية هجمات ضارية، لكنها عقيمة، على خط مانيرهيم الفنلندي المعزز، ولم يتمكن جنود المشاة أو أحدث الدبابات التي كان عددها في الجيش الأحمر يزيد على الجيش الفنلندي بتسعين مرة، من تدمير المعاقل الفنلندية الإسمنتية المسلحة، فقد ساعدت الطبيعة نفسها الفنلنديين في الدفاع، حيث كانت الكثبان الثلجية التي يصل ارتفاعها إلى متر ونصف تخفي تحتها جلاميد ومستنقعات ضخمة غير متجمدة، بينما ردت الفصائل الفنلندية القليلة بهجمات مضادة ناجحة. أما في السابع من ديسمبر/ كانون الأول فوقعت الكارثة، حيث حوصرت كتيبة روسية كاملة ودمرت، إذ لم يواجه الجيش "الأسطوري" الذي "لا يقهر" مثل ذلك حتى الآن.
مع بداية عام 1940، كان الجيش الأحمر في حربه مع فنلندا قد تعرض عملياً للهزيمة، وتطلب الأمر تغيير هذا الوضع. وفي السابع من يناير/ كانون الثاني عُين س. ك. تيموشينكو قائداً للقوات التي تخوض القتال ضد خط مانيرهيم، وكان جيشه معززاً بالمدفعية التي كانت الحاجة ماسة إليها في معارك ديسمبر/ كانون الأول، ومن البحر شارك أسطول بحر البلطيق بقوة، وحلّقت طائرات القوات الجوية السوفييتية بكثافة فوق المدن الفنلندية، وتعرضت هيلسنكي لقصف منتظم. في الأول من فبراير/ شباط من عام 1940، بدأ الجيش الأحمر هجماته المضادة على خليج كاريليا، وتدخلت المدفعية السوفييتية بكامل طاقتها، فكانت كل يوم، وعلى مدى أسبوع، تقصف المواقع الفنلندية باثنتي عشرة ألف قذيفة، وفي الحادي عشر من فبراير/شباط بدأ هجوم المشاة والدبابات، ولكن لم تحدث مواجهة وجهاً لوجه.
Photoshot/VostockPhotoأما منطقة سوماهوتينين الفنلندية المعززة التي غطت الطريق الرئيس إلى فيبورغ، ثاني أكبر المدن الفنلندية آنذاك، فقد تصدت لهجوم خمس فرق سوفييتية، عندئذ بدأ الهجوم شرقاً، وهناك تعرضت القوات الفنلندية لخسائر فادحة خلال استعدادات المدفعية ولم تتمكن من الحفاظ على هذه الجبهة.
وفي السابع عشر من فبراير/شباط، بدأت القوات الفنلندية بالتراجع إلى خط الدفاع الثاني، فاتجه الجيش الأحمر إلى الجناح وإلى خلف المجموعة المدافعة عن مشارف فيبورغ.
ومن أجل تلافي الحصار، ترك الفنلنديون منطقة سوما - هوتينين المحصنة، وخلال محاولاتهم للتصدي للهجوم السوفييتي فتحوا بوابات القناة التي تربط بحيرة لادوش بالخليج الفنلندي، وبعد أن تكسر الجليد ملأ الماء المجرى وأصبح حاجزاً إضافياً على طريق الجيش الأحمر.
غير أن ذلك لم يلعب دوراً هاماً في ظروف اختراق الجبهة. وفي الحادي والعشرين من فبراير/شباط وصلت القطعات العسكرية السوفييتية إلى خط الدفاع الفنلندي الثاني الذي كانت فيبورغ مركزه. وبالتنسيق مع سفن أسطول بحر البلطيق عبرت القوات السوفييتية خليج فيبورغ وبدأت بالالتفاف على الجناح الفنلندي الثاني. وبالتزامن مع الشرق، اندفعت الدبابات السوفييتية عبر الثغرة التي تشكلت إثر تراجع القوات الفنلندية وبدأت بالالتفاف على خط دفاع العدو، مهددةً بالدخول إليه من الخلف. ومع إدراك أن لا أمل من هذا الوضع اتخذت القيادة العسكرية الفنلندية قراراً بالانسحاب العام. وفي الثالث عشر من مارس/آذار دخل الجيش الأحمر مدينة فيبورغ.
أما الدول الغربية الكبرى التي كان الفنلنديون يعوّلون على مساعدتها في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي، فلم تسارع لتقديمها، ولم يشارك سوى فيلق سويدي من عشرة آلاف مقاتل. فبعد الاستيلاء على فيبورغ لم يعد الجيش الفنلندي قادراً على التصدي للقوات السوفييتية بقواه الذاتية، بينما لم تظهر المساعدة الكبيرة المرجوة.
ومع الحفاظ على إيقاع الهجوم، كان بإمكان الدبابات السوفييتية الدخول إلى هيلسنكي في غضون بضعة أيام، الأمر الذي كان يعني أن احتلال كل فنلندا واستبدال الحكومة بأخرى موالية للاتحاد السوفييتي مسألة وقت. في هذا الوضع، اقترحت فنلندا مفاوضات سلمية. وفي الثاني عشر من مارس/آذار من العام 1940 عقدت اتفاقية سلام.
وهكذا، فإنه مقابل 11% من أراضيها وتكبدها لخسائر فادحة، استطاعت فنلندا إثبات حقها في الاستقلال.